«الواقع» في الدراما اللبنانية ـ السورية... حقيقي أم هشّ؟

منحاه المُستجد ينقذها من نمطيتها

ثلاثية «النار بالنار» بين لبنان وسوريا
ثلاثية «النار بالنار» بين لبنان وسوريا
TT

«الواقع» في الدراما اللبنانية ـ السورية... حقيقي أم هشّ؟

ثلاثية «النار بالنار» بين لبنان وسوريا
ثلاثية «النار بالنار» بين لبنان وسوريا

يضرب الاستهجان مسلسلاً لا يستخف بالمُشاهد ويحرّك أسئلته ومعرفته. هذا الصنف قليل، ولو غلَّف بعضٌ سذاجةَ الطرح بقضية من هنا وهناك. يبقى الغالب مكشوفاً على أمره، وإنْ لا تلمح الجماهير المُهللة لأي شيء انكشافه. في رمضان 2023، تطل مسائل الإنسان المأزوم وهموم عيشه من النافذة. الأعمّ هو ما يدخل من الأبواب المُشرّعة على هيئة لهو وإسكات لوعي العقل. ليس المطلوب من مسلسلات رمضان تقطيب الحاجب ولا التواطؤ مع الأيام ضدّ المُتلقي، فتنهكه وتسلبه وقت الاستراحة. لكن ذلك لا يعفيها من دور يتسبّب تنازلها عنه بتأكيد خوائها.
يجرّ سؤالٌ عن موضوعات المسلسلات ومدى مسّها العمق الإنساني، سؤالاً يتكرّر بين الأحيان: هل هي أزمة كتّاب أو غربة الكاتب عن واقعه؛ أم أنّ المسألة المعقّدة تكرّسها عوامل «أكبر» من إمكان تبسيطها؟ إشكالية الواقع في الأعمال ستظل تفرض نفسها، وإن وجدت مَن يرسلها إلى المقعد الخلفي. فأي واقع تتطرّق إليه المسلسلات المشتركة اللبنانية - السورية؟ هل هو حقيقي أم هشّ؟ يمكن تصديقه أم تغلبه «الفبركة» الدارجة؟
يجدر التمهّل أمام نوع المسلسل. معظم ما يُقدّم هو خليط من كل شيء. تنويع الخيوط يتوسّل إرضاء الأذواق. في «للموت 3» مثلاً، ثمة عالمان متناقضان: الحيّ الشعبي وفخامة الفيلا. لكنّ إنسانهما من الداخل تقريباً واحد. ماذا يقول المسلسل من خلال كاتبته نادين جابر ومخرجه فيليب أسمر؟ أي هموم يناقش؟
يُنقذ أحمد الزين بشخصية «عبد الله» المُصاب بالألزهايمر، حلقاته الأولى من افتقاد السياق لقضية حساسة تمسّ الوجدان الأعمق. العجز الذهني أمام الصور والأسماء، والتخبّط البشري على خريف العُمر، يعزّزان النصّ بثقل يُجنّب مركبه التلاطم. على الضفة المقابلة، يتكرر موضوعان يكادان يصبحان «طقساً» في الدراما المشتركة: الخيانة والمخدرات. كأنهما «فَرْض»، على المسلسل إنجازه وإلا عوقب وطُرد من الصف!
بالسير التدريجي نحو محو الصور واختلاط الأزمان، تتوجّه شخصية أحمد الزين من التذكّر المتقطّع في الجزء الثاني إلى التيه الأليم في ثالث أجزاء «للموت». وبينما المطاردة تتخذ مساحتها في شوارع تونس، والسلاح كاللعبة بين أيدي النساء، يعيد كراكتير الزين تأكيد الرابط مع الواقع، ممسكاً إياه مثل قشة ترفض التخلّي عن نبل إنقاذ هواة النجاة رغم الموج العالي.

نادين نجيم وقصي خولي في مشهد من «وأخيراً»   -   أحمد الزين

يُلمح مسلسل «وأخيراً» (كتابة أسامة الناصر وإخراجه) إلى التشرذم الاقتصادي اللبناني، وتتحدّث بداياته عن تقلُّب سعر صرف الدولار وتمادي الغلاء. إنما يستند إلى قضية مركزية، «تُثقل» وزنه، وهي واقع مكتومي القيد ومعاناة المجرّدين من أوراق ثبوتية. في 2016، منحت نادين نجيم بشخصية «سمرا» ضمن مسلسل يحمل الاسم، المهمّشين من الغجر صوتاً درامياً؛ ليمتدّ الصوت في رمضان 2023 نحو المعذّبين بالنكران، فلا يتقبّلهم مجتمع ولا تشملهم الكرامة البشرية بظلالها.
يحلو انتظار المسلسل عند حدّه الإنساني، رغم رهانه على «أكشن» يمتدّ من ماضي الشخصيات، وحب معرّض لدفع الثمن. من خلال علاقتها بالأم المربّية (وفاء طربيه)، تُطلق نجيم شخصية «خيال» إلى بُعد عاطفي آخر، فيحلّ دفء يصيب الأحداث بالصدق. المُنتظر في الحلقات المقبلة، إخراج لائق لترسّبات النقص البشري من القعر إلى الملأ.
يجيد قصي خولي تلبُّس شخصية ابن الحيّ الخارج من السجن، بمشاكله وانفعاله واعتياده الخناق والضرب. كلما لامست أدواره ما يجري على الأرض، شعَّ. من المبكر تقييم ثنائيته مع نجيم بعد تفوّقهما في «عشرين عشرين» (رمضان 2021)، لكنهما معاً بحّاران يفقهان سرّ اليم.
يختلف «النار بالنار» (تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز) في زاوية الطرح. هو مُوجّه نحو الموضوع، مباشر في وضع الأصبع عليه. قوته جرأته التي تستجدّ في الدراما المشتركة، مُخرجة إياها من الكليشيه.
من المبكر التوقف عند المبالغة في سلطة «سوري» على سكان حي لبناني. في المسلسل ما يشبه الناس وعراكهم اليومي مع أدنى حقوق الإنسان. هنا «عمران» (عابد فهد بتلبّس لافت للشخصية) يقبض على مولدات الكهرباء ويتحكم بتشغيلها وإطفائها لزيادة التعرفة. يتبع اللبناني مسار عمل يحاكي يومياته مع الذل. ثمة مَن يدير اللعبة، والمسلسل يصوّر هذه النذالة. يُحسب له طرق أبواب تدخل منها الريح فتقلب السكينة إلى صرخة.
الحاكم بأمر الحيّ يحلّ ويربط في مسائل سكان لا نشعر أنهم غرباء. نرى الرشوة والفساد وجمع الخوات، تسير على قدمين. وفيما نشّالان على دراجة نارية يسلبان «مريم» (كاريس بشار) حقيبتها، فتُطيّب «سورية» (هدى شعراوي) خاطرها بالقول: «أهلاً بكِ في لبنان»، يجد المسلسل مساحات واقعية أكثر عمقاً بطرحه إشكالية المفقودين في السجون السورية منذ الحرب. قضية الجرح اللبناني.
يدرك «عزيز» (جورج خباز) أنّ الأمل يكاد يساوي صفراً، مع ذلك، يتقدّم المعتصمين ويرفع صورة والده المفقود للمطالبة بعودته. بين ما يجري اليوم وما عمّقه تاريخ سياسي تتجهّم بعض صفحاته، شعرة؛ من المبكر الحديث عن طولها وعرضها. الأكيد أنّ الواقعية في «النار بالنار» واثقة من نفسها، «تطحش» بعض الشيء عوض الاكتفاء بالتلصّص من وراء الستارة.


مقالات ذات صلة

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

يوميات الشرق نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

من أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد»، التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان السعودي عبد المحسن النمر (البحر الأحمر السينمائي)

عبد المحسن النمر: «خريف القلب» يتضمن قصصاً تهم الأسر العربية

قال الفنان السعودي عبد المحسن النمر، إن السبب الرئيسي وراء نجاح مسلسله الجديد «خريف القلب» يعود إلى مناقشته قضايا إنسانية تهم الأسر العربية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )

قائد الجيش يتقدم قائمة المرشحين لرئاسة لبنان

قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
TT

قائد الجيش يتقدم قائمة المرشحين لرئاسة لبنان

قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)

كشفت مصادر نيابية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتصدر لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، ويتمتع بتأييد محلي ودولي، مؤكدة أن من يستعجل الرهان على أنه استبعد من السباق «يخطئ».

وتؤكد المصادر النيابية، التي تدور في فلك الكتل الوسطية في البرلمان، ومعها عدد من النواب المستقلين، أن «ورقة عون الرئاسية لا تزال قائمة بقوة، ولا يمكن منذ الآن الانجرار وراء حرق المراحل» قبل 3 أسابيع من الموعد، الذي حدّده رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

وتكشف المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن العدد الأكبر من النواب المنتمين إلى الطائفة السنية قطعوا شوطاً على طريق التحضير للقاء جامع يرجّح بأن يُعقد قريباً فور الانتهاء من التحضير له، تحت عنوان رفض المجيء برئيس من طرف سياسي واحد.