قبل نحو 15 شهراً أجلت الانتخابات الرئاسية والنيابية في ليبيا، التي كانت مقررة قبل نهاية عام 2021، وذلك عندما أعلن عماد السائح، رئيس المفوضية العليا للانتخابات، أن عقبات أمنية وقضائية وسياسية شكّلت «قوة قاهرة» منعت عقدها في موعدها، مشترطاً زوالها، ومصادقة مجلس النواب لإجرائها. ولكن، بعد قرابة ثمانية أشهر من تأجيل الاستحقاق، أعلن السائح بنهاية أغسطس (آب) عام 2022، زوال هذه «القوة القاهرة» التي تعذر معها إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر (كانون الأول).
ما بين موعد تأجيل الانتخابات الليبية، وحتى الآن، اتسمت الحالة السياسية في البلاد بالجمود التام، باستثناء محاولات أممية لتحريك المياه الراكدة في بحر السياسة، والتخفيف من حالة الانقسام والتنازع على السلطة بين حكومتي «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، و«الاستقرار» المدعومة من مجلس النواب، بقيادة فتحي باشاغا.
إلا أن ما عُرف حينذاك باسم «الشخصيات الجدلية» التي ترشحت للانتخابات الرئاسية اعتبر أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إفشالها وتعذر عقدها في موعدها السابق. ويتوقع سياسيون ليبيون أنه «إذا لم يتيسر التوصل إلى حل بشأن ترشح تلك الشخصيات، فإنه لن تجرى الانتخابات الليبية، وستظل (القوة القاهرة) تتهدد عقدها». ويندرج ضمن قائمة هذه الشخصيات، الدبيبة - الذي سبق أن تعهد فور انتخابه من «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بجنيف في فبراير (شباط) عام 2021، أنه لن يترشح في أي انتخابات مقبلة - بجانب سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، بالإضافة إلى المشير خليفة حفتر.
لقد تسبب ظهور سيف الإسلام القذافي، بعد اختفائه قرابة 10 سنوات، وترشحه للانتخابات الرئاسية في إرباك المشهد السياسي وحسابات «خصومه». وفي تلك الأثناء، طعنت مفوضية الانتخابات بترشحه، لكن بعد مداولات ومظاهرات من أنصاره قضت محكمة سبها في جنوب ليبيا، برفض طعن المفوضية وإلزامها بإعادته إلى سباق الانتخابات الرئاسية، بعدما كانت استبعدته من القائمة الأولية التي نشرتها. وكانت مفوضية الانتخابات قد أعلنت 14 شرطاً للترشح للرئاسة في ليبيا، منها ألا يكون مزدوج الجنسية عند الترشح، وألا يكون صدر بحقه حكم نهائي في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، لكن هذه الشروط أدخلت عليها شروط جديدة لاحقاً تحمّس لها خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة؛ ما زاد المشهد تعقيداً. ففي أحد فصول «تعقّد وانفراج» العلاقة بين رئيسي مجلس النواب والدولة اتفق الجانبان في لقاء أخير بالقاهرة، على وضع «خريطة طريق» لإكمال العملية الانتخابية. وقال المشري إنه «سيكون على أي عسكري أو مسؤول آخر تقديم استقالته قبل الترشح لرئاسة البلاد، كما يُشترط ألا يكون قد صدر بحق المترشح حكم قضائي وإن لم يكن باتاً»، وهو ما اعتبره أنصار سيف القذافي إقصاءه له. وتابع المشري، إن «الخلاف الوحيد المتبقي مع رئيس مجلس النواب، هو ترشح مزدوجي الجنسية، حيث يرى هو عدم أحقيتهم في الترشح، في حين يرى رئيس النواب خلاف ذلك».
اليوم، يعتقد سياسيون ليبيون أن «ترشح بعض الأسماء للانتخابات الرئاسية يشكل تهديداً للسلم والأمن في البلاد، ما يستوجب عليهم عدم خوض السباق، لكن مؤيدي سيف القذافي، يدافعون عن حقه بخوض الانتخابات، ويحذّرون من «محاولة» لإقصائه عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية المنتظرة. كذلك، أعرب أنصار القذافي غير مرة، عن «رفضهم التعديلات التي يجريها مجلسا النواب و(الأعلى للدولة) على المسار الدستوري بقصد إقصاء بعض المرشحين». وقالوا: إن «اتخاذ أي إجراء لاستبعاد سيف القذافي، سيؤدي إلى عرقلة الانتخابات»، بل إنهم رأوا أن الإقدام على هذه الخطوة، يعدّ «تعدياً على إرادة قرابة 2.8 مليون ناخب، وتعطيل متعمد لرغبتهم في اختيار قياداتهم السياسية».
أيضاً، تحدث حفتر، صراحة، عن حق العسكريين في الترشح للانتخابات. وقال في لقاء جماهيري سابق مع مشايخ وأعيان وأهالي مدينة أجدابيا (شرق ليبيا): إنه «لا يمكن لأحد منع العسكريين من حقوقهم الطبيعية والمشاركة في العملية الانتخابية»، متابعاً «المطالبون بمنع العسكريين من المشاركة في العملية الانتخابية يعبّرون عن ضعفهم في العملية السياسية». والحال بالنسبة للدبيبة، لا يختلف عن سابقيه، لكنه أكد عزمه التخلي عن منصبه حال تصويت الليبيين على «قاعدة دستورية»، وهو ما يعدّه معارضوه «مناورة للبقاء في السلطة».
وهكذا، أمام بقاء العقبات التي أفشلت الاستحقاق في جولته السابقة على حالها، دون حل حتى الآن - تطالب الأحزاب والقوى السياسية في ليبيا بسرعة اتخاذ قرارات جدية تعالج جذور الأزمة في ليبيا، بقصد إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، وهو ما يقول المبعوث الأممي، بأنه يسعى إليه راهناً من خلال مبادرته.
الانتخابات الليبية... وعود تعترضها «القوة القاهرة»
الانتخابات الليبية... وعود تعترضها «القوة القاهرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة