إسرائيل... معركة هوية ومصير أم صراع قضائي؟

«دولة يهودا» تحاول كسر «دولة تل أبيب»... وهذه تحارب بأسنانها

مظاهرات إسرائيل (أ.ب)   -   نتنياهو (أ.ف.ب)
مظاهرات إسرائيل (أ.ب) - نتنياهو (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل... معركة هوية ومصير أم صراع قضائي؟

مظاهرات إسرائيل (أ.ب)   -   نتنياهو (أ.ف.ب)
مظاهرات إسرائيل (أ.ب) - نتنياهو (أ.ف.ب)

قبل ثلاثين سنة بالضبط، انتخب بنيامين نتنياهو رئيساً لحزب «الليكود»، ليصبح زعيماً لمعسكر اليمين برمته. واليوم، يعتبر اليمين تحت قيادته، أقوى وأكبر من أي وقت مضى. لديه ائتلاف حكومي بأكثرية 64 نائباً، واحتياطي من نواب يمين آخرين (حزب أفيغدور ليبرمان وقسم من حزب بيني غانتس)، يقدر بأكثر من 10 نواب، كلهم مستعدون للتحالف مع «الليكود» في حال غاب نتنياهو. إلا أن الزحف نحو اليمين، الذي نشهده منذ سنين طويلة في الخارطة السياسية الإسرائيلية، يبدو أنه توقف الآن بسبب الخطة الحكومية للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف القضاء. والخطر على حكم اليمين وتراجع شعبيته بين الناس، لم يكن أكبر من أي وقت مضى. وبالفعل، كثيرون يسألون اليوم: «هل حفر نتنياهو قبره بنفسه؟» عندما شكّل هذه الحكومة بهذه التركيبة الائتلافية؟ وهل اختار نتنياهو السياسة الشمشونية «ومن بعدي الطوفان» و«عليّ وعلى أعدائي يا رب»؟ أم أن نتنياهو بدأ يعي أنه تورّط وأفلتت الأمور من يديه... لكنه لا يحسن سلوك طريق العودة؟ المشكلة اليوم تتجاوز هذه التساؤلات، وتصل إلى درجة الشعور بأن البيت بدأ يحترق، وأن خطر الصدام في الشوارع بين اليهود بات واقعياً ويهدد بسفك دماء. فالإصرار الحكومي على تمرير «خطة الانقلاب» على منظومة الحكم وإضعاف أجهزة القضاء، يقابَل اليوم بإصرار مضاد من طرف حملة الاحتجاج الضخمة بقيادة «الدولة العميقة» Deep state، ولا يبدو أن أياً منهما يتنازل. وهذا ليس عناداً لمجرد العناد، بل هو تعبير عن عمق الانقلاب الذي تريده الحكومة وعن عمق المعارضة له.

أطلقت الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية على خطتها المثيرة للجدل اسماً مضللاً هو «خطة إصلاح القضاء»، إلا أنها باتت في نظر معظم الإسرائيليين «خطة لتحطيم الديمقراطية وإبدال الديكتاتورية بها»، و«برنامج عمل جهنمياً جاء ليخلد حكم اليمين لعقود طويلة»، لذلك تخوض المعارضة معركة شرسة ضدها، وتنجح في تنظيم مظاهرات احتجاج ضخمة مرتين في الأسبوع، للأسبوع الثاني عشر على التوالي، وتجنيد أكثر من ربع مليون شخص يشاركون فيها بشكل مثابر في المدن الكبرى وفي 130 موقعاً آخر.
فقد تبين أن خطة الحكومة هذه، ليست جديدة، بل إن العمل عليها جار منذ 18 سنة، وأن نتنياهو انضم إليها أخيراً فقط وليس من البدايات. فهو تربى على مفاهيم أخرى لليمين الليبرالي الذي يؤمن بسلطة قضاء مستقلة، وأثبت ذلك بشكل عملي عندما رفض، وهو رئيس حكومة، العديد من المقترحات للمساس بالجهاز القضائي، أقل بكثير حدة من المقترحات التي يدفع بها هو ورفاقه اليوم. ولكن توجيه لائحة اتهام ضده بثلاث قضايا فساد خطيرة، جعله يحدث الانعطاف الكبير، فذلك أنه يخوض معركة حياة أو موت سياسية. وإذا لم يُجهض هذه المحكمة، فإنه يواجه خطراً حقيقياً بأن يمضي سنين طويلة في السجن. أما رفاقه المتطرفون في الحكم فلديهم أجندة أخرى. إنهم عقائديون. يتهيأون منذ سنوات عديدة لهذه الحقبة من الزمن، ويرون أن الفرصة لاحت لتطبيق أفكارهم ورغباتهم. وهم لا يريدون أن يفوتوا هذه الفرصة مهما كلفهم ذلك من ثمن.

- ما هذه الخطة؟
القصة بدأت منذ زمن حكومة الليكود الأولى، برئاسة القائد التاريخي لليمين، مناحيم بيغن؛ إذ إنه شكّل حكومة يمين لكنه خشي من الحلفاء في واشنطن وأوروبا، وأيضاً من الدولة العميقة في إسرائيل. فالحلفاء أسمعوه يومذاك تصريحات يعبّرون فيها عن القلق من «الانقلاب السياسي في إسرائيل وتبعاته غير الديمقراطية»، مع أنه وصل إلى الحكم في الانتخابات. وفي تل أبيب انطلقت الدعوات لإسحق رابين، رئيس الوزراء المهزوم، بأن يتمسّك بالحكم ولا يسلمه إلى بيغن. ولقد تصرّف بيغن بحكمة آنذاك، إذ جلب خصمه اللدود، الجنرال موشيه ديان، وعيّنه وزيراً للخارجية بلا شروط، وبنى تحالفاً مع حزب الوسط الجديد بقيادة الجنرال يغائيل يدين.
هذه الخطوة نزعت فتيل العداء لبيغن، وأصبح مقبولاً في الساحتين، الدولية والمحلية، لا سيما أنه توجه بالتجاوب مع «مبادرة السلام» التي طرحها الرئيس المصري أنور السادات، وتكللت بالنجاح في اتفاقيات «كامب ديفيد»، إلا أن اليمين المتطرف صعق من هذا التطور، وشعر أن اليمين يفوّت فرصة لإحداث انقلاب جوهري في الحكم. وعندما سلّم بيغن سيناء إلى مصر حتى آخر شبر، وأمّن إخلاء المستوطنين منها بالقوة، انشق عنه مجموعة من غلاة قادة الليكود برئاسة غئولا كوهن، وأسسوا حزباً جديداً باسم «البعث» (هتحياه)، لكن هذا اليمين كان أقلية ضئيلة، فلم يستطع تهديد الحكم.
يومذاك حاول بيغن البرهنة على أنه ما زال يمينياً صلباً، فأقدم على قصف المفاعل النووي في العراق (1981)، وضم هضبة الجولان إلى إسرائيل، وسن «قانون القدس الموحدة عاصمة أبدية»، وشن «حرب لبنان الأولى» لتصفية منظمة «التحرير» الفلسطينية، كما اتخذ عدة قرارات لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى الأثر، انطلقت المظاهرات ضده، إثر مذابح صبرا وشاتيلا، فأصيب بحالة اكتئاب خطيرة، واضطر إلى اعتزال السياسة. وخسر الليكود الحكم عام 1992. وعاد رابين ليتولى رئاسة الحكومة ويوقع على «اتفاقيات أوسلو»، التي تضمّنت الانسحاب من قطاع غزة ومن 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية... وتسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات.
ردّ اليمين المتطرف جاء باغتيال رابين. ومن ثم، عاد الليكود إلى الحكم برئاسة بنيامين نتنياهو (1996)، فأكمل تطبيق «اتفاقيات أوسلو» وانسحب من الخليل، لكن اليمين المتطرف رد بإسقاط نتنياهو. وأعادت الانتخابات التالية حزب «العمل» إلى الحكم برئاسة إيهود باراك، الذي وافق على مشروع لإقامة دولة فلسطينية. غير أنه سقط في الانتخابات التالية بعد سنتين ليعود الليكود إلى الحكم من جديد، وهذه المرة برئاسة أريئيل شارون. ولكن، حتى شارون «تجاوز الخطوط الحمراء» التي وضعها اليمين المتطرف، عندما انسحب من قطاع غزة حتى آخر شبر (سنة 2005)، وأخلى 8000 مستوطن وشطب 21 مستوطنة، كما 4 مستوطنات في شمالي الضفة الغربية.
والواقع أن شارون كان «الضربة الكاسحة» التي جعلت اليمين المتطرف يفكّر بخطة تحدث «انقلاباً جوهرياً» في نظام الحكم في إسرائيل وقوانينه، بحيث يبقى اليمين في الحكم لعقود طويلة.
وبالفعل، في عام 2019 نشر رامي هود ويونتان ليفي، وهما من «صندوق بيرل كتسنلسون»، مقالاً اعتبرا فيه «خطة شارون» لفك الارتباط وإزالة المستوطنات في قطاع غزّة «حدثاً صادماً وجّه وحرّكَ الصهيونية الدينية نحو اختيار طريق التسلّط على الديمقراطية الإسرائيلية مِن الداخل». وهما يقتبسان الحاخام يسرائيل روزن من عام 2005، الذي اقترح «إرسال المزيد والمزيد مِن الأشخاص المُناسبين للعمل في وسائل الإعلام وفي عالَم القانون والقضاء والسياسة، وحتى إلى الفنون، لتعزيز أذرع الصهيونية الدينية و«الاستيطان في القلوب».
ويروي الكاتب الصحافي إيتان أريئيل، رئيس تحرير صحيفة «دي ماركر» الاقتصادية، في الثالث من مارس (آذار) الحالي، عن تعاون مجموعة من الجناح الراديكالي في الحزب الجمهوري الأميركي، مع مجموعة من قوى اليمين المتطرف في إسرائيل، في إعداد خطة استراتيجية متكاملة لإحداث هذا الانقلاب؛ إذ يقول: «هؤلاء الجمهوريون، وبعد دعمهم للتوجّه المحافظ في أميركا، يشعرون بوجود صراع فكري عالمي. ولذا من المُربح لهم أن يحيلوا إسرائيل إلى دولة محافظة. صحيح أن إسرائيل دولة صغيرة، لكنها صاحبة تأثير ومقدرة على نشر الأفكار، ومن المفهوم أنه يوجد أيضاً للكثيرين منهم مصالح اقتصادية في إسرائيل، ومِن المناسب لهم أن يكون المدينون لهم في السُلطة».
لهذا، فإن إصرار حكومة نتنياهو اليوم على دفع خطتها، والوتيرة السريعة التي تنفذ بها عمليات تشريع القوانين، والجرأة التي تتسم بها في طرح قوانين شخصية لخدمة نتنياهو (قانون يعفيه من دفع ضريبة وقانون يتيح له ألا يعيد قرضاً لابن خالته، اعتبرته المحكمة غير سليم. وكذلك القانون الذي يمنع المستشارة القضائية للحكومة من الإعلان عنه رئيس حكومة عاجزاً عن أداء مهامه)، أو لخدمة حليفه أربيه درعي، زعيم حزب اليهود الشرقيين المتدينين (يتيح له أن يكون وزيراً بعدما منعته المحكمة العليا من ذلك، وأجبرت نتنياهو على إقالته، وتم سن قانونين يتيحان له العودة إلى الحكومة)، أو قوانين حزبية (فرض الشريعة اليهودية كمرجعية للعديد من قضايا الزواج واعتناق الديانة اليهودية، والإعفاء من الخدمة العسكرية للشباب المتدين، مع منحه نفس الامتيازات التي تمنح للجنود).

- رد الفعل
في مقابل هذه العملية، توجد المعارضة السياسية وحملة الاحتجاج في الشارع.
المعارضة السياسية قائمة وقوية، لكنها حتى الآن محدودة. ثم إنها تتركز بالأساس في الكنيست، وهنا أيضاً قوتها محدودة، فالحكومة تتمتع بغالبية أوتوماتيكية من 64 نائباً (من مجموع 120). وفي كثير من الأحيان تبدو هذه المعارضة مشتتة ومخضبة بالخلافات والصراعات. لكن قياداتها تشارك في أعمال الاحتجاج، عندما تُدعى لذلك، وجماهيرها تشارك في المظاهرات بمبادرات محلية.
في المقابل، حملة الاحتجاج القوية تتمثل في أولئك الذين يقودونها من القواعد المتينة لـ«الدولة العميقة»، وهم من قادة سابقين في الجيش والاستخبارات والشرطة، ومن قادة الاقتصاد والتكنولوجيا العالية ورجال العمال ورؤساء بنك إسرائيل والبنوك التجارية والبورصة، وكبار الموظفين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الأكاديمية وجميع رؤساء الجامعات ومعاهد الأبحاث الليبرالية ووسائل الإعلام والجهاز القضائي ونقابات المحامين والأطباء، وعدد هائل من ضباط جيش الاحتياط، خصوصاً سلاح الجو والوحدات القتالية والكوماندوس والمثقفين والفنانين وغيرهم.
هؤلاء يشكلون الآن قوة الاحتجاج الأساسية. ولقد نجحوا للأسبوع الثاني عشر على التوالي في الخروج إلى الشوارع بعشرات الألوف. ثم إنهم يتمكنون من إغلاق الشوارع ومفارق الطرق الأساسية ويغلقون مطار بن غوريون الدولي وميناءي حيفا وأسدود. ويشلون الحياة الرتيبة مرتين في كل أسبوع. ويعلنون إصرارهم على المضي قدماً في حملة الاحتجاج، «حتى لو طال أمدها أربع سنوات الحكم لهذه الحكومة»، كما يؤكدون.
قادة الاحتجاج العميق هؤلاء يرفضون الدخول في مفاوضات حول الحلول الوسط. ويقولون إن معركتهم «مبدئية وجوهرية ليس فيها تنازلات، لأنه لا تنازلات في موضوع الديمقراطية الليبرالية». وهم يتهمون الحكومة، كما كتب ميرون رفافورت، بمحاولة «فرض سيادة دولة يهودا على دولة تل أبيب». والمقصود بـ«دولة يهودا» هم المستوطنون الذين بات عددهم يفوق نصف مليون نسمة، ومعهم «الحريديم» (اليهود المتزمتون دينياً)، الذين يحاولون فرض قوانين الشريعة اليهودية.
رفافورت من كتّاب اليسار ويقود «بلاد للجميع»، وهي حركة تدعو إلى تسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بواسطة حل الدولتين للشعبين، إسرائيل وفلسطين، ولكن مع حدود مفتوحة وحرية تنقل للطرفين في البلاد. كذلك لدى رفافورت انتقادات شديدة لحكومات إسرائيل السابقة التي يتهمها بأنها أدارت «سياسة خطايا» كرّست الاحتلال الإسرائيلي والتنكيل بالفلسطينيين، وبذلك رسّخت قواعد بناء اليمين الإسرائيلي وتقويته. ومع ذلك فهو يؤيد حملة الاحتجاج ويستشف فيها أملاً في إحداث تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية. ويقول: «عندما ردد نحو 250 ألف متظاهر في تل أبيب، في انسجام تام، هتاف (دستور، دستور، دستور)، كان من الواضح تماماً أن القصة لم تعد منذ فترة طويلة مسألة إصلاح قانوني كهذا أو ذاك، وكم عدد السياسيين الذين سيجلسون في لجنة تعيين القضاة أو ما هي الأغلبية المطلوبة لإلغاء القوانين في المحكمة العليا أو إلغاء الإلغاء في الكنيست. لقد أطلق هذا الاحتجاج العنان لقوى تطمح إلى أعلى من ذلك بكثير. إذا كانت تحركات بنيامين نتنياهو وياريف ليفين (وزير القضاء) وسمحا روثمان (رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الدستور والقانون)، تستحق لقب «ثورة على النظام» فقد حان الوقت لتسمية المظاهرات ضدها «ثورة مضادة». وهنا يقترح رفافورت على قادة هذه «الثورة المضادة» أن يسعوا لضم قطاعات واسعة من اليهود الشرقيين والإثيوبيين والعرب فلسطينيي 48 إلى قيادة المظاهرات، حتى تعطي جواباً شافياً لتساؤلاتهم وشكوكهم. ويقول إن «الثورة المضادة» لن تنجح من دون التخلص من سياسيات الماضي التي نبذت الأقليات ومارست العنصرية. ولذا فهو يتنبأ بأن ترسم هذه الثورة مستقبلاً زاهراً لإسرائيل، في حال نجحت في تصحيح أخطاء الماضي. وهنا يرى البعض أن رفافورت رفع صوتاً يبدو خافتاً جداً في الصراع الذي تعيشه إسرائيل، لكنه بلا شك يؤسس لمرحلة جديدة في الدولة العبرية.


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

تزوير وثائق وتزييف إشارات... هكذا تنقل إيران النفط الخاضع للعقوبات حول العالم

رغم خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها (أرشيفية - رويترز)
رغم خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها (أرشيفية - رويترز)
TT

تزوير وثائق وتزييف إشارات... هكذا تنقل إيران النفط الخاضع للعقوبات حول العالم

رغم خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها (أرشيفية - رويترز)
رغم خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها (أرشيفية - رويترز)

حملت ناقلة النفط «ريمي» هوية مزدوجة، ففي فبراير (شباط) 2023 كانت متجهة إلى ماليزيا رافعة علم بنما ومحملة بمليون برميل نفط من العراق، وذلك بحسب وثيقة بحوزة ربانها.

وتظهر الوثيقة، وهي شهادة منشأ اطلعت عليها «رويترز» من ميناء البصرة النفطي في جنوب العراق، أنه جرى تحميل السفينة بالنفط الخام من هناك في 22 فبراير (شباط) 2023. لكن الواقع كان مختلفا تماما. فالناقلة كانت جزءا من شبكة واسعة لتهريب النفط، وحملت أيضا اسم «ديب أوشن» وكانت تنقل النفط الخام سرا من دولة مختلفة؛ وهي إيران.

كان بحوزة الربان شهادة منشأ ثانية من شركة النفط الوطنية الإيرانية ومؤرخة في نفس اليوم.

وجرى ضخ النفط الإيراني إلى الناقلة «ريمي»، وهي جزء من أسطول تستخدمه شركة «صحارى ثاندر» الإيرانية، من سفينة أخرى في الشبكة التابعة لتلك الشركة، وهي «سونيا »1 التي ترفع العلم الإيراني. وتم رصد عملية النقل السرية، التي انتهت في 22 فبراير (شباط)، بواسطة القمر الصناعي «سنتينل-2» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.

وانكشف وهم أداء الناقلة «ريمي» نشاطا تجاريا مشروعا مع العراق بعد تسريب مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني خاصة بشركة «صحارى ثاندر»، تغطي تجارتها النفطية من مارس (آذار) 2022 إلى فبراير (شباط) 2024، وذلك على أيدي شبكة تسلل إلكتروني.

وبتفريغ البيانات، تمكنت رويترز من إظهار كيفية تفادي الشركة الإيرانية للعقوبات الغربية. وتبين أنه في الفترة التي شملتها رسائل البريد الإلكتروني، شحنت «صحارى ثاندر» ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط إلى أنحاء مختلفة من العالم، بقيمة 1.7 مليار دولار أميركي تقريبا استنادا إلى متوسط ​​سعر السوق في عام 2023.

ورسمت رويترز خريطة للمواقع الرئيسية التي تم نقل النفط إليها بواسطة السفن التي تستخدمها «صحارى ثاندر»، من بندر عباس في إيران والفجيرة في الإمارات، إلى فنزويلا ومورمانسك في شمال روسيا وسلسلة من الموانئ في الصين، الوجهة النهائية للخام.

وعلى الرغم من خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة، أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها. وهي تعتمد على أسطول ظل من الناقلات التي تخفي أنشطتها لتفادي العقوبات وعلى المشترين الراغبين في نفطها في آسيا لتبقي اقتصادها صامدا وتمول الجماعات المسلحة المناهضة للغرب في الشرق الأوسط. ووفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، حققت صادرات طهران النفطية 53 مليار دولار في عام 2023 و54 مليار دولار في العام السابق. وبناء على بيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كان الإنتاج خلال عام 2024 عند أعلى مستوياته منذ عام 2018.

وانسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي الغربي مع طهران وأعاد فرض العقوبات على النفط الإيراني في 2018. ويقول مسؤولون إيرانيون وعرب وغربيون إن من المتوقع أن يستهدف ترامب قطاع النفط الإيراني مجددا بسياسة «الضغط الأقصى» بعدما يعود إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني).

وحظيت أساليب إيران بحماية مشددة، لكن رسائل البريد الإلكتروني المسربة كشفت عن تفاصيل دقيقة بشكل غير عادي عن الأعمال اليومية لشركة ساعدت في استمرار صناعة النفط الإيرانية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وقال اثنان من المتسللين الإلكترونيين لرويترز إن مجموعة التسلل الإلكتروني (برانا نتورك) سربت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بشركة «صحارى ثاندر» في فبراير (شباط) من العام الماضي لأنها أرادت إماطة اللثام عن تحايل طهران على العقوبات الغربية.

وفي أبريل (نيسان)، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على «صحارى ثاندر»، ووصفتها بأنها «شركة واجهة» للحكومة الإيرانية دعمت «الحرس الثوري» بشبكة شحن واسعة النطاق. وتتخذ «صحارى ثاندر» من طهران مقرا وتصف نفسها بأنها شركة استيراد وتصدير وبناء ومقاولات في قطاعات تشمل النفط والغاز، وذلك بحسب نسخة أرشيفية لموقعها الإلكتروني.

ولم تعد عناوين البريد الإلكتروني لشركة «صحارى ثاندر» تعمل عندما حاولت رويترز التواصل معها للحصول على تعليق، ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت الشركة لا تزال تمارس أنشطتها. ويعرض موقع «صحارى ثاندر» الآن صفحة مراهنات رياضية صينية. ولم يتم الرد على رسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى الأشخاص والعناوين المرتبطة بالشركة والواردة في البيانات المسربة. ولم يرد المسؤولون الإيرانيون على طلبات للتعليق.

وتظهر مقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني بين «صحارى ثاندر» وشركائها كيف نقلوا حمولاتهم من سفينة إلى أخرى، وزوروا وثائق، ووضعوا هويات جديدة بالطلاء على السفن، وزيفوا إشارات التتبع لإخفاء مواقعها، واتخذوا تدابير شاقة لتجنب أي أثر يقود لإيران.

وقدمت رويترز تقريرها لشركة روك إنتليجنس، وهي جزء من شركة البحث والتطوير البريطانية روك المتخصصة في مراقبة التهرب من العقوبات لزبائن في قطاع النقل البحري. وتحققت الشركة بشكل مستقل من العديد من النتائج، وحددت مواقع سفن باستخدام صور الأقمار الصناعية، ووجدت مواقع التفريغ المحتملة للسفن، وحددت بيانات تتبع السفن التي تم التلاعب بها.

كما أطلعت رويترز المسؤولين العراقيين على الوثائق التي استخدمتها الناقلة ريمي حتى يوصف نفطها الإيراني على أنه عراقي. وإلى جانب شهادة المنشأ، كان لديها بوليصة شحن، وبيان الشحنة، وتخليص جمركي ومستندات أخرى عراقية.

وقال مسؤول جمركي عراقي لرويترز إن الوثائق مزورة بشكل رديء، بينما قالت شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، وهي الهيئة المسؤولة عن صادرات النفط، إنه لا يوجد سجل لتحميل السفينة بالنفط الخام من أي من موانئ العراق.

الأسطول

وفقا لتحليل رويترز للرسائل الإلكترونية المسربة، ساعدت «صحارى ثاندر» في تسليم 18 شحنة نفطية مختلفة خاضعة للعقوبات بواسطة سفنها وسفن شركائها التجاريين، وهو أسطول مكون من 34 سفينة، وذلك في الفترة من مارس (آذار) 2022 إلى فبراير (شباط) 2024.

ونقلت سفن مثل ريمي وون ياو النفط الخام الخاضع للعقوبات بين القارات أو شكلت حلقات في سلاسل رحلات امتدت إلى شتى أنحاء العالم. وسحبت السفن النفط من سفن أخرى في شبكة «صحارى ثاندر» مثل السفينة ديون، وهي ناقلة نفط كبيرة جدا قادرة على حمل 2.2 مليون برميل، أي مثلي سعة ريمي.

وكان «ريمي» هو اسم ناقلة النفط المسجل في قواعد بيانات الشحن، لكن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة ب«صحارى ثاندر» تظهر أنها كانت تتحول عادة لاستخدام الاسم المزيف «ديب أوشن» عند نقل النفط الإيراني. وحملت سفن أخرى النفط الخام ذهابا وإيابا عبر الخليج. وفي المجمل، تم نقل شحنات الخام التابعة لشركة «صحارى ثاندر» بين سفن أكثر من 60 مرة بينما كانت تشق طريقها عبر آلاف الأميال إلى المشترين النهائيين، ومعظمهم في الصين.

وتمكنت رويترز من تحديد أسطول السفن الذي تديره «صحارى ثاندر» وشركاؤها التجاريون، وحددت كمية النفط التي تم نقلها بين كل سفينة في الشبكة. وشاركت الناقلة ديون في 33 عملية نقل فيما بين السفن إلى 11 سفينة مختلفة، بإجمالي خمسة ملايين برميل من النفط. وشاركت ريمي في ثماني عمليات نقل، بإجمالي 6.7 مليون برميل. واستُخدمت بعض السفن مرة واحدة فقط، مثل ون ياو التي نقلت 1.9 مليون برميل من فنزويلا إلى الصين مباشرة.

وبحسب التسريبات وقاعدة بيانات الشحن العامة (إكويسيس)، كانت هناك 92 شركة مالكة أو مشغلة للسفن المشاركة في أنشطة «صحارى ثاندر» البالغ عددها 34 سفينة خلال الفترة التي تغطيها رسائل البريد الإلكتروني. وتواصلت رويترز مع 79 من هذه الشركات ولم تتمكن من الوصول إلى 13. وردت 10 شركات، وقالت ثماني شركات إنها لم تشارك في الأمر. وقالت شركتان إنهما تولتا فقط الإدارة الفنية للسفن وليس لديهما علم بالتأجير أو الرحلات.

الاتجاه نحو الشرق

معظم النفط الذي تنقله «صحارى ثاندر» كان إيرانيا. لكن تم التعاقد مع الشركة أيضا للمساعدة في توصيل نفط من دول أخرى أجبرتها العقوبات على العمل في اقتصاد ظل، إذ تم حجبها عن البنوك وشركات التأمين والمشترين الغربيين. فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن سفن شبكة «صحارى ثاندر»، مثل ريمي وون ياو، نقلت النفط من شركتين حكوميتين في روسيا وفنزويلا، مما ساعدهما على الإفلات من العقوبات. وانتهى الأمر بمعظم النفط الذي نقلته «صحارى ثاندر» في الصين. ولم تعلق وزارة الخزانة الأميركية.

وقالت وزارة الخارجية الصينية لرويترز إنها ليست على دراية بأعمال «صحارى ثاندر» في البلاد. وأضافت الوزارة «تعارض الصين بثبات وحزم العقوبات أحادية الجانب وغير القانونية وغير المعقولة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران ودول أخرى وصلاحيتها طويلة الأمد».

تجارة مربحة للغاية

تخضع إيران لما تسميه خدمة أبحاث الكونغرس «مجموعة العقوبات الأكثر اتساعا وشمولا» التي تفرضها الولايات المتحدة. ويحاكي حلفاء مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرهما جهود واشنطن. وجاءت هذه العقوبات ردا على برنامج طهران النووي ودعمها لجماعات مسلحة في الشرق الأوسط والقمع الوحشي للاحتجاجات، وفي الآونة الأخيرة، دعمها لروسيا في حربها على أوكرانيا.

وتعمل العقوبات بحيث تمنع وصول طهران إلى أسواق الطاقة والتمويل والأسواق العسكرية وتقوض الاقتصاد وتحجب الشركات والمسؤولين عن معظم دول الغرب. ونتيجة للعقوبات، انتقلت بعض تجارة النفط الإيرانية من مؤسسات الدولة إلى شركات مثل «صحارى ثاندر» وغيرها من الشبكات التي يمكنها الالتفاف على القيود وجلب العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.

ويقول إسفنديار باتمانجليج الرئيس التنفيذي لمؤسسة بورس اند بازار البحثية في لندن التي تتابع قطاع النفط الإيراني «هناك شبكات غامضة ضالعة في تجارة مربحة للغاية، والآن يضطر المسؤولون الأميركيون إلى بذل جهود عشوائية غير مجدية في محاولة للسيطرة على الوضع».

تحدي العوامل

في منطقة الخليج في شهر فبراير (شباط) 2023، كانت السفينة ريمي، أو ديب أوشن، المحملة بشحنتها الإيرانية المموهة، تبحر شرقا. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها السفينة ريمي وسفن «صحارى ثاندر» الأخرى للهرب من المراقبة، سمحت رسائل البريد الإلكتروني المسربة لرويترز برسم مساراتها. فقد أرسلت السفن أكثر من 1500 تحديث يومي إلى مشغلها، بما في ذلك إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس) الخاصة بها يوميا عند الظهر.

وتُظهر الخريطة السفينة ريمي بجوار السفينة شاناي كوين، أثناء نقل النفط في مضيق ملقا بالقرب من سنغافورة. كما تظهر صورة التقطها قمر صناعي من شركة بلانت لابس السفينتين جنبا إلى جنب في 10 مارس (آذار) 2023. وبحلول الثامن من مارس (آذار)، كانت السفينة ريمي في مضيق ملقا، وهو ممر مائي ضيق بين ماليزيا وإندونيسيا معروف بعمليات النقل الغامضة بين السفن وضعف السيطرة الأمنية.

وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة، نقلت ريمي 758 ألف برميل من بين مليون برميل إلى سفينة يديرها أحد شركاء «صحارى ثاندر»، وهي السفينة شاناي كوين، خلال التاسع والعاشر من مارس (آذار). وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية السفينتين جنبا إلى جنب في التاسع من مارس (آذار). لكن نظام تتبع شاناي كوين أفاد بأن الناقلة كانت في الواقع على بعد حوالي 250 كيلومترا (155 ميلا).

معظم السفن التجارية مطالبة بإرسال مواقعها باستخدام تقنية تسمى إيه.آي.إس (نظام التعريف الآلي) حتى يتسنى تعقبها. لكن بعض السفن المنخرطة في عمليات مشبوهة توقف ببساطة تشغيل نظام التعريف الآلي. وتعمل طواقم أكثر تطورا على اختراق النظام للتستر على أنشطتها دون أن تختفي من شاشات الرادارات. ويرسلون بدلا من ذلك مواقع واتجاهات مزيفة.

لكن هذا الاحتيال يمكن أن يظهر تحركات غير طبيعية. إذ تبدو السفن وكأنها ترتد حول منطقة ثابتة بأنماط متداخلة، تتحدى الرياح والأمواج والمد والجزر. ووفقا لروك إنتليجنس، كانت السفينة شاناي كوين تفعل ذلك تحديدا من موقعها المزيف في مضيق ملقا.

واستأنفت شاناي كوين المحملة بالنفط تشغيل نظام التعريف الآلي في الساعات الأولى من صباح العاشر من مارس (آذار) واتجهت نحو الصين. كما رصدت صور الأقمار الصناعية الخطوة التالية لريمي عندما ضخت ما تبقى لديها من الخام، ويبلغ نحو 250 ألف برميل من النفط الإيراني، إلى سفينة أخرى هي دي.بي 7.

وصلت دبي.بي 7 وشاناي كوين إلى ميناء لانتشياو بالصين في 25 و29 مارس (آذار) على الترتيب، حيث سلمتا حمولتهما ليكتمل تسليم مليون برميل من شركة النفط الوطنية الإيرانية للمشترين النهائيين في الصين. في غضون ذلك، كانت ريمي تسعى إلى إتمام عملية تسليم أخرى.

اسم جديد... نفس اللعبة

في 24 مارس (آذار) 2023، التقت ريمي مع السفينة إم.إس إينولا في مضيق ملقا. وتم تحميل ريمي بحوالي 700 ألف برميل من النفط الخام المصنف على أنه ماليزي في وثائق أطلع ربانها شركة «صحارى ثاندر» عليها.

بعد ذلك، خضعت ريمي لإصلاحات وانتظرت تعليمات من «صحارى ثاندر» قبل الإبحار غربا في منتصف يونيو (حزيران). وظلت في خليج عمان حتى منتصف أغسطس (آب). ثم خضعت السفينة وحمولتها لتحول. فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني وجدول لمهام الطاقم اليومية أن ربان السفينة ريمي أمر الطاقم بطلاء جانب السفينة. وسرعان ما تم وضع اسم مألوف على الهيكل: ديب أوشن.

كما جرى تغيير الختم الرسمي للسفينة. لكن رقم (آي.إم.أو) الخاص بها، وهو رمز فريد ودائم يصدر من المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة للسفن التي تقوم برحلات دولية بغرض التعريف، ظل كما هو: 9247431. وأصبحت السفينة ريمي، التي عادت مجددا إلى هويتها المزيفة ديب أوشن، جاهزة الآن للقاء سفينة شركة «صحارى ثاندر» الأم، ديون، وهي ناقلة نفط عملاقة تستخدم لتخزين الخام الإيراني.

ولم تتمكن رويترز من تحديد مصدر النفط الذي كانت ريمي تحمله في هذه المرحلة، لكن وثائق الشحن لم تعد تشير إلى أنه خام ماليزي. الآن أصبح يوصف بأنه نفط عراقي. واستمر الخداع عندما التقت السفينة ريمي بالسفينة ديون، إذ تم إيقاف تشغيل نظام التتبع الخاص بديون وكانت ريمي ترسل موقعا في خليج عمان على بعد 500 كيلومتر. ورجحت روك إنتليجنس أن يكون هذا احتيالا، بناء على تحركات الناقلة غير الطبيعية.

وبحسب رسالة بريد إلكتروني أرسلها ربان السفينة ديون إلى «صحارى ثاندر» في 17 أغسطس (آب)، كانت ديون وريمي في الحقيقة في نفس الموقع قبالة الساحل الإيراني لإجراء عملية نقل من سفينة إلى أخرى. وانتهت السفينة ريمي من ضخ حمولتها البالغة 700 ألف برميل من النفط الخام إلى ديون في 19 أغسطس (آب) 2023.

اقتصاد نقدي

تظهر رسائل البريد الإلكتروني أن شركة «صحارى ثاندر»، التي حجبتها العقوبات عن الأنظمة المصرفية الغربية، كانت لا تزال مضطرة لسداد مدفوعات تتعلق بتكاليف عارضة خارج إيران مثل تكلفة التزود بالوقود. وقبل أن تتمكن ريمي من تحميل شحنة نفط جديدة من ديون، أبحرت إلى الإمارات حيث تزودت بالوقود من شركة (مارين أوشن ريفايند أويل بروداكتس تريدينج) الإماراتية، وذلك وفقا لرسائل البريد الإلكتروني بين الشركة و«صحارى ثاندر». وعندما وصل الأمر إلى مرحلة السداد، طلبت الشركة من «صحارى ثاندر» دفع 4.3 مليون درهم (1.2 مليون دولار) إلى وكيلها نقدا.

وفي أغسطس (آب) 2023، طلبت إحدى الشركات التي تساعد في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة أيضا من «صحارى ثاندر» تقديم 105 آلاف دولار نقدا لموظف تخليص جمركي بالإمارات. ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت الشركة قد دفعت هذين المبلغين من رسائل البريد الإلكتروني.

ولم ترد مارين أوشن على طلب للتعليق. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى الوكلاء والشركات الشريكة الأخرى للحصول على تعقيب. ولم يعلق مسؤول إماراتي بشكل محدد على أنشطة «صحارى ثاندر» في البلاد، وقال «تلتزم الإمارات بالقوانين الدولية والعقوبات المقررة من الأمم المتحدة وتنفذها بصرامة، إلى جانب الاتفاقيات المبرمة مع الشركاء الدوليين».

وتفيد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة ب«صحارى ثاندر» وتحليلات روك إنتليجنس وشركة تحليل بيانات الملاحة البحرية والسلع الأولية (كبلر) ومجموعة بورصات لندن بأن ريمي وناقلات أخرى في شبكة الشركة من المقرر أن تشحن شحنتين أخريين من النفط الخام من إيران إلى الصين بين سبتمبر أيلول 2023 ويناير (كانون الثاني) 2024.

وجرى نقل أول مليون برميل من ديون إلى ريمي، أو ديب أوشن وهو اسمها البديل، في الثاني من سبتمبر (أيلول). وأصبح النفط على متن السفينة آيفي بحلول 22 سبتمبر (أيلول)، ثم تم تحميله إلى إف.تي آيلاند، وأخيرا إلى مين هانغ.

وفرغت السفينة مين هانغ الخام في قولي بالصين في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

ووصلت الشحنة الثانية إلى الصين على متن السفينة كاثي فينيكس بعد شهرين، وهي عبارة عن قرابة مليون برميل، محملة بنفط من السفن أرجو وجلوبال بيوتي وهارموني والنفط الخام الذي حملته ريمي على ديون في أغسطس (آب) 2023. وحددت شركة روك إنتليجنس الموقع الجغرافي للناقلة كاثي فينيكس في 11 يناير (كانون الثاني) في ميناء يانتاي، حيث أفرغت حمولتها من نفط «صحارى ثاندر».

دول أخرى

تجاوزت تجارة شركة «صحارى ثاندر» الخام الإيراني، لتشمل نفط دول أخرى مستهدفة بعقوبات مثل روسيا وفنزويلا.

وفي حين أن صفقات النفط الخام الكبيرة لـ«صحارى ثاندر» كانت تنفذ في أغلب الأحيان بواسطة السفينة ريمي، فإن بعض الشحنات اعتمدت على سفن أخرى في شبكتها.

وفي أغسطس (آب) 2022، وصلت إحدى تلك السفن إلى ميناء خوسيه في فنزويلا. وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن السفينة وون كانت هناك بأوامر من شركة «صحارى ثاندر» لتحميل 1.9 مليون برميل من خام ميري. وكان رقم المنظمة البحرية الدولية (آي.إم.أو) الخاص بالسفينة هو 9288098. لكن قواعد بيانات الشحن لا تحتوي على سجل لناقلة بهذا الاسم في ذلك الوقت. كما أن رقم المنظمة البحرية الدولية ليس له وجود.

ووفقا لبيانات تتبع السفن وروك إنتليجنس، فإنه قبل وقت قصير من وصول السفينة وون إلى ميناء خوسيه، كانت ناقلة تسمى ون ياو تتجه إلى الشمال الغربي نحو فنزويلا. ووفقا لنظام التتبع الخاص بها، ظلت ون ياو راسية قبالة البرازيل حتى منتصف سبتمبر (أيلول).

لكن بناء على تحليل رويترز، فإن ون ياو هي في الواقع وون، وكانت هي الناقلة التي تنفذ أوامر «صحارى ثاندر» بتحميل الخام الفنزويلي. ورصدت روك إنتليجنس سفينة في صور الأقمار الصناعية تتطابق مع ون ياو في ميناء خوسيه في الأول من سبتمبر (أيلول)، تحديدا في المكان الذي تشير وثائق «صحارى ثاندر» إلى أنه موقع السفينة وون الخيالية. ولم ترد شركة النفط الحكومية الفنزويلية (بي.دي.في.إس.إيه)، التي حملت شركة «صحارى ثاندر» النفط منها، على طلبات التعليق.

وانتهت السفينة التي أطلق عليها اسم وون من التحميل في الثالث من سبتمبر (أيلول). وبعد تسعة أيام، استأنفت السفينة ون ياو بث موقعها الحقيقي قبالة سواحل البرازيل، وفقا لروك إنتليجنس. وأصبح 1.9 مليون برميل من الخام الفنزويلي في الطريق إلى الصين.

مهرب لموسكو

بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2023، كانت السفينة ريمي على الجانب الآخر من العالم، تجهز آخر شحنة لها قبل تسريب رسائل «صحارى ثاندر»، وهذه المرة كان الخام روسيا. وتخضع موسكو لعقوبات مشددة منذ غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، وهي بحاجة إلى مشترين لنفطها، وكانت «صحارى ثاندر» في الخدمة.

وتظهر وثائق «صحارى ثاندر» ورسائل البريد الإلكتروني أنه خلال عيد الميلاد عام 2023، حملت السفينة ريمي 1.05 مليون برميل من خام نوفي بورت من السفينة الروسية أومبا في مورمانسك. بعد ذلك، بدأت السفينة ريمي رحلتها عائدة حول أوروبا، مرورا بشمال أفريقيا، وعبر قناة السويس ثم إلى آسيا.

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن شحن النفط كان يتم لصالح شركة غازبروم نفت، وهي ثالث أكبر منتج للنفط في روسيا وتخضع لعقوبات غربية. وكان المشتري هو تشاينا أويل هونج كونج المحدودة، وهي شركة تابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية الحكومية العملاقة، وهي أكبر منتج في آسيا. ولم ترد غازبروم نفت وبتروتشاينا، الذراع المدرجة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية، على طلبات التعليق.

وسرب المتسللون الإلكترونيون رسائل البريد الإلكتروني الخاصة ب«صحارى ثاندر» قبل أن تنتهي السفينة ريمي من رحلتها من روسيا، لكن بيانات كبلر أظهرت أن الناقلة سلمت النفط الروسي إلى تيانجين في الصين في 17 فبراير (شباط) 2024.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس سفن أخرى في الأسطول المرتبط ب«صحارى ثاندر»، ليصل العدد الإجمالي إلى 21 سفينة. ولا تزال هناك 13 سفينة غير خاضعة للعقوبات. وإحدى هذه السفن هي ريمي والتي تشير قواعد بيانات الشحن إلى أنها تحمل الآن اسم ويلما 2.

منهج

في فبراير (شباط) 2024، سرب المتسللون الإلكترونيون أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني ومرفقاتها من «صحارى ثاندر». وأدخلت رويترز الوثائق إلى أداة (بنبوينت) التابعة لجوجل، وهي أداة بحث للصحفيين والأكاديميين تحلل مجموعات كبيرة من المستندات وتسلط الضوء على الكلمات الرئيسية والأسماء والعبارات المكررة.

وبعد ذلك قسمت رويترز رسائل البريد الإلكتروني إلى مجموعات، منها مجموعات خاصة بكل سفينة تم تحديد هويتها وأخرى لكل عملية نقل من سفينة إلى أخرى، وكذلك حسب الشركات الرئيسية والعقود وذكر عبارات معينة مثل تلك المتعلقة بالصين وروسيا وفنزويلا ودول مختلفة في الشرق الأوسط.

وحددت رويترز رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس)، بما في ذلك التحديثات اليومية لمواقع بعض السفن، مما سمح للصحفيين بتحديد المواقع الدقيقة لعمليات النقل بين السفن ورسم تحركات سفن «صحارى ثاندر»، مثل ريمي، حتى عندما أوقفت السفن تشغيل نظام التعريف الآلي الخاص بها أو قامت بعمل تمويه للنظام. وتمت بعد ذلك مطابقة الاتصالات والعقود والوثائق مع الصفقات المتوافقة معها لوضع جدول زمني لأنشطة «صحارى ثاندر».

بعد ذلك، عرضت رويترز النتائج التي توصلت إليها على روك إنتليجنس، التي تحققت بشكل مستقل من العديد من عمليات النقل من سفينة إلى أخرى وتحركات السفن، وحددت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للعمليات، ونقاط التفريغ المحتملة للسفن وحالات التحايل.