ما الذي تغيَّر في السياسة العربية بين رمضانين؟

تحركات لإعادة ترتيب الإقليم وسط تحديات اقتصادية ومعيشية

بائع تمور مصري في سوق السيدة زينب (أ.ب)
بائع تمور مصري في سوق السيدة زينب (أ.ب)
TT

ما الذي تغيَّر في السياسة العربية بين رمضانين؟

بائع تمور مصري في سوق السيدة زينب (أ.ب)
بائع تمور مصري في سوق السيدة زينب (أ.ب)

لا يتجاوز الفارق الزمني بين شهر رمضان من عام إلى العام الذي يليه 12 شهراً، لكن تلك الأشهر بدت في العام الأخير حافلة بالتحولات السياسية والاقتصادية؛ ما يدفع كثيرين إلى الشعور بأن ما مر بين «الرمضانين» من أحداث يتجاوز حدود المقاييس الزمنية التي استشعروها في أعوام سابقة.
تبدو التحولات الاقتصادية بفعل الأزمات العالمية، بحسب مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أحد أبرز التداعيات التي سيلمسها المواطنون العرب، وهم يستقبلون رمضان هذا العام، ففي رمضان الماضي لم تكن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية قد كشفت عن وجهها الحقيقي؛ إذ لم يكن قد مر عليها سوى بضعة أسابيع، لكنها وخلال عامها الأول دفعت بالعالم نحو موجة تضخم قياسية، نالت دول عدة بالمنطقة العربية من تداعياتها نصيباً وافراً.

ظلال قاتمة
وربما تبرز مقارنة بين أسعار صرف الدولار الأميركي مقابل بعض العملات العربية الأكثر معاناة خلال العام الأخير، بعض ملامح التحول الذي سيلمسه المصريون على سبيل المثال، وهم يستقبلون شهر رمضان هذا العام، فسعر صرف الدولار كان يساوي 18.2 جنيه، في بداية رمضان من العام الماضي، لكنه واصل الصعود ليسجل 30.8 جنيه خلال الشهر الحالي، وهو ارتفاع ألقى بثقل مضاعف على كاهل الأسر المصرية، التي اضطرت إلى التخلي عن العديد من طقوسها الرمضانية في مواجهة ارتفاع الأسعار، واتخذت الدولة العديد من الإجراءات للتخفيف عن الأسر الأكثر احتياجاً.
في المقابل، سيكون اللبنانيون الأكثر إحساساً بوطأة التغييرات بين الرمضانين، فإلى جانب أنهم يستقبلون شهر الصوم هذا العام بفراغ رئاسي، ولا يبدو أنهم قد «يفطرون» على رئيس جديد قريباً، لكن الحديث الأبرز على موائد اللبنانيين هذا العام سيكون حول تكلفة المعيشة، التي شهدت «قفزات جنونية» بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة بما يزيد على أربعمائة في المائة؛ إذ بلغ سعر صرف الدولار في رمضان الماضي 23.85 ألف ليرة، ليسجل وفق أكثر التقديرات تحفظاً خلال الشهر الحالي 122 ألفاً، في ظل غياب آليات تسعير واضحة.
كما سيكمل لبنان عامه الرابع من التخلف عن سداد ديونه الخارجية، وتنامي معدلات الفقر لتتجاوز 82 في المائة من السكان بين عامي 2019 و2021، وهو ما يتوقع أن يتزايد بعد المعدلات القياسية للتضخم خلال العام الأخير.
ويبدي الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، اعتقاداً بأن الأزمات العالمية «ألقت بظلال قاتمة» على الاقتصادات العربية خلال الفترة الماضية؛ وهو ما «سيضيف عبئاً جديداً على المواطنين العرب في رمضان».
ويقول شوقي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: إن «وصول التضخم العالمي لمستويات قياسية، والحرب الروسية - الأوكرانية، وأزمة الطاقة العالمية، وسياسات التشديد النقدي، والأوبئة كانت عوامل مؤثرة على الحالة الاقتصادية في دول العالم المختلفة ومن بينها المنطقة العربية، حيث صدرت توقعات صندوق النقد الدولي بدخول دول العالم منعطفاً اقتصادياً جديداً، وهو مرحلة (الركود التضخمي) بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، والضغط على سلاسل الإمداد العالمية، والتي تأثرت كثيراً بسبب الحرب الأوكرانية».

إحساس متباين
ويتوقع الخبير الاقتصادي، أن يتباين إحساس المواطن العربي بوطأة التحولات الاقتصادية بين رمضانين بحسب الدولة التي يعيش فيها، ومعدل دخله بها، فإذا كان من مواطني أو مقيمي الدول المنتجة للنفط، فإنه «لن يتأثر كثيراً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية»، مرجعاً ذلك إلى الملاءة المالية التي تتمتع بها تلك الدول عن غيرها بفعل عائدات البترول والغاز، ومن أبرز تلك الدول الإمارات، وقطر، والسعودية، والكويت، والجزائر، والعراق، وليبيا، والبحرين، وسلطنة عُمان.
في المقابل، يتوقع عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي أن يشعر المواطنون المقيمون في الدول العربية المستوردة أو المستهلكة للنفط بعمق التحولات؛ إذ «تواجه تلك الدول تحديات كبيرة في ظل تأثرها بالحرب الروسية - الأوكرانية»، مشيراً إلى أن «مصر على سبيل المثال اضطرت إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، كما لجأت تونس أيضاً إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، حيث تعاني سوء الأحوال الاقتصادية، وتأثر لبنان بالأزمة وانعكست بشكل لافت على قطاع المصارف، وشهد الأردن احتجاجات بسبب ارتفاع أسعار الوقود ولكن تم احتواء الأزمة سريعاً، كما تأثر السودان أيضاً بشدة».

تحولات سياسية
وخلال الفترة الفاصلة بين «الرمضانين»، برزت كذلك تحولات سياسية جوهرية؛ إذ شهدت ملفات متشابكة «انفراجات مفاجئة»، كان في مقدمتها التحول اللافت في ملف العلاقات السعودية - الإيرانية، في أعقاب توقيع البلدين اتفاقاً نهاية الشهر الماضي، بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من التوتر.
كما شهد ملف العلاقات المصرية - التركية «انفراجة ملموسة»، بعد لقاء جمع رئيسي البلدين على هامش حضورهما افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو اللقاء الذي أنهى جموداً وتوتراً في العلاقات منذ عام 2013.
وتبادل وزراء خارجية البلدين الزيارات خلال الأسابيع الأخيرة، وأعلنا عن ترقية مستوى التمثيل الدبلوماسي المتبادل، والبدء في ترتيبات لعقد لقاء قمة على المستوى الرئاسي خلال الآونة المقبلة.
وفي مقابل تلك الانفراجات الإقليمية، بدت الأزمات هي الوجه الآخر، الذي ستراه ملايين الأسر في دول عربية عدة، وهي تستعرض على مائدة الإفطار ذكريات الأشهر الماضية. فالفلسطينيون سيترحمون على عشرات الشهداء الذين فقدوهم عقب المواجهات المتصاعدة في الأراضي المحتلة، بعد وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى سدة الحكم، كما سيفتقرون إلى وجوه المئات من الأبناء والأزواج ممن اعتُقلوا على خلفية تلك الأحداث. وستفطر آلاف الأسر السورية في المناطق الشمالية إلى جوار ركام منازلها التي أطاح بها زلزال 6 فبراير (شباط) الماضي.
ويرصد الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لمعهد الدراسات العربية، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، وجود تباينات عدة عبر العام الأخير، فيشير إلى «حلحلة في بعض الملفات السياسية المتشابكة»، التي تأتي في إطار «إعادة ترتيبات إقليمية على أكثر من مسار»، من بينها المسار بين السعودية وإيران، أو المسار الخاص بعلاقات تركيا مع العديد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر، والعديد من الدول الخليجية ذات الثقل؛ وهو ما يرى أنه «يخدم إضفاء أجواء أكثر هدوءاً، ربما تكون من الملامح الإيجابية القليلة التي تشهدها المنطقة منذ رمضان الماضي».
وبموازاة التحسن اللافت في أطر العلاقات الإقليمية، يرى أحمد، أن «ثمة مؤشرات على تصاعد وتيرة القلق في مسارات أخرى، ويركز في هذا الصدد على الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، مشيراً إلى أن «السلوك العدواني من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية، يدفع بالأمور إلى حافة المواجهة الشاملة، وبخاصة مع استمرار الممارسات الاستفزازية في الأماكن الإسلامية المقدسة، وهو ما بدا أن القوى الإقليمية والدولية حاولت استباقه في تفاهمات شرم الشيخ، وقبلها اجتماعات العقبة الأردنية، إلا أنه من الواضح أن التوتر سيبقى سيد الموقف إلى حين».
ويضيف العميد السابق لمعهد الدراسات العربية، أن الجمود الراهن في العديد من ملفات الأزمات العربية، كالملف السوري والليبي واليمني، «لا يمكن اعتباره نوعاً من التحسن»، مشيراً إلى أن إطالة أمد الأزمات تضاعف مع الأعباء التي يتحملها أبناء تلك الدول، سواء في الداخل، أو ممن اضطروا إلى النزوح واللجوء؛ وهو ما يعني أن بقاء تلك الأزمات تراوح مكانها يمكن أن يضاف إلى خانة الأحداث السلبية التي يمكن رصدها بين «الرمضانين» الماضي والحالي.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.