حكام مصر في العصر الحديث.. حاضرون «رغم الغياب» في افتتاح قناة السويس

جدل حول صورة لمبارك.. وتضارب يسفر عن غياب «الملك الأخير»

مصري يحمل طبقا تذكاريا به صورة الرؤساء عبد الناصر والسادات والسيسي بعد فوزه في انتخابات يونيو 2014 (أ.ف.ب)
مصري يحمل طبقا تذكاريا به صورة الرؤساء عبد الناصر والسادات والسيسي بعد فوزه في انتخابات يونيو 2014 (أ.ف.ب)
TT

حكام مصر في العصر الحديث.. حاضرون «رغم الغياب» في افتتاح قناة السويس

مصري يحمل طبقا تذكاريا به صورة الرؤساء عبد الناصر والسادات والسيسي بعد فوزه في انتخابات يونيو 2014 (أ.ف.ب)
مصري يحمل طبقا تذكاريا به صورة الرؤساء عبد الناصر والسادات والسيسي بعد فوزه في انتخابات يونيو 2014 (أ.ف.ب)

مع الاستعدادات التي تشهدها مصر تأهبا لحفل افتتاح قناة السويس الجديدة بعد غد الخميس، اشتعل بشكل موازٍ جدل قوي في الشارع المصري حول حكام مصر في العصر الحديث، الذين يغيبون عن حفل افتتاح القناة الجديدة رغم أن أسماءهم كانت حاضرة بقوة في أحداث تتعلق بقناة السويس الأولى.
وبدءا من واقعة تراجع آخر ملوك مصر الملك السابق أحمد فؤاد الثاني عن حضور حفل الافتتاح بعد تضارب حول مصدر دعوة شفهية وجهت إليه، مرورا بجدل حول جدارية تحمل صور رؤساء مصر في الجمهورية الأولى غابت عنها صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وصولا إلى محاولات أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي للتقليل من حجم وفوائد المشروع، لم تهدأ النقاشات الدائرة سواء على مستوى البرامج الحوارية المسائية أو على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعات التي تسبق حفل الافتتاح.
وكان متحدث باسم الملك السابق أحمد فؤاد الثاني قد أعلن قبل يومين أن الملك يستعد لحضور حفل افتتاح القناة بعد تلقيه «دعوة شفهية» منسوبة إلى الرئاسة المصرية، لكن الرئاسة المصرية نفت أن تكون وجهت مثل هذه الدعوة.
ويعد فؤاد الثاني هو آخر ملوك الأسرة العلوية التي حكمت مصر منذ عام 1805، حتى أطيح بالملك السابق فاروق من عرش مصر في ثورة عام 1952، ليتنازل عن العرش إلى ابنه الصغير (آنذاك) أحمد فؤاد «تحت الوصاية» ويرحل بعدها على يخت المحروسة (وهو أقدم قطعة بحرية عاملة في العالم اليوم، والذي جرى صناعته خصيصا بمناسبة افتتاح قناة السويس الأولى، ويشارك بدوره في حفل افتتاح القناة الجديدة) إلى منفاه في إيطاليا، ثم أعلنت الجمهورية في مصر عام 1954 وعزل فؤاد (الغائب فعليا) عن الحكم.
وخلال فترة حكم الأسرة العلوية، جرى الاتفاق على مشروع القناة في سعيد باشا وإلى مصر، ثم حفرها الذي استغرق عشر سنوات منذ عام 1865 في عهد خلفه الخديو إسماعيل.. وهو المشروع الذي نقل مصر نقلة حضارية كبرى رغم بعض المآخذ على طريقة تنفيذه باللجوء إلى سخرة العمال أو حق الانتفاع الذي امتد إلى قرن من الزمان.
وأشارت أسرة آخر ورثة الأسرة العلوية، الملك السابق أحمد فؤاد، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أمس إلى أنه «نظرا لعدم تلقي الملك فؤاد دعوة رسمية لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة حتى الآن، قرر اعتبار الدعوة الشفهية المنقولة إليه عبر الشركة المنظمة للاحتفالية، والتي قيل إنها بتكليف من مكتب الرئاسة، شائعة ليس لها أساس من الصحة، ولا يعلم مقصد مطلقها إلا الله». كما أضاف البيان أنه بناء على ذلك «قرر الملك إلغاء إجراءات سفره، متمنيا من الله لمصر وشعبها كل التوفيق، وآملا في أن تتاح له فرصة زيارة أرض الوطن في المستقبل القريب».
رئيسا مصر في الجمهورية الأولى، جمال عبد الناصر وأنور السادات، حضرا رمزيا في استعدادات القناة الجديدة، من خلال جدارية أقيمت خصيصا على ضفة القناة بهذه المناسبة، لكن بعض الأصوات قالت إن صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك أزيلت من الجدارية.
وكان لعبد الناصر دور تاريخي في تأميم القناة عام 1956 من أجل توفير تمويل لبناء السد العالي، وكذلك استعادة مصر لحقوقها وإصلاح خطأ تاريخي. إضافة إلى حروب خاضتها مصر في عهده على ضفتي القناة، وشهدت فيها مدن القناة الثلاث أحداثا جساما، سواء عدوان عام 1956، أو حرب عام 1967 وما تلاها من معارك الاستنزاف.
كما كان للسادات دور لا يقل أهمية سواء بقرار عبور القناة عسكريا في عام 1973، أو استعادة الضفة الشرقية للقناة من خلال اتفاقية السلام لاحقا.
لكن الجدل اشتد في البرامج الحوارية المصرية المسائية حول مسألة غياب مبارك عن الصورة، حيث قال مؤيدوه المعروفون بالشارع المصري باسم «آسفين يا ريس» وآخرون إن ذلك يعد «تشويها للتاريخ» نظرا لدور مبارك سواء في حرب عام 1973، أو لاحقا بمشروعات أخرى لتطوير مجرى قناة السويس القديم، داعين إلى إعادة صورة مبارك إلى الجدارية.
لكنّ أصواتا معارضة، وبينها قانونيون، أكدوا أن هناك حكما سابقا صدر عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011 يقضي برفع اسم وصور مبارك من كل المنشآت العامة، مؤكدين أن الحكم «ما زال ساريا حتى اليوم، ولم يجر إلغاؤه»، ما يعني عدم قانونية وضع صورة مبارك في الجدارية.
الرئيس الأسبق محمد مرسي، رغم أنه لا يشمله الجدل بصورة مباشرة كونه محبوسا قيد عدد من المحاكمات وصدرت ضده بعض الأحكام من بينها حكم بالإعدام، فإن مؤيديه من أنصار جماعة الإخوان يشنون حربا شعواء على فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من القنوات الإعلامية التابعة لهم، حيث يقومون بالتشكيك في الجدوى الاقتصادية للقناة الجديدة، رغم الإشادات الدولية بالمشروع.
أما الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي حكم مصر لنحو عام خلال فترة انتقالية، فمن المتوقع حضوره حفل افتتاح القناة الجديدة، سواء بصفته كرئيس لأرفع محكمة مصرية، أو تقديرا لدوره الهام خلال فترة شائكة من تاريخ مصر الحديث. وكذلك من الوارد بشدة حضور الحفل من قبل المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، رئيس المجلس العسكري الذي أدار مصر عقب تنحي مبارك عن الحكم، ليظل الشخص الوحيد الغائب سواء عن الصورة أو الجدل بشكل كامل عن حفل افتتاح القناة الجديدة، في تاريخ حكام مصر في العصر الحديث، هو اللواء محمد نجيب، الذي كان أول رئيس في تاريخ جمهورية مصر العربية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.