انهيار دراماتيكي لليرة اللبنانية و«أشباح» تتلاعب بـ«تطبيقات الصرف»

«المركزي» يتدخل مجدداً للجم الانهيار... وسلامة يتعهد بـ«شفط السيولة»

الدولار يتجاوز حاجز 150 ألف ليرة لبنانية (رويترز)
الدولار يتجاوز حاجز 150 ألف ليرة لبنانية (رويترز)
TT

انهيار دراماتيكي لليرة اللبنانية و«أشباح» تتلاعب بـ«تطبيقات الصرف»

الدولار يتجاوز حاجز 150 ألف ليرة لبنانية (رويترز)
الدولار يتجاوز حاجز 150 ألف ليرة لبنانية (رويترز)

«لا تعليق»، هو الجواب الجامع لدى الصانعين الحقيقيين لأسواق النقد في لبنان من مصرفيين وصرافين بهدف التحقّق من خلفيات التقلبات الحادة التي طرأت على المبادلات النقدية، والتي أفضت إلى اقتراب الدولار من حاجز 150 ألف ليرة، قبل أن ينكفئ ظهر أمس (الثلاثاء)، ثم يستدركه «مصرف لبنان» المركزي بنسخة تدخل جديدة عارضاً البيع المفتوح بسعر 90 ألف ليرة لكل دولار عبر منصة «صيرفة» العائدة له، مما أدى إلى تراجع سعر الصرف في السوق السوداء إلى 105 آلاف ليرة بعد الظهر.
ولعل الأكثر إثارة، ما لاحظه مصرفي كبير في اتصال مع «الشرق الأوسط»، من انقلاب فعلي واستثنائي في أسواق القطع، بحيث تحولت التطبيقات الهاتفية التي تديرها «الأشباح» من صانعي القرار، إلى تولي دور اللاعب المحوري في تسعير صرف الليرة، وعدم الاكتفاء بما درجت عليه كمرآة عاكسة فقط للأسعار المتداولة لدى أغلب شركات الصرافة وتجار العملات سنداً إلى مجرى عمليات العرض والطلب وأحجامها.
وفي رد فعل استنسخ تجارب سابقة، بادر مصرف لبنان المركزي إلى إشهار تدخله مجدداً في سوق القطع، عارضاً البيع المفتوح للدولار النقدي بسعر 90 ألف ليرة فوراً عبر منصة «صيرفة»، ومبيناً أن قراره يحظى بموافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل، ويهدف إلى الحد من انهيار الليرة في الأسواق الموازية والحفاظ على قيمة الودائع بالدولار المحلي. وفي ظل إضراب المصارف، عرض توفير المبادلة لدى صرافي «الفئة الأولى» (أ) إلى جانب المصارف غير الملتزمة بالإضراب.
وبالفعل، أنتج هذا التدخل بنسخته المحدثة، تهدئة فورية تكفلت بخفض سعر تداول الدولار في الأسواق الموازية من أعلى مستوياته القياسية الذي بلغ نحو 145 ألف ليرة، إلى ما بين 105 و110 آلاف ليرة بعد الظهر. فيما يتوقع أن تنضم المصارف إلى «تثمير» التدبير التقني بقرار تعليق إضرابها وإتاحة الإمكانية لزبائنها لإجراء عمليات المبادلة بالسعر المعلن. وبالتوازي هبطت أسعار المحروقات نحو 350 ألف ليرة دفعة واحدة لصفيحة البنزين التي بلغت مستوى المليوني ليرة، بعدما كادت تقارع عتبة 3 ملايين ليرة وفق التسعيرة التي كان يترقبها أصحاب المحطات قبيل تدخل «المركزي».
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن «القرار الذي اتخذناه اليوم جاء لسحب كل الليرات اللبنانية من السوق ومصرف لبنان لديه القدرة على ذلك»، موضحاً أن طريقة شراء الدولار مقابل الليرة تتم عبر «صرافين من الفئة الأولى المرخصة التي يتعامل معها المركزي». وبحسب بيان صادر عن مصرف لبنان، أكد سلامة إصراره على تنفيذ هذا القرار «وذلك لمصلحة القدرة الشرائية للمواطنين».
وبلغة الأرقام، فإن حجم الكتلة النقدية المحررة بالليرة يقارب نحو 70 تريليوناً، مما يعني نظرياً، وفق تقديرات المصرفي، أن تجفيفها التام يتطلب ضخ نحو 770 مليون دولار، إنما بمقدور البنك المركزي تصريف أقل من نصف هذه المبالغ لعزل أو «شفط» المبالغ الساخنة التي يجري استخدامها في المضاربات على العملة الوطنية. وهذا ما يمهد فعلياً للانتقال إلى مرحلة إعادة هيكلة أسعار الصرف وتوحيدها ضمن منظومة قائمة على محددات موضوعية تكفل مركزية دور السلطة النقدية في إدارة السيولة.
وأكد المصرفي أن التذرع بغطاء الخلافات السياسية بشأن مهام حكومة تصريف الأعمال وسلطاتها في ظل الفراغ الرئاسي، لا ينسحب البتّة على الوقائع الكارثية التي يشهدها سعر صرف العملة الوطنية في المبادلات النقدية غير النظامية، سواء من حيث حجم الانهيارات المحققة، أو لجهة التغيير البنيوي في منهجية الأسواق المرتكزة إلى قاعدة «العرض والطلب». وهذا ما ينسحب تلقائياً وبنسب الانهيارات عينها على القدرات المعيشية والمداخيل وما تبقى من مدخرات في الجهاز المصرفي، ثم على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتخمة أساساً بمحفزات الاضطراب والفوضى.
ولا يستوي، بحسب قراءة المصرفي، أن يتغيّر سعر صرف الليرة بوتيرة غير مسبوقة في سرعتها وهوامشها على مدى ساعات فقط لتصعد بالفارق إلى نحو 25 ألف ليرة إزاء الدولار، بينما تستمر «غيبوبة» الحكومة المعزّزة بغياب مبادرات تشريعية، مكرسة انحسار حضور الدولة بسلطاتها القائمة إلى أدنى الحدود، بينما هي المعنيّة حصراً بإعلان حال طوارئ اقتصادية فوراً واتخاذ ما يمكن من إجراءات رادعة للحد من التوغل الكارثي للانهيارات الشاملة.
ويؤكد المصرفي أن «التدخل الجديد الذي قرّره البنك المركزي، سيثمر تهدئة مؤقتة تمنح السلطة التنفيذية الوقت (غير الطويل) لمحاولة الحد من الانحرافات الخطرة التي تتحكم بالمشهد النقدي»، إذ ينبغي العمل بسرعة على دعم التدابير التقنية بخطوات إجرائية تبدأ بمعالجة مسببات الإضراب العام الذي تواصل المصارف تنفيذه اعتراضاً على «التعسّف» الذي يلاحق إداراتها ومؤسساتها من قبل بعض الجهات القضائية، ثم الخروج من حال «الإنكار» عبر إعادة تفعيل الجهود لإقرار التشريعات الناظمة لإدارة السيولة والعمليات المالية وفق مقتضيات الأزمة النقدية التي تتفاقم من دون رادع منذ خريف عام 2019.
وفي مسلسل التداعيات ذات الصلة، كشف رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان «أن جميع النواب الذين حضروا جلسة اللجنة أمس تمنوا أن يتم الاتصال برئيس المجلس النيابي (نبيه بري)، للطلب منه أن تتحول جلسة اللجان المشتركة غداً (اليوم) لطرح معالجة فورية ومواكبة لما يحصل، ومن أجل ذلك الطلب من رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان ووزير المالية وجمعية المصارف أن يحضروا إلى المجلس النيابي حتى تسألهم اللجان المشتركة وتطالبهم بالمعالجة الفورية، وقد تم التواصل مع رئيس المجلس الذي كان مؤيداً للطرح. وأعلن عدوان أن جلسة اللجان النيابية ستتحول إلى مساءلة الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، وتبيان ما يفعلون في ظل الانهيار الحاصل؟ ومطالبتهم باتخاذ التدابير الفورية للمعالجة.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»
TT

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

باغت التَّقدمُ السريع لفصائل سورية مسلحة نحو مدينة حلب، أمس (الجمعة)، أطرافاً إقليمية ودولية، وأعاد التذكير بأشباحَ سقوط مدينة الموصل العراقية قبل عشر سنوات بيد تنظيم «داعش».

وبعد هجماتٍ طوال اليومين الماضيين، تمكَّن مقاتلو مجموعات مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل مدعومة من تركيا من السيطرة على خمسة أحياء غرب حلب، قبل وصولهم إلى قلب المدينة التي تُعدّ ثانية كبريات مدن البلاد، وسط مقاومة ضعيفة من القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الأسد، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وشهود عيان.

وتبدّد المعركة حول حلب السيطرة التي فرضتها قوات الحكومة السورية، وروسيا وإيران الداعمتان لها، كما تنهي هدوءاً سيطر منذ عام 2020 على شمال غربي سوريا، بموجب اتفاق روسي – تركي أبرمه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان.

ومن شأن تقدم تلك الجماعات المسلحة أن يصطدم بمناطق نفوذ شكّلتها، على مدار سنوات، مجموعات تدعمها إيران و«حزب الله». ومع حلول مساء الجمعة، وتقدم الفصائل المسلحة داخل عاصمة الشمال السوري، تقدم «رتل عسكري مؤلف من 40 سيارة» يتبع «ميليشيا لواء الباقر»، الموالية لإيران، من مدينة دير الزور بشرق البلاد نحو حلب، وفق «المرصد السوري».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 23 غارة على مدينة إدلب وقرى محيطة بها، فيما دعت تركيا إلى «وقف الهجمات» على إدلب، معقل الفصائل السورية المسلحة في شمال غربي سوريا.