فالح الفياض قوته في صمته

مستشار الأمن القومي العراقي.. منشق عن «الدعوة» ومحتفظ بعلاقاته مع طهران وواشنطن

فالح الفياض قوته في صمته
TT

فالح الفياض قوته في صمته

فالح الفياض قوته في صمته

عاد مستشار الأمن القومي العراقي فالح الفياض إلى الواجهة الأسبوع الماضي عندما فوضه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لزيارة دمشق ونقل رسائل شفوية إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وليست الزيارة الأولى للفياض إلى دمشق، الذي يعتبر من المسؤولين العراقيين الرفيعي المستوى النادرين في قلة التصريحات.

فالفياض بات من اللاعبين الأمنيين الأقوياء في العراق ولكنه يبقى عادة خلف الكواليس وإلى جانبها. فعندما زار العبادي قاعدة عسكرية لتفقد طائرات «إف 16» من الولايات المتحدة، كان خلفه الفياض. وعندما تصدر نائب رئيس الجمهورية العراقي نوري المالكي وزعيم «فيلق بدر» هادي العامري تشييع «أبو منتظر المحمداوي» القائد في «الحشد الشعبي» كان إلى جوارهم الفياض. وعندما اجتمع العبادي بمجلس محافظة الأنبار برئاسة صهيب الراوي حول مكافحة «داعش»، جلس الفياض صامتا ومتابعا.
وعلى الرغم من تعددية الألقاب التي يحملها (مهندس الكهرباء، وشيخ العشيرة، والمستشار)، لكن اللقب المفضل لدى مستشار الأمن الوطني العراقي الفياض هو (الحاج). وهذه المفردة وإن شاع استعمالها بطريقة لافتة لدى أعداد متصاعدة من الطبقة السياسية العراقية الحالية، نتيجة لخلفية الكثير منهم الإسلامية، إلا أنها تكاد تكون حكرا على القادة الشيعة بدء من رئيس الوزراء السابق والنائب الحالي لرئيس الجمهورية نوري المالكي الذي لا يعرف إلا بلقب «الحجي أبو إسراء» في أوساط المقربين منه بمن في ذلك صغار موظفيه. فلهذه المفردة في العراق الجديد بريقها الخاص فضلاً عن كونها لدى زعامات الإسلام السياسي تجب ما قبلها من ألقاب. الأمر يختلف إلى حد كبير لدى القادة الكرد من نواب ووزراء ومسؤولين، حيث يفضلون لقب «كاكا» وتعني باللغة الكردية «الأخ». بينما يفضل قادة سنة إسلاميين لقب «الشيخ» على ما عداه من ألقاب ربما لكون غالبية نوابهم ووزرائهم هم من مشيخات عشائرية في المحافظات الغربية التي لا تزال البنية القبلية هي السائدة فيها وتتحكم في مفاصلها كافة.
الفياض الذي ينتمي إلى عشيرة كبيرة في العراق، عشيرة البوعامر، حيث تتولى أسرته الغنية مشيختها بقي محافظا على خيط رفيع من التواصل العشائري والسياسي بجذور قوية مكنته من الاحتفاظ بالمكانتين معا فهو شيخ العشيرة (شيعية الانتماء المذهبي) والموقع السياسي الحساس في العراق. وقد بقي حريصا على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع العشائر السنية، لا سيما أن موقع العشيرة الأكثر ثقلا هو في مناطق حزام بغداد الشمالية الشرقية باتجاه محافظة ديالي، حيث توجد عشائر سنية كثيرة احتفظت معها أسرة الفياض عبر عقود طويلة من الزمن بوشائج قوية جعلت من الفياض توازن في معادلات صعبة بدت عشائرية أول الأمر ثم امتدت إلى ما هو سياسي ومن ثم إقليمي.
وبعد أن كان الفياض قياديا في حزب الدعوة، بات الآن قياديا في تجمع «الإصلاح» المنشق عن الدعوة والذي يتزعمه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، القيادي السابق أيضًا من الدعوة. وتولى فالح الفياض في حكومة نوري المالكي الأولى منصب وزير الأمن الوطني حين كان الأمن الوطني وزارة دولة بلا حقيبة. لكنه وبسبب إجراءات الترشيق الحكومي تحولت وزارات مثل الأمن الوطني وشؤون المصالحة الوطنية إلى مستشاريات. وعلى عهد حكومة المالكي الثانية (2010 - 2014) احتفظ الفياض بمنصب مستشار الأمن الوطني بصلاحيات واسعة مكنته من لعب أدوار مهمة داخليا وإقليميا بسبب مما يتمتع به من خصال محددة. وأوضح مسؤول عراقي في الأمن الوطني لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، أن «هناك ثلاث مزايا يتمتع بها الفياض هي التي جعلته يحتفظ بموقعه رغم كل التقلبات سواء داخل بنية الحركة الإسلامية التي بقي ينتمي إليها رغم انتقاله إلى كيان جديد أو ما جرى لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وما حصلت من تحولات طالت مناصب ومواقع هامة لم يتأثر بها الفياض». وأضاف أن «مزايا الفياض الثلاث هي السرية والعشائرية والمهنية». وفي تفصيلاتها يقول المسؤول الأمني، إن «الفياض لا يتكلم كثيرا ولا يدلي بتصريحات للصحافة ويفضل القيام بمهامه بنوع من الكتمان والسرية حتى في حال كانت علنية الطابع لأن الرجل يفضل أن السرية في العمل وهو ما جعله يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجميع استثمرها لصالح عمله».
إلى جانب ذلك، يضيف المسؤول الأمني، أن «الفياض ينتمي إلى عشيرة كبيرة كانت أسرته وما زالت تمثل مشيختها الرئيسية وهو ما جعله يوظف ثقله العشائري في أحلك الظروف في العراق، لا سيما على صعيد التوازنات العشائرية وما حصل من احتكاكات هنا وهناك في بعض المحافظات». وفي ما يتعلق بالعنصر الثالث وهو المهنية يقول المسؤول الأمني: «الفياض رجل مهني من حيث أسلوب العمل وكيفية إدارة مهماته بحزم مع مرونة تتطلبها بعض المهمات». وردا على سؤال فيما إذا كانت مثل هذه المزايا أو السمات كافية في عراق اليوم أن يحتفظ موظف رفيع المستوى في مكانته في ظل المشاحنات والمؤامرات والمناكفات السياسية وغيرها يقول المسؤول الأمني، إن «هناك مسألة في غاية الأهمية لصالح الفياض هي عدم إمكانية رشوته لأنه من أسرة غنية وهي إحدى مصادر قوته». وأشار إلى أن «كل صفقات السلاح التي باتت تمر من تحت يده حين تحولت إلى الأمن الوطني، حيث يعمل سكرتيرا لمجلس الأمن القومي ليس فيها شبهات فساد بالإضافة إلى أن الرجل مقبول عربيا وإيرانيا وأميركيا وهي ميزة ينفرد بها الفياض بين معظم قادة الطبقة السياسية العراقية بعد عام 2003 فعادة من يكون مقبولا إيرانيا لا يمكنه أن يكون مقبول أميركيا وبالعكس وكذلك على صعيد المحيط العربي».

* البديل الجاهز

* الفياض الذي كان ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية أيام زعامة الجعفري، لكنه انشق عن الحزب مع الجعفري، حيث شكلا تجمع الإصلاح الوطني، بينما تزعم حزب الدعوة نوري المالكي. ومع ذلك فإنه في الوقت الذي باتت فيه العلاقة بين الجعفري والمالكي تتميز بالجفاء النسبي مع احتفاظ الجعفري برئاسة التحالف الوطني ومن ثم تأييده لتولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء فإن الفياض كان تسلم منصب المشرف على «الحشد الشعبي» يساعده رسميا أبو مهدي المهندس. الفياض تسلم هذا المنصب في أواخر عهد المالكي وبقي محتفظا به حتى اليوم رغم أنه لا يميل إلى الظهور أو الذهاب إلى جبهات القتال لأغراض التصوير مثلما هي عادة عدد كبير من المسؤولين العراقيين ممن يريدون التحضير للانتخابات القادمة من خلال استثمار الحرب ضد «داعش». ليس هذا فقط فإن الفياض بقي على مدى السنوات الماضية بمثابة البديل الجاهز لأي منصب هام بمن في ذلك منصب رئيس الوزراء الذي كان يشغله المالكي. ففي أكثر من مرة طرحا اسمه كبديل للمالكي عندما كانت الأمور قد احتدمت، لا سيما بعد مظاهرات عام 2013 في المحافظات الغربية. ومما يحسب للفياض أنه هو الذي طلب من المالكي التهدئة مع السنة العرب وعدم التصعيد السياسي معهم، واقترح في اجتماع رسمي لمجلس الوزراء برئاسة المالكي بذهاب رئيس الحكومة إلى محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين والاجتماع مع المسؤولين ولجان التنسيق الشعبية فيها والاستماع إلى مطالبهم. كما أن الفياض بقي اسما مطروحا لتولي منصب وزير الداخلية الذي بقي المالكي يشغله طوال سنوات حكمه في دورته الثانية. وفي سياق مهمات عمله والأجندة المطروحة أمامه، يشرح مصدر عراقي قريب من الفياض أن الفياض يرى أن أهم المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن القومي العراقي تتمثل حول 3 محاور. أولاً: هشاشة بنية الدولة العراقية الجديدة. ثانيًا: المشكلة الطائفية وما يتمحور حولها من مشكلات، كذلك العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وبعض المواد الدستورية الفضفاضة. ثالثًا: التدخل الخارجي بمختلف أشكاله ومصادره، حيث إنه يضر إضرارًا بالغًا بالأمن القومي العراقي. رابعًا: مشكلة المياه والتصحر وأثرها على الأمن القومي العراقي والمتوقع تصاعدها مستقبلاً.

* فالح الفياض في سطور

> فالح الفياض من مواليد بغداد عام 1956 من أسرة شيعية تقطن شمال شرقي بغداد.
> حصل الفياض على بكالوريوس في هندسة الكهرباء من جامعة الموصل عام 1977.
> انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية منذ وقت مبكر وتعرض للاعتقال من قبل نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 1980 وحكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه قضى في سجن أبو غريب خمس سنوات.
> بعد سقوط نظام صدام عام 2003 أصبح عضوًا في أول جمعية وطنية ومن ثم عضوًا في أول برلمان عراقي منتخب عام 2005 عن الائتلاف الوطني العراقي.
> أصبح مديرًا لمكتب نائب رئيس الجمهورية وعضوًا في لجنة المصالحة الوطنية العليا خلال الحكومة السابقة.
> كلف بالكثير من الملفات الخاصة في الحكومة العراقية، قبل أن يصبح وزيرًا للأمن الوطني ومن ثم مستشارًا له حتى اليوم.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».