المعارضة اللبنانية تسعى إلى حشر خصومها بتسمية مرشح للرئاسة

لأن انتخابه يمضي في «إجازة» تمتد إلى مايو

ناشطون أمام مجلس النواب في بيروت خلال تجمع تضامني مع نائبين معتصمين داخل مقر البرلمان في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ناشطون أمام مجلس النواب في بيروت خلال تجمع تضامني مع نائبين معتصمين داخل مقر البرلمان في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

المعارضة اللبنانية تسعى إلى حشر خصومها بتسمية مرشح للرئاسة

ناشطون أمام مجلس النواب في بيروت خلال تجمع تضامني مع نائبين معتصمين داخل مقر البرلمان في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ناشطون أمام مجلس النواب في بيروت خلال تجمع تضامني مع نائبين معتصمين داخل مقر البرلمان في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)

تستعد القيادات المنتمية إلى المعارضة اللبنانية لإجراء مشاورات ولقاءات مكثّفة، بدءاً من هذا الأسبوع، تتطلع من خلالها، بالتنسيق مع عدد من النواب الأعضاء في تكتل «القوى التغييرية»، إلى توحيد موقفها حول تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية تخوض المعركة الرئاسية على أساسه، في مواجهة مرشح «محور الممانعة» زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية. وتقول مصادر سياسية قيادية محسوبة على المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، إن ذلك يأتي انطلاقاً من أن الطريق إلى إتمام مقايضة بين انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية وتكليف السفير نواف سلام بتشكيل الحكومة العتيدة، ليست سالكة سياسياً، وإن الاقتراح الفرنسي في هذا الخصوص تعترضه عقبات سياسية.
وتؤكد المصادر السياسية أن قيادات المعارضة تعلق أهمية على ما ستؤول إليه المشاورات التي لن تكون سهلة لتنعيم المواقف، والتي تشارك فيها قيادات من الصف الأول، في محاولة جادة قد تكون الأخيرة لإعادة ترميم صفوفها، وصولاً للاتفاق على مرشح واحد تخوض به الانتخابات الرئاسية في مواجهة فرنجية.
وتلفت إلى أن قوى المعارضة تقف حالياً أمام تحدٍّ لا يستهان به للتوافق على مرشح تعمل من خلاله على توسيع مروحة التأييد النيابي له برفع عدد النواب الذين يصوّتون له. وتقول إن التوافق لن يكون من وراء ظهر مرشحها النائب ميشال معوض الذي سيكون حاضراً في المشاورات للانتقال من التشرذم الذي يحاصرها إلى توحيد صفوفها، ما يمكّنها في نهاية المطاف من حشر «محور الممانعة»، ليس من باب عدم إخلاء الساحة لمرشحه فحسب، وإنما لدفعه للبحث عن مرشح توافقي يحظى برعاية عربية ودولية.
وكشفت المصادر نفسها أن أمام المعارضة متسعاً من الوقت لإعادة ترتيب بيتها الداخلي لمواكبة الفترة الزمنية المتفق عليها بين الرياض وطهران للبدء بتنفيذ الاتفاق المعقود بينهما برعاية صينية والذي يتصدّره البند المتعلق باستئناف تبادل العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. وقالت إن مهلة الشهرين للمباشرة في تطبيقه تتطلب الاستعداد للمرحلة السياسية الجديدة غير تلك الراهنة، والتي يُفترض أن تنعكس إيجاباً على الساحة اللبنانية، في حال أن طهران التزمت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترامها لسيادتها على أراضيها.
ويُفهم من كلام المصادر هذه أن لبنان سينعم طوال فترة الاختبار للبدء بتنفيذ الاتفاق السعودي - الإيراني بحالة من الاستقرار والهدوء، في حين ترجّح مصادر دبلوماسية غربية أن الاستحقاق الرئاسي سيُرحّل إلى مايو (أيار) المقبل، وبالتالي سيدخل انتخاب الرئيس في «إجازة» قسرية إلى حين بلورة المفاعيل السياسية المرجوّة من الاتفاق، خصوصاً أن اللقاء الذي عُقد في باريس، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، بين الوفد السعودي المؤلف من المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، وسفير المملكة لدى لبنان وليد البخاري، والمستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، لم يبدّل من الواقع السياسي الراهن في لبنان.
وقالت المصادر نفسها إن الوفد السعودي كعادته نأى بنفسه عن التدخل في أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان، مكرّراً أمام دوريل رؤيته السياسية على خلفية المواصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيس الجمهورية العتيد لإخراج لبنان من أزماته والانتقال به إلى مرحلة التعافي، ما يعني أن الرياض ليست طرفاً في إتمام مقايضة بين انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية، وإسناد رئاسة الحكومة إلى السفير نواف سلام، وبالتالي فهي تترك القرار للبنانيين.
وأشارت إلى أنه سبق لباريس أن حملت اقتراحها الذي يقوم على مبدأ المقايضة إلى بيروت من خلال السفيرة الفرنسية آن غريو التي واجهت صعوبة في تسويقه، وتحديداً لدى الأطراف المنتمية إلى المعارضة، وقالت إن واشنطن ليست طرفاً في المقايضة، وإن تفويضها في السابق لباريس في تعاطيها بالملف اللبناني لا يعني في المطلق أنها تطلق يدها على بياض لإخراج انتخاب الرئيس من التأزُّم الذي يحاصره، من دون أن تحجب الأنظار عن إصرارها في إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وأكدت المصادر نفسها أن مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان كررت موقف واشنطن بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن من دون دخولها في التفاصيل، مشددةً على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها في مايو المقبل، وهذا ما لمسته من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، اللذين أجمعا أمامها على أن لا مجال لتأجيلها، وأنه تم تأمين المبلغ المالي المطلوب لإنجازها بفتح اعتماد مالي من حقوق السحب الخاص، وأن لا ضرورة للعودة في هذا الشأن إلى البرلمان، لكن المصادر نفسها تتوجّه باللوم إلى «القوى التغييرية» المتمثلة في البرلمان؛ لأنها ما زالت عاجزة عن توحيد صفوفها بدلاً من استمرارها في حالة من الإرباك والضياع.
وفي هذا السياق، فإن «محور الممانعة»، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، لا يزال يتمسك بدعم ترشيح فرنجية على الأقل في المدى المنظور، وربما إلى حلول شهر مايو، هذا في حال أن المعارضة حسمت أمرها واتفقت على مرشح واحد، ما يفتح الباب أمام البحث عن تسوية لإخراج انتخاب الرئيس من النفق المظلم الذي يرزح تحت وطأته.
ورأت المصادر نفسها أن «محور الممانعة» يولي حالياً أهمية لدور رئيس المجلس النيابي نبيه بري في توسيع مروحة المؤيدين لفرنجية، وقالت إنه يتمسك بترشيحه، ويكون بذلك قد رفع سقف مطالبه لتحسين شروطه في التسوية إذا ما اقتنع بأن مرشحه، أسوة بمرشح المعارضة، لن يكون في وسعه تأمين أكثرية الثلثين لانعقاد الجلسة وضمان حصوله على تأييد 65 نائباً، إلا في حال أن لـ«حزب الله»، بحسب مصادر في المعارضة، حسابات أخرى تتعامل مع الاستحقاق الرئاسي من زاوية إقليمية، رغم أنه سيواجه مشكلة؛ لأن إقحام البلد في مزيد من التأزيم سيرتد عليه سلباً، في حين توقعت المصادر قيام رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بمروحة من الاتصالات تمتد إلى الخارج، وتشمل العاصمة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

فوق أنقاض منزله الذي كان يوماً مكوناً من طابقين، يجمع محمد البالغ من العمر (11 عاماً) قطعاً من السقف المتساقط في دلو مكسور ويسحقها، لتتحول إلى حصى سيستخدمه والده في صنع شواهد قبور لضحايا حرب غزة.

ويقول والده جهاد شمالي، عامل البناء السابق البالغ من العمر (42 عاماً)، بينما كان يقطع معادن انتشلها من منزلهم في مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، والذي تضرر خلال غارة إسرائيلية في أبريل (نيسان): «بنجيب الدبش مش كرمال نبني فيه دور، لا، لبلاط الشهداء (شواهد القبور) وللمقابر، يعني من مأساة لمأساة».

العمل شاق، وفي بعض الأحيان كئيب. وفي شهر مارس (آذار)، قامت أسرة شمالي ببناء قبر لأحد أبنائها وهو إسماعيل، الذي قُتل أثناء أداء بعض المهام المنزلية، وفقاً لوكالة «رويترز».

لكن هذا يشكل أيضاً جزءاً صغيراً من جهود بدأت تتبلور للتعامل مع الأنقاض، التي تخلفها الحملة العسكرية الإسرائيلية للقضاء على حركة «حماس».

فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض المنازل التي دمرها القصف الإسرائيلي شمال قطاع غزة (رويترز)

وتقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 42 مليون طن من الركام، بما في ذلك مبانٍ مدمرة لا تزال قائمة وبنايات منهارة.

وقالت الأمم المتحدة إن هذا يعادل 14 مثل كمية الأنقاض المتراكمة في غزة بين 2008 وبداية الحرب قبل عام، وأكثر من 5 أمثال الكمية التي خلفتها معركة الموصل في العراق بين عامي 2016 و2017.

وإذا تراكمت هذه الكمية فإنها قد تملأ الهرم الأكبر في الجيزة، أكبر أهرامات مصر، 11 مرة. وهي تزداد يومياً.

وقال 3 مسؤولين في الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية تحاول تقديم المساعدة، في الوقت الذي تدرس فيه السلطات بقطاع غزة كيفية التعامل مع الأنقاض.

وتخطط مجموعة عمل لإدارة التعامل مع الحطام تقودها الأمم المتحدة، لبدء مشروع تجريبي مع السلطات الفلسطينية في خان يونس ومدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، لبدء إزالة الحطام من جوانب الطرق هذا الشهر.

وقال أليساندرو مراكيتش، رئيس مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة والمشارك في رئاسة مجموعة العمل: «التحديات جسيمة... ستكون عملية ضخمة، ولكن في الوقت نفسه، من المهم أن نبدأ الآن».

ويقول الجيش الإسرائيلي إن مقاتلي «حماس» يختبئون بين المدنيين، وإنه سيضربهم أينما ظهروا، بينما يحاول أيضاً تجنب إيذاء المدنيين.

ورداً على سؤال حول الحطام، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، إنها تهدف إلى تحسين التعامل مع النفايات، وستعمل مع الأمم المتحدة لتوسيع هذه الجهود. وقال مراكيتش إن التنسيق مع إسرائيل ممتاز، لكن المناقشات التفصيلية بشأن الخطط المستقبلية لم تتم بعد.

خيام وسط الأنقاض

بدأت إسرائيل هجومها بعد أن قادت «حماس» هجوماً على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وتقول الإحصاءات الإسرائيلية إن هذا الهجوم أسفر عن مقتل نحو 1200 واقتياد أكثر من 250 رهينة إلى قطاع غزة.

فلسطيني وابنه يجلسان أسفل سقف مهدم في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن نحو 42 ألف فلسطيني قتلوا خلال عام من الحرب. وعلى الأرض، تتراكم الأنقاض عالياً فوق مستوى المشاة والعربات التي تجرها الحمير على المسارات الضيقة المليئة بالأتربة، والتي كانت في السابق طرقاً مزدحمة.

وقال يسري أبو شباب وهو سائق سيارة أجرة، بعد أن أزال ما يكفي من الحطام من منزله في خان يونس لإقامة خيمة: «مين راح ييجي هنا مشان يزيل الأنقاض لنا؟ ولا حدا، مشان هيك إحنا بنقوم بها الشي بأنفسنا».

وبحسب بيانات الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة، فإن ثلثي مباني غزة التي بنيت قبل الحرب، أي ما يزيد على 163 ألف مبنى، تضررت أو سويت بالأرض. ونحو ثلثها كان من البنايات متعددة الطوابق.

وبعد حرب استمرت 7 أسابيع في غزة عام 2014، تمكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه من إزالة 3 ملايين طن من الحطام، أي 7 في المائة من إجمالي الركام الآن.

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأشار مراكيتش إلى تقدير أولي غير منشور ذكر أن إزالة 10 ملايين طن من الحطام ستكلف 280 مليون دولار، وهو ما يعني نحو 1.2 مليار دولار إجمالاً إذا توقفت الحرب الآن.

وأشارت تقديرات الأمم المتحدة في أبريل، إلى أن إزالة الأنقاض سوف تستغرق 14 عاماً.

جثث مطمورة

قال مراكيتش إن الحطام يحتوي على جثث غير منتشلة وقنابل غير منفجرة. وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن عدد تلك الجثث قد يصل إلى 10 آلاف.

وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن التهديد «واسع النطاق»، ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن بعض الحطام يشكل خطراً كبيراً بالتعرض للإصابة.

يعيش نزار زعرب من خان يونس مع ابنه في منزل لم يتبقَّ منه سوى سقف مائل بزاوية خطيرة.

وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن ما يقدر بنحو 2.3 مليون طن من الحطام ربما يكون ملوثاً، مستنداً إلى تقييم لمخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، التي تعرض بعضها للقصف.

ويمكن أن تسبب ألياف الأسبستوس سرطان الحنجرة والمبيض والرئة عند استنشاقها.

وسجلت منظمة الصحة العالمية نحو مليون حالة من حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة في قطاع غزة خلال العام الماضي، دون أن تحدد عدد الحالات المرتبطة بالغبار.

وقالت بسمة أكبر، وهي متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إن الغبار يشكل «مصدر قلق كبيراً»، يمكن أن يلوث المياه والتربة ويؤدي إلى أمراض الرئة.

فلسطيني يجر مقعداً متحركاً تجلس عليه سيدة مصابة وسط أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

ويخشى الأطباء من ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية في المواليد بسبب تسرب المعادن في العقود المقبلة.

وقال متحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن لدغات الثعابين والعقارب والتهابات الجلد الناجمة عن ذباب الرمل تشكل مصدر قلق.

نقص الأراضي والمعدات

استُخدمت أنقاض في السابق للمساعدة في بناء الموانئ البحرية. وتأمل الأمم المتحدة الآن في إعادة تدوير جزء منها لبناء شبكات الطرق وتعزيز الخط الساحلي.

ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن قطاع غزة، الذي كان عدد سكانه قبل الحرب نحو 2.3 مليون نسمة، يتكدسون في شريط يبلغ طوله 45 كيلومتراً وعرضه 10 كيلومترات، يفتقر إلى المساحة اللازمة للتخلص من النفايات والركام.

وتقع مكبات النفايات الآن في منطقة عسكرية إسرائيلية. وقالت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية إنها تقع في منطقة محظورة، ولكن سيتم السماح بالوصول إليها.

وقال مراكيتش إن مزيداً من إعادة التدوير يعني مزيداً من الأموال لتمويل المعدات مثل الكسارات الصناعية. ولا بد أن تدخل هذه المعدات إلى قطاع غزة عبر نقاط عبور تسيطر عليها إسرائيل.

وتحدث مسؤولون حكوميون عن نقص في الوقود والآلات، بسبب القيود الإسرائيلية التي تبطئ جهود إزالة الأنقاض.

وقال المتحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن إجراءات الموافقة المطولة «عائق رئيسي». ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه يحتاج إلى إذن أصحاب الممتلكات لإزالة الأنقاض، لكن حجم الدمار أدى إلى طمس الحدود بينها، كما فُقد بعض السجلات العقارية أثناء الحرب.

وقال مراكيتش إن كثيراً من الجهات المانحة أبدى الاهتمام بالمساعدة منذ اجتماع استضافته الحكومة الفلسطينية بالضفة الغربية في 12 أغسطس (آب)، دون أن يسمي هذه الجهات.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة، طلب عدم ذكر اسمه لتجنب التأثير سلباً على الجهود الجارية: «الجميع قلق بشأن ما إذا كان ينبغي الاستثمار في إعادة إعمار غزة، أم لا، إذا لم يكن هناك حل سياسي».