بارزاني: ذهبنا إلى الاجتماع السرِّي فقال الأميركيون «اتخذنا قراراً بإطاحة صدّام»

قال لـ«الشرق الأوسط» إن تركيا اشترطت إدخال قواتها إلى الموصل وكركوك فأبلغ واشنطن بأنه سيقاتلهم

مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
TT

بارزاني: ذهبنا إلى الاجتماع السرِّي فقال الأميركيون «اتخذنا قراراً بإطاحة صدّام»

مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»

كلما زرت مسعود بارزاني تحوّل اللقاء ثلاثياً. يُصر ظِلُّ صدّام حسين على الحضور فاتحاً باب الذكريات. شاءت المهنة أن أواكب قصة الرجلين وهي مثيرة ومؤلمة. رجلان بإرادة حديدية على صفيح ساخن اسمه العراق. يعتقد صدّام أن روح الأمة فوّضته مهمة استعادة مجد العراق ومجدها. ويعتقد مسعود أنه اختار ما عرضه عليه القدر وهو دور حارس الحلم الكردي. كان صدّام أجرأ زعيم عراقي في التعامل مع مطالب الأكراد. ثم كان الأقسى في إلحاق نكبة استثنائية ببلداتهم وقراهم. وكان مسعود عنيداً في الحفاظ على اتجاه البوصلة الذي حدده الزعيم التاريخي للأكراد والده الملا مصطفى البارزاني.
تَعذَّر على أيٍّ من الرجلين شطب الآخر، وشهدت العلاقة الطويلة مصافحات صعبة وضربات موجعة. قبل عقدين حسم القدر النزاع. والأصح تدخلت الإمبراطورية الأميركية وغزت العراق. سلك صدّام طريقه إلى حبل المشنقة وجلس مسعود بارزاني تحت عَلَمين، هما عَلَم العراق الفيدرالي وعَلَم إقليم كردستان. نجح بارزاني في تحقيق ما تعذر على أكراد تركيا وإيران وسوريا تحقيقه. نجح في حين تعثر حلم ياسر عرفات وكانت بين الرجلين مودة تخللتها تفاصيل مثيرة.

بدأ القرن الحالي في العراق بمشهد يوحي بالاستمرار طويلاً. في الشمال يستمر الأكراد في الإفادة من «منطقة حظر الطيران». وفي بغداد يقيم نظام صدّام حسين مقلم الأظافر، يلاعب المفتشين الدوليين، ويتحايل على شروط «النفط مقابل الغذاء»، لكنّ أهوال نجاحه في قمع الانتفاضتين الكردية والشيعية بعد إرغامه على الانسحاب من الكويت بقيت ماثلة للعيان.
احتفظتْ المعارضة بحلمها القديم بإطاحة النظام لكنه بدا بعيد المنال. لا تستطيع بقواها الذاتية دحر آلة صدّام العسكرية. والقوة الجوية الأميركية ليست للإيجار كي توفر للفصائل العراقية غطاء جوياً للتقدم حسب برامجها الداخلية والإقليمية. كان لا بد من زلزال لتغيير الحسابات والمعادلات ولن يتأخر كثيراً في الوصول.

بارزاني وطالباني وبينهما الحاكم المؤقت للعراق الجنرال جاي غارنر في السليمانية في أبريل 2003 (غيتي)

طائرات وأبراج

ليوم 11 سبتمبر (أيلول) رنة في ذاكرة الأكراد. ففي هذا اليوم من العام 1961، أطلق الملا مصطفى البارزاني الانتفاضة الكردية التي سيبقى جمرها مشتعلاً حتى إطفائها في 1970 بموجب اتفاق مع حزب «البعث» الذي استعاد السلطة قبل عامين. وفي لحظة الإطلاق تلك، كان إلى جانب الملا مصطفى أنجاله، وبينهم مسعود.
إننا الآن في 11 سبتمبر 2001. كان مسعود في مدنية دهوك وإلى جانبه نجله مسرور. لمح على الشاشة طائرة تصدم برجاً شاهقاً. توهّم للوهلة الأولى أن القناة تبث فيلماً. ثم شاهد طائرة ثانية تنقضّ على برج آخر. وحين تلاحقت الأخبار العاجلة قال للمحيطين به إن شيئاً كبيراً وخطراً يحدث في أميركا. كان من المستبعد تماماً افتراض أن دولة بعنوان معروف تجرؤ على مهاجمة القوة العظمى الوحيدة في عقر دارها واستهداف رموز هيبتها ونجاحها.
أميركا قوة عظمى وتملك آلة عسكرية هائلة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة في الأرض. وحتى حين تَكشَّف أن تنظيم «القاعدة» كان وراء الهجوم، كان من الصعب توقُّع أن يدفع نظام صدّام الثمن الباهظ. كان افتراض وجود علاقة بين نظام صدّام و«القاعدة» صعباً، فكل منهما يغرف من قاموس يناقض الآخر حتى ولو تشابها في كره أميركا أو إطلاق التصريحات ضدها. ثم إن زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن كان يعد نظام «البعث» نظاماً «كافراً».
شعر زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أن مرحلة جديدة قد بدأت وإن لم تتضح أبعاد مخاطرها بعد. قرر ترميم العلاقات مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة جلال طالباني وأوفد مبعوثين إلى تركيا وسوريا وإيران لاستطلاع قراءة هذه الدول للانعكاسات المحتملة لـ«هجمات نيويورك وواشنطن». كانت الدول الثلاث تتساءل وتحاول فهم ردة الفعل الأميركية المحتملة لكنها لم تكن تملك إجابات.

بارزاني مع بريمر في صلاح الدين صيف 2003 (غيتي)

طلبت إيران وفداً آخر فذهب إليها. في فندق «استقلال» (هيلتون) استضافت طهران الوفد الكردي لكنها تعمدت أن تستضيف في المكان عينه والوقت نفسه وفداً من نظام صدّام برئاسة مدير الاستخبارات طاهر جليل حبوش. وشهد بهو الفندق مصافحة بين أعضاء الوفدين. كانت بغداد قلقة ومرتبكة تحاول بدورها فهم المرحلة الجديدة واتقاء أخطارها. أرسلت إلى مسعود تعرب عن استعدادها لفعل «أي شيء يرغب به». لكن الزعيم الكردي رأى أن الوقت متأخر جداً ويأتي «بعد خراب العراق وليس البصرة وحدها»، وأن أي اتفاق مع النظام لن يصمد وسيتحول «عبئاً كبيراً على شعب كردستان».
كانت أميركا مجروحة تغلي. وكان العالم يتكهن حول المسارح المقبلة لغضبها. ستحمل سنة 2002 إشارات متلاحقة عدّها مسعود علامات تساعد على الفهم. في 30 يناير (كانون الثاني) حمل الرئيس جورج بوش بشدة على النظام العراقي وأدرجه في «محور شر» يضمّه مع إيران وكوريا الشمالية. وفي الشهر التالي تحدث وزير الخارجية كولن باول، عن ضرورة تغيير النظام العراقي وأن أميركا قد تقوم بالمهمة وحدها إذا لزم الأمر. ولم يتأخر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الانضمام إلى الأوركسترا.
يواصل مسعود بارزاني استجواب ذاكرته المثقلة بالأحداث والعناوين متعاطياً برحابة مع رغبة «الشرق الأوسط» في الحصول على التفاصيل.

اجتماعٌ سرِّيٌّ حاسم

في 17 فبراير (شباط) 2002 استقبل مسعود وفداً من وكالة الاستخبارات الأميركية. استخدم الوفد عبارات لافتة من نوع أن «أميركا قررت إزاحة نظام صدّام» وأن «الهجوم سيكون من محاور عدة» وأن «لدور الإقليم أهمية كبيرة في حساباتنا وأنتم مدعوون لزيارة واشنطن». ورد مسعود بأن الأكراد سيؤيدون «أي عملية ترمي إلى قيام عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي» وأنهم يطالبون بضمانة من أميركا «أن يكون مستقبل شعبنا محمياً ومصوناً»، وأن واشنطن تستطيع إبلاغ دول الجوار «أننا لا ولن نشكل أي تهديد لأي شخص أو جهة» وأكد موافقته على تلبية دعوة واشنطن.
في الأول من أبريل (نيسان) استقبل مسعود، وبحضور قياديين من حزبه، وفداً من الخارجية الأميركية برئاسة مساعد الوزير رايان كروكر. جدد الوفد موقف أميركا من نظام صدّام واقترح على مسعود زيارة واشنطن في 14 من الشهر نفسه وبالتزامن مع زيارة لجلال طالباني. نصح الوفد بأهمية ترتيب العلاقات داخل البيت الكردي، مبدياً ارتياحه إلى ما تحقق وداعياً إلى معالجة أي توترات مع تركيا.

جنديان أميركيان يزيلان صورة صدام بمدينة الناصرية في 3 أبريل 2003 (إ.ب.أ)

كانت الإشارات واضحة. لكن بارزاني المكتوي بنار مواقف الدول الكبرى والإقليمية كان ينتظر سماع كلام أوضح ومن أعلى مراكز القرار.
في 15 أبريل، صعد إلى طائرة خاصة كانت تنتظر في مطار فرنكفورت، مسعود بارزاني، يرافقه نجله مسرور والقيادي في الحزب هوشيار زيباري، وزير الخارجية لاحقاً. وسيلتئم شمل الوفد الكردي إلى أميركا بوجود جلال طالباني ونجله بافل والقيادي في حزبه برهم صالح، رئيس الجمهورية العراقية لاحقاً. في دار ضيافة اختارتها الأجهزة الأميركية في فرجينيا، سينعقد هذا الاجتماع الحاسم. حضر من الجانب الأميركي ماك لوخلين نائب رئيس «سي آي إيه»، والجنرال وين داونينك من الأمن القومي، ورايان كروكر من «الخارجية». وهذا يعني أن الاجتماع كان بمشاركة وتنسيق بين البيت الأبيض والاستخبارات والخارجية.
تحدث الجانب الأميركي بلهجة تفيد بأن قراراً بإطاحة صدّام اتُّخذ ولا عودة عنه. استخدموا عبارات صريحة من نوع «أميركا قررت وجوب إزاحة صدّام من السلطة»، وأن الأكراد «يجب أن يحصلوا على حقوقهم كاملة»، و«أميركا موافقة على اعتماد النظام الفيدرالي في العراق»، وأن «أميركا لن تسمح بوجود أي تدخل خارجي»، وأن «أميركا يحدوها أمل كبير بدور الكرد في جمع وإعداد المعارضة العراقية».
كانت لهجة الجانب الأميركي واضحة وقاطعة. وجاء الرد الكردي من القماشة نفسها؛ «ما دامت أميركا قد اتخذت قرارها النهائي بإسقاط نظام صدّام، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك. وما دام بديل النظام العراقي سيكون بديلاً ديمقراطياً وستُعتمد الفيدرالية لكردستان فإننا سنبذل كل ما نستطيع وتعهّدنا بالتحرك للمّ شمل المعارضة».
في تلك الليلة تذكَّر مسعود محطات مؤلمة في التعامل مع الدول الكبرى وبعض دول الإقليم. لا يغيب عن باله الدور الذي لعبه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في إقناع الشاه محمد رضا بهلوي بتوقيع اتفاق الجزائر في 1975 مع «السيد النائب» صدّام حسين. وبموجب الاتفاق أوقفت إيران كل دعم للثورة الكردية التي أُصيبت بانهيار مروِّع. لا ينسى أيضاً أن الاتحاد السوفياتي والذي كان يقدم مساعدة متواضعة لأكراد العراق ابتعد عنهم بعد توقيع بغداد في 1972 «معاهدة الصداقة والتعاون» مع موسكو. أما الدول المجاورة فهي تُبدي أحياناً تفهماً لأكراد الخرائط الأخرى لكنها لا تتسامح مطلقاً مع أكرادها. تتعامل مع الأكراد من باب تحريك «الورقة الكردية» وتخشى عدوى حصولهم على حقوقهم في الخرائط الأخرى.

بارزاني خلال مؤتمر المعارضة العراقية بلندن في أبريل 2002 (غيتي)

في 18 أبريل أعادت الطائرة الخاصة الوفدَ الكردي إلى فرنكفورت. وفي تلك المدينة «اتفقنا أنا ومام جلال على أن نبذل كل مساعينا وجهودنا ونتخذ كل الاستعدادات اللازمة للتلاؤم والانسجام مع المستجدات والمتغيرات المتوقعة».
من فرنكفورت، توجّه مسعود والوفد المرافق له إلى باريس. كانت قناعة المسؤولين الفرنسيين أن أميركا اتخذت قراراً نهائياً بإسقاط صدّام حسين. لهذا تركزت أسئلتهم على البديل. كرر مسعود أن البديل سيتم التوصل إليه بالتشاور مع أطياف المعارضة العراقية وأن النظام المقبل يجب أن يكون ديمقراطياً وفيدرالياً يضمن حقوق مختلف المكونات.
بعد باريس توجه الوفد إلى دمشق. رأى مسعود أن العلاقة القائمة مع سوريا منذ أيام الرئيس حافظ الأسد تُلزم الأكراد بالتشاور مع الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه. «بعد الحديث عن الوضع العام في المنطقة سألنا عن إمكانية إزاحة النظام العراقي، فأبلغتهم أن القرار النهائي قد اتُّخذ بالفعل، وشعرتُ أن ذلك قد سرَّهم وأفرحهم كثيراً. وبخصوص مستقبل العراق أكدتُ لهم أن ليس هناك أي مخطط لتقسيم العراق وأنه لن يُسمح بوجود أي تدخل خارجي. وبخصوص موعد تنفيذ قرار إزالة النظام العراقي قلت لهم إن الأميركيين وحدهم مَن يعرف ذلك. كان نائب الرئيس السوري على قناعة تامة أن أميركا لن تتدخل عسكرياً في العراق وكان مستعداً للمراهنة على ذلك».

واشنطن تنتقد «الابتزاز التركي»

في بدايات الصيف تواترت إشارات تفيد بأن أميركا قد تكون تراجعت عن قرارها إطاحة النظام أو تراخت في التحضير له. وترافق ذلك مع مناقشات مستفيضة أجراها هوشيار زيباري ونيجرفان بارزاني في أميركا. في 21 يوليو (تموز) وصل إلى أربيل وفد من المتخصصين والخبراء الأميركيين برئاسة تشارلز فتيس المعروف بـ«سام».
كشفت المداولات مع هذا الفريق أن تركيا تتخوف من أن يؤدي التغيير في العراق إلى قيام دولة كردية. قال المسؤول الأميركي إن «تركيا تقوم كثيراً بابتزاز أميركا وتطلب أموالاً كثيرة. نحن جئنا لتقييم الأوضاع ولن يُسمح لتركيا بأي شكل من الأشكال بأن تتدخل في شؤون الإقليم». وسيزداد ظهور العقدة التركية مع اقتراب موعد التدخل العسكري الأميركي.
في يوليو، دعت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتين عدداً من قادة المعارضة إلى اجتماع. اقترح جلال طالباني المناورة لرفع مستوى اللقاءات مع الجانب الأميركي. لم يشارك مسعود في الاجتماع لأن سوريا لم توافق على أن تستقبل طائرة خاصة ترسلها أميركا لنقله من قامشلو. ناب هوشيار زيباري عن مسعود في الاجتماع الذي حضره أيضاً جلال طالباني وإياد علاوي وأحمد الجلبي وعبد العزيز الحكيم والشريف علي بن الحسين. التقى الوفد وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد ورئيس الأركان مايرز. وكان رامسفيلد قاطعاً، إذ قال إن «سياسة احتواء العراق ليست سياسة ناجحة. يجب أن ينطلق الهجوم على العراق من الجنوب والشمال في آن».

بارزاني متوسطاً أعضاء مجلس الحكم بعد اجتماع ببغداد في يوليو 2003 (غيتي)

كانت إيران تراقب نُذُر العاصفة الأميركية التي تهدد بالهبوب على نظام صدّام. بينها وبين حاكم العراق سنوات من الحرب وبحر من الكراهية. كان من الصعب عليها أن تؤكد علناً أنها تؤيد الغزو الأميركي الذي يصعب عليها التكهن بانعكاساته وحدوده. كانت تشعر في الوقت نفسه بأن اقتلاع نظام صدّام يزيل من أمامها جداراً يعوق حركتها في العراق والمنطقة. خير تعبير عن قيام إيران بتسهيل المهمة الأميركية كانت مشاركة الفصائل العراقية المؤيدة لها في مداولات المعارضة التي سبقت الحرب، والرامية إلى توفير أرضية عراقية لاقتلاع النظام على يد الأميركيين. وأظهرت التطورات لاحقاً أن إيران التي اتخذت قراراً بتسهيل عملية إطاحة نظام صدّام اتخذت في الوقت نفسه قراراً موازياً جوهره زعزعة الوجود العسكري الأميركي في العراق، ومنع قيام نظام عراقي مستقر وموالٍ للغرب في بغداد. وبدا أيضاً أن دمشق اتخذت بالتفاهم مع إيران قراراً مشابهاً. وسيُكلَّف الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» بترتيب عملية استنزاف الجيش الأميركي الذي رابط على جانبي إيران الأفغاني والعراقي.
اتخذت أميركا قرار الحرب وانهمكت أجهزتها بالبحث عن ذرائع لإقناع الرأي العام الأميركي والدولي؛ اتهامات للنظام البعثي بإقامة علاقات مع «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، واتهامات بالاحتفاظ بأسلحة للدمار الشامل. وجرى الحديث عن مختبرات بيولوجية جوالة. يجزم مسعود بارزاني أن حزبه لم يسهم من قريب أو بعيد في توفير مثل هذه الذرائع التي استُخدمت في الإعلام وكذلك في مجلس الأمن نفسه.

العُقدة التركية

اقتربت الحرب وتصاعدت مخاوف تركيا. جاء من يبلغ البارزاني بمضمون لقاء بين المسؤولين الأتراك والجنرال الأميركي تومي فرانك قائد القيادة الوسطى. قدم الوفد التركي في الاجتماع أربعة مطالب هي:
- لا يجب أن تقوم أو تشكَّل أي دولة كردية.
- لا يجب السماح للأكراد بالسيطرة على مدينتي الموصل وكركوك.
- يجب أن يكون لتركيا رأي في النظام العراقي الجديد.
- لا يجب أن يشارك الأكراد في عملية إسقاط النظام العراقي الحالي.
أبلغ ممثل الرئيس الأميركي لدى المعارضة السفير زلماي خليل زاد، الأكراد بأن مشاركة تركيا في التحالف الذي سيطيح صدّام مهمة وضرورية. وكان واضحاً في الأسابيع الأخيرة أن الخطة الأميركية تقضي بالإطباق على نظام صدّام من الجنوب والشمال. وهذا يعني الانطلاق من الأراضي التركية والتقدم عبر معبر زاخو الحدودي. وكان موقف الأكراد واضحاً ويقضي برفض أي مشاركة عسكرية إقليمية سواء كانت إيرانية أو تركية. وكانت المناقشات صاخبة خصوصاً بعدما تبين أن تركيا تشترط إرسال وحدات من قواتها إلى الموصل وكركوك للمشاركة في إسقاط صدّام والسماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها. وخلال أحد الاجتماعات أُدخلت لمسعود ورقة تتضمن تصريحاً لرئيس البرلمان التركي يقول فيه إن القوات التركية ستدخل شمال العراق وستجرّد عناصر البيشماركة من أسلحتهم.
كان رد مسعود قاطعاً وعنيفاً وخاطب الجانب الأميركي قائلاً: «نحن سنقاتلهم (الجنود الأتراك) سواء جاؤوا معكم أو بمفردهم. في الحالة الأولى سنُتهم بالإرهاب وفي الثانية ستكون المواجهة ثنائية وفي إطار آخر. وقال إنه يعرف أن تركيا دولة ولديها جيش قوي لكن البيشماركة يفضلون المرور على جثثهم على تسليم سلاحهم. وذهب أبعد بالقول إنني سأقاتلهم حتى ولو بقيتُ وحيداً وسأنتظرهم عند زاخو».
لم تحصل المواجهة مع تركيا. لم يسلّم الجانب الأميركي بشروطها، ولم يسمح البرلمان التركي للقوات الأميركية بالمرور عبر أراضي بلاده، فاضطرت القوات الأميركية المرابطة في السفن قبالة السواحل التركية إلى تغيير وجهتها.
الحرب آتية لكنّ الإدارة الأميركية لم تبلغ حلفاءها بموعد الضربة الأولى. وفي ليل 19 إلى 20 مارس (آذار) 2003، اندلعت الحرب ليتغير وجه العراق ومعه توازنات المنطقة.

جرح أميركي... وفراغ دولي

خلّفت هجمات 11 سبتمبر جرحاً عميقاً في روح «القوة العظمى الوحيدة». واعتقد بعض الصقور في إدارة جورج بوش الابن أن الهجمات فرصة لإظهار أن الولايات المتحدة تستحق اللقب الذي فازت به يوم انهار جدار برلين وانتحر الاتحاد السوفياتي. وكان بينهم من يعتقد أن «العالم المنجب للتطرف والإرهاب» تمكن معالجته بجراحات عسكرية تؤدي إلى زرع بذور الديمقراطية في جسده.
لم تكن هناك جبهة دولية ذات ثقل كافٍ لثني أميركا عن القيام بمغامرتها. كان الرئيس فلاديمير بوتين منهمكاً بإعادة صيانة الاتحاد الروسي نفسه بعدما كادت تهب عليه في عهد سلفه بوريس يلتسين رياح التفكك التي ضربت الاتحاد السوفياتي. كان يحتاج أيضاً إلى إعادة ترميم قدرات الجيش الروسي وروحه ووقف عملية النهب التي تعرضت لها البلاد على أيدي بعض أبنائها. كان من المبكر جداً أن يكشف الرئيس الوافد من دهاليز «كي جي بي» أنه يحمل مشروعاً كبيراً للثأر من الغرب ونموذجه. ولم تكن الصين في بداية القرن مهتمة بتقديم نفسها في صورة ملاكم كبير ينازع أميركا نفوذها على مستوى العالم. كانت تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتبوأ مركز الاقتصاد الثاني في العالم وتحقيق مزيد من الإنجازات في مكافحة الفقر والانخراط في السباق التكنولوجي.
كان مسعود بارزاني يراقب المشهد الدولي. الاعتراض الكبير جاء على لسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك. على هامش قمة لحلف «الناتو» عُقدت في براغ قال شيراك لبوش إن «وقوع حرب سيضرب الاستقرار في المنطقة، وسيكون من نتائجه إيصال الموالين لإيران إلى السلطة في بغداد، وتعزيز نفوذ طهران في دمشق وكذلك في لبنان عبر (حزب الله)، ثم إن هذه الحرب لن تكون شرعية». لم تتوقف إدارة بوش طويلاً عند موقف بعض أطراف «القارة العجوز» خصوصاً أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اختار المشاركة في الرحلة الأميركية.
الحرب آتية. كان لا بد من الالتفات إلى الدول المتاخمة للعراق وفي طليعتها إيران. وانشغل كثيرون بسؤال معقد: «هل يمكن أن تسهل إيران الخمينية مهمة الشيطان الأكبر الأميركي في اقتلاع عدوها الأول صدّام حسين؟».

ترقُّب إيراني لـ«الانتصار الكبير»

في ضوء ما سمعه الوفد الكردي خلال زيارته السرِّية إلى أميركا في أبريل 2002، انعقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن في الشهر الأخير من السنة. غاب عن المؤتمر حزب «الدعوة» والحزب الشيوعي وغاب «البعثيون» المؤيدون لسوريا. كان مسعود مهتماً باستجلاء حقيقة الموقف الإيراني خصوصاً أن طهران تملك قدرة حاسمة في التأثير على بعض القوى العراقية.
يقول مسعود: «التناقضات التي ظهرت خلال مؤتمر المعارضة في لندن دفعتني إلى زيارة طهران. التقيت هناك الرئيس (السابق آنذاك) هاشمي رفسنجاني. كنت مهتماً بمعرفة موقفهم ليس فقط من موضوع الحرب الأميركية بل أيضاً من الصيغة التي اتُّفق عليها لقيام عراق فيدرالي، ما يعني صيغة دستورية لإقليم كردستان. كان رفسنجاني مرناً كعادته ويتحدث بواقعية تأخذ في الاعتبار موازين القوى ومصلحة بلاده. قال إنهم سيعدّون إسقاط صدّام نصراً كبيراً ولكنهم لا يستطيعون إصدار تأييد علني للعملية التي ستؤدي إلى إطاحته. أيَّد رفسنجاني أيضاً قيام عراق فيدرالي وكان هذا الجزء من الحوار مهماً جداً لنا».
وأضاف: «التقيت أيضاً خلال الرحلة الجنرال قاسم سليماني. لم يكن في تلك المرحلة معروفاً على غرار ما حصل في السنوات اللاحقة لكنه كان مسؤولاً عن ملف العراق». التقى مسعود أيضاً محمد باقر الحكيم وطلب منه أن ينصح وفد «المجلس الأعلى» الشيعي بأن يكون «أكثر واقعية في المناقشات المتعلقة بمرحلة ما بعد إسقاط النظام». وحين انعقد لاحقاً مؤتمر المعارضة العراقية في صلاح الدين في كردستان العراق، بدا واضحاً أن طهران أعطت لحلفائها الضوء الأخضر للمشاركة في عملية إطاحة النظام.
اختارت إيران تسهيل عملية إطاحة صدّام. أوكلت في الوقت نفسه إلى الجنرال سليماني الإعداد لزعزعة الوجود العسكري الأميركي في العراق ومنع قيام نظام مستقر موالٍ للغرب. سألت مسعود إن كانت إيران هي الطرف الأول الذي قام باستنزاف الوجود العسكري الأميركي في العراق، فردّ بالإيجاب. وسألته إن كان الأميركيون عَدُّوا إيران هدفاً ثانياً محتملاً بعد العراق، فقال: «راجت في تلك الفترة روايات تقول إن العراق هو الحلقة الأولى من برنامج أميركي للمنطقة يتضمن لاحقاً عملاً عسكرياً ضد إيران وسوريا. الحقيقة أنني خلال لقاءاتي مع المسؤولين الأميركيين من مدنيين أو عسكريين لم أسمع يوماً بتوجه من هذا النوع. لم يصدر عن الأميركيين أي تلميح في هذا الاتجاه. ربما كان مثل هذا الكلام مجرد تحليلات أو أطلقته جهات أخرى لإشاعة التوتر أكثر في المنطقة. شكا الأميركيون أمامي من دور إيران. شَكَوا لاحقاً من الدور الذي يلعبه سليماني في دعم مجموعات تستهدفهم، لكنهم لم يتحدثوا مطلقاً عن استهداف إيران نفسها أو سوريا التي اتهموها بفتح حدودها لتسريب متشددين ومتطرفين لمقاتلة القوات الأميركية في العراق».

أحمدي نجاد يزور العراق المحتل

ستبعث طهران لاحقاً بمزيد من الرسائل. حين تم تشكيل مجلس الحكم الأميركي توزَّع أقطاب المعارضة الموالية لإيران على مقاعده أسوةً بآخرين. رسالة أخرى جاءت في 2007. هبطت في مطار بغداد طائرة تحمل زائراً غير عادي. جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى العراق المحتل، كأنه أراد التذكير بأن إيران جزء من القدر الجغرافي للعراق وأنها ستبقى جارته بعد أن يتعب الأميركيون ويقرروا الانسحاب.
شاهد أحمدي نجاد بأُمِّ العين حجم الانتشار العسكري الأميركي الهائل والذي كان يقدَّر بـ170 ألف جندي. كان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، قريب مسعود وعضو القيادة في حزبه، رئيس بعثة الشرف المرافقة لأحمدي نجاد. جرت اتصالات أقنعت نقاط التفتيش الأميركية بعدم توقيف الموكب. لكن نقطة واحدة خالفت ما اتُّفق عليه، وتبين أن أفرادها كانوا يأملون بالتقاط صورة مع الرئيس الزائر. لم يمانع الرئيس الإيراني لكنّ البعثة المرافقة نصحته بعدم الخروج من سيارته. ترك الغياب العربي عن بغداد آثاره على المشهد المقبل الذي حمل في بعض ملامحه بصمات الحضور الإيراني.

رفض الشماتة في صدّام

رافق حلم إطاحة صدّام مسعود البارزاني على مدار عقود رغم الهدنات والاتفاقات. وكان يُشترط للضلوع في أي خطة ضد سيد بغداد أن يكون البديل ديمقراطياً وفيدرالياً. لم يحاول مسعود زيارة صدّام في سجنه. ولم يذهب إلى جلسات محاكمته. ويختصر موقفه بالقول: «الشماتة ليست من شيم الرجال». ورغم ما أصاب الأكراد على يد صدّام، يعترف مسعود للرجل بأنه كان الأجرأ في البداية في مقاربة حق الأكراد في الحكم الذاتي.

تابع العالم سقوط تمثال صدّام وعدّه ختام مرحلة. وهو كان كذلك. مسعود بارزاني كان مرتاحاً لسقوط عدوه لكنه كان خائفاً أن يغرق العراق في تصفية الحسابات الدموية، وهي كثيرة. كان يخشى من الفراغ الذي سيخلِّفه إخراج صدّام من المعادلة بعدما كان على مدى عقود العمود الفقري للنظام. كان يخشى صداماً بين الشيعة والسنة، وبين العرب والأكراد. وأن تتقدم القوى الإقليمية لتكريس العراق ساحة لأحلامها القديمة والجديدة. وأظهرت الأيام أن مخاوف مسعود كانت في محلها، فقد تصبَّب الدم غزيراً في بغداد وخارجها قبل أن يلتقط العراق أنفاسه.
أطبقت الآلة العسكرية الأميركية على العراق وكانت النتيجة معروفة سلفاً. الجيش العراقي الذي خرج منهكاً من الحرب المريرة مع إيران ومن ذيول غزو الكويت عانى أيضاً من قيود الحصار. بين الجيشين المتجابهين هوّة واسعة في الجهوزية والتكنولوجيا والإمكانات. ثم إن عقلية صدّام نفسه هي عقلية محارب من زمن الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب مع إيران جاء إلى اجتماع لكبار العسكريين مصطحباً معه كراساً للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.
خشي مسعود أن يتعرض العسكريون العراقيون في المناطق الكردية لأعمال ثأر رداً على عمليات الأنفال وتدمير آلاف القرى. أصدر أوامره الصارمة وحققت أغراضها. استسلم نحو 15 ألف ضابط وجندي فتم جمعهم في معسكرات وتأمين الغذاء والعناية لهم قبل مغادرتهم عائدين إلى مناطقهم. لم تشهد مناطق كردستان العراق عمليات قتالية، ولم يكن الجيش قادراً على التصدي للغارات الجوية الأميركية.
حين سقط نظام صدّام، يقول مسعود، «تذكرت الآية الكريمة: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير». تذكر أيضاً يوم توجه وهو صبي إلى قصر الرحاب بعد المجزرة التي شهدها في 1958 وقرأ في مكان هناك عبارة تؤكد أن «الظلم لا يدوم».

ذهول وضياع في بغداد

سادت في بغداد حالة من الذهول والضياع. الأنظمة التي تعاقبت بعد ثورة 1958 لم تدرِّب القوى العراقية على التحلق حول طاولة والوصول إلى قواسم مشتركة، فكيف حين يتعلق الأمر بأسلوب حكم البلاد؟ لم تكن الأحزاب المعارضة لصدّام تمتلك مقرّات في بغداد. توجهت إلى العاصمة على عجلٍ ونزل مسعود وفريقه في فندق «برج الحياة» الذي تحول مقراً للمداولات والاجتماعات. لم تكن القوى التي عادت إلى بغداد جاهزة للاتفاق وأضاعت فرصة. يقول مسعود إن أميركا أوفدت الجنرال جاي غارنر حاكماً مؤقتاً للعراق وطلبت من القوى العراقية الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة لتنتقل إليها الصلاحيات. لم تعتد القوى الموجودة على فكرة التسوية وتبادل التنازلات، وتصرف معظمها كأن الفرصة تاريخية لانتزاع أكبر قدر من المكاسب. أسابيع ولم يتمكن العراقيون من الاتفاق على صيغة حكومة كان يمكن أن تُجنِّب العراق المزيد من الآلام.
كان أحمد الجلبي «متنبهاً لضرورة تشكيل حكومة. كان يلحّ على ضرورة الاتفاق قائلاً إن علينا أن ننجز ذلك قبل أن نُفاجأ بقرار ما يخلط الأوراق ويعقِّد المسألة. شدد مرات عدة على ضرورة حسم الموضوع لكننا لم ننجح. بعد كل اجتماع كنّا نعود إلى نقطة الصفر. هذه الحقيبة للحزب الفلاني وتلك لحزب آخر. أظهرت المداولات الكثير من الخلافات وصحّ ما توقعه الجلبي. لن يقيم الجنرال غارنر طويلاً وسيأتي بعده بول بريمر وسيحدث تطور كبير وهو تحول الولايات المتحدة وبرغبتها إلى قوة احتلال».

«حكم بالإعدام على رجل ميت»

يشبّه مسعود قرار بريمر حل الجيش العراقي «بإصدار حكم بالإعدام على شخص ميت». ويوضح قائلاً: «أدى الهجوم الأميركي إلى تفكك الجيش العراقي وتحلله. لم تعد هناك معسكرات أو تشكيلات أو قيادة أو رتب. لم يكن لقرار الحل من مبرر. كان الأجدى اتخاذ قرار سريع بإعادة تشكيل الجيش على أسس وطنية وديمقراطية سليمة». ونفى علمه بوجود خطة آنذاك تقضي بأن يلعب ضباط وجنود عراقيون دوراً في حفظ الأمن في المدن تفادياً لحصول احتكاكات بين الجيش الأميركي والأهالي. كما نفى أن يكون حزبه لعب سابقاً دوراً في إخراج رئيس الأركان السابق الفريق الركن نزار الخزرجي من بغداد، مؤكداً أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «هي التي أخرجته ونحن سمحنا بمروره في مناطقنا». ويلاحظ أن «الظلم الذي ألحقه النظام بالشعب العراقي بمختلف مكوناته جعل الكثيرين في الشمال والجنوب يستقبلون الجيش الأميركي بالورود في أيام دخوله».

حبل المشنقة لا شرفة التاريخ

أغلب الظن أن صدّام لم يكن يتوقع مغادرة القصر إلا إلى التاريخ. وأن يجلس على الشرفة إلى جانب صلاح الدين وأبو جعفر المنصور الذي بنى بغداد. لكنّ العراق وليمة مسمومة لحكامه. لم يتوقع أن يدفع ثمن ما فعله أسامة بن لادن في نيويورك وواشنطن. ولا خيط بين الرجلين غير الكره المتبادل. لم يتوقع أيضاً أن تقوم مدرعة أميركية باقتلاع تمثاله من ساحة الفردوس. وأن تبث الشاشات مشهد إخراجه من حفرة. وأن يُدفع وراء القضبان. وأن يلتفّ الحبل حول عنقه أسوةً بما فعل بكثيرين. وأن تُطرح جثته في «المنطقة الخضراء» على مقربة من منزل مَن وقَّع قرار إعدامه.
تذكرتُ ما قاله لي زعيم عربي. «كان مشهد صدّام بين أيدي الجنود الأميركيين صعباً. رسالة قاسية وبغضّ النظر عن أخطائه. لكن في النهاية يعد محظوظاً لأنه لو وقع في أيدي الميليشيات التي جاءت من وراء الحدود لقامت بسحله في شوارع بغداد أسوةً بنوري السعيد. في أي حال لقد حرم سجانيه من فرصة إذلاله وبشهادتهم».
حاكمان عربيان أُصيبا بقلق شديد من رؤية صدّام في أيدي الجنود الأميركيين ثم من رؤيته يُعدم وسط صيحات ابتهاج وفي توقيت انتقدته أطراف عراقية عدة؛ الأول معمر القذافي، والآخر علي عبد الله صالح، ولم يتردد الاثنان في المجاهرة بقلقهما. والحقيقة أن القذافي كان قد أُصيب بمرض الخوف من الأميركيين منذ مهاجمة الطائرات الأميركية مقر إقامته في ثكنة باب العزيزية في 1986. وفي تلك الليلة كان بارزاني في طرابلس بناءً على إلحاح العقيد وتدخلتْ الصدفة لإنقاذه.
يفضّل حاكم العراق استقبال الموت بلا انحناء. ذات يوم روى لي الضابط المتوتر عبد الغني الراوي كيف أمر بإطلاق النار على الزعيم عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة. لم ينحنِ قاسم ورفض وضع العصبة على عينيه رغم مراراته من رفيقه اللدود عبد السلام عارف. ليس من عادة حاكم العراق استقبال الموت هادئاً في سريره.


مقالات ذات صلة

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

المشرق العربي انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

راجت أنباء عن وقوع محاولة لقتل مسؤول كردي سوري بارز في السليمانية بشمال العراق مساء اليوم الجمعة. فقد أورد موقع «صابرين نيوز» القريب من الحرس الثوري الإيراني، نقلاً عن «مصادر كردية»، أن قصفاً استهدف قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي «في محاولة اغتيال فاشلة بواسطة طائرة مسيّرة». من جهتها، أعلنت مديرية قوات الأمن (آسايش) في مطار السليمانية أنها تحقق في انفجار وقع قرب سياج مطار السليمانية دون أن يسفر عن خسائر بشرية أو مادية، مشيرة إلى أن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على الحريق الناجم عنه سريعاً، بحسب موقع «رووداو» الكردي.

المشرق العربي مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

في إحدى الكنائس في الأردن، تخيط العشرينية سارة نائل قميصاً ضمن مشروع أتاح لعشرات النساء اللواتي فررن من العنف في العراق المجاور، مهارات لكسب لقمة العيش. نجت نساء عديدات بصعوبة من العنف المفرط الذي مارسته «دولة الخلافة» التي أعلنها تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من العراق وسوريا، قبل أن ينتهي بهن المطاف في الأردن يعانين للحصول على عمل. تنكب سارة نائل (25 عاماً)، وهي لاجئة مسيحية عراقية من بلدة قرقوش تعلمت مهنة الخياطة في الطابق الثالث في كنيسة مار يوسف في عمان، على ماكينة الخياطة في طرف المكان لتخيط قطعة قماش مشرقة زرقاء اللون تمهيداً لصنع قميص. وتقول سارة التي وصلت إلى الأردن عام 2019 وبدأت تعم

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي «الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

«الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة، أمس (الاثنين)، لصالح الدفع قدماً بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة تأكيد دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال. وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتاً، أي تجاوز الستين صوتاً اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو، مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة أمس (الاثنين) لصالح الدفع قدما بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة التأكيد على دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال، وفقاً لوكالة «رويترز». وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتا أي تجاوز الستين صوتا اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع. وجميع الأصوات الرافضة كانت لأعضاء في الحزب الجمهوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي 20 عاماً على الزلزال العراقي

20 عاماً على الزلزال العراقي

تحلُّ اليومَ، الأحد، الذكرى العشرون للغزو الأميركي للعراق، وهو حدثٌ كان بمثابة زلزال ما زالت المنطقة تعيش تداعياتِه حتى اليوم. لم يستمع الرئيسُ الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش، لتحذيراتٍ كثيرة، غربيةٍ وعربية، سبقت إطلاقَه حرب إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وحذرته من أنَّ خطوتَه ستفتح «باب جهنم» بإدخال العراق في فوضى واقتتال داخلي وستسمح بانتشار التطرفِ والإرهاب. أطلق بوش حملةَ إطاحة صدام التي أطلق عليها «الصدمة والترويع» ليلة 19 مارس (آذار) بقصفٍ عنيف استهدف بغداد، في محاولة لقتل الرئيس العراقي، قبل إطلاق الغزو البري.


تقرير: إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة في شرق حي التفاح بمدينة غزة

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

تقرير: إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة في شرق حي التفاح بمدينة غزة

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

أصدر الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم (الخميس)، «أوامر إخلاء» جديدة للمواطنين في شرق حي التفاح بمدينة غزة.

وأفادت مراسلة وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «جيش الاحتلال أصدر أمر إخلاء لمربع سكني كامل في المنطقة التي يصفها بالآمنة، شرق حي التفاح، تمهيداً لنسفه، ولتوسيع ما يسمى (المكعبات الصفراء) لمسافة إضافية تزيد على 100 متر، وبعرض يزيد على 300 متر».

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

وأضافت «وفا» أن حركة نزوح واسعة بدأت لمئات العائلات من شرق حي التفاح.

وذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن الجيش قال إن القوات في شمال قطاع غزة «أطلقت النار على عنصر إرهابي، وقتلته بعد أن عبر خط وقف إطلاق النار، واقترب من القوات»، ما شكّل ما وصفه الجيش بأنه «تهديد مباشر».


إصابة رضيعة فلسطينية بهجوم مستوطنين في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
TT

إصابة رضيعة فلسطينية بهجوم مستوطنين في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

أصيبت رضيعة فلسطينية من جراء هجوم نفّذه مستوطنون على منزل في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي الفلسطيني الخميس، بينما أعلنت الشرطة الإسرائيلية توقيف خمسة مستوطنين للاشتباه بضلوعهم في الاعتداء.

وأفادت «وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية» (وفا) بإصابة «الرضيعة ميار الشلالدة (8 أشهر) بجروح في الوجه والرأس» من جراء «هجوم للمستعمرين على منازل المواطنين في بلدة سعير شمال شرقي الخليل» بالضفة الغربية.

وأوضحت أنه إثر الهجوم الذي وقع في وقت متأخر من مساء الأربعاء، تمّ نقل الطفلة إلى المستشفى حيث «وصفت إصابتها بالمتوسطة، كما لحقت أضرار كبيرة بممتلكات ومنازل المواطنين».

بدورها، أعلنت الشرطة توقيف خمسة من المشتبه بهم على خلفية «تورّطهم المزعوم في حوادث عنف خطيرة في قرية سعير».

جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)

وأضافت في بيان أن قوات الأمن تلقت بلاغات عن «قيام مدنيين إسرائيليين برشق منزل فلسطيني بالحجارة»، مشيرة إلى إصابة طفلة فلسطينية من جراء ذلك.

وأوضح البيان أن «التحقيق الأولي حدّد تورّط عدد من المشتبهين الذين قدموا من بؤرة استيطانية قريبة»، في إشارة إلى المستوطنات غير المعترف بها رسمياً من قبل السلطات الإسرائيلية.

من جهة ثانية، أكد الجيش الإسرائيلي تورط جندي احتياط في واقعتين في قرية دير جرير شمال شرقي رام الله، وأشار إلى «لقطات تظهر شخصاً مسلحاً يدهس فلسطينياً».

وأظهر مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي رجلاً يقود مركبة رباعية الدفع ويحمل سلاحاً على ظهره بينما يصدم فلسطينياً كان يصلي على جانب الطريق.

وبحسب بيان الجيش فإن المسلح «جندي احتياط» وهو متورط في واقعة ثانية في محيط قرية دير جرير حيث «استخدم سلاحه وهو بملابس مدنية».

وعدّ الجيش الإسرائيلي في بيانه ما جرى «انتهاكاً صارخاً»، مؤكداً أنه تم سحب سلاحه وإنهاء خدمته كجندي احتياط.

وأظهرت اللقطات أيضا جندي الاحتياط وهو يعتدي على سائق إحدى مركبات الأجرة الذي تواصلت معه «وكالة الصحافة الفرنسية» ويدعى مجدي أبو مخو وهو والد الشاب الذي تم دهسه.

وقال أبو مخو إن «مستوطنين أغلقوا مدخل القرية ما استدعى توقف السيارات»، الأمر الذي دفع ابنه محمداً (23 عاماً) للنزول «وأداء صلاة الظهر في الشارع».

وبحسب أبو مخو «حاولت أن أنادي على محمد ليصعد إلى السيارة ونغادر المكان، فقام المستوطن برشنا بغاز الفلفل».

وأكد الأب أنه لم يعد «قادراً على الرؤية، قام شاب بقيادة السيارة وأخذنا إلى مركز الطوارئ في قرية سلواد» القريبة.

وبحسب الأب، يعاني ابنه من آلام في الرجلين بسبب الدهس.

جنود إسرائيليون خلال عملية عسكرية في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

ووضح أبو مخو أن المستوطن «معروف، بنى بؤرة استيطانية بالقرب من القرية، دائماً ما يأتي بالبقر الذي لديه ويغلق الطريق ويستفز السكان هو ومستوطنون آخرون».

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد أفاد بأن شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2025 كان الأسوأ من حيث عنف المستوطنين، منذ بدء توثيق هذه الحوادث عام 2006، حيث سُجّل 264 هجوماً أسفرت عن إصابات أو أضرار بالممتلكات.

ارتفعت وتيرة العنف في الضفة الغربية المحتلة بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023.

وقُتل مذاك ما لا يقل عن 1028 فلسطينياً، بينهم مسلحون، على أيدي القوات أو المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية.

في الفترة ذاتها، قُتل ما لا يقل عن 44 إسرائيلياً بينهم جنود، في هجمات نفّذها فلسطينيون أو خلال عمليات عسكرية إسرائيلية، بحسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية.


جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
TT

جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)

كانوا من كبار رجال الاستخبارات والجنرالات في عهد بشار الأسد، ومارسوا على مدار أكثر من عقد قمعاً وحشياً ضد انتفاضة شعبية في سوريا. والآن، بعد عام من فرارهم إثر سقوط نظام الأسد، يخططون لزعزعة الحكومة الوليدة، التي أطاحت بهم، وربما استعادة سيطرتهم على جزء من البلاد.

أما في ما إذا كان هؤلاء المسؤولون من النظام السابق يشكلون بالفعل تهديداً حقيقياً للسلطات السورية الجديدة، فمسألة لا يزال يكتنفها الغموض؛ ومع ذلك، يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، من خلال مقابلات أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مع مشاركين في تلك التحركات، وبالاطلاع على مراسلات جرت بينهم، أنهم عازمون على إعادة بسط نفوذهم في سوريا، التي لا تزال تعصف بها التوترات بعد أكثر من 13 عاماً من اشتعال حرب أهلية.

في خضم ذلك، تعكف بعض هذه القيادات السابقة على بناء حركة تمرد مسلح من المنفى، ويدعم أحدهم مجموعة تقف وراء حملة ضغط (لوبي) في واشنطن، تقدر تكلفتها بملايين الدولارات. ويأمل العديد منهم في إحكام السيطرة على الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد وكثير من كبار قادته العسكريين والأمنيين.

غياث سليمان دلا الجنرال في الفرقة الرابعة (مواقع تواصل)

عن ذلك، قال غياث الدلا (45 عاماً)، القائد السابق في الفرقة الرابعة، التي كانت تثير الرعب في سوريا في وقت مضى، خلال مكالمة هاتفية مع أحد مرؤوسيه، أبريل (نيسان) الماضي، من لبنان، جرى التنصت عليها دون علمه: «لن نبدأ حتى نتسلح بالكامل».

وجاءت هذه المحادثة ضمن عشرات المحادثات النصية والمكالمات الصوتية والمحادثات الجماعية، التي جرى نسخها ومشاركتها مع الصحيفة، من قبل مجموعة من النشطاء السوريين، الذين قالوا إنهم اخترقوا هواتف قادة كبار في نظام الأسد قبل سقوطه، وما زالوا يراقبونهم منذ ذلك الحين.

وراجعت الصحيفة هذه المواد، وتحققت من تفاصيلها مع مسؤولين سوريين يراقبون هؤلاء القادة السابقين، وكذلك مع أشخاص على تواصل أو يعملون مع الذين جرى اختراقهم. وقد شارك النشطاء جزءاً فقط من المواد التي بحوزتهم، وطلبوا عدم كشف هويتهم، حفاظاً على قدرتهم على الاستمرار في المراقبة.

متهمان بجرائم حرب

سهيل الحسن الملقب بـ«النمر» (إكس)

من أبرز الشخصيات التي تدور حولها هذه الجهود سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق بنظام الأسد، وكمال حسن، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية. وكلا الرجلين يخضع لعقوبات دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

وتكشف المراسلات النصية والمقابلات مع المشاركين أنهما وزّعا أموالاً، وجندا مقاتلين، وتولت شبكة سهيل الحسن شراء أسلحة. يذكر أن الرجلين توجها إلى المنفى في موسكو رفقة الأسد، في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن يبدو أن كليهما قادر على السفر، رغم العقوبات الدولية.

كمال الحسن الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية السورية

وحسب مراسلات نصية تتعلق بموقعه، التقى سهيل الحسن بمتعاونين معه في لبنان والعراق، وحتى داخل سوريا، خلال العام الماضي.

كما أشارت مضامين رسائل إلى أن كمال حسن زار لبنان. وقد أكد ذلك مساعد له وشخص جرى تجنيده للعمل لحسابه، وأحد معارفه الذين قالوا للصحيفة إنهم التقوا به هناك، واشترطوا جميعاً عدم ذكر أسمائهم.

ولم تتمكن الصحيفة من التواصل مع سهيل الحسن. أما كمال حسن فقد نفى عبر رسائل نصية أن يكون متورطاً في إثارة تمرد مسلح.

في المقابل، قلل المسؤولون السوريون، الذين يتولون مراقبة أي محاولات تمرد من خطورة هذا التهديد. جدير بالذكر أن سوريا لا تزال ترزح تحت وطأة انقسامات عميقة، إثر حرب أهلية تجاوز قتلاها 600 ألف شخص.

وقد أكد اثنان من المسؤولين السابقين المتعاونين مع الجنرالات أنهم قادرون على تجنيد أفراد من الطائفة العلوية، التي يعتمل الخوف في نفوس أبنائها، وتعج صفوفهم بالعسكريين السابقين.

ومع ذلك، من غير الواضح بعد عدد الذين سيستجيبون لدعوة المشاركة في التمرد على النظام الحالي؛ خصوصاً وأن الكثير من العلويين لا يزالون ينقمون بشدة على النظام السابق، بعد سنوات الحرب الدامية.

«خادمكم برتبة مجاهد»

تعود أقدم المراسلات التي اطلعت عليها الصحيفة إلى أبريل 2025، عندما لاحظ النشطاء تصاعداً في النشاط بين بعض المستهدفين بالمراقبة.

وقبل ذلك بشهر، سقط أكثر من 1600 قتيل، معظمهم من العلويين، في إطار موجة من أعمال العنف الطائفي على أيدي آلاف المسلحين، الذين سارعوا بالتوجه إلى الساحل السوري بعد أن شن عناصر أمن سابقون في نظام الأسد هجوماً منسقاً ضد قوات الحكومة الجديدة، أسفر عن مقتل 16 جندياً.

وقد استغل مسؤولو النظام السابق هذه المجزرة نداء تعبئة لاستقطاب مقاتلين من الطائفة العلوية. ومن بين أكثر النشطاء في هذا المجال، سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق، الذي أُطلق عليه لقب «النمر»، بسبب شراسته في المعارك. واشتهر داخل أوساط المعارضة السورية بتكتيكات الأرض المحروقة، ويواجه اتهامات بإصدار أوامر بشن ضربات جوية ضد مدنيين.

ولطالما كان سهيل الحسن من الأشخاص المفضلين لدى الروس، ومن أوائل من أجلتْهم موسكو لدى انهيار النظام، حسب أربعة ضباط سابقين. إلا أنه لم يرض، على ما يبدو، بالبقاء ساكناً في روسيا.

ومن أبريل وحتى الصيف، أظهرت مراسلات بين الحسن وآخرين، اطلعت عليها الصحيفة، تخطيطه للعودة. وكان من بينها جداول مكتوبة بخط اليد أُرسلت من هاتفه في أبريل، تصف عدد المقاتلين والأسلحة في قرى مختلفة على امتداد الساحل السوري.

وقد أرسل الحسن هذه الجداول إلى شخص خاطبه بـ«القائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة»، وقال إنه «تحقق» من هويات أكثر من 168 ألف مقاتل، منهم 20 ألفاً يحملون رشاشات، و331 لديهم مدافع مضادة للطائرات، و150 يحملون قنابل مضادة للدبابات، و35 قناصاً لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم. وكان يختم كل رسالة بالعبارة نفسها: «خادمكم، برتبة مجاهد».

مخلّص العلويين

رجل الأعمال السوري وابن خال بشار الأسد رامي مخلوف (فيسبوك)

اللافت أن الحسن لم يذكر اسم قائده قط في الرسائل التي اطلعت عليها الصحيفة، لكن ثلاثة أشخاص مطلعين قالوا إنه يعمل مع رامي مخلوف، أحد كبار رجال الأعمال السوريين وابن خال الأسد الذي فر هو الآخر إلى موسكو. وقالوا إن مخلوف موّل جهود الحسن، كما أرسل مبالغ كبيرة إلى أسر علوية فقيرة على امتداد الساحل السوري.

ويقدّم مخلوف نفسه قائداً مخلّصاً مستعداً لقيادة العلويين في سوريا. وحسب مصادر مقربة منه، لديه اعتقاد بأنه قادر على التنبؤ بالأحداث عبر نص غامض يملكه. وقد رفضت أسرته ترتيب مقابلة معه لحساب الصحيفة.

‏العميد الركن غياث دلا قائد قوات الغيث (الثالث إلى من اليمين) من بين الحضور في أداء القسم الرئاسي صيف 2021

بحلول الربيع، أظهرت المراسلات أن الحسن جنّد غياث الدلا، الجنرال في الفرقة الرابعة. وفي إحدى المحادثات النصية، قال الدلا للحسن إنه وزّع 300 ألف دولار مدفوعات شهرية للمقاتلين المحتملين والقادة، بمعدل يتراوح بين 200 و1000 دولار شهرياً. كما طلب الموافقة على شراء معدات اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية مقابل نحو 136 ألفاً و600 دولار.

وخلال الرسائل، ذكر الدلا أنه يقيم في منزل بلبنان، قرب الحدود السورية، وأنه وعائلته يفتقرون إلى الكهرباء والطلاء على الجدران.

وفي محادثات أخرى، وصف اجتماعاته مع قادة ميليشيات عراقية مدعومة من إيران، ناقشوا خلالها طرق تهريب الأسلحة لعناصر متمردة، دون استثارة هجمات إسرائيلية أو رصدهم من قبل السلطات السورية. كما أشار إلى لقاءات مع ممولين محتملين.

وأظهرت مراسلات أخرى أن الدلا أوقف خطط اغتيال، وسعى للحصول على طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، ذكر أن بعضها مخبأة داخل سوريا.

نقل 20 طياراً إلى لبنان

محمد حاصوري قائد ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 50 ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ السوري الذي أسقط قنابل غاز السارين على مدينة خان شيخون شمال سوريا (متداولة)

وفي أبريل، انضم جنرال سابق آخر إلى الشبكة، هو محمد الحاصوري (60 عاماً)، قائد سلاح الجو المتهم بشن هجوم بأسلحة كيميائية على بلدة خان شيخون عام 2017.

وكتب الحسن أن مسؤولين إيرانيين نقلوا الحاصوري و20 طياراً سابقاً عملوا في ظل النظام السابق، إلى فندق في لبنان. وقال إنهم أبدوا رغبةً في البقاء والانضمام إلى التمرد إذا ما جرى تأمين تكاليف الإقامة والطعام لهم.

وأكد مسؤول سابق في النظام، قال إنه على تواصل مع الحاصوري، صحة هذا الأمر في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه استطرد بأن الخطط انهارت بعد ذلك بشهر، مضيفاً أن الشبكة الأوسع التي حاول الدلا والحسن تشكيلها بدأت تتفكك.

طريق نحو واشنطن

خلال المراسلات التي جرى اعتراضها، جرى وصف كمال حسن، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، بأنه يقدم أموالاً لأنصاره والمجندين المحتملين.

يذكر أن حسن يخضع لعقوبات أميركية، لتوليه الإشراف على فرعين سيئي السمعة من الاستخبارات العسكرية، أظهرت صور مسربة في 2014 تورط الفرعين في تعذيب وإعدامات ممنهجة.

من عناصر الخلية التي قالت وزارة الداخلية إنها تتبع رامي مخلوف في اعتقالاتها الأخيرة (الوزارة)

ولدى سؤاله عن هذه الاتهامات، قال: «أعتبرها سياسية وادعاءات فقط، لأنها تفتقر إلى التوثيق». كما نفى مزاعم أنه موّل متمردين، واصفاً إياها بأنها «تنطوي على الكثير من المغالطات والحقائق المشكوك بها».

وقال اثنان من المتعاونين مع كمال حسن إنه يركز أكثر على بناء شبكة نفوذ، بدلاً من قيادة تمرد مسلح. وذكروا أنه العقل المدبر وراء «مؤسسة تطوير سوريا الغربية»، ومقرها بيروت.

وتُقدّم المؤسسة نفسها باعتبارها جهة تدافع عن الأقليات السورية، وتوفر مساكن للعلويين الذين لجأوا إلى لبنان. لكن حسب المتعاونين مع الحسن، فإنه يستخدمها للضغط على واشنطن من أجل فرض «حماية دولية» على المنطقة العلوية في سوريا.

نزوح إلى لبنان عبر النهر الكبير على الحدود بين سوريا ولبنان في عكار 12 مارس 2025 هرباً من مواجهات طائفية في الساحل (نيويورك تايمز)

وتظهر عدة فيديوهات عبر الإنترنت لاجئين سوريين في لبنان، يشكرون حسن على دعمه المالي، كما جاء في منشور على صفحة المؤسسة على «فيسبوك»، أن «جميع تكاليف الحملة» لمشروع إسكان اللاجئين العلويين «مغطاة بالكامل من قبل المواطن السوري اللواء كمال حسن».

وحسب وثائق أميركية صادرة في أغسطس (آب)، استعانت مؤسسته بشركة الضغط السياسي الأميركية «تايغر هيل بارتنرز»، والمستشار السابق لترمب والمدير التنفيذي السابق لشركة «بلاكووتر»، جوزيف إي. شميتز، في عقد بقيمة مليون دولار لتمثيلها.

في البداية، أحال حسن طلب صحيفة «نيويورك تايمز» لعقد مقابلة معه، إلى شميتز، واصفاً إياه بمحاميه، ثم أنكر لاحقاً أي صلة بالمؤسسة أو «بأي منظمة سورية»، مضيفاً: «لكن من حيث المبدأ، أدعم وأشجع أي خطوة تخدم التنمية والسلام في سوريا».

نشاط «تايغر هيل»

من جهته، رفض شميتز التعليق نيابةً عن الحسن، لكنه قال باسم المؤسسة إنهم يعملون لضمان حماية وتمثيل الأقليات في سوريا.

ونشرت المؤسسة عبر وسائل التواصل لقاءات مع مكاتب 6 نواب أميركيين، بينهم النائب براين ماست من فلوريدا، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، والسيناتورة جين شاهين من نيوهامبشر، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

وأكد مساعدو شاهين وماست وآخرون عقد لقاءات مع ممثلين عن «تايغر هيل»، ووصفوها بالروتينية ومع موظفي مكاتبهم فقط.

وأفاد عدة دبلوماسيين في سوريا بأنهم يرون في حملات الضغط هذه مصدر قلق أكبر من مخططات التمرد، إذ قد تمهد تدريجياً لتصاعد دعوات لإنشاء منطقة شبه مستقلة في سوريا.