زوال الغابات الجبلية يتسارع بوتيرة كبيرة

طريق فُتحت حديثاً في إحدى الغابات الجبلية المحمية في إندونيسيا (أ.ف.ب)
طريق فُتحت حديثاً في إحدى الغابات الجبلية المحمية في إندونيسيا (أ.ف.ب)
TT

زوال الغابات الجبلية يتسارع بوتيرة كبيرة

طريق فُتحت حديثاً في إحدى الغابات الجبلية المحمية في إندونيسيا (أ.ف.ب)
طريق فُتحت حديثاً في إحدى الغابات الجبلية المحمية في إندونيسيا (أ.ف.ب)

تتسبب أنشطة استغلال الغابات والحرائق والزراعة بزوال غابات الجبال بوتيرة متسارعة، وفق ما أظهرته دراسة حديثة دق معدوها ناقوس الخطر بشأن تفاقم الوضع في هذه المناطق الحيوية في العالم.
تُعدّ الجبال موطناً لـ85 في المائة من الطيور والثدييات والبرمائيات في العالم، خاصة في الغابات، مما يجعل فقدانها ينذر بالخطر على التنوع البيولوجي.
وقد غطت الغابات الجبلية 1,1 مليار هكتار من مساحة الكوكب عام 2000، بحسب معدي هذه الدراسة التي نشرت نتائجها مجلة «وان إيرث». لكن ما لا يقل عن 78,1 مليون هكتار، أو 7,1 في المائة من المساحة الإجمالية، زال بين عامي 2000 و2018، بحسب خلاصات توصل إليها الباحثون باستخدام بيانات الأقمار الصناعية.
كما أن وتيرة فقدان هذه الغابات آخذة في التسارع، فقد كانت الخسائر الأخيرة أكبر بـ2,7 مرة مما كانت عليه في بداية القرن الحالي.
وحذر معدو الدراسة خصوصاً من أن المناطق الأكثر تضرراً (42 في المائة من المجموع)، والتي تشهد أيضاً التسارع الأكبر، هي الغابات الجبلية الاستوائية التي تزخر بالتنوع الحيوي وتستضيف أجناساً كثيرة مهددة بالانقراض.
وقال الباحث المشارك في الدراسة زينزونغ تسنغ لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الخسائر المسجلة في جبال الغابات في المناطق الاستوائية تتزايد بسرعة كبيرة، أكثر من المناطق الأخرى»، وبما أن «التنوع البيولوجي غني جداً في هذه الأماكن، فإن التأثير هائل».
ولاحظ الباحثون أن الارتفاعات الكبيرة والمنحدرات الشديدة حدّت تاريخياً من الاستغلال البشري لهذه الغابات. لكن منذ مطلع القرن الحالي، أصبحت هذه المناطق مستهدفة بشكل متزايد من أجل الأخشاب والزراعة.
منطقة حرجية في رومانيا قُطعت فيها أشجار بطريقة غير قانونية (أ.ف.ب)
ويُعتبر قطع الأشجار مسؤولاً عن 42 في المائة من خسارة الغابات الجبلية، تليها حرائق الغابات (29 في المائة)، والزراعة المتحركة (15 في المائة)، والزراعة الدائمة أو شبه الدائمة (10 في المائة)، بحسب الدراسة.
وتتضمن الزراعة المتحركة تطهير الأرض واستخدامها لبضع سنوات قبل التخلي عنها إلى أن تصبح خصبة مرة أخرى.
وأوضح زينزونغ تسنغ أن «العوامل تختلف باختلاف المناطق». وقال «في المناطق الشمالية، السبب يرتبط بتغير المناخ، لأنّ هناك ارتفاعاً في درجات الحرارة»، خصوصاً في القطب الشمالي، مما يسهّل اندلاع الحرائق.
ويُعدّ التوسع في الزراعة أهم سبب للخسائر المسجلة في جنوب شرق آسيا. ويقول تسنغ «يزرع الناس المزيد من أشجار المطاط أو نخيل الزيت للحصول على منتجات أكثر»، وهم «بحاجة إلى مزيد من الأراضي لزراعة الذرة وإطعام دواجنهم».
وتنتشر أنشطة الزراعة المتحركة بشكل رئيسي في إفريقيا وأميركا الجنوبية.
وبحسب الدراسة، فإن فقدان الغابات الجبلية يُسجّل بوضوح أكبر في آسيا، حيث تبلغ المساحة المعنية 39,8 مليون هكتار، أو ما يزيد قليلاً عن نصف المساحة الإجمالية للغابات المفقودة. كما تكبدت أميركا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا وأوروبا خسائر كبيرة على هذا الصعيد.
ويوضح الباحث «بالنسبة للمناطق الاستوائية، يحتاج الناس للعيش مع الغابة، وليس قطعها».
في بعض المناطق، لاحظ العلماء عودة أنواع محلية إلى النمو، لكن هذا المنحى ليس دائماً، كما أنه لا يعوّض بأي شكل من الأشكال الخسائر، وفق شينيوي هي، المشاركة أيضاً في إعداد الدراسة.
وتؤكد الباحثة ضرورة تكثيف الجهود للحفاظ على الغابات مع المزيد من الضوابط والقواعد. وتقول إن «إنشاء مناطق محمية يمكن أن يساعد في تقليل الخسائر».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق سمُّها قاتل (د.ب.أ)

عالم برازيلي يدوس على الثعابين السامّة لفهم دوافعها للعضّ

استخدم عالم أحياء برازيلي طريقة جديدة لدراسة السلوك الذي يدفع الثعابين السامّة للعضّ؛ وهي دراسة تُسهم في إنقاذ أرواح البشر الذين يتعرّضون للدغاتها.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق السعودية تواصل جهودها المكثّفة للحفاظ على الفهد الصياد من خلال توظيف البحث العلمي (الشرق الأوسط)

«الحياة الفطرية السعودية» تعلن ولادة 4 أشبال للفهد الصياد

أعلنت السعودية إحراز تقدم في برنامج إعادة توطين الفهد، بولادة أربعة أشبال من الفهد الصياد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق إرادة البقاء (علماء الحفاظ على البيئة)

60 تمساحاً تنتصر للحياة ضدّ الانقراض في كمبوديا

عثر علماء بيئيون على 60 تمساحاً سيامياً صغيراً، وهو رقم قياسي في فَقْس بيض هذا النوع المهدَّد بالانقراض في القرن الحالي؛ واصفين الاكتشاف بأنه «أمل حقيقي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الثعبان الضخم يسكن غابة الأمازون (شاترستوك)

بعد أن هاجمه... رجل يعض ثعباناً حتى الموت

قاوم رجل في الهند ثعباناً وعضه حتى الموت بعد أن هاجمه في منطقة نائية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
TT

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

القبلات المتطايرة التي تدفّقت من هاني شاكر إلى أحبّته طوال حفل وداع الصيف في لبنان، كانت من القلب. يعلم أنه مُقدَّر ومُنتَظر، والآتون من أجله يفضّلونه جداً على أمزجة الغناء الأخرى. وهو من قلّة تُطالَب بأغنيات الألم، في حين يتجنَّب فنانون الإفراط في مغنى الأوجاع لضمان تفاعل الجمهور. كان لافتاً أن تُفجّر أغنية «لو بتحبّ حقيقي صحيح»، مثلاً، وهو يختمها بـ«وأنا بنهار»، مزاج صالة «الأطلال بلازا» الممتلئة بقلوب تخفق له. رقص الحاضرون على الجراح. بارعٌ هاني شاكر في إشعالها بعد ظنّ أنها انطفأت.

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

تغلَّب على عطل في هندسة الصوت، وقدَّم ما يُدهش. كان أقوى مما قد يَحدُث ويصيب بالتشتُّت. قبض على مزاج الناس باحتراف الكبار، وأنساهم خللاً طرأ رغم حُسن تنظيم شركة «عكنان» وجهود المتعهّد خضر عكنان لمستوى يليق. سيطر تماماً، بصوت لا يزال متّقداً رغم الزمن، وأرشيف من الذهب الخالص.

أُدخل قالب حلوى للاحتفاء بأغنيته الجديدة «يا ويل حالي» باللهجة اللبنانية في بيروت التي تُبادله الحبّ. قبل لقائه بالآتين من أجله، كرَّرت شاشة كبيرة بثَّها بفيديو كليبها المُصوَّر. أعادتها حتى حُفظت. وحين افتتح بها أمسيته، بدت مألوفة ولطيفة. ضجَّ صيف لبنان بحفلاته، وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات، فكان الغناء بلهجته وفاءً لجمهور وفيّ.

بقيادة المايسترو بسام بدّور، عزفت الفرقة ألحان العذاب. «معقول نتقابل تاني» و«نسيانك صعب أكيد»، وروائع لا يلفحها غبار. الأغنية تطول ليتحقّق جَرْف الذكريات. وكلما امتّدت دقائقها، نكشت في الماضي. يوم كان هاني شاكر فنان الآهات المستترة والمعلنة، وأنّات الداخل وكثافة طبقاته، وعبق الورد رغم الجفاف والتخلّي عن البتلات. حين غنّى «بعد ما دابت أحلامي... بعد ما شابت أيامي... ألقاقي هنا قدامي»، طرق الأبواب الموصودة؛ تلك التي يخالها المرء صدأت حين ضاعت مفاتيحها، وهشَّم الهواء البارد خشبها وحديدها. يطرقها بأغنيات لا يهمّ إن مرَّ عُمر ولم تُسمَع. يكفيها أنها لا تُنسى، بل تحضُر مثل العصف، فيهبّ مُحدِثاً فوضى داخلية، ومُخربطاً مشاعر كوَقْع الأطفال على ما تظنّه الأمهات قد ترتَّب واتّخذ شكله المناسب.

هاني شاكر مُنتَظر والآتون من أجله يفضّلونه جداً (الشرق الأوسط)

تتطاير القبلات من فنان يحترم ناسه، ويستعدّ جيداً من أجلهم. لا تغادره الابتسامة، فيشعر مَن يُشاهده بأنه قريب ودافئ. فنانُ الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى، وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى، وللندبة فتتوارى قليلاً. ولا بأس إن اتّسم الغناء بالأحزان، فهي وعي إنساني، وسموّ روحي، ومسار نحو تقدير البهجات. ابتسامة هاني شاكر المتألِّمة دواخلَه، إصرار وعناد.

تراءى الفنان المصري تجسيداً للذاكرة لو كان لها شكل. هكذا هي؛ تضحك وتبكي، تُستعاد فجأة على هيئة جَرْف، ثم تهمد مثل ورقة شجر لا تملك الفرار من مصيرها الأخير على عتبة الخريف الآتي. «بحبك يا هاني»، تكرَّرت صرخات نسائية، وردَّ بالحبّ. يُذكِّر جمهوره بغلبة السيدات المفتتنات بأغنياته، وبما تُحرِّك بهنّ، بجمهور كاظم الساهر. للاثنين سطوة نسائية تملك جرأة الصراخ من أجلهما، والبوح بالمشاعر أمام الحشد الحاضر.

نوَّع، فغنّى الوجه المشرق للعلاقات: «بحبك يا غالي»، و«حنعيش»، و«كدة برضو يا قمر». شيءٌ من التلصُّص إلى الوجوه، أكّد لصاحبة السطور الحبَّ الكبير للرجل. الجميع مأخوذ، يغنّي كأنه طير أُفلت من قفصه. ربما هو قفص الماضي حين ننظر إليه، فيتراءى رماداً. لكنّ الرماد وجعٌ أيضاً لأنه مصير الجمر. وهاني شاكر يغنّي لجمرنا وبقاياه، «يا ريتك معايا»، و«أصاحب مين»؛ ففي الأولى «نلفّ الدنيا دي يا عين ومعانا الهوى»، وفي الثانية «عيونك هم أصحابي وعمري وكل أحبابي»، لتبقى «مشتريكي ما تبعيش» بديع ما يُطرب.

ضجَّ صيف لبنان بحفلاته وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات (الشرق الأوسط)

استعار من فيروز «بحبك يا لبنان» وغنّاها. بعضٌ يُساير، لكنّ هاني شاكر صادق. ليس شاقاً كشفُ الصدق، فعكسُه فظٌّ وساطع. ردَّد موال «لبنان أرض المحبّة»، وأكمله بـ«كيف ما كنت بحبك». وكان لا مفرّ من الاستجابة لنداء تكرَّر. طالبوه مراراً بـ«علِّي الضحكاية»، لكنه اختارها للختام. توَّج بها باقة الأحزان، كإعلان هزيمة الزعل بالضحكاية العالية.