الهند تسعى بدأب لفرض نفسها قوة عالمية مؤثرة

وسط التموضعات والتحالفات السياسية والاقتصادية المعقدة

اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
TT

الهند تسعى بدأب لفرض نفسها قوة عالمية مؤثرة

اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)

تعيش الهند موجة نشاط دبلوماسي كبير، بعد استضافتها سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية بالغة الأهمية، منها لقاء لوزراء خارجية «مجموعة العشرين»، ووزراء المالية، وكذلك لوزراء خارجية دول «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، بجانب «حوار رايسينا». وفي حين تحرص نيودلهي على تحقيق توازن دقيق للغاية ما بين تعزيزها روابطها مع الولايات المتحدة وحلفائها، وترددها تجاه انتقاد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، اختتمت أخيراً فعاليتين على صلة بـ«مجموعة العشرين». وجاء هذا بمثابة اختبار للدبلوماسية الهندية، في وقت ينقسم العالم فيه إلى معسكرين. وجاء الانقسام بين دول غربية تقودها الولايات المتحدة والحلف الروسي - الصيني، ليقوّض محاولة الهند بناء إجماع داخل اجتماعات وزراء خارجية ومالية دول «المجموعة». وشهد «اجتماع نيودلهي» لـ«مجموعة العشرين»، الذي جمع ممثلين عن أكثر 20 اقتصاداً متقدماً على مستوى العالم، تبادل عبارات حادة بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وعدد من وزراء الخارجية حول أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، استمر التوتر مع الصين بسبب ملحمة بالونات التجسس، مع أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، حث، في كلمته الافتتاحية، ورغم اعترافه بالانقسامات القائمة بين الدول الأعضاء في «المجموعة»، قادةَ الدول الأعضاء على التعاون بما يخدم مصالح العالم بشكل أوسع.
لقد توجه إلى الهند، التي تتقلد رئاسة «مجموعة العشرين»، هذا العام، أكثر من 40 مسؤولاً، بينهم وزراء خارجية جميع الدول الأعضاء تقريباً في المجموعة. وكانت هذه المرة الأولى التي يشهد فيها اجتماع وزراء خارجية «مجموعة» مثل هذا العدد الكبير من الدول. والملاحَظ هنا أن القيادة الهندية تحاشت حتى اللحظة توجيه انتقادات مباشرة لـ«الكرملين»، بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقاومت ضغوطاً غربية لاتخاذ موقف حاسم إزاء الحرب. والمعروف أن روسيا والهند تتشاركان في علاقات تقوم على الثقة، تمتد لعقود، منذ تأسيس هذه العلاقات إبان حقبة «الحرب الباردة»، كما كانت روسيا صديقة للهند خلال سنوات الفقر الصعبة التي جابهتها الأخيرة في خمسينات وستينات القرن الماضي، ووفرت لها تكنولوجيا منعها عنها الغرب، في بعض الأحيان.

بلينكن (رويترز)

«مجموعة العشرين»
تجدر الإشارة إلى أن «مجموعة العشرين» شُكّلت أثناء الأزمة المالية الآسيوية، عام 1999، لتغدو منتدى لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية الملحَّة، وضمان التعاون بين الدول المتقدمة والنامية. وكان الهدف من تشكيل «المجموعة»، في بادئ الأمر، التعامل مع الأزمة المالية التي وقعت عام 1999، مع التركيز على وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. إلا أنه، بمرور السنوات، اتسع جدول أعمال «المجموعة»، وغدت اليوم تتصدى لأزمات عدة، منها خطر أزمة الغذاء والنقص في الطاقة والتغيرات المناخية الحادة والجوائح الصحية... وأخيراً تداعيات الحرب الأوكرانية.
في المجمل، تتألف «مجموعة العشرين» من 19 دولة، فيها قرابة 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و75 في المائة من التجارة العالمية. ولم يكن من المثير للدهشة أن يكون لقاء «المجموعة» في جزيرة بالي الإندونيسية، العام الماضي، الأضخم في تاريخها، وربما أكثر لقاءاتها من حيث المشاحنات والجدالات.

غياب البيانات المشتركة
في نيودلهي، رفضت روسيا والصين دعم «إعلان بالي»؛ ما ترك الهند في مواجهة مهمة شاقة تتمثل في محاولة تحقيق اتفاق حول قضية أوكرانيا، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين الغرب، الذي يصر على توجيه انتقادات صارمة لموسكو، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى؛ إذ اعترض الصينيون والروس على فقرتين اقتُبِستا من الإعلان السابق لـ«المجموعة» في بالي العام الماضي. وتنص الفقرتان على أن «الحرب في أوكرانيا تسبب معاناة بشرية هائلة، وتفاقم النقاط الهشة في الاقتصاد العالمي»، بجانب التأكيد على الحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي، وعلى أن «استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية أمر غير مقبول». وفي أعقاب اللقاء، قال وزير الشؤون الخارجية الهندي، إس جيشينكار، معلّقاً: «كانت هناك خلافات حول الصراع بأوكرانيا تعذّرت تسويتها». وأضاف أنه بينما كان هناك إجماع حول «إعلان بالي»، شعرت بعض الدول بأنه لا يمكن الاستنباط منه، في إشارة إلى روسيا والصين. وتابع موضحاً أنه بينما كان هناك إجماع حول 95 في المائة من القضايا، لم يمتد هذا الإجماع ليشمل الفقرتين سالفتَي الذكر... «لم يكن الجميع متفقين حول هاتين الفقرتين». وبالتالي، انتهى الأمر بإصدار وثيقة نتائج.
من جهته، ردَّد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، الموقف الهندي، فقال: «ما شهدناه وثيقة النتائج التي عكست ما جرى الاتفاق عليه بخصوص كثير من القضايا من قِبَل جميع وزراء الخارجية». وأردف أنه كان هناك إجماع واسع حول الحرب الروسية - الأوكرانية داخل «مجموعة العشرين» باستثناء دولتين وصفهما بـ«المنعزلتين» و«العنيدتين». وأشار صراحة إلى روسيا والصين باعتبارهما الدولتين المقصودتين.
ما يُذكر أنه، قبل اجتماع وزراء الخارجية، استضافت مدينة بنغالور، التي توصف بـ«سيليكون سيتي» الهند، اجتماعاً لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. وفيه رفض الروس والصينيون أيضاً قبول اللغة المستخدَمة في الحديث عن الحرب الأوكرانية التي كان قد تم الاتفاق عليها منذ أكثر بقليل من 3 شهور في بالي. وعليه، شعرت وزيرة المالية، نيرمالا سيثارامان، بتقييد لم يمكّنها من إصدار سوى موجز ووثيقة نتائج، بدلاً من بيان مشترك. وعلقت على الأمر بقولها: «أحد النجاحات التي حققتها المفاوضات، خصوصاً فيما يتعلق بالموجز ووثيقة النتائج، الوصول لموقف مشترك تجاه لغة الدَّين... من المهم التأكيد على هذا الأمر، لأن الدول الضعيفة تتطلع نحو بعض الحلول للتخفيف من أعباء الديون عليها». ثم أضافت: «هناك 4 دول (تشاد وغانا وسورينام وسريلانكا) ستستفيد من وراء اتفاق (مجموعة العشرين) على لغة مشتركة إزاء تسوية الديون، وجارٍ العمل على هذا الأمر بالفعل فيما يخص هذه الدول».
وفي الوقت ذاته، لم يجرِ التقاط الصورة المعتادة للحضور في نيودلهي، مع رفض ممثلي «مجموعة الدول السبع العظمى» التشارك في إطار صورة مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وفق مصادر.
ويُعد هذا تكراراً لما حدث في اجتماع وزراء الخارجية في بالي عام 2022، وهنا قال المحلل سوشانت سارين معلقاً: «مع أن الاجتماعين شكَّلا بداية وعرة لفعاليات (مجموعة العشرين) في الهند، لا يزال الطريق طويلاً أمام قمة الزعماء في سبتمبر (أيلول). والحقيقة أن إخفاق المفاوضين الهنود في إقناع نظرائهم الروس والصينيين بالتوقيع على الإعلان المشترك الصادر في بالي يُعد انتكاسة، الأمر الذي يعني أن على نيودلهي بذل مجهود دبلوماسي كبير خلال الأشهر القليلة المقبلة، لضمان خروج قمة (مجموعة العشرين) ببيان مشترك في سبتمبر»، ثم أضاف: «تركت مشاعر الكراهية الموجودة في صفوف (مجموعة العشرين) الهند في موقف لا تُحسَد عليه، ويحتِّم عليها محاولة التوفيق بين مواقف من الواضح أنه من المتعذَّر التوفيق بينها». ولكن، في حين حولت موسكو موقفها تماماً تجاه «إعلان بالي» بخصوص أوكرانيا، تمكنت حكومة مودي من إنقاذ كلتا الفعاليتين، من خلال إصدار «وثيقة نتائج»، مع الإشارة إلى الاختلافات على نحو منفصل في وثيقة الموجز.
وحول هذا الجانب، قال كانوال سيبال، وزير خارجية الهند السابق: «رغم الصعاب، نجحت الهند في إنجاز مهمتها المستحيلة. ومع أن الاجتماع انتهى من دون إصدار بيان مشترك، جراء غياب الإجماع بين الأطراف المشاركة حول الصراع الأوكراني - الروسي، ظلَّت الهند قادرة على استغلال الحدث في استعراض نفوذها المتنامي عبر العالم. وإذا نحينا جانباً الخلاف بين الغرب، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى، حول إصدار بيان مشترك، فسنجد أن الهند تمكّنت من تحقيق إجماع حول جميع القضايا الأخرى تقريباً، بما في ذلك اتخاذ إجراءات لمكافحة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي والقضايا المتعلقة بالنوع والتقنيات الجديدة الناشئة وما إلى ذلك. لقد كان ذلك بمثابة نصر دبلوماسي هائل للهند أظهرت خلاله براعة دبلوماسية هائلة بخروجها بوثيقة نتائج من كل من اجتماعي وزراء مالية (مجموعة العشرين) في بنغالور واجتماع وزراء خارجية (المجموعة) في نيودلهي. وبالفعل، اتفق وزراء مالية (مجموعة العشرين) على 15 من إجمالي 17 فقرة في وثيقة النتائج، واتفق وزراء خارجية (المجموعة) على 22 من 24 فقرة في وثيقة النتائج. وبالتالي، مسألة نجاح الهند في الخروج بنص مكتوب متفَق عليه تُعدّ في حد ذاتها دليلاً على مصداقيتها وقيمتها في إطار النظام العالمي الجديد».

لافروف (رويترز)

اللقاء الروسي - الأميركي: ما وراء دبلوماسية الهاتف
في سياق موازٍ، يهنئ المعلقون الهنود أنفسهم على ما يعتبرونه «نجاح» دبلوماسية بلدهم في تحقيق لقاء الوزيرين بلينكين ولافروف وجهاً لوجه، لأول مرة منذ اشتعال الحرب في أوكرانيا؛ إذ لم تكن بينهما حتى اللقاء سوى المحادثات الهاتفية. وهنا يقول البروفسور راجان كومار، من كلية الدراسات الدولية في جامعة جواهرلال نهرو، إنه «رغم تعذر الخروج بنتيجة من اللقاء، تبقى مثل هذه اللقاءات مهمة، لأنها تسهم في خفض درجات التوتر، وخلق مناخ مناسب لعقد مباحثات مستقبلاً. ومن المحتمل أن يكون اتفاق الرجلين نابعاً من عدم رغبتهما في إثارة ضيق نيودلهي... أو ربما رغب كل منهما في أن يظهر أمام جمهوره بمظهر المستعد للدخول في مباحثات من دون تفريط في أي من النقاط الجوهرية التي يتمسك بها. وعلاوة على ذلك، يشعر الرجلان بالقلق من أن أي تعطل خلال اجتماع (مجموعة العشرين) سيخلف تداعيات أوسع على قضايا أخرى، مثل الغذاء وإمدادات الطاقة والاتفاقات النووية والتغيرات المناخية».

اجتماع «كواد» على هامش أعمال «مجموعة العشرين»
> استضافت الهند أخيراً اجتماع وزراء خارجية «الحوار الأمني الرباعي» المعروف اختصاراً باسم «كواد»، وذلك على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين». وخلال هذا الاجتماع وجه وزراء الخارجية انتقادات صريحة للصين، بسبب تموضعها العدواني على نحو متزايد ببحر الصين الجنوبي، ونفوذها المتزايد في المنطقة. كذلك أعلن عن تشكيل مجموعة عمل لمكافحة الإرهاب. والمعروف أنه، منذ سبتمبر (أيلول) 2019 وحتى مارس (آذار) 2023، التقى وزراء «كواد» 5 مرات على نحو شخصي، ومرة واحدة على نحو افتراضي. ومع ذلك، فإن وضع الهند في هذا الإطار لافت جداً؛ فهي، من جهة، الدولة الوحيدة غير الحليفة للولايات المتحدة داخل «كواد»، ومن جهة ثانية، تشارك تجمعات تقودها روسيا والصين، مثل «منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
البيان المشترك لاجتماع «كواد» ضمن (كما كان متوقَّعاً) إشارات ضمنية للتصرفات العدوانية من جانب الصين في منطقة جوارها. ونص على «أهمية الالتزام بالقانون الدولي، حسبما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار، ومواجهة التحديات أمام النظام البحري القائم على القواعد، بما في ذلك داخل بحرَيْ الصين الجنوبي والشرقي». وتابع باسم الدول الأعضاء: «نعارض بشدة أي إجراءات انفرادية تسعى لتغيير الوضع القائم أو تأجيج التوترات بهذه المنطقة. ونعرب عن قلقنا العميق تجاه إضفاء صبغة عسكرية على الخلافات، والاستخدام الخطير لسفن خفر السواحل وميليشيا بحرية، وجهود تعطيل نشاطات دول أخرى في التنقيب لاستغلال مواردها الواقعة خارج سواحلها».
وبطبيعة الحال، رفض الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصيني، البيان، وقال: «نعتقد أن التعاون بين دولة وأخرى ينبغي أن يكون متسقاً مع اتجاه السلام والتنمية، بدلاً عن إقامة كتل إقصائية».

مودي (د.ب.أ)

الهند و«جنوب» العالم و«مجموعة العشرين»
> بعد تولي الهند رئاسة «مجموعة العشرين»، أكدت القيادة في نيودلهي اعتزامها السعي لطرح آمال دول «الجنوب العالمي» المتعلقة بعدد من القضايا الاقتصادية المهمة، التي غالباً ما تتعرض للتهميش. ويُشار إلى أنه جرت العادة على استغلال مصطلح «الجنوب العالمي» للإشارة إلى الدول النامية أو تلك التي تجابه صعوبات اقتصادية.
والواقع، أن نيودلهي، راهناً، تطرح نفسها زعيمةَ الدول الناشئة والنامية، في حين تشهد أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعاً عالمياً هائلاً، جراء الحرب الأوكرانية التي تعصف بالمستهلكين، ويكافح هؤلاء أساساً للتعامل مع ارتفاع التكاليف والتضخم. ويأتي هذا الموقف الهندي رغم أن كثيرين خالجهم، منذ بعض الوقت، اعتقاد بأن فكرة «صوت الجنوب» قد ولى عهدها، في ظل عالم متعولم باستمرار، وتسعى خلاله كثير من الدول النامية إلى تحطيم الحواجز بينها وبين الغرب.
لقد شكّلت هذه الفكرة بالذات محور الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، خلال اجتماع «مجموعة العشرين»، عندما سلط الضوء على التحديات الاقتصادية الجوهرية التي تجابهها الدول النامية. ومما قاله مودي: «تكافح كثير من الدول النامية في وجه ديون غير مستدامة، بينما تحاول العمل على ضمان أمن الغذاء والطاقة لشعوبها. أضف إلى ذلك أن هذه الدول نفسها الأشد تضرراً من الاحترار العالمي الذي تقف خلفه الدول الأكثر ثراءً. ولذلك، تحاول الهند خلال فترة رئاستها أن يكون لـ(الجنوب العالمي) صوت. ولا يمكن لأي مجموعة أن تدعي لنفسها دوراً قيادياً عالمياً من دون الإنصات لأكثر مَن يتأثرون بقراراتها».
وما يستحق الإشارة إليه هنا أنه في يناير (كانون الثاني) 2023 أعلن مودي (رغم أنه زعيم لحزب قومي يميني متشدد لا علاقة له بالسياسات الاشتراكية) تأسيس «مركز الجنوب العالمي للتميز». كذلك تجدر الإشارة إلى أن القمتين المقبلتين لـ«مجموعة العشرين»، مقرَّر عقدهما في البرازيل (2024) وجنوب أفريقيا (2025)، الأمر الذي يوحي بأن هذه المنصة لن تخضع بسهولة للرؤية الغربية تجاه الشؤون العالمية.
وحالياً، تشعر دول عديدة بالضيق بسبب الضغوط التي يمارسها عليها الغرب، وترى وجود فرص اقتصادية في علاقاتها بروسيا. وحتى اللحظة، تجنبت أعداد متزايدة من دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الضغوط الصادرة عن واشنطن لكي تقطع علاقاتها مع روسيا. وكان هذا الرفض والتجنب السبب وراء إطلاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحاته القوية بخصوص شعوره بـ«الصدمة» إزاء فقدان الغرب مصداقيته. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»: «لا يمكن أن نستمر في الحديث عن الحرب فقط».
ومن جهتها، قالت إليزابيث سيديروبولوس، رئيسة «معهد جنوب أفريقيا للدراسات الدولية» قبل وقت قريب: «ثمة شعور بأن الحلفاء الغربيين لأوكرانيا يحاولون اختطاف منتدى «مجموعة العشرين» على حساب قضايا جوهرية، مثل العمل على مكافحة التغيرات المناخية أو تناول قضايا التنمية بالقارة الأفريقية. وعليه، كان رد فعلهم على النحو التالي: «سنتخذ قراراتنا بأنفسنا... لا تضغطوا علينا».
من ناحية أخرى، كان مثيراً للاهتمام لقاء وزير الخارجية الصيني الجديد، تشين غانغ، ونظيره الهندي، جيشينكار، على هامش اجتماع «مجموعة العشرين» في نيودلهي. ورأى مراقبون في زيارة وزير الخارجية الصيني أنها قد تكون اختباراً لقدرة بكين على تحقيق توازن بين الغرب، بقيادة واشنطن، من جهة، وموسكو، من جهة مقابلة، في إطار حرب أوكرانيا. وتُعدّ زيارة تشين الأولى للوزير الصيني الجديد بعدما خلف سلفه وانغ يي، الذي زار الهند عام 2022، لكنه لقي استقبالاً فاتراً آنذاك بسبب غارات الصين عبر الحدود، ولم يصدر إعلان رسمي بخصوص الزيارة. ولم يتمكن الوزير الصيني السابق (يومذاك) من لقاء رئيس الوزراء الهندي، مودي.


مقالات ذات صلة

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

العالم 11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

قتل 11 شخصاً بعد تسرب للغاز في الهند، حسبما أعلن مسؤول اليوم (الأحد)، في حادثة صناعية جديدة في البلاد. ووقع التسرب في منطقة جياسبورا وهي منطقة صناعية في لوديانا بولاية البنجاب الشمالية.

«الشرق الأوسط» (أمريتسار)
العالم الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

قُتل عشرة من عناصر الأمن الهنود وسائقهم المدني في ولاية تشاتيسغار اليوم (الأربعاء) في انفجار عبوة ناسفة لدى مرور مركبتهم، حسبما أكدت الشرطة لوكالة الصحافة الفرنسية، متهمة متمردين ماويين بالوقوف وراء الهجوم. وقال فيفيكانند المسؤول الكبير في شرطة تشاتيسغار «كانوا عائدين من عملية عندما وقع الانفجار الذي استهدف مركبتهم».

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق «الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

«الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم العثور على مجموعة من أدوية الشراب الملوثة والمصنوعة في الهند، تحديداً في جزر مارشال وميكرونيزيا. وحذرت المنظمة من أن العينات المختبرة من شراب «غيوفينسين تي جي» لعلاج السعال، التي تصنعها شركة «كيو بي فارماشيم» ومقرها البنغاب، أظهرت «كميات غير مقبولة من ثنائي إيثيلين جلايكول وإيثيلين جلايكول»، وكلا المركبين سام للبشر ويمكن أن يكونا قاتلين إذا تم تناولهما. ولم يحدد بيان منظمة الصحة العالمية ما إذا كان أي شخص قد أُصيب بالمرض. يأتي التحذير الأخير بعد شهور من ربط منظمة الصحة العالمية بين أدوية السعال الأخرى المصنوعة في الهند ووفيات الأطفال في غامبيا وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
العالم الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

أعلنت الأمم المتحدة اليوم (الاثنين)، أن الهند ستتجاوز الأسبوع المقبل الصين من ناحية عدد السكان، لتغدو الدولة الأكثر اكتظاظاً في العالم بنحو 1.43 مليار نسمة. وقالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة إنه «بحلول نهاية هذا الشهر، من المتوقع أن يصل عدد سكان الهند إلى 1.425.775.850 شخصاً، ليعادل ثم يتجاوز عدد سكان البر الرئيسي للصين». وطوال أكثر من مائة عام، كانت الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، تليها الهند في المرتبة الثانية على مسافة راحت تتقلّص باطراد في العقود الثلاثة الأخيرة. ويأتي ذلك رغم غياب إحصاءات رسمية لعدد السكان في الهند منذ أواخر القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

أفاد مسؤول في شرطة ولاية البنجاب الهندية، اليوم (الأحد)، بأن قوات من الأمن ألقت القبض على «الانفصالي» المنتمي للسيخ أمريتبال سينغ، بعد البحث عنه لأكثر من شهر، في خطوة ضد إقامة وطن مستقل في الولاية المتاخمة لباكستان. وأدى بزوغ نجم سينغ (30 عاماً)، وهو واعظ بولاية البنجاب الشمالية الغربية حيث يشكّل السيخ الأغلبية، إلى إحياء الحديث عن وطن مستقل للسيخ. كما أثار مخاوف من عودة أعمال العنف التي أودت بحياة عشرات الآلاف في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي أثناء تمرد للسيخ. وقال مسؤول كبير بشرطة البنجاب لصحافيين: «ألقي القبض على أمريتبال سينغ في قرية رود بمنطقة موجا في البنجاب، بناء على معلوم

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».