الهند تسعى بدأب لفرض نفسها قوة عالمية مؤثرة

وسط التموضعات والتحالفات السياسية والاقتصادية المعقدة

اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
TT

الهند تسعى بدأب لفرض نفسها قوة عالمية مؤثرة

اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)
اجتماع نيودلهي لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» (رويترز)

تعيش الهند موجة نشاط دبلوماسي كبير، بعد استضافتها سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية بالغة الأهمية، منها لقاء لوزراء خارجية «مجموعة العشرين»، ووزراء المالية، وكذلك لوزراء خارجية دول «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، بجانب «حوار رايسينا». وفي حين تحرص نيودلهي على تحقيق توازن دقيق للغاية ما بين تعزيزها روابطها مع الولايات المتحدة وحلفائها، وترددها تجاه انتقاد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، اختتمت أخيراً فعاليتين على صلة بـ«مجموعة العشرين». وجاء هذا بمثابة اختبار للدبلوماسية الهندية، في وقت ينقسم العالم فيه إلى معسكرين. وجاء الانقسام بين دول غربية تقودها الولايات المتحدة والحلف الروسي - الصيني، ليقوّض محاولة الهند بناء إجماع داخل اجتماعات وزراء خارجية ومالية دول «المجموعة». وشهد «اجتماع نيودلهي» لـ«مجموعة العشرين»، الذي جمع ممثلين عن أكثر 20 اقتصاداً متقدماً على مستوى العالم، تبادل عبارات حادة بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وعدد من وزراء الخارجية حول أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، استمر التوتر مع الصين بسبب ملحمة بالونات التجسس، مع أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، حث، في كلمته الافتتاحية، ورغم اعترافه بالانقسامات القائمة بين الدول الأعضاء في «المجموعة»، قادةَ الدول الأعضاء على التعاون بما يخدم مصالح العالم بشكل أوسع.
لقد توجه إلى الهند، التي تتقلد رئاسة «مجموعة العشرين»، هذا العام، أكثر من 40 مسؤولاً، بينهم وزراء خارجية جميع الدول الأعضاء تقريباً في المجموعة. وكانت هذه المرة الأولى التي يشهد فيها اجتماع وزراء خارجية «مجموعة» مثل هذا العدد الكبير من الدول. والملاحَظ هنا أن القيادة الهندية تحاشت حتى اللحظة توجيه انتقادات مباشرة لـ«الكرملين»، بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقاومت ضغوطاً غربية لاتخاذ موقف حاسم إزاء الحرب. والمعروف أن روسيا والهند تتشاركان في علاقات تقوم على الثقة، تمتد لعقود، منذ تأسيس هذه العلاقات إبان حقبة «الحرب الباردة»، كما كانت روسيا صديقة للهند خلال سنوات الفقر الصعبة التي جابهتها الأخيرة في خمسينات وستينات القرن الماضي، ووفرت لها تكنولوجيا منعها عنها الغرب، في بعض الأحيان.

بلينكن (رويترز)

«مجموعة العشرين»
تجدر الإشارة إلى أن «مجموعة العشرين» شُكّلت أثناء الأزمة المالية الآسيوية، عام 1999، لتغدو منتدى لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية الملحَّة، وضمان التعاون بين الدول المتقدمة والنامية. وكان الهدف من تشكيل «المجموعة»، في بادئ الأمر، التعامل مع الأزمة المالية التي وقعت عام 1999، مع التركيز على وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. إلا أنه، بمرور السنوات، اتسع جدول أعمال «المجموعة»، وغدت اليوم تتصدى لأزمات عدة، منها خطر أزمة الغذاء والنقص في الطاقة والتغيرات المناخية الحادة والجوائح الصحية... وأخيراً تداعيات الحرب الأوكرانية.
في المجمل، تتألف «مجموعة العشرين» من 19 دولة، فيها قرابة 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و75 في المائة من التجارة العالمية. ولم يكن من المثير للدهشة أن يكون لقاء «المجموعة» في جزيرة بالي الإندونيسية، العام الماضي، الأضخم في تاريخها، وربما أكثر لقاءاتها من حيث المشاحنات والجدالات.

غياب البيانات المشتركة
في نيودلهي، رفضت روسيا والصين دعم «إعلان بالي»؛ ما ترك الهند في مواجهة مهمة شاقة تتمثل في محاولة تحقيق اتفاق حول قضية أوكرانيا، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين الغرب، الذي يصر على توجيه انتقادات صارمة لموسكو، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى؛ إذ اعترض الصينيون والروس على فقرتين اقتُبِستا من الإعلان السابق لـ«المجموعة» في بالي العام الماضي. وتنص الفقرتان على أن «الحرب في أوكرانيا تسبب معاناة بشرية هائلة، وتفاقم النقاط الهشة في الاقتصاد العالمي»، بجانب التأكيد على الحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي، وعلى أن «استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية أمر غير مقبول». وفي أعقاب اللقاء، قال وزير الشؤون الخارجية الهندي، إس جيشينكار، معلّقاً: «كانت هناك خلافات حول الصراع بأوكرانيا تعذّرت تسويتها». وأضاف أنه بينما كان هناك إجماع حول «إعلان بالي»، شعرت بعض الدول بأنه لا يمكن الاستنباط منه، في إشارة إلى روسيا والصين. وتابع موضحاً أنه بينما كان هناك إجماع حول 95 في المائة من القضايا، لم يمتد هذا الإجماع ليشمل الفقرتين سالفتَي الذكر... «لم يكن الجميع متفقين حول هاتين الفقرتين». وبالتالي، انتهى الأمر بإصدار وثيقة نتائج.
من جهته، ردَّد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، الموقف الهندي، فقال: «ما شهدناه وثيقة النتائج التي عكست ما جرى الاتفاق عليه بخصوص كثير من القضايا من قِبَل جميع وزراء الخارجية». وأردف أنه كان هناك إجماع واسع حول الحرب الروسية - الأوكرانية داخل «مجموعة العشرين» باستثناء دولتين وصفهما بـ«المنعزلتين» و«العنيدتين». وأشار صراحة إلى روسيا والصين باعتبارهما الدولتين المقصودتين.
ما يُذكر أنه، قبل اجتماع وزراء الخارجية، استضافت مدينة بنغالور، التي توصف بـ«سيليكون سيتي» الهند، اجتماعاً لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. وفيه رفض الروس والصينيون أيضاً قبول اللغة المستخدَمة في الحديث عن الحرب الأوكرانية التي كان قد تم الاتفاق عليها منذ أكثر بقليل من 3 شهور في بالي. وعليه، شعرت وزيرة المالية، نيرمالا سيثارامان، بتقييد لم يمكّنها من إصدار سوى موجز ووثيقة نتائج، بدلاً من بيان مشترك. وعلقت على الأمر بقولها: «أحد النجاحات التي حققتها المفاوضات، خصوصاً فيما يتعلق بالموجز ووثيقة النتائج، الوصول لموقف مشترك تجاه لغة الدَّين... من المهم التأكيد على هذا الأمر، لأن الدول الضعيفة تتطلع نحو بعض الحلول للتخفيف من أعباء الديون عليها». ثم أضافت: «هناك 4 دول (تشاد وغانا وسورينام وسريلانكا) ستستفيد من وراء اتفاق (مجموعة العشرين) على لغة مشتركة إزاء تسوية الديون، وجارٍ العمل على هذا الأمر بالفعل فيما يخص هذه الدول».
وفي الوقت ذاته، لم يجرِ التقاط الصورة المعتادة للحضور في نيودلهي، مع رفض ممثلي «مجموعة الدول السبع العظمى» التشارك في إطار صورة مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وفق مصادر.
ويُعد هذا تكراراً لما حدث في اجتماع وزراء الخارجية في بالي عام 2022، وهنا قال المحلل سوشانت سارين معلقاً: «مع أن الاجتماعين شكَّلا بداية وعرة لفعاليات (مجموعة العشرين) في الهند، لا يزال الطريق طويلاً أمام قمة الزعماء في سبتمبر (أيلول). والحقيقة أن إخفاق المفاوضين الهنود في إقناع نظرائهم الروس والصينيين بالتوقيع على الإعلان المشترك الصادر في بالي يُعد انتكاسة، الأمر الذي يعني أن على نيودلهي بذل مجهود دبلوماسي كبير خلال الأشهر القليلة المقبلة، لضمان خروج قمة (مجموعة العشرين) ببيان مشترك في سبتمبر»، ثم أضاف: «تركت مشاعر الكراهية الموجودة في صفوف (مجموعة العشرين) الهند في موقف لا تُحسَد عليه، ويحتِّم عليها محاولة التوفيق بين مواقف من الواضح أنه من المتعذَّر التوفيق بينها». ولكن، في حين حولت موسكو موقفها تماماً تجاه «إعلان بالي» بخصوص أوكرانيا، تمكنت حكومة مودي من إنقاذ كلتا الفعاليتين، من خلال إصدار «وثيقة نتائج»، مع الإشارة إلى الاختلافات على نحو منفصل في وثيقة الموجز.
وحول هذا الجانب، قال كانوال سيبال، وزير خارجية الهند السابق: «رغم الصعاب، نجحت الهند في إنجاز مهمتها المستحيلة. ومع أن الاجتماع انتهى من دون إصدار بيان مشترك، جراء غياب الإجماع بين الأطراف المشاركة حول الصراع الأوكراني - الروسي، ظلَّت الهند قادرة على استغلال الحدث في استعراض نفوذها المتنامي عبر العالم. وإذا نحينا جانباً الخلاف بين الغرب، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى، حول إصدار بيان مشترك، فسنجد أن الهند تمكّنت من تحقيق إجماع حول جميع القضايا الأخرى تقريباً، بما في ذلك اتخاذ إجراءات لمكافحة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي والقضايا المتعلقة بالنوع والتقنيات الجديدة الناشئة وما إلى ذلك. لقد كان ذلك بمثابة نصر دبلوماسي هائل للهند أظهرت خلاله براعة دبلوماسية هائلة بخروجها بوثيقة نتائج من كل من اجتماعي وزراء مالية (مجموعة العشرين) في بنغالور واجتماع وزراء خارجية (المجموعة) في نيودلهي. وبالفعل، اتفق وزراء مالية (مجموعة العشرين) على 15 من إجمالي 17 فقرة في وثيقة النتائج، واتفق وزراء خارجية (المجموعة) على 22 من 24 فقرة في وثيقة النتائج. وبالتالي، مسألة نجاح الهند في الخروج بنص مكتوب متفَق عليه تُعدّ في حد ذاتها دليلاً على مصداقيتها وقيمتها في إطار النظام العالمي الجديد».

لافروف (رويترز)

اللقاء الروسي - الأميركي: ما وراء دبلوماسية الهاتف
في سياق موازٍ، يهنئ المعلقون الهنود أنفسهم على ما يعتبرونه «نجاح» دبلوماسية بلدهم في تحقيق لقاء الوزيرين بلينكين ولافروف وجهاً لوجه، لأول مرة منذ اشتعال الحرب في أوكرانيا؛ إذ لم تكن بينهما حتى اللقاء سوى المحادثات الهاتفية. وهنا يقول البروفسور راجان كومار، من كلية الدراسات الدولية في جامعة جواهرلال نهرو، إنه «رغم تعذر الخروج بنتيجة من اللقاء، تبقى مثل هذه اللقاءات مهمة، لأنها تسهم في خفض درجات التوتر، وخلق مناخ مناسب لعقد مباحثات مستقبلاً. ومن المحتمل أن يكون اتفاق الرجلين نابعاً من عدم رغبتهما في إثارة ضيق نيودلهي... أو ربما رغب كل منهما في أن يظهر أمام جمهوره بمظهر المستعد للدخول في مباحثات من دون تفريط في أي من النقاط الجوهرية التي يتمسك بها. وعلاوة على ذلك، يشعر الرجلان بالقلق من أن أي تعطل خلال اجتماع (مجموعة العشرين) سيخلف تداعيات أوسع على قضايا أخرى، مثل الغذاء وإمدادات الطاقة والاتفاقات النووية والتغيرات المناخية».

اجتماع «كواد» على هامش أعمال «مجموعة العشرين»
> استضافت الهند أخيراً اجتماع وزراء خارجية «الحوار الأمني الرباعي» المعروف اختصاراً باسم «كواد»، وذلك على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين». وخلال هذا الاجتماع وجه وزراء الخارجية انتقادات صريحة للصين، بسبب تموضعها العدواني على نحو متزايد ببحر الصين الجنوبي، ونفوذها المتزايد في المنطقة. كذلك أعلن عن تشكيل مجموعة عمل لمكافحة الإرهاب. والمعروف أنه، منذ سبتمبر (أيلول) 2019 وحتى مارس (آذار) 2023، التقى وزراء «كواد» 5 مرات على نحو شخصي، ومرة واحدة على نحو افتراضي. ومع ذلك، فإن وضع الهند في هذا الإطار لافت جداً؛ فهي، من جهة، الدولة الوحيدة غير الحليفة للولايات المتحدة داخل «كواد»، ومن جهة ثانية، تشارك تجمعات تقودها روسيا والصين، مثل «منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
البيان المشترك لاجتماع «كواد» ضمن (كما كان متوقَّعاً) إشارات ضمنية للتصرفات العدوانية من جانب الصين في منطقة جوارها. ونص على «أهمية الالتزام بالقانون الدولي، حسبما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار، ومواجهة التحديات أمام النظام البحري القائم على القواعد، بما في ذلك داخل بحرَيْ الصين الجنوبي والشرقي». وتابع باسم الدول الأعضاء: «نعارض بشدة أي إجراءات انفرادية تسعى لتغيير الوضع القائم أو تأجيج التوترات بهذه المنطقة. ونعرب عن قلقنا العميق تجاه إضفاء صبغة عسكرية على الخلافات، والاستخدام الخطير لسفن خفر السواحل وميليشيا بحرية، وجهود تعطيل نشاطات دول أخرى في التنقيب لاستغلال مواردها الواقعة خارج سواحلها».
وبطبيعة الحال، رفض الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصيني، البيان، وقال: «نعتقد أن التعاون بين دولة وأخرى ينبغي أن يكون متسقاً مع اتجاه السلام والتنمية، بدلاً عن إقامة كتل إقصائية».

مودي (د.ب.أ)

الهند و«جنوب» العالم و«مجموعة العشرين»
> بعد تولي الهند رئاسة «مجموعة العشرين»، أكدت القيادة في نيودلهي اعتزامها السعي لطرح آمال دول «الجنوب العالمي» المتعلقة بعدد من القضايا الاقتصادية المهمة، التي غالباً ما تتعرض للتهميش. ويُشار إلى أنه جرت العادة على استغلال مصطلح «الجنوب العالمي» للإشارة إلى الدول النامية أو تلك التي تجابه صعوبات اقتصادية.
والواقع، أن نيودلهي، راهناً، تطرح نفسها زعيمةَ الدول الناشئة والنامية، في حين تشهد أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعاً عالمياً هائلاً، جراء الحرب الأوكرانية التي تعصف بالمستهلكين، ويكافح هؤلاء أساساً للتعامل مع ارتفاع التكاليف والتضخم. ويأتي هذا الموقف الهندي رغم أن كثيرين خالجهم، منذ بعض الوقت، اعتقاد بأن فكرة «صوت الجنوب» قد ولى عهدها، في ظل عالم متعولم باستمرار، وتسعى خلاله كثير من الدول النامية إلى تحطيم الحواجز بينها وبين الغرب.
لقد شكّلت هذه الفكرة بالذات محور الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، خلال اجتماع «مجموعة العشرين»، عندما سلط الضوء على التحديات الاقتصادية الجوهرية التي تجابهها الدول النامية. ومما قاله مودي: «تكافح كثير من الدول النامية في وجه ديون غير مستدامة، بينما تحاول العمل على ضمان أمن الغذاء والطاقة لشعوبها. أضف إلى ذلك أن هذه الدول نفسها الأشد تضرراً من الاحترار العالمي الذي تقف خلفه الدول الأكثر ثراءً. ولذلك، تحاول الهند خلال فترة رئاستها أن يكون لـ(الجنوب العالمي) صوت. ولا يمكن لأي مجموعة أن تدعي لنفسها دوراً قيادياً عالمياً من دون الإنصات لأكثر مَن يتأثرون بقراراتها».
وما يستحق الإشارة إليه هنا أنه في يناير (كانون الثاني) 2023 أعلن مودي (رغم أنه زعيم لحزب قومي يميني متشدد لا علاقة له بالسياسات الاشتراكية) تأسيس «مركز الجنوب العالمي للتميز». كذلك تجدر الإشارة إلى أن القمتين المقبلتين لـ«مجموعة العشرين»، مقرَّر عقدهما في البرازيل (2024) وجنوب أفريقيا (2025)، الأمر الذي يوحي بأن هذه المنصة لن تخضع بسهولة للرؤية الغربية تجاه الشؤون العالمية.
وحالياً، تشعر دول عديدة بالضيق بسبب الضغوط التي يمارسها عليها الغرب، وترى وجود فرص اقتصادية في علاقاتها بروسيا. وحتى اللحظة، تجنبت أعداد متزايدة من دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الضغوط الصادرة عن واشنطن لكي تقطع علاقاتها مع روسيا. وكان هذا الرفض والتجنب السبب وراء إطلاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحاته القوية بخصوص شعوره بـ«الصدمة» إزاء فقدان الغرب مصداقيته. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»: «لا يمكن أن نستمر في الحديث عن الحرب فقط».
ومن جهتها، قالت إليزابيث سيديروبولوس، رئيسة «معهد جنوب أفريقيا للدراسات الدولية» قبل وقت قريب: «ثمة شعور بأن الحلفاء الغربيين لأوكرانيا يحاولون اختطاف منتدى «مجموعة العشرين» على حساب قضايا جوهرية، مثل العمل على مكافحة التغيرات المناخية أو تناول قضايا التنمية بالقارة الأفريقية. وعليه، كان رد فعلهم على النحو التالي: «سنتخذ قراراتنا بأنفسنا... لا تضغطوا علينا».
من ناحية أخرى، كان مثيراً للاهتمام لقاء وزير الخارجية الصيني الجديد، تشين غانغ، ونظيره الهندي، جيشينكار، على هامش اجتماع «مجموعة العشرين» في نيودلهي. ورأى مراقبون في زيارة وزير الخارجية الصيني أنها قد تكون اختباراً لقدرة بكين على تحقيق توازن بين الغرب، بقيادة واشنطن، من جهة، وموسكو، من جهة مقابلة، في إطار حرب أوكرانيا. وتُعدّ زيارة تشين الأولى للوزير الصيني الجديد بعدما خلف سلفه وانغ يي، الذي زار الهند عام 2022، لكنه لقي استقبالاً فاتراً آنذاك بسبب غارات الصين عبر الحدود، ولم يصدر إعلان رسمي بخصوص الزيارة. ولم يتمكن الوزير الصيني السابق (يومذاك) من لقاء رئيس الوزراء الهندي، مودي.


مقالات ذات صلة

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

العالم 11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

قتل 11 شخصاً بعد تسرب للغاز في الهند، حسبما أعلن مسؤول اليوم (الأحد)، في حادثة صناعية جديدة في البلاد. ووقع التسرب في منطقة جياسبورا وهي منطقة صناعية في لوديانا بولاية البنجاب الشمالية.

«الشرق الأوسط» (أمريتسار)
العالم الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

قُتل عشرة من عناصر الأمن الهنود وسائقهم المدني في ولاية تشاتيسغار اليوم (الأربعاء) في انفجار عبوة ناسفة لدى مرور مركبتهم، حسبما أكدت الشرطة لوكالة الصحافة الفرنسية، متهمة متمردين ماويين بالوقوف وراء الهجوم. وقال فيفيكانند المسؤول الكبير في شرطة تشاتيسغار «كانوا عائدين من عملية عندما وقع الانفجار الذي استهدف مركبتهم».

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق «الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

«الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم العثور على مجموعة من أدوية الشراب الملوثة والمصنوعة في الهند، تحديداً في جزر مارشال وميكرونيزيا. وحذرت المنظمة من أن العينات المختبرة من شراب «غيوفينسين تي جي» لعلاج السعال، التي تصنعها شركة «كيو بي فارماشيم» ومقرها البنغاب، أظهرت «كميات غير مقبولة من ثنائي إيثيلين جلايكول وإيثيلين جلايكول»، وكلا المركبين سام للبشر ويمكن أن يكونا قاتلين إذا تم تناولهما. ولم يحدد بيان منظمة الصحة العالمية ما إذا كان أي شخص قد أُصيب بالمرض. يأتي التحذير الأخير بعد شهور من ربط منظمة الصحة العالمية بين أدوية السعال الأخرى المصنوعة في الهند ووفيات الأطفال في غامبيا وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
العالم الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

أعلنت الأمم المتحدة اليوم (الاثنين)، أن الهند ستتجاوز الأسبوع المقبل الصين من ناحية عدد السكان، لتغدو الدولة الأكثر اكتظاظاً في العالم بنحو 1.43 مليار نسمة. وقالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة إنه «بحلول نهاية هذا الشهر، من المتوقع أن يصل عدد سكان الهند إلى 1.425.775.850 شخصاً، ليعادل ثم يتجاوز عدد سكان البر الرئيسي للصين». وطوال أكثر من مائة عام، كانت الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، تليها الهند في المرتبة الثانية على مسافة راحت تتقلّص باطراد في العقود الثلاثة الأخيرة. ويأتي ذلك رغم غياب إحصاءات رسمية لعدد السكان في الهند منذ أواخر القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

أفاد مسؤول في شرطة ولاية البنجاب الهندية، اليوم (الأحد)، بأن قوات من الأمن ألقت القبض على «الانفصالي» المنتمي للسيخ أمريتبال سينغ، بعد البحث عنه لأكثر من شهر، في خطوة ضد إقامة وطن مستقل في الولاية المتاخمة لباكستان. وأدى بزوغ نجم سينغ (30 عاماً)، وهو واعظ بولاية البنجاب الشمالية الغربية حيث يشكّل السيخ الأغلبية، إلى إحياء الحديث عن وطن مستقل للسيخ. كما أثار مخاوف من عودة أعمال العنف التي أودت بحياة عشرات الآلاف في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي أثناء تمرد للسيخ. وقال مسؤول كبير بشرطة البنجاب لصحافيين: «ألقي القبض على أمريتبال سينغ في قرية رود بمنطقة موجا في البنجاب، بناء على معلوم

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.