نجاح المعارضة التركية في تجاوز أزماتها يربك حسابات إردوغان

كليتشدار أوغلو يتسلح بخريطة واضحة ويتمتع بشعبية متنامية

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)
TT

نجاح المعارضة التركية في تجاوز أزماتها يربك حسابات إردوغان

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)

مع ارتفاع حرارة المنافسة على الرئاسة التركية، التي يبدو أنها ستنحصر بشكل أساسي بين مرشح «تحالف الشعب» الحاكم الرئيس رجب طيب إردوغان، ومرشح «تحالف الأمة» المعارض كمال كليتشدار أوغلو، بدا أن شعبية الأخير تتنامى يوماً بعد يوم.
وعكست جملة من استطلاعات الرأي أجرتها مراكز من اتجاهات مختلفة خلال مارس (آذار) الحالي، تفوق كليتشدار أوغلو الذي لطالما فضّل إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم مواجهته في السباق على الرئاسة، اعتقاداً منهم أن الفوز سيكون «مضمونا»، لكن تحركات كليتشدار أوغلو منذ إعلان «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة ترشيحه للرئاسة في 6 مارس الحالي، تشي بعكس ذلك، بل أجمع المحللون والخبراء على أنها أربكت إردوغان وحزبه، ودفعته للبحث عن حلفاء جدد لضمهم إلى «تحالف الشعب» المؤلف من حزب «العدالة والتنمية» مع حزبي «الحركة القومية» و«الوحدة الكبرى»، لإدراكه، بخبرته الطويلة في الانتخابات، أن الوضع لم يكن كما كان يتصور، وأنه لن يواجه هذه المرة تلك المعارضة التقليدية «المفككة».
وأظهرت تحركات كليتشدار أوغلو أن المعارضة التركية استوعبت الدرس جيداً، فقد نجحت «طاولة الستة» في الحفاظ على تماسكها حتى رغم الأزمة التي وقعت في 3 مارس، وكانت بطلتها رئيسة حزب «الجيد» ميرال أكشينار. ولم يمض أكثر من 72 ساعة حتى استطاعت «طاولة الستة» تجاوز الأزمة، وعادت إليها أكشينار.
* مؤشرات قوية
بدأت مؤشرات قوية تظهر معززة فرص كليتشدار أوغلو في الفوز برئاسة تركيا، وتلمح إلى أن المعركة لن تكون نزهة يخوضها إردوغان بالسهولة المعهودة. وأدركت المعارضة أن الحملة الانتخابية لإردوغان ستركز على كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط) اللذين ضربا 11 ولاية في جنوب وشرق وجنوب شرقي البلاد، وأنه سيسعى إلى تسويق برنامج إعادة الإعمار، وأنه لن يكون أحدا آخر قادراً على تنفيذه. استبقت المعارضة سياسة إردوغان، وزار قادتها المناطق المنكوبة قبل وصول إردوغان في الأيام الأولى للزلزال، ثم عادت بقوة بعد إعلان موعد الانتخابات والاتفاق على ترشيح كليتشدار أوغلو، الذي بدأ على الفور جولة في المناطق المنكوبة، وبات يمضي لياليه في الخيام مثله مثل ضحايا الزلزال؛ ليؤكد لهم أن الدولة تحت رئاسته لن تكون منفصلة عن الشعب ومعاناته.
ومنذ البداية، استغلت المعارضة بطء الاستجابة للكارثة، الذي اعترف به إردوغان مراراً مؤكداً أن ظروفاً حالت دون وصول أجهزة حكومته إلى المناطق المنكوبة في الأيام الأولى، لتوجه إليه وحكومته اتهامات بالمسؤولية عن فقد آلاف الأرواح تحت الأنقاض؛ بسبب عدم التحرك السريع.
* استطلاعات الرأي
بدا أن شعبية كليتشدار أوغلو تتنامى يوماً بعد يوم، وأن المنافسة معه تزداد صعوبة بالنسبة لإردوغان، الذي يواجه مشكلة أخرى في تأمين شركاء لتعزيز فرص تحالف الشعب في الانتخابات البرلمانية، بعد تعذر ضم حزبي «الهدى بار» و«الرفاه من جديد» الإسلامييْن إلى تحالفه، بسبب شروط ومطالب تبدو مستحيلة التحقيق، وضعها الحزبان من أجل الموافقة على الانخراط في التحالف.
وأظهرت جملة من استطلاعات الرأي التي أجريت خلال مارس الحالي أن كليتشدار أوغلو يحافظ على فارق كبير يتراوح ما بين 9 و10 في المائة بينه وبين إردوغان. وأيّد أحدث استطلاع، أجراه مركز «يوروبول»، ونُشرت نتائجه الجمعة، نتائج استطلاعات سابقة. وشمل الاستطلاع 2544 شخصاً في 21 ولاية تركية في الفترة من 10 إلى 13 مارس، وأظهر حصول كليتشدار أوغلو على 56.8 في المائة من الأصوات، في مقابل 43.2 في المائة لإردوغان. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية، تفوق حزب «الشعب الجمهوري» للمرة الأولى على حزب «العدالة والتنمية» ليحصل على نسبة 31.9 في المائة، مقابل 29.8 في المائة للأخير، كما حصل حزب «الجيد» المتحالف مع «الشعب الجمهوري» على 8.8 في المائة، بينما حصل حزب «الحركة القومية» المتحالف مع «العدالة والتنمية» على 7.6 في المائة. وبالنسبة لبقية أحزاب المعارضة، حصل حزب «الشعوب الديمقراطية» (المؤيد للأكراد) على 11.3 في المائة، وحزب «المستقبل» على 3.4 في المائة، وحزب «الديمقراطية والتقدم» على 2.6 في المائة، وحزب «تركيا المستقلة» على 1.9 في المائة، والأحزاب الأخرى على 3 في المائة.
وهو ما يعني أن نسبة أحزاب «طاولة الستة» التي من بينها «الشعب الجمهوري» و«الجيد»، و«المستقبل» و«الديمقراطية والتقدم»، تصل إلى نحو 47 في المائة، وبإضافة نسبة حزب «الشعوب الديمقراطية»، والأحزاب الأخرى ترتفع نسبة المعارضة المتوقعة بالبرلمان إلى نحو 56 في المائة، وهو ما يعني أن الأغلبية في البرلمان الجديد ستكون لأحزاب المعارضة.
* تحركات مكثفة
إلى جانب تحركاته في مناطق الزلزال والسيول، يضاعف كليتشدار أوغلو (74 عاماً) من نشاطه السياسي؛ فقد زار، الخميس، أسر ضحايا 65 من أعضاء وإداريي فريق لكرة اليد للناشئين في قبرص الشمالية، الذين فقدوا حياتهم تحت أنقاض أحد فنادق كهرمان ماراش في كارثة الزلزال، وقدم لهم وزوجته واجب العزاء، ولدى عودته إلى أنقرة ليل الخميس، تعهد بمحاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي نتج عنه انهيار الفندق، وتسبب في آلام هذه الأسر.
وبعد ذلك بساعات، بدأ كليتشدار أوغلو، صباح الجمعة جولته على الأحزاب السياسية، التي يتوقع أن تدعمه في انتخابات الرئاسة، وزار حزب «الطريق الوطني»، كما يزور حزب «تركيا المستقلة». وتأجلت زيارته، المثيرة للجدل، التي كانت مقررة السبت، إلى حزب «الشعوب الديمقراطية» إلى وقت لاحق؛ بسبب ازدحام برنامج الرئيسين المشاركين للحزب المؤيد للأكراد، مدحت سانجار وبروين بولدان، المتواجدين في المناطق المتضررة بالسيول في جنوب شرقي البلاد.
وكان كليتشدار أوغلو قد استهل جولته على الأحزاب بزيارة حزب «العمال» اليساري، المنضم إلى تحالف «العمل والحرية» مع حزب «الشعوب الديمقراطية»، 4 أحزاب يسارية أخرى، والذي أكد دعمه لكليتشدار أوغلو، كما أعطى «الشعوب الديمقراطية» مؤشراً على دعمه أيضاً.
* خريطة واضحة
وبينما يواجه إردوغان، الذي كان يعول على ما يبدو على مواجهة معارضة ضعيفة، أزمة في محاولة تدارك الخسائر التي لحقت بشعبيته وبحزبه منذ عام 2018، عقب التحول إلى النظام الرئاسي، وضعت المعارضة خريطة طريق واضحة تبني على التنسيق الناجح في الانتخابات المحلية في 2019، والتي نجحت خلالها في أن تكبد إردوغان خسارة بلدية إسطنبول، درة التاج، والمؤشر الحيوي على نتائج الانتخابات في تركيا، ومعها أنقرة وبلديات كبرى أخرى.
وتضم «طاولة الستة» فريقاً خبيراً بالسياسة الخارجية وبالشؤون الاقتصادية، يتمثل في رئيس حزبي «الديمقراطية والتقدم» علي باباجان، و«المستقبل» أحمد داود أوغلو، اللذين انشقا عن «العدالة والتنمية»؛ بسبب خلافات مع إردوغان بسبب نهجه في إدارة البلاد.
وتقول المعارضة إنها ستعود إلى النظام البرلماني المعزز حال فوزها بالانتخابات، وستتبنى سياسة خارجية أكثر انفتاحاً على الغرب، مع عدم إهمال تعزيز العلاقات مع جيران تركيا في محيطها الإقليمي وفي الشرق الأوسط وأفريقيا، كما ستسعى على وجه السرعة لحل مشكلة اللاجئين السوريين عبر التعامل مع الحكومة السورية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؛ لتهيئة الظروف لعودتهم بشكل طوعي وآمن.
كما تضمنت المبادئ التي أعلنتها «طاولة الستة» في خريطة الطريق في مرحلة ما بعد الانتخابات، ضمان الحريات، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وتعزيز دولة القانون، ومعالجة قضايا حقوق الإنسان التي تشكل مأخذاً على تركيا، وتعهدت بالإفراج عن الزعيم الكردي المعتقل صلاح الدين دميرطاش، والناشط المجتمعي البارز رجل الأعمال عثمان كافالا، اللذين تعهد إردوغان بعدم الإفراج عنهما ما بقي في الحكم، وتسبب ذلك في صدام مع أوروبا والولايات المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ومع قطاع عريض في المجتمع المحلي.
* حلول اقتصادية
وقبل كارثة الزلزال، تآكلت شعبية إردوغان بسبب تراجع مستوى المعيشة نتيجة انهيار الليرة التركية وارتفاع التضخم. وفقدت حكومة إردوغان السيطرة على التضخم وارتفاع الأسعار، لتجاهلها التضخم من أجل التركيز على التصدير والنمو، لكن كل الجهود تآكلت في ظل الارتفاع الجامح للأسعار، الذي خلّف غضباً شعبياً واسعاً أفقده الكثير من شعبيته.
ويسود حديث في كواليس السياسة في أنقرة عن تفكير إردوغان في العودة إلى السياسات التقليدية التي اتبعها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في بدايته عام 2002، والعودة إلى مسار اقتصادي تقوده الكفاءات ذات الخبرة والقادرة على توليد الحلول. ونقلت تقارير أنه يفكر في إعادة نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية محمد شيمشك لتولي الملف الاقتصادي بعد الانتخابات، على الرغم من أنه سبق أن أطاح به بسبب الخلاف على مسألة خفض الفائدة، والتدخل في عمل البنك المركزي. وكان إردوغان قد استبدل شيمشك بصهره برات البيراق، الذي بدأت معه المشكلات العميقة في الاقتصاد، وفقد الليرة التركية قيمتها، ليضطر لإقالته في نهاية 2021، عندما وصلت الليرة لأدنى مستوياتها، وخسرت 40 في المائة من قيمتها.
وفي المقابل، فإن علي باباجان، مهندس الطفرة الاقتصادية التي شهدتها تركيا في عهود سابقة لـ«العدالة والتنمية»، يبدو كورقة رابحة براقة في يد المعارضة، حيث يحظى بثقة الشعب التركي على مختلف توجهاته في قدرته على إعادة قطار الاقتصاد التركي إلى مساره الصحيح.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

شؤون إقليمية أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده تتوقع موقفاً واضحاً من دمشق حيال «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» والتنظيمات التابعة له، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لـ«العمال الكردستاني» في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

واجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ادعاءً جديداً من خصومه في المعارضة، بشأن إرساله مبعوثين للتفاوض مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، من أجل توجيه رسالة للأكراد للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) الحالي. وقالت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشنار، إن إردوغان أرسل «شخصية قضائية» إلى أوجلان في محبسه، وإنها تعرف من الذي ذهب وكيف ذهب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن اسمه لأنه ليس شخصية سياسية. والأسبوع الماضي، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إعلان الرئيس السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» السجين، صلاح الدين دميرطاش، أن يكون إردوغان أرسل وف

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

<div>دفع إقدام تركيا على دخول مجال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء عبر محطة «أككويو» التي تنشئها شركة «روساتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد، والتي اكتسبت صفة «المنشأة النووية» بعد أن جرى تسليم الوقود النووي للمفاعل الأول من مفاعلاتها الأربعة الخميس الماضي، إلى تجديد المخاوف والتساؤلات بشأن مخاطر الطاقة النووية خصوصاً في ظل بقاء كارثة تشيرنوبل ماثلة في أذهان الأتراك على الرغم من مرور ما يقرب من 40 عاما على وقوعها. فنظراً للتقارب الجغرافي بين تركيا وأوكرانيا، التي شهدت تلك الكارثة المروعة عام 1986، ووقوعهما على البحر الأسود، قوبلت مشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية باعتراضات شديدة في البد</div>

شؤون إقليمية أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، إن اجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يُعقَد بموسكو، في العاشر من مايو (أيار)، إذ تعمل أنقرة ودمشق على إصلاح العلاقات المشحونة. كان جاويش أوغلو يتحدث، في مقابلة، مع محطة «إن.تي.في.»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية «أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

«أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

أصبحت تركيا رسمياً عضواً في نادي الدول النووية بالعالم بعدما خطت أولى خطواتها لتوليد الكهرباء عبر محطة «أككويو» النووية التي تنفذها شركة «روسآتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطوة تزويد أول مفاعل من بين 4 مفاعلات بالمحطة، بـ«التاريخية»، معلناً أنها دشنت انضمام بلاده إلى القوى النووية في العالم، مشيراً إلى أن «أككويو» هي البداية، وأن بلاده ستبني محطات أخرى مماثلة. على ساحل البحر المتوسط، وفي حضن الجبال، تقع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء، التي تعد أكبر مشروع في تاريخ العلاقات التركية - الروسية.


ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن رئيس الوزراء تحدث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأحد)، وأبلغه بأن فرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل سيخدم إيران والمتحالفين معها.

وأضاف المكتب، في بيان نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، «أكد رئيس الوزراء أن تصرفات إسرائيل في مواجهة حزب الله تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان وصولاً إلى تعزيز الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأكملها». وأشار نتنياهو إلى أن «إسرائيل تتوقع دعم فرنسا وليس فرض قيود عليها».

بدوره، أكد ماكرون أن «التزام فرنسا بأمن إسرائيل لا يتزعزع»، لكنه شدد أيضاً على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

وقالت الرئاسة الفرنسية «عشية الذكرى السنوية الأولى لهجوم (حركة) حماس الإرهابي على إسرائيل، أعرب (ماكرون) عن تضامن الشعب الفرنسي مع الشعب الإسرائيلي». كما أعرب الرئيس الفرنسي عن «اقتناعه بأن وقت وقف إطلاق النار حان».

«حرب التصريحات»

واشتعلت «حرب تصريحات» بين ماكرون ونتنياهو وخلفه المنظمات اليهودية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا.

نقطة البداية تمثلت في جملة جاءت على لسان ماكرون، في حديث إذاعي بث (السبت)، لإذاعة «فرانس إنتر» وسُجل بداية أكتوبر (تشرين الأول)، وجاء في حرفية ما قاله: «أعتقد أن الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، والتوقف عن تقديم الأسلحة المستخدمة في الحرب على غزة».

كما أن ماكرون وجه سهامه إلى نتنياهو الذي «لم يستمع إلينا (في موضوع وقف إطلاق النار)، وهذا خطأ، بما في ذلك بالنسبة لأمن إسرائيل غداً»، مؤكداً أنه سيواصل اتباع السياسة نفسها التي يتبعها بشأن الوضع في قطاع غزة «منذ عام».

ماكرون تطرق كذلك إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، مُنبهاً من أنه «لا يجب أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى»، داعياً إلى «عدم التضحية بالشعب اللبناني».

وطالب ماكرون بوقف العمليات العسكرية و«بعودة الجيش اللبناني إلى الحدود»، إضافة إلى حصول الانتخابات الرئاسية لوضع حد للفراغ الرئاسي. وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن بلاده لا تقدم السلاح لإسرائيل.

ورغم أن باريس ليست مزوداً رئيسياً بالسلاح لإسرائيل؛ فإنها شحنت إليها معدات عسكرية العام الماضي بقيمة 30 مليون يورو، وفقاً للتقرير السنوي لصادرات الأسلحة الصادر عن وزارة الدفاع.

رسالة ضمنية لبايدن

ومجدداً، طُرحت هذه المسألة مساء السبت في المؤتمر الصحافي، الذي جاء في اختتام أعمال القمة الفرنكوفونية التي استضافتها فرنسا يومي الجمعة والسبت، والتي انتهت ببيان ختامي وآخر للتعبير عن التضامن مع لبنان.

وتوافرت الفرصة لماكرون لتصحيح ما قاله للإذاعة الفرنسية، وذلك بتأكيده أن الأسلحة التي تقدمها فرنسا لإسرائيل «لا تستخدم إطلاقاً» في الحرب على غزة، لا مباشرة، ولا بطريقة ملتوية.

بيد أن الأهم جاء في شرح دعوته لوقف تصدير السلاح لإسرائيل، إذ اعتبر أنه من الضروري التحلي بـ«الانسجام» في المواقف، وبالتالي «لا يمكن أن نطلب وقفاً لإطلاق النار في غزة وفي الأسبوع الأخير في لبنان، مع الاستمرار في توفير الأسلحة الحربية»؛ في الإشارة إلى إسرائيل، ولكن دون أن يسميها.

وكان واضحاً أن ماكرون يوجه خصوصاً رسالة ضمنية للولايات المتحدة الأميركية، وللرئيس بايدن شخصياً.

واستطرد ماكرون: «نعم، الدعوة لوقف النار تفترض الانسجام الذي يعني الامتناع عن توفير الأسلحة الحربية، وأعتقد أن من يدعو معنا كل يوم لوقف النار لا يمكنه الاستمرار في توفير الأسلحة».

وبالنسبة للرئيس الفرنسي، فإن وقف النار الذي وصفه بـ«الأولوية» من شأنه توفير «إيصال المساعدات الإنسانية، والعمل من أجل حل سياسي يفضي إلى (قيام دولتين)، وهو الوحيد الذي يضمن الأمن والسلام للجميع».

فلسطينيون فوق أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

كان ماكرون يتوقع أن تثير تصريحاته حفيظة إسرائيل. لذا، حرص على إعادة التأكيد بأن باريس «تطالب بالإفراج عن الرهائن، وأنها تقف إلى جانب إسرائيل في المحافظة على أمنها»، وأن «لا غموض» في هذا الموقف.

وكشف ماكرون أن نتنياهو اتصل به قبل الهجمات الصاروخية الأخيرة على إسرائيل من أجل أن «تشارك فرنسا» في الدفاع «عن أمن إسرائيل»، وأن فرنسا «استجابت لهذا الطلب».

كذلك، أكد ماكرون مجدداً أن الدعوة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لمدة 21 يوماً، التي أطلقتها الولايات المتحدة وفرنسا، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمت بالتوافق مع لبنان وإسرائيل، وأن نتنياهو «فضل مساراً آخر وهو يتحمل مسؤولية العمليات (العسكرية) الأرضية في لبنان».

الإحباط اللبناني

كان لبنان حاضراً بقوة في القمة الفرنكوفونية التي صدر عنها «إعلان تضامن مع لبنان» من ثماني فقرات، جاء فيها التعبير عن «القلق الكبير»، والتخوف من تصاعد العنف، والخسائر الكبيرة بالأرواح، وتضامن «العائلة الفرنكوفونية» مع لبنان، الذي يتعين أن «ينعم مجدداً بالأمن والسلام». كذلك دعا بيان القمة إلى «وضع حد لانتهاك سيادة لبنان وسلامة أراضيه»، والدعوة إلى «وقف فوري ودائم لإطلاق النار».

بيد أن المؤسف فيما صدر هو «تجهيل الفاعل»؛ بمعنى أن اسم إسرائيل لم يصدر مرة واحدة، بحيث بقيت الاعتداءات على السيادة اللبنانية مجهولة الفاعل، وكذلك الجهة المسؤولة عن مقتل وتهجير آلاف اللبنانيين.

دمار تسببت به الضربات الإسرائيلية الجوية الأحد في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

وعبّر وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، عن «إحباطه» لكون اسم إسرائيل لم يرد في أي مكان. وعلم من داخل القمة أن مجموعة من الدول وعلى رأسها رومانيا وكندا، بالإضافة إلى مجموعة من الدول الأفريقية، رفضت الإشارة إلى إسرائيل بالاسم؛ ما يبين إلى حد بعيد تسييس «الفرنكوفونية».

ورداً على ذلك، قال ماكرون إنه «لا يتعين التقليل من أهمية» الإعلان الذي يعكس التضامن مع لبنان، منوهاً بالمهمة التي يقوم بها وزير خارجيته، جان نويل بارو، في المنطقة، الذي سيعود مجدداً إلى لبنان بعد أن زاره بداية الأسبوع الماضي.

وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن الأيام القادمة «ستكون حاسمة بالنسبة للحصول على وقف لإطلاق النار ومواصلة العمليات الإنسانية». ودعا إلى «عدم التشكيك» بانخراط فرنسا إلى جانب لبنان.

هجوم نتنياهو

وما كانت دعوة ماكرون لوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة لتمر من غير رد من نتنياهو، الذي سارع إلى شن هجوم عنيف على ماكرون. وقال نتنياهو: «بينما تحارب إسرائيل القوى الهمجية التي تقودها إيران، يتعين على جميع الدول المتحضرة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. إلا أن الرئيس ماكرون وغيره من القادة الغربيين يدعون الآن إلى حظر الأسلحة على إسرائيل؛ إذ عليهم أن يشعروا بالعار».

ورأى نتنياهو أن إسرائيل ستنتصر حتى من دون دعمهم «لكن عارهم سيستمر لوقت طويل بعد الانتصار في الحرب». مضيفاً: «هل تفرض إيران حظر أسلحة على (حزب الله)، وعلى الحوثيين، وعلى (حماس)، وعلى وكلائها الآخرين؟ طبعاً لا».

وخلص إلى القول إن «محور الإرهاب هذا يقف صفاً واحداً، لكن الدول التي يفترض أنها تعارضه تدعو إلى الكف عن تزويد إسرائيل بالسلاح. يا له من عار».

وطالب نتنياهو «جميع الدول المتحضرة بأن تقف بصلابة إلى جانب إسرائيل».

الإليزيه يتدخل

ولأن أزمة حادة لاحت في الأفق، فقد سارع قصر الإليزيه إلى «توضيح»، جاء فيه أن فرنسا «صديقة لإسرائيل لا تتزعزع». وأبدى القصر الرئاسي أسفه لما صدر عن نتنياهو، معتبراً أنه «مُغال» في رد فعله.

لم يتوقف رد الفعل على نتنياهو وحده، بل انضم إليه المجلس التنفيذي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل.

وأعرب المجلس عن «أسفه العميق» لتصريحات الرئيس الفرنسي، معتبراً أن «الدعوة لحرمان إسرائيل من السلاح لا تدفع باتجاه السلام، لكنها تخدم (حزب الله) و(حماس)».

وزاد البيان أن دعوة كهذه تأتي قبل 7 أكتوبر مباشرة «تدمي كل الذين يتمسكون بمحاربة الإرهاب، وتشجع حزب فرنسا الأبية (اليساري الفرنسي المتشدد) في تطرفه، وفي استراتيجيته الدافعة إلى تعميم الفوضى في النقاش العام».

كذلك صدرت تصريحات مماثلة عن شخصيات يهودية وغير يهودية داعمة لإسرائيل.

مسيرة مناهضة لمعاداة السامية في باريس نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

الانتقادات غير مقبولة

وليست هذه المرة الأولى التي تتوتر فيها علاقات ماكرون بنتنياهو. ومهما فعل الأول للإعراب عن تمسكه بأمن إسرائيل والدفاع عنها، كما فعلت القوات الفرنسية مؤخراً بطلب من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما ساهمت في إسقاط الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل؛ فإن كل ذلك لا يبدو كافياً بنظر نتنياهو.

فالأخير لا يجيز أي انتقاد له وسبق أن ندد، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بقرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستامر حظر تصدير أنواع معينة من الأسلحة إلى تل أبيب.

كذلك فعل نتنياهو مع جوستان ترودو رئيس الوزراء الكندي، ومع الرئيس الأميركي بايدن، عندما أمر بتأخير تسليم إسرائيل نوعاً من القنابل؛ مخافة استخدامها في غزة.

وكانت النتيجة أن هذه القنابل الثقيلة «بوزن 2000 رطل» أعيد تسليمها، كما أغدقت واشنطن على إسرائيل بمساعدة عسكرية من 20 مليار دولار، وسلمتها مؤخراً مساعدة من 8 مليارات دولار.

من هنا، فإن فرنسا إن حظرت أسلحتها أو لم تحظرها، فإن تأثيرها يبقى محدوداً، إن عسكرياً أو لجهة الضغوط التي يمكن أن تمارسها على إسرائيل، سواء أكان بالنسبة للبنان أو غزة والضفة الغربية.