الأسد تحدث بلغة «المنتصر» وطرح على بوتين شروطاً للتطبيع مع أنقرة

موسكو تربط التعاون الاقتصادي بالتقدم على المسار السياسي

بشار الأسد وفلاديمير بوتين (إ.ب.أ)
بشار الأسد وفلاديمير بوتين (إ.ب.أ)
TT

الأسد تحدث بلغة «المنتصر» وطرح على بوتين شروطاً للتطبيع مع أنقرة

بشار الأسد وفلاديمير بوتين (إ.ب.أ)
بشار الأسد وفلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

قد تكون أبرز نتائج زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى موسكو، تلك المتعلقة بتعثر جهود موسكو في الإعلان عن اختراق كبير في مسألة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. ربما كان الكرملين يأمل في أن تسفر المحادثات عن اتفاقات واضحة في هذا الشأن، خصوصاً أنه وجه إشارات واضحة أثناء إعداد الزيارة أنه يولي أهمية كبرى لهذا المسار.
كان لافتاً تباين لهجة الطرفين وأولوياتهما خلال جولة المحادثات وبعدها مباشرة.
في الشق المفتوح من الحوار مع الرئيس فلاديمير بوتين، تعمد الأخير وضع مقدمات لا تخفى دلالاتها عندما أشار إلى أن نجاح القوات المسلحة الروسية في تقويض التهديد الإرهابي، يضع الأولوية الحالية لـ«ضمان الاستقرار الداخلي وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي». وفي اللقاء الذي جرى بين وزيري الخارجية، شدد الوزير سيرغي لافروف، على «نضوج ظروف أكثر ملاءمة للتحرك نحو تسوية سياسية فيما يتعلق بسوريا». وأكد أن «موسكو تسعى للتوصل إلى اتفاقات عادلة تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254».
في الحالين، تركز الموقف السوري حول الإشادة بـ«الموقف الروسي الثابت حيال ملف السيادة، ووحدة الأراضي، وضرورة خروج كل القوات الأجنبية غير الشرعية».
تطرق الرئيس السوري، في تصريحات صحافية رنانة بعد اللقاء، إلى رزمة من الموضوعات التي تتعلق بمكان سوريا، كما يراها هو داخل «المحور الروسي» في مواجهة الحرب العالمية الجديدة. وتحدث عن تحول سوريا إلى واحدة من دعائم «التوازن الدولي الجديد» بعد الحرب الأوكرانية، من خلال فكرته حول توسيع حجم ونوعية القواعد العسكرية دائمة الحضور في بلاده.
وتحدث أيضاً عن اتفاقات على تعاون اقتصادي وتجاري كبير. صعد لهجته ضد سياسات الولايات المتحدة. أكد اعتراف بلاده بـ«الحدود الروسية الجديدة»، وسخر من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، ووصفه بأنه دمية لدى الغرب.

لا ذكر للتسوية السياسية في سوريا

تطرق الأسد إلى كل الموضوعات المطروحة على الأجندة الدولية بصفته جزءاً أساسياً من محور الحرب الروسية الجارية حالياً، لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن التسوية السياسية في سوريا، ولم يتحدث بحرف عن الحوار بين ومع السوريين، ولا عن أولويات تحسين الأوضاع المعيشية الكارثية في بلاده، ومعالجة ملفات مهمة مثل نقص الطاقة.
في المقابل، حافظ الأسد على مواقفه المعلنة حول موضوع التطبيع مع تركيا، وجدد شروطه للقاء الرئيس التركي. والأكثر من ذلك أنه سخر من تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، حول أن الوجود التركي في سوريا ليس احتلالاً. ورأى فيه «لهجة من القرون الماضية عندما كانت القوة العسكرية تحدد مساحة نفوذ الدولة»، متجاهلاً أن الموقف نفسه طرحته روسيا عندما أكدت استعداد تركيا للانسحاب، وفقاً لتفاهمات تلبي مصالح الطرفين الأمنية.
عموماً، يمكن الانطلاق من البيان الصادر عن الكرملين لتحري النتائج الأكثر دقة للقمة الروسية السورية، خصوصاً أن كل التصريحات الروسية الرسمية تجاهلت الأفكار التي طرحها الأسد للتموضع السوري في المواجهة الروسية مع الغرب.
قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن الرئيسين ناقشا خلال 3 ساعات رزمة من الملفات، بينها قضايا التعاون في المجال العسكري التقني، وتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. وفقاً للناطق الرئاسي، فإنه «بشكل عام، بنتيجة المحادثات، تم اتخاذ قرار من المحتمل أن يسمح في الأسابيع أو الأشهر المقبلة بالتوقيع على وثيقة مهمة للغاية بشأن زيادة تطوير التعاون التجاري والاقتصادي. أما بالنسبة للتعاون في المجالات الحساسة، مثل التعاون العسكري التقني، فقد نوقش هذا بالطبع أيضاً».
ووصف بيسكوف المفاوضات بأنها «جوهرية للغاية». وأشار إلى أن قادة الدول استمعوا أيضاً إلى تقارير كبار الموظفين، ومنهم رئيس اللجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي إيريك فايزولين، ووزير مالية الاتحاد الروسي أنطون سيلوانوف.
وأضاف بيسكوف، أن الاجتماع تطرق أيضاً إلى موضوع تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وحدد أنه «لا يمكن الإعلان عن جميع نتائج المفاوضات لأسباب واضحة». ورداً على سؤال حول لقاء محتمل بين رئيسي سوريا وتركيا، أشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن «مثل هذا الاجتماع يجب أن تسبقه عدد من الاتصالات على مستوى مجموعات العمل». ووفقاً له، فإن «العمل في هذا الاتجاه جارٍ وسوف يستمر».

تباين روسي ـ سوري في الأولويات

يظهر في تعليق الكرملين على نتائج المحادثات بوضوح، حجم التباين في فهم طبيعة العلاقة وأولويات المرحلة المقبلة. وقال لـ«الشرق الأوسط» مصدر دبلوماسي روسي، إن ثمة «استغراباً من سلوك الأسد الإعلامي، وحتى سلوكه أثناء جولة المفاوضات» وزاد أنه كان واضحاً «عدم استعداد الرئيس السوري للخوض في مبادئ الحل السياسي، وظهر أنه غير مدرك لأهمية الخطوات الروسية في إطلاق مسار التطبيع مع أنقرة بصفة أن هذه الخطوة تضع في ملف واحد متكامل رزمة من القضايا ذات الأولوية تبدأ من موضوعات اللاجئين، ولا تنتهي عند ضمان أمن وسيادة سوريا في مناطقها الحدودية بما يفتح على ملف التسوية النهائية».
أيضاً قال المصدر إن المؤسف أن «الرئيس السوري لا يظهر إدراكاً بأن الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب ليس مستقراً، وأن التنسيق مع تركيا مطلوب كضمانة أساسية لترتيب هذا الأمر لاحقاً».
عموماً، وفقاً للمصدر المطلع على المحادثات، فقد «تم إبلاغ رسالة واضحة للقيادة السورية بضرورة التعامل بشكل جدي وإيجابي مع الملفات المطروحة، وانطلاقاً من ذلك تم التوافق على أن يبدأ مسؤولون سوريون وأتراك لقاءات خلال الفترة القريبة المقبلة». في ملف التسوية السياسية، تم التأكيد من جانب موسكو على «قواعد التسوية القائمة على القرار 2254 ومخرجات مؤتمر سوتشي، والدور الأساسي للأمم المتحدة».
أما ما يتعلق بملف التعاون الاقتصادي التجاري الحيوي جداً بالنسبة إلى سوريا حالياً، فقد كانت حملت بيسكوف حول احتمال أن يوقع الطرفان «اتفاقاً بالغ الأهمية حول التعاون الاقتصادي التجاري خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة» دلالات مهمة، لجهة تأكيد أن موسكو ربطت عملياً التقدم في الملف الاقتصادي بتحقيق نتائج عملية على المسار السياسي، خصوصاً في المسائل التي تقترحها موسكو، على رأسها حالياً موضوع التطبيع مع أنقرة.
في هذا المجال أعاد المصدر الدبلوماسي التذكير بأنه «في الفترة السابقة امتنعت وزارة المالية الروسية عن الاستجابة لطلبات اللجنة الاقتصادية الروسية والسورية الخاصة بتمويل بعض المشروعات، أو إعطاء قروض، خصوصاً لعدم توفر ضمانات بسبب الوضع الداخلي عدم المستقر في سوريا، الذي نتيجته لا تتوفر الشروط المتعارف عليها والمطلوبة للقوانين الخاصة بروسيا وتعاملها التجاري الاقتصادي مع الدول الأخرى».
وزاد أنه «لذلك هذا الوضع يتطلب قراراً خاصاً توافق عليه سلطات المراقبة الخاصة للحفاظ على القوانين الفيدرالية».
وقال الدبلوماسي إنه «بالإضافة إلى ذلك هناك تساؤلات من عدد من البرلمانيين الروس: لماذا تقدم روسيا مساعدات في الوقت الذي لا تتجاوب السلطات السورية مع مساعي روسيا للتسوية السورية؟»، وأعرب عن قناعة بأن «الرئيس بشار الأسد استوعب خلال هذه الزيارة أنه لا يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه. والمساعدات ستبقى محدودة طالما لم تتوفر الشروط والوضع الذي يتناسب مع الشروط الروسية لتنمية العلاقات مع الدول الأخرى».


مقالات ذات صلة

رئيس الامارات يلتقي بشار الأسد في أبوظبي

المشرق العربي الشيخ محمد بن زايد والرئيس السوري خلال اللقاء اليوم في أبوظبي (وام)

رئيس الامارات يلتقي بشار الأسد في أبوظبي

وصل الرئيس السوري بشار الأسد، ظهر اليوم الأحد، إلى الإمارات، في زيارة رسمية ترافقه خلالها السيدة الأولى أسماء الأسد. وكان في استقبال الرئيس السوري لدى وصوله إلى مطار الرئاسة في أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. وتوجّه الأسد إلى «قصر الوطن» لبدء المحادثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وفق ما ذكرته الرئاسة السورية في بيان. ويرافق الرئيس الأسد وفد يضم الدكتور سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، ومنصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والدكتور بطرس حلاق وزير الإعلام، والدكتور أيمن سوسان معاون وزير الخارجية، والدكتور غسان عباس القائم بأعمال السفارة ا

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم مجزرة حي «التضامن» (مواقع التواصل)

واشنطن تتهم الأسد بـ«جرائم ضد الإنسانية»

اتهمت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الاثنين، نظام الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب «فظائع لا حصر لها»؛ منها ما يرقى إلى «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»، معلنة عقوبات على ضابط صف في الاستخبارات العسكرية السورية لتورطه في «مجزرة التضامن» التي قتل فيها العشرات قبل 10 سنين. وينظر إلى هذا التصنيف الأميركي على أنه محاولة لتبديد ما يشاع عن استعداد واشنطن لتقبل عملية التطبيع مع نظام الأسد بعد الزلزالين المدمرين في 6 فبراير (شباط) الماضي. كما أن توجيه الاتهام بارتكاب «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»، يعكس إصراراً من إدارة بايدن على عملية محاسبة لها أبعاد قانونية طويلة الأجل. وأفادت وزارة الخارجية

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي جنود روس قرب الساحة الحمراء في موسكو (أ.ف.ب)

الأسد إلى موسكو منتصف الشهر لـ«ضبط الساعات» مع الكرملين

أكد الكرملين، الاثنين، صحة تسريبات إعلامية حول الإعداد لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا خلال الفترة القريبة المقبلة. لكنه تجنب الإعلان عن تفاصيل إضافية حول الترتيبات الجارية. وأبلغ «الشرق الأوسط» مصدر مقرب من وزارة الخارجية الروسية، أن الطرفين، الروسي والسوري، يعلقان أهمية كبرى لجهة «ضبط الساعات» خلال الزيارة التي ستتم منتصف الشهر الحالي، خصوصاً بعد التطورات التي وقعت في سوريا وحولها خلال الأشهر الأخيرة.

رائد جبر (موسكو)
العالم العربي الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)

«البرلماني العربي» يُنعش آمال عودة سوريا إلى «الجامعة»

أنعشت زيارة لوفد من «الاتحاد البرلماني العربي» ضم رؤساء برلمانات دول عربية عدة إلى دمشق، آمال عودة سوريا إلى «الجامعة العربية»، بعد اثني عشر عاماً من تجميد المقعد. واستقبل الرئيس السوري بشار الأسد اليوم (الأحد) وفداً من «الاتحاد البرلماني العربي» الذي اختتم أعماله أمس في بغداد. ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، عن رئيس مجلس النواب المصري الدكتور حنفي جبالي، تأكيده على «الوقوف إلى جانب دمشق، والتضامن معها في مواجهة محنة الزلزال»، مشيراً إلى أن «سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية». وضم الوفد رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة، وا

العالم العربي الرئيس السوري بشار الأسد مع وفد الاتحاد البرلماني العربي اليوم في دمشق (سانا)

الأسد يستقبل وفداً من الاتحاد البرلماني العربي

استقبل الرئيس السوري بشار الأسد اليوم (الأحد) وفداً من الاتحاد البرلماني العربي المشارك في مؤتمر الاتحاد، الذي اختتم أعماله أمس في بغداد، وفق الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، فيما أكد رئيس مجلس النواب المصري الدكتور حنفي جبالي، اليوم من دمشق، الوقوف إلى جانب سوريا والتضامن معها في مواجهة محنة الزلزال، مشيراً إلى أن سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية. ويضم الوفد رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي. وأكد رئيس مجلس النواب المصري ا

«الشرق الأوسط» (دمشق)

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

يعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وعودة الجدل الحاد حول تحويل محافظة البصرة الغنية بالنفط إلى إقليم، في مشهد يعكس عمق الاختلال السياسي والمالي في البلاد.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم للشهر الأخير، في سابقة تُثير قلقاً واسعاً لدى شريحة تعتمد غالبيتها على الدخل الحكومي، في بلد يشكل فيه القطاع العام العمود الفقري للاقتصاد.

وتؤكد وزارة المالية مراراً أن «الرواتب مؤمّنة»، وتنفي وجود أزمة سيولة، إلا أن هذه التصريحات لم تعد كافية لتهدئة مخاوف الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل شلل سياسي مستمر.

تتزامن الأزمة المالية مع انسداد سياسي حاد، نتيجة فشل القوى السياسية في التوافق على شاغلي الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.

ويقول محللون إن غياب حكومة كاملة الصلاحيات يُقيد قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مالية حساسة، بما في ذلك إدارة الإنفاق العام، وضمان انتظام الرواتب، في وقت تتراكم فيه الديون وتتراجع ثقة الشارع بالمؤسسات.

وينظر إلى هذا التعثر باعتباره امتداداً لأزمة بنيوية أعمق؛ حيث لم تنجح الطبقة السياسية، منذ سنوات، في بناء آليات مستقرة للحكم، رغم الموارد النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق.

«إقليم البصرة»

إلى جانب الرواتب والحكومة، برزت في أواخر 2025 أزمة جديدة تمثلت في إعلان مجلس محافظة البصرة عزمه التصويت على بدء إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

ورغم أن الدستور العراقي يتيح تشكيل الأقاليم، فإن التجربة بقيت محصورة عملياً في إقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع خاص تشكّل قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وعلى مدى العقدين الماضيين، قوبلت دعوات مماثلة في محافظات أخرى برفض سياسي واسع، بدعوى أنها تُمهّد لتقسيم البلاد. وكانت الدعوات لتحويل محافظات غربية، مثل الأنبار، إلى إقليم، قد واجهت حملات تخوين واتهامات بالسعي إلى إنشاء «دولة سنية» أو تنفيذ أجندات إقليمية.

لكن مسألة البصرة تختلف، وفق مراقبين، ليس من زاوية الهوية السياسية أو الطائفية، بل بسبب وزنها الاقتصادي، فالمحافظة الجنوبية تنتج أكثر من 80 في المائة من النفط العراقي، ما يجعل أي خطوة نحو إقليم مستقل نسبياً مصدر قلق لبغداد.

حقل «غرب القرنة 2» النفطي جنوب مدينة البصرة في العراق (رويترز)

النفط في قلب الصراع

وتخشى الحكومة الاتحادية من أن يؤدي تحويل البصرة لإقليم إلى تقليص سيطرتها على أهم مورد مالي للدولة، في وقت تعاني أصلاً نزاعات مزمنة مع إقليم كردستان حول عائدات النفط والمنافذ الحدودية.

ويرى خبراء أن فتح «جبهة مالية» جديدة مع إقليم نفطي بحجم البصرة قد يضع الدولة أمام اختبارات قاسية، خصوصاً إذا ترافقت مع استمرار الاضطراب السياسي.

في المقابل، يُحذر آخرون من أن منطق الأقاليم، إذا تمدد، قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية على الموارد، بما في ذلك المياه، في بلد يعاني أصلاً شحاً مائياً وتغيرات مناخية متسارعة.

وبين تأخر الرواتب، وانسداد الأفق السياسي، وتصاعد الجدل حول الأقاليم، يبدو العراق مقبلاً على عام جديد من دون حلول جذرية.

ويقول مراقبون إن ما يجري ليس سوى «تدوير للأزمات»؛ حيث ترحل المشكلات من عام إلى آخر من دون معالجات بنيوية، في ظل خلل مركب سياسي واقتصادي بات يُهدد الاستقرار الاجتماعي في بلد يعتمد ملايين من مواطنيه على الدولة مصدراً وحيداً للدخل.


لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
TT

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

يقف لبنان على مشارف انتهاء عام 2025 من دون أن يكون قد حسم موقعه بين منطق الحرب ومنطق الاستقرار. فالسنة التي توشك على طيّ صفحاتها لم تشهد توسّعاً شاملاً للمواجهة، لكنها لم تُنتج في المقابل أي معادلة ردع سياسية أو أمنية قابلة للصمود، في ظل رفض «حزب الله» البدء بالمرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، مقابل تهديدات إسرائيلية متواصلة.

ويتحرّك لبنان سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية، وتبرز مقاربة تعتبر أنّ ما يعمل عليه لبنان هو منع الانفجار الكبير، حسبما تقول مصادر نيابية، مشيرة إلى أن ما يجري يبدو كأنه «إدارة مؤقتة للمخاطر، في ظل غياب الضمانات الدولية، وتشابك المسارات الإقليمية، واستمرار العجز الداخلي عن إنتاج قرار سيادي جامع»، في وقت تعمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) أداة ضبط، في مقابل بقاء إسرائيل خارج أي التزام سياسي ملزم، ما جعل الالتزام اللبناني أحادي الاتجاه.

تجنّب الحرب سابق لأوانه

يرى عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» (الحزب التقدمي الاشتراكي)، النائب بلال عبد الله، أنّ «الحديث عن تجنيب لبنان الحرب بشكلٍ نهائي لا يزال سابقاً لأوانه»، وأنّ «توصيف المرحلة بترحيل التصعيد وحده لا يكفي لشرح تعقيد المشهد».

ويشير إلى أنّ لبنان «يقوم بما يتوجّب عليه ضمن أقصى طاقته السياسية والدبلوماسية»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ آلية المتابعة الدولية «تتطلّب تنفيذاً سياسياً في جزءٍ أساسي منها، وهو ما تعمل عليه الدولة اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة».

النائب بلال عبد الله (الوكالة الوطنية)

وتبرز إشكالية أساسية، تتمثّل بالتزام لبناني مقابل فراغ في الضمانات، ويشدّد عبد الله على أنّ «كل ما هو مطلوب رسمياً من لبنان يتم الالتزام به، في وقت يتكبّد فيه (حزب الله) خسائر يومية على الأرض»، معتبراً أنّ «الخطاب عالي النبرة مسألة منفصلة عن الوقائع الميدانية والسياسية».

ويرى أنّه «حتى اليوم، لم يأتِ أي موقف غربي أو عربي يحمل ضمانة جدية تمنع إسرائيل من توجيه ضربات إضافية، ما يعني عملياً أنّ الاستقرار المطروح ليس إلا هدنةً مفتوحةً على الاحتمالات». من هنا، يعتبر أنّ «الحديث عن استقرار طويل الأمد غير واقعي في المرحلة الحالية»، وأنّ سقف الممكن يقتصر على وقف الاعتداءات، لا أكثر».

تحولات إقليمية

لا يفصل عبد الله المسار اللبناني عن محيطه، فيؤكد أنّ «الواقعية السياسية تفرض على لبنان الاستمرار في القيام بواجباته كدولة، ضمن (الميكانيزم)، لكن من دون أوهام حيال نتائجه». ويستحضر نموذج غزّة بوصفه دليلاً على هشاشة التفاهمات، مشيراً إلى أنّ «أي قراءة سياسية نهائية تبقى رهينة التطورات الإقليمية والدولية»، معتبراً أنّ «غياب الضوابط الواضحة والضمانات الملزمة للجم إسرائيل، يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، وأنّ لبنان سيظل ساحة متأثرة بالحسابات الإسرائيلية أكثر مما هو محكوم بتفاهمات مستقرة».

فرصة لم تُستثمر

في المقابل، تنطلق مقاربة عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب فادي كرم، من خلفية سياسية مختلفة، ترى في 2025 فرصة إصلاحية لم يُحسن لبنان استثمارها. ويعتبر أنّ «عام 2025 شهد مساراً عاماً يميل إلى الإيجابية، مع نية واضحة لإخراج لبنان من الواقع الذي عاشه طوال الثلاثين سنة الماضية»، لكنه يربط تعثّر النتائج بـ«الإكثار من الحديث عن التريّث والتباطؤ، ما أضرّ بالمسار الإصلاحي، لا سيّما في ما يتصل ببناء الدولة وحصر السلاح».

النائب فادي كرم (الوكالة الوطنية)

ويرى كرم أنّ «الخطوات التي اتُّخذت خلال 2025 كانت بطيئة، وأنّ أي مقاربة تقوم على الاكتفاء بالكلام أو بتأجيل حسم ملف السلاح مع الواقع قد تدفع خطر الحرب إلى الخلف لفترة محدودة، لكنها لا تُلغي احتماليته». ومن هنا، يربط الضمانة الوحيدة للاستقرار بـ«حصر السلاح بشكل كامل وعلى كل الأراضي اللبنانية»، معتبراً أنّ أي تجزئة في هذا المسار تعني عملياً ترحيل أسباب الحرب لا معالجتها».

وإذ ينوّه كرم بعمل الجيش اللبناني، معتبراً أنّه «مؤسسة قادرة»، يشدّد على أنّ فاعليته تبقى مشروطة بـ«القرار السياسي». ويرى أنّ «استمرار وجود السلاح غير الشرعي، مع رفض تسليمه، يفرض على الدولة اتخاذ خطوات أمنية واضحة، تبدأ برفع الغطاء السياسي، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى صدام داخلي»، ويضيف: «عندما تحسم الدولة أمرها، يصبح الطرف غير الشرعي هو من يعيد حساباته، وليس العكس».

ويحذّر كرم من أنّ لبنان في نهاية 2025، لم يخرج بعد من دائرة خطر التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أنّ «الحديث المتزايد عن استهداف إيران، يضع (حزب الله) تلقائياً في قلب أي مواجهة مقبلة، ما يجعل لبنان ساحة محتملة لأي تصعيد إقليمي، بصرف النظر عن حساباته الداخلية».


إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.