قضية العسكريين اللبنانيين المختطفين تتحول إلى ملفين منفصلين.. ومصير محتجزي «داعش» مجهول

الأهالي نفذوا اعتصامًا في منطقة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت

أهالي المختطفين اللبنانيين في اعتصام بمنطقة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت («الشرق الأوسط»)
أهالي المختطفين اللبنانيين في اعتصام بمنطقة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت («الشرق الأوسط»)
TT

قضية العسكريين اللبنانيين المختطفين تتحول إلى ملفين منفصلين.. ومصير محتجزي «داعش» مجهول

أهالي المختطفين اللبنانيين في اعتصام بمنطقة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت («الشرق الأوسط»)
أهالي المختطفين اللبنانيين في اعتصام بمنطقة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت («الشرق الأوسط»)

تشير آخر المعلومات إلى أنّه تم الفصل بين ملفي المخطوفين اللبنانيين لدى «النصرة» وأولئك المختطفين لدى «داعش»، فالتقدم الذي شهده الملف الأول في الفترة الماضية لم يلحظ الملف الثاني، بحيث إن التواصل مفقود تماما مع تنظيم داعش منذ أكثر من 6 أشهر. وتقول مصادر مطلعة على الملف: «نحن حتى لا نعلم مكان تواجد العسكريين الـ9 الذين لدى داعش، حتى أن مصيرهم مجهول رغم بعض التطمينات التي تصلنا بين الفترة والأخرى كونهم أحياء يرزقون».
وبعكس «جبهة النصرة» التي تتقصد البقاء على تواصل مع الأهالي وتبث الفيديوهات والصور للعسكريين كل فترة، يتعمد «داعش» الغياب التكتيكي، وقد بثّ فيديو واحد بعد عملية الاختطاف في ديسمبر (كانون الأول) 2014 أظهر 3 من العسكريين بلباس الإعدام البرتقالي، وأحد العناصر المتشددة يتحدث باللغة الفرنسية محذرا رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع من «تعاونهم» مع حزب الله.
وتشير المصادر إلى أن «قطر لا تزال تعمل على الملف بحيث تتم اللقاءات مع ممثل عن (النصرة) والموفد القطري والوسيط اللبناني مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم في تركيا، إلا أن المفاوضات متوقفة حاليا»، لافتة إلى أن «ما يعرقل تقدم الأمور حاليا هو إصرار اللواء إبراهيم على أن يتم تحرير كل العسكريين دفعة واحدة، وتمسك (النصرة) بمبدأ تقسيم عمليات التسليم». وتضيف المصادر: «بعض المعلومات تقول بأن الأمور قد تتحرك على مستوى ملف المختطفين لدى داعش بعد إنجاز ملف (النصرة) ولكن لا يوجد شيء مؤكد بعد في هذا الإطار».
وتلمح اليأس والاستسلام في ملامح كل أهالي العسكريين اللبنانيين المختطفين منذ عام تماما لدى تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» المتطرفين، إلا أن اللوعة التي تطل من عيون أهالي المحتجزين لدى «داعش» لا تشبهها لوعة أخرى، كونهم لم يسمعوا أصوات أبنائهم منذ 9 أشهر ولم يلتقوا بهم منذ معركة عرسال الشهيرة التي انتهت إلى احتجازهم.
ملّ هؤلاء وعود المسؤولين اللبنانيين والوسطاء التي ثبتت أنّها كاذبة، فالمفاوضات التي أعلن أكثر من معني بالملف منذ فترة طويلة «وصولها إلى خواتيمها»، لم تؤد وبعد 365 يوما لأي نتائج ملموسة، ما دفع أهالي العسكريين الـ25 المحتجزين للاستسلام لقدرهم. فأجسادهم أنهكت من الاعتصامات كما أنّهم لم يعودوا يمتلكون أي قوة للتصعيد وقطع الطرقات أو حرق الدواليب.
وتؤكد صابرين، زوجة الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي المخطوف لدى «النصرة» زياد عمر، أن الوجع الذي أصابها يوم معرفتها باختطاف زوجها «لا يزال على ما هو عليه».
صابرين التي يعرفها جميع الأهالي على أنّها الأقوى بينهم والأكثر تماسكا، بدأت تفقد الأمل رغم أنّها التقت بزوجها كما باقي أهالي العسكريين المختطفين لدى «النصرة» يوم عيد الفطر الشهر الماضي، لافتة إلى أنّها التفتت سريعا إلى رجليه كي تطمئن إلى أنّه بخير وقبلتهما... وأضافت: «أصلا أنا لا أعرف حاليا كيف أتنفس وهو بعيد عني».
وتتحدث صابرين عن خوف يتملكها من الاعتياد على فكرة غياب زوجها، مشيرة إلى أن أكثر ما تخاف منه هو اعتياد ابنتيها التوأم اللتين تبلغان من العمر سنتين و4 أشهر على أن والدهما موجود فقط في الصورة، وأضافت: «ترفعان سماعة الهاتف وتدعيان أنّهما تتحدثان إليه. حتى أنّهما تنتظران بلهفة الدراجتين الهوائيتين اللتين وعدتهما بأن زياد سيشتريهما فور عودته... وكم أخاف أن أضطر قريبا لشرائهما بنفسي».
وتنقل صابرين آخر كلمات قالها زوجها في لقائهما الأخير، عندما تمنى عليها الاهتمام بوالديه وابنتيه، وأضاف أنّهم أمانة عندها لأنّه بات يشك أنّه سيعود يوما.
واللقاء الذي جمع أهالي العسكريين الـ16 المختطفين لدى «النصرة» الشهر الماضي، أراده التنظيم كـ«بادرة حسن نية» يوم عيد الفطر، علما بأن عددا كبيرا من هؤلاء الأهالي يسمح له بزيارة أبنائه كل فترة بعد وساطات يقودها الشيخ مصطفى الحجيري الذي تسلم ملف العسكريين بعد اختطافهم، وتحول أخيرا لمجرد وسيط لإتمام لقاءات معهم، بعد أن صدرت بحقه عدة مذكرات توقيف.
وقد تقصّد أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي المشاركة في اللقاء الأخير والذي صورته أكثر من كاميرا، وهو شكا من عدم اهتمام الدولة اللبنانية بالملف وتحدث عن توقف المفاوضات، مشيرا إلى أنه إذا تم إخراج 5 نساء تحدد أسماءهن الجبهة من السجون اللبنانية سيتم تحرير 3 من العسكريين المختطفين.
ونقلت صابرين عن التلي قوله: «نحن لا نحتاج مالا.. ولو كنا نريد المزيد من الأموال لملكنا عرش أوباما».
ولا يزال حسين ﻳﻮﺳﻒ والد الجندي المخطوف والمحتجز لدى تنظيم داعش محمد يوسف، يعيش يوميا كابوس الفيديو الذي ظهر فيه ابنه جاثيا على قدميه وهو يرتدي الزي البرتقالي والسكين على رقبته، وهو يؤكد أنّه لن ينسى هذه المشاهد طالما هو حي وحتى ولو عاد محمد إلى منزله سليما.
ويحاول يوسف جاهدا أن يتذكر الكلمات الأخيرة التي قالها ابنه في الاتصال الهاتفي الأخير قبل 9 أشهر، لافتا إلى أنّهم كانوا يحاولون تقييم وضعه النفسي من نبرة صوته. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نشعر أنّه خائف وفاقد للأمل».
ويؤكد يوسف أنّهم ومنذ 9 أشهر لا يعرفون أي معلومة عن مصير المختطفين لدى «داعش»: «حتى أننا لا نعرف إذا كان داخل الأراضي اللبنانية أو خارجها».
ويضيف: «نحن نعيش الموت في كل لحظة، لقد مر علينا 365 يوما من المأساة والمرارة، حتى أن كل ساعة فيها سوداء ظالمة وأشبه بدهر».
يوسف الذي بدأ في الاعتصام الأخير الذي نفذه الأهالي في منطقة رياض الصلح في وسط العاصمة بيروت يوم السبت الماضي متماسكا وهو يلقي خطابه، بات اليوم يتحدث وهو فاقد للأمل وكأن الحياة والروح تركت جسده منذ عام تماما.
حال يوسف كحال باقي الأهالي والأمهات اللواتي جفت دموعهن. هنّ جلسن مساء يوم السبت يستمعن إلى خطابات وشهادات حفظنها عن ظهر قلب.. ولكن عقولهن وقلوبهن لم تكن في تلك الأجساد المنهكة، لا شك أنّها كانت تطوف في الجرود اللبنانية السورية الحدودية بحثا عن عسكريين لم تعد عودتهم أولوية لدولتهم المنهمكة في محاولة تصريف نفاياتها.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.