في وقت زرع فيه الإعلان عن إفلاس بنك سيليكون فالي الأميركي مخاوف في أوساط العملاء والمودعين والشركات التكنولوجية المقترضة والمودعة في البنك على المستوى الاقتصاد الأميركي، ربما يدفع ذلك إلى مزيد من التداعيات بمناطق أوسع في العالم.
ولا تبدو المنطقة العربية بمنأى عن التداعيات، إذ أفصحت بنوك في الكويت عن انكشافات ضئيلة على إفلاس البنك الأميركي، إلا أن هناك تحرزاً من الإعلان في بقع كثيرة من قطاعات البنوك والمصارف ومؤسسات الاستثمار في العالم العربي.
- اتساع الرقعة
وتوقع مختصون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، اتساع رقعة تداعيات إفلاس البنك الأميركي وتأثيرها على بيئة الأعمال والقطاع المصرفي على مستوى العالم، مشيرين إلى أن بيئة الأعمال والمال بالمنطقة العربية والخليجية ستتأثر بشكل متفاوت.
وقال فضل بن سعد البوعينين، عضو مجلس الشورى السعودي، إن «انهيار بنك سيليكون فالي يبرز المخاطر المتوقعة للقطاع المالي والآثار المحتملة على الاستقرار المالي العالمي».
واستطرد: «مهما قيل عن السيطرة على أزمة البنك والحد من تداعياته على النظام المصرفي، فإن ذلك القول تنقصه الوجاهة لسببين»، موضحاً أن السبب الأول يتمثل في تداخل مكونات القطاعات المالية، ما يجعلها أكثر انكشافاً على الأزمة، وبالتالي تعرضها للمخاطر.
والسبب الثاني، وفق البوعينين، «يتمثل في حالة الرعب التي تحرك المودعين وتجعلهم تحت ضغط سحب ودائعهم خشية تعرضها للشطب بسبب إفلاس البنوك. وأحسب أن الهلع الذي أصاب المودعين قد يحدث أثراً يفوق أثر انهيار البنك».
وزاد: «بالقياس نجد أن الهلع أصاب الأسواق المالية وتسبب في تراجعها الحاد، كما جعل المستثمرين أكثر حذراً، وهذا قد يجفف السوق، ويزيد من تداعياتها».
- أثر الفائدة
ولفت البوعينين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك جانب مهم مرتبط برفع أسعار الفائدة وجعل المستثمرين أقل رغبة في الاستثمار وتحمل المخاطر، وربما يكون تشديد السياسة النقدية من مسببات ما حدث مؤخراً»، مشيراً إلى أنه ربما تكون البنوك الأميركية أكثر انكشافاً على الأزمة، ولكن هذا لا يمنع من القول إن النظام المالي العالمي بات تحت الخطر، وربما تكون أزمة انهيار «بنك سيليكون فالي» بداية تداعيات عميقة ومؤثرة على النظام المالي العالمي.
ويعتقد عضو مجلس الشورى السعودي أن السياسات الفيدرالية، وربما السياسة الأميركية بشكل عام، تدفع النظام المالي العالمي نحو حافة الهاوية، ما يستوجب التحوط لمواجهة تداعيات أكبر مما يظهر اليوم.
- آثار ممتدة
ويرى الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان السعودية، أن بنك «سيليكون فالي» الأميركي كان ضحية إجراءات غير محسوبة، في ظل متغيرات أصبحت تفاجئ العالم وأميركا منذ حدوث الأزمة المالية العالمية في 2008. مشيراً إلى أن تداعياته ستمتد سلباً على القطاع الصناعي التكنولوجي في الداخل الأميركي، وعلى المؤسسات والدول التي تتعامل خارج أميركا.
وتوقع باعشن أن يؤثر ذلك على التعاون الصناعي الأميركي، كون البنك يعد أحد أبرز البنوك الأميركية التي تقرض وتمول شركات الصناعات التكنولوجية، ما سيصعب مهمة إعادته إلى وضعه المالي الطبيعي، في جمع الأموال لسد خسارة بيع الأصول المتأثرة بأسعار الفائدة المرتفعة، ويؤلب عليه العملاء ويزرع عدم ثقة في القطاع المصرفي الأميركي كله، وعدم ثقة المودعين بشكل عام.
ويعتقد باعشن أن تداعيات ذلك الانهيار لن تتوقف عند أميركا والشركات التكنولوجية الأميركية في الداخل، بل ستمتد آثاره إلى مستويات مختلفة في دول أخرى من العالم، بما في ذلك بعض الدول العربية والخليجية التي تتعامل مع البنك الأميركي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال بعض المودعين من المستثمرين ومؤسسات وشركات الصناعات التكنولوجية التي ترتبط بشكل أو بآخر بعملاء البنك في أميركا.
- تحرك بنكي
من ناحيته، شدد رجل الأعمال السعودي عبد الله بن زيد المليحي، الذي ترتبط أعماله ببعض الشركات التكنولوجية الأميركية، على ضرورة تحوط البنوك والشركات السعودية بشكل مهني للأزمة المالية التي تكبدها بنك «سيليكون فالي» الأميركي، لأن تداعياتها ربما تدفع عملاء البنك والمودعين وشركات التقنية التي تتعامل مع البنك بشكل مباشر، إلى سحب أموالهم، حماية لمستقبلهم المالي والصناعي والسوقي والتجاري داخل وخارج أميركا.
ووفق المليحي، فإنه من هذا المنطلق ربما تؤثر تداعيات إفلاس البنك الأميركي، الذي يحتل المرتبة السادسة عشرة بين أكبر البنوك في الولايات المتحدة، على مؤسسات وشركات وبنوك الدول العربية والخليجية بمستويات مختلفة، بناء على حجم التعاملات المباشرة وغير المباشرة مع البنك الأميركي.
- سياسة التنويع
وأشار المليحي إلى توجه الشركات السعودية في الآونة الأخيرة لاتباع خريطة طريقة تمكن من التعامل مع عدة دول متقدمة، والاستناد إلى تكنولوجيا غير أميركية، تنويعاً للمصادر والموارد، خصوصاً مع إطلاق بعض البنوك الاستثمارية المشتركة، ما سيقلل الأثر على القطاعات السعودية والخليجية، ولكن بشكل متفاوت.