«زغرودة في حوش أبّا الناير»... جدلية المثقف والانتماء

جزء ثانٍ من ثلاثية روائية لفضيلي جمّاع

«زغرودة في حوش أبّا الناير»... جدلية المثقف والانتماء
TT

«زغرودة في حوش أبّا الناير»... جدلية المثقف والانتماء

«زغرودة في حوش أبّا الناير»... جدلية المثقف والانتماء

صدر حديثاً عن «دار الأجنحة للطباعة والنشر»، «زغرودة في حوش أبّا الناير»، لفضيلي جمّاع، وهي الجزء الثاني من ثلاثية «هذه الضفاف تعرفني»، وهي رواية تمزج بين التراث والمضامين السياسية والأيديولوجية والاجتماعية.
يستدعي فضيلي جمّاع في هذه الرواية التاريخ بشيء من الحنين، مازجاً في نصه السردي بين التراث اللغوي والتعايش السلمي لبلدة «رويانة» التي تقع - سردياً - على تخوم بحر العرب (المنطقة الجنوبية الغربية للحدود بين دولتي السودان وجنوب السودان). «فارس» - بطل الرواية - أشبه بـ«مصطفى سعيد»، بطل رواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، من حيث تمسك كليهما بالجذور، بيد أنّ «مصطفى سعيد» يعود لجذوره بعد رحلة عمر طويلة. أما «فارس» في «زغرودة في حوش أبّا الناير»، فنراه ملتصقاً بجذوره، يعيشها دائماً عبر استدعاء الذاكرة (فلاش باك). ورحلة الشخصيتين في الحياة أشبه برحلة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، التي دوّنتها في مذكراتها «رحلة جبلية... رحلة صعبة».
طغى على الرواية طابع الدراما الاجتماعية. فيها ترابط الأسرة الممتدة، وحميمية العلاقات الإنسانية مع الأصدقاء والزملاء القدامى، حيث التواصل والحوارات المفعمة بالود والصفاء، يعززهما ويعمّقهما دور الأحفاد الذين شكلوا تواصلاً بين الأجيال. الأسطورة الشعبية والخرافة التي يتداولها المجتمع الريفي حاضرة في الرواية في شخصية «الضبيب خواجة»، ذلك الشخص الذي يحسبه البعض ولياً صالحاً، صاحب تجليات وكرامات؛ إذ يقوم بأفعالٍ غير عادية، فكأنما تتقمصه قوى خارقة تفتك بمن يعترضون سبيله، مثلما جاء على لسان الراوي: «الزول دا ولي من أولياء الله، ونايم ليهو على أسرار»! في حين يحسبه البعض مجرد شخص عادي، تلعب برأسه الخمر. «فارس» بطل الرواية، مثقف جامعي، يعتنق الفكر الحر، ليبرالي النزعة، لا ينتمي لأي تنظيم سياسي، رافض للتنظيمات الأيديولوجية العقائدية، لكنه أوقد شرارة الثورة مع الشبيبة... غير عابئ بما يلقاه من مضايقات السلطة ومعتقلاتها. وهنا يحاول المؤلف أن يطرح جدلية المثقف والانتماء. أيهم أحقّ بالانتماء: الوطن، أم التنظيم العقائدي، أم السلطة الحاكمة؟ وكيف يتم تجاوز ذلك الصراع الفكري الذاتي؟
أفكار «فارس» تتوافق مع ما طرحه المفكر مالك بن نبي - الأب الروحي للثورة الجزائرية – إذ يجب أن ينأى المثقف عن الخضوع الطوعي، ليصبح حراً في تفكيره، دون إملاءات عقائدية أو حاكمية أو استعمارية.
الحب كان أيضاً حاضراً بقوة في الرواية، وهناك أيضاً نهاية سعيدة بعد انتظار طويل و«توسل للزمن» أن يجمع المحبين: «أمل» و«فارس»، اللذين استطاع حبهما أن يصمد أمام عاديات الدهر والعوائق الاجتماعية والثقافية. فكانت النهاية انطلاق زغرودة في حوش أبّا الناير! معلنة عن بزوغ شمس الصباح بعد ليل طويل!


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.