كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

أمام تداعيات الحرب الأوكرانية والمخاوف الاقتصادية

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا
TT

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

حققت كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، انتصاراً انتخابياً مهماً خلال الأسبوع عزّز قيادتها لصغرى الجمهوريات البلطيقية السوفياتية السابقة. وجاء إنجاز السياسية والمحامية الليبرالية التي ورثت قيادة حزب «الإصلاح» عن أبيها رئيس الوزراء السابق سيم كالاس، تزكيةً لمواقفها الحازمة من الحرب الأوكرانية والتزامها نهج «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وأيضاً السياسات الاقتصادية الجريئة في أول انتخابات عامة بعد جائحة «كوفيد19» وانعكاساتها على البلاد وعلى أوروبا والعالم.
في أول تعليق لرئيسة وزراء إستونيا الشابة كايا كالاس (45 سنة) إثر فوز حزبها، حزب «الإصلاح»، المحسوب على التيار الليبرالي ويمين الوسط، في الانتخابات العامة التي شهدتها إستونيا مطلع الأسبوع المنصرم، تشديدها على أن «الناخبين صوّتوا بصورة كاسحة أكدت انتصار مبادئ الليبرالية والاعتدال». ثم، في إشارة إلى المناخ الدولي المحيط بالانتخابات وخيارات إستونيا، أضافت الزعيمة الشابة: «... وهذا إلى جانب التزامهم بالأمن المستنِد إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتأييد الصلب لأوكرانيا». ومعلوم أن إستونيا هي الآن عضو في «ناتو» بعدما كانت إحدى الجمهوريات السوفياتية الـ15 السابقة.
وكما قالت كالاس، التي تعكف الآن على تشكيل ائتلاف حكومي ليبرالي معتدل، جاءت النتيجة بصفة عامة لصالح القوى الليبرالية والمعتدلة. إذ حصل حزبها «الإصلاح» على نسبة 31.2 في المائة من الأصوات، ونال 37 مقعداً في البرلمان الذي يضم 101 مقعد –بزيادة 3 مقاعد عمّا كان لديه في البرلمان السابق– في حين تراجع تأييد منافسه الأكبر حزب «الشعب» اليميني المتشدد من 17.7 في المائة إلى 16 في المائة مع تراجع عدد مقاعده من 19 مقعداً إلى 17 مقعداً.
في المقابل، هبطت أكثر شعبية حزب «الوسط» (يسار الوسط) عن الانتخابات السابقة عام 2019 من 23.1 في المائة إلى 15 في المائة فحصل على 16 مقعداً فقط بخسارته 10 مقاعد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحزب كان يحظى تقليدياً بدعم الأقلية المتحدرة من أصل روسي، ويربط المراقبون خسائره هذه المرة بوقوف قيادته ضد الحرب، الأمر الذي أفقده دعم شريحة واسعة من ناخبيه السابقين. وهكذا، كان المستفيد الأكبر من نكسة حزب «الوسط»، حزب «إستونيا 200» (وهو وسطيّ أيضاً) الذي كسب 14 مقعداً بعدما نجح في تجاوز الحاجز المطلوب لدخول البرلمان وفق نظام التمثيل النسبي، وهو الذي لم يكن ممثَّلاً بأي نائب في البرلمان السابق. وأخيراً، أكمل عقد البرلمان الجديد حزبان؛ الأول من تيار يسار الوسط هو «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكيون) بـ9 مقاعد، والآخر من تيار يمين الوسط هو حزب «أيساما» (الوطن) بـ8 مقاعد.
وفي ضوء هذه الحصيلة، ومع استبعاد كالاس علناً فكرة التحالف مع اليمين المتشدد، بات أمامها الآن خياران: الأول الإبقاء على تحالفها الحالي مع الديمقراطيين الاجتماعيين (الاشتراكيون) وحزب «الوطن». والآخر عقد صفقة «وسطية» مع حزب الوسط والقوة البرلمانية الجديدة «إستونيا 200».

تأثير الحرب الأوكرانية
في أي حال، بينما يرى مراقبون أن الخلاصة الأبرز المستقاة من المعركة الانتخابية هي التفويض الشعبي العريض للوسطية الليبرالية –كما قالت كالاس– تَبيّن أن تخوّف كثيرين من صعود الشعبوية اليمينية المتشددة ما كان في محله. وللعلم، كان هذا التخوّف مبرراً لأن ثمة مَن رأى أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المضطربة في شرق أوروبا ووسطها، كان من الممكن جداً أن تخدم تطرّف اليمين كما حصل في إيطاليا، التي تترأس حكومتها راهناً سياسية راديكالية يمينية متطرفة تعود مشاربها الآيديولوجية إلى الفاشيين الجدد.
ثم إن الحرب الأوكرانية –بالذات– عادت فأيقظت هواجس أمنية وقومية ظن كثيرون أنها ذهبت إلى غير رجعة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وفيما يخصّ إستونيا –التي خرجت من تحت عباءة موسكو فقط عام 1991- فإن وضعها، تحديداً، ربما يكون حساساً جداً مقارنةً مع أي كيان سياسي أوروبي. إذ إن إستونيا -إحدى أصغر الجمهوريات السوفياتية السابقة سكانياً– تُعدُّ من الناحية العرقية اللغوية أقرب كيان أوروبي مستقل إلى كلٍّ من فنلندا وجمهورية كاريليا ذاتية الحكم (داخل جمهورية روسيا الاتحادية) والواقعة في أقصى شمال غربي روسيا على الحدود مع فنلندا... عبر مياه خليج فنلندا عن الشمال الإستوني.
أكثر من هذا، ليست الحدود الإستونية بعيدةً البتة عن مدينة بطرسبرغ (لينينغراد)، ثانية مدن روسيا وعاصمتها القيصرية السابقة. وهي التي كانت من ناحية «مدينة بطرس الأكبر»، أعظم قياصرة روسيا، ومن ناحية ثانية «مدينة لينين» التي انطلقت منها شرارة الثورة الشيوعية البلشفية بقيادة فلاديمير أوليانوف لينين. ثم هي، قبل أن ننسى أيضاً، مدينة الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين ومعقله السياسي... ففيها وُلد قبل 70 سنة، ومنها انطلقت مسيرته الأمنية والحزبية التي توّجت بتوليه السلطة.
وأخيراً وليس آخراً، قبالة الغالبية السكانية العرقية الإستونية، تضم الجمهورية أقلية كبيرة سلافية الأصل تقارب الـ30 في المائة من إجمالي السكان، غالبيتها العظمى من المتحدرين من أصول روسية. إذ شكّل هؤلاء أقل بقليل من 24 في المائة من المجموع العام للسكان، في حين تزيد نسبة المتحدرين من أصول أوكرانية على 2 في المائة. وهذا، بطبيعة الحال، واقع لا يخدم أجواء السكينة والطمأنينة والتوافق السياسي بينما تستعر الحرب بين الروس والأوكرانيين منذ أكثر سنة.
وفي سياق متصل، أثار القلق من تداعيات الحرب الأوكرانية مخاوف عند دول مجاورة لإستونيا، كانت قد امتنعت في الماضي عن الانضمام إلى «الناتو»، بعكس إستونيا و«جارتيها» البلطيقيتين ليتوانيا ولاتفيا، لكنّ الغزو الروسي لأوكرانيا أقلقها من المستقبل. وبالفعل، ها هي فنلندا والسويد تعدان العدّة للالتحاق بركب الحلف الغربي متخلّيتين على سياسة التوازن، بل والحياد، إزاء موسكو. وفي هذا الإطار، يصف عارفو كايا كالاس بأنها سياسية شابة قوية الشخصية والإرادة، فضلاً عن ثقافتها الغنية وتنشئتها السياسية. وكما سبقت الإشارة، فإنها وقفت خلال المعركة السياسية الأخيرة بصلابة ضد شعبوية اليمين المتشدد الذي طالب بوقف أي دعم إضافي للسلطات الأوكرانية، ومنع توافد اللاجئين من أوكرانيا، وإجراء تقليص كبير في قبول طلبات الهجرة بحجة حماية العمالة المحلية الإستونية. وفي هذا الشأن، رفضت الزعيمة «الإصلاحية» فكرة أي تعاون انتخابي مع اليمين، بل بالعكس وعدت بزيادة معدل الإنفاق العسكري وخفض الضرائب على المؤسسات التجارية والصناعية. وللعلم، أنفقت إستونيا، المتاخمة لروسيا، حتى الآن أكثر من 1 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي على دعم أوكرانيا عسكرياً. وهذه هي النسبة الأعلى بين كل الدول الداعمة.

بطاقة هوية شخصية
وُلدت كايا كالاس في العاصمة الإستونية تالين يوم 18 يونيو (حزيران) 1977، وهي ابنة سيم كالاس (74 سنة) الرئيس الـ14 للحكومة الإستونية والمفوّض الأوروبي السابق. كما أن أحد أجدادها، واسمه إدوارد آلفير، كان أحد الساسة البارزين الذين أسسوا جمهورية إستونيا عام 1918، وكان أول قائد لجهاز شرطة الجمهورية الوليدة.
تلقت كايا تعليمها في جامعة تارتو، أعرق جامعات البلاد، وفيها تخرّجت عام 1999 بإجازة في القانون، ثم التحقت بنقابة المحامين، وصارت محامية ممارسة وشريكة في شركة محاماة عام 2002، وبعدها عاشت في كلٍّ من فرنسا وفنلندا في أثناء فترة تدرّجها الدراسي في القانون الأوروبي. وبين عامي 2007 و2010 درست في المعهد الإستوني لإدارة الأعمال وفيه تخرّجت بشهادة الماجستير التنفيذية في إدارة الأعمال. ويُذكر أنه كان من صميم اهتماماتها القانونية مجال مكافحة الاحتكار. وهي، على صعيد اللغات، تتقن إلى جانب اللغة الإستونية، اللغات الروسية والإنجليزية والفرنسية.
بالنسبة إلى الحياة العائلية، تزوّجت كالاس مرتين، الأولى عام 2002 وتطلقت عام 2006، والأخرى عام 2018 من مصرفي ورجل أعمال. كما أنها ارتبطت بعد 2006 بعلاقة مع زميل ووزير سابق للمالية انتهت عام 2014 بعدما أنجبا ولداً.
أما في الميدان السياسي، فقد خاضت أولى تجاربها عندما قرّرت عام 2010 الالتحاق بصفوف حزب «الإصلاح» الذي أسسه أبوها سيم كالاس إبان شغله منصب محافظ بنك فنلندا. وفي العام التالي 2011 رشّحت نفسها لعضوية مجلس النواب (البرلمان)، وانتُخبت نائبة بين 2011 و2014، ثم انتخبت نائبة في البرلمان الأوروبي بين 2014 و2018، وفيه نشطت عبر عدّة مهام منها عضوية لجنة الصناعة والأبحاث والطاقة، ونائبة رئيس بعثة لجنة التعاون البرلماني الأوروبية - الأوكرانية. كذلك عملت بهمّة للدفاع عن حقوق أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وضمان ألا تقيّد السياسات الرقابية والناظمة التقدم التكنولوجي.
غير أن كالاس قرّرت لاحقاً، شدّ رحالها وعادت من الأجواء الأوروبية إلى كواليس السياسة المحلية الإستونية. إذ أعلن هانو بيفكور، زعيم حزب «الإصلاح» –يومذاك– في أواخر عام 2017 أنه لن يترشح مجدداً للمنصب في يناير (كانون الثاني) 2018، واقترح أن تخلف كالاس في المنصب. وحقاً، بعد موافقتها على العرض، انتُخبت كالاس يوم 14 أبريل (نيسان) 2018 زعيمة للحزب وبذا باتت أول امرأة تتزّعم حزباً سياسياً أساسياً في تاريخ إستونيا.

أول رئيسة للحكومة
خلال أقل من سنة من تولي كايا كالاس زعامة حزب «الإصلاح»، نجحت الزعيمة الشابة في قيادة الحزب إلى تصدّر الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في مارس (آذار) 2019 بنحو 29 في المائة من الأصوات، متغلباً على حزب «الوسط» (الحاكم آنذاك) الذي خرج بـ23 في المائة فقط من الأصوات.
مع هذا، احتفظ «الوسطيون» بالحكم عبر ائتلاف حكومي برئاسة زعيمهم يوري راتاس مع اليمين المتشدد وحزب «الوطن». مع هذا، أعاد حزب «الإصلاح»، في العام التالي، انتخاب كالاس زعيمةً له، الأمر الذي منحها فرصة إضافية لتعزيز نفوذها داخل الحزب وحضورها على الساحة السياسية. وبالفعل، بعد استقالة حكومة راتاس الائتلافية، في أعقاب فضيحة يوم 25 يناير 2021، تولّت كالاس رئاسة حكومة ائتلافية بديلة مع حزب «الوسط»، وغدت بهذا أول امرأة تحكم إستونيا. ومع أن الظروف الاقتصادية والسياسية، محلياً ودولياً، لم تكن مواتية، لا سيما التباطؤ والإغلاقات في قطاع الأعمال، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وهي الأزمة التي تفاقمت أكثر بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، حافظت رئيسة الحكومة الجديدة على رباطة جأشها وبراغماتيتها. وبالتالي، رفضت كالاس الاستسلام للمصاعب التي هزّت لبعض الوقت شعبيتها في الشارع وكادت تودي بحكومتها، بل أعلنت خطة لخفض تكاليف الطاقة بين سبتمبر (أيلول) 2021 ومارس 2022، ورأت أن الاعتماد الأوروبي على إمدادات الغاز الروسي «مشكلة سياسية كبيرة».
ثم، بعد الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022 وقفت كالاس بقوة وعناد خلف الدعم العسكري للقوات الأوكرانية حتى عندما ظهرت بوادر تردّد في ألمانيا. وهكذا أظهرت هذه الأزمة، بالذات، شجاعتها والتزامها، ما أسهم في تعزيز مكانتها دولياً، ورفع شعبيتها محلياً من جديد.
وخلال يوليو (تموز) 2022 ترأست كالاس ائتلافاً حكومياً جديداً ضم حزبها و«الديمقراطيين الاجتماعيين» وحزب «الوطن»، في أعقاب سقوط ائتلافها الأول إثر انسحاب حزب «الوسط» منه. وفي حين أدى حزمها في الأزمة الأوكرانية إلى تفكير قيادات أوروبية وأطلسية خلال فبراير الماضي جدياً بترشيحها لتولي الأمانة العامة لـ«ناتو»، فإن سياستها المحلية الناجحة داخل إستونيا أثمرت انتصارها الانتخابي الكبير خلال الأسبوع المنصرم.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

 

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».