> «سوّاق الأتوبيس» لعاطف الطيّب و«أبو صدّام» لنادين خان من بين أفضل الأفلام العربية التي استخدمت العلاقة بين وظيفة السائق والمعنى المجسّد في السيارة (صغيرة أو شاحنة أو حافلة).
يمكن إضافة مجموعة من أفلام محمد خان حيث أبطاله (أحمد زكي في «طائر على الطريق»، فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر») يتعاملان مع القيادة والسيارة ونفسيهما ككيان واحد. هذا ليس أمراً سهلاً وهناك أفلام عربية فيها سائقون يقومون بالمهمّة من دون التصاق هويّاتهم الذاتية بالمركبة التي يقودونها. مثلاً، ورغم جودة معتدلة لفيلم الناصر خمير الأخير «همس الرمال»، فإن بطله هشام رستم والطريق الصحراوي البعيد الذي يشقه ليسا كياناً وجدانياً واحداً على عكس الأفلام المذكورة، وعلى عكس فيلم توفيق صالح المبكر «المخدوعون».
في «سوّاق الأتوبيس» ترتبط الحافلة العامّة التي يقودها نور الشريف بإحباطات الحياة ذاتها. هناك نشّال في حافلته (في مطلع الفيلم) وهناك ضيق حال مادي وإحباط السائق وهو يرى أن عائلته مفككة ولا يهمّها مساعدة أبيه رد دين قبل أن يتم قفل المحل الذي يملكه. يقود السائق نفسه من محاولة لأخرى ويصطدم بالمعوقات. حين نراه في آخر الفيلم وراء عجلة القيادة من جديد يكون قد فقد ما كان بقي لديه من أعصاب وآمال، وما إن يمسك اللص ذاته في حافلته حتى يكيل له الضرب يأساً وإحباطاً.
«أبو صدّام» لنادين خان (ابنة المخرج الراحل محمد خان) هو منوال مختلف: لدينا سائق ضخم الجثة (محمد ممدوح) يقود شاحنة ضخمة بدورها على الطريق السريع. الحجم هو جزء من التشابه بين السائق وشاحنته. الاعتزاز بالنفس رغم الضعف الداخلي الذي يعاني منه. يحاول فرض هيبته البدنية، ما أتاح له الظرف، وشاحنته تحاول فرض هيبتها على الطريق. كلاهما يعتقد أنه هو ملك الطريق.
يتوقف الفيلم عدن محطات مهمّة، مما يتيح للفيلم توفير الشخصية الرئيسية لاستخراج الظلال الاجتماعية حول الرجل الذي يتخفّى، في الواقع، وراء شاحنته. حين لا يقودها يصبح شخصاً لا يستطيع المقاومة، مضطهداً من قِبل سواه.
في نهاية المطاف، فإن علاقة السائق بالسيارة التي يقود (أياً كان نوعها) لا تلفت اهتمام عديدين في السينما العربية. سائقو «التاكسيات» في الأفلام ليسوا سوى «تفضل اطلع» حين التوقف لنقل راكب، و«شكراً» حين قبض المبلغ. لكن هناك دروساً عديدة يمكن الرجوع إليها حول كيف يمكن للسائق أن يلعب دوراً مهماً في تركيبة الفيلم بصرف النظر عن حجم دوره. روبرت دوفال في «بوليت» لبيتر ياتس، لم يكن مجرد سائق تاكسي، بل مراقب يعرف أن المشتبه به قام باتصال بعيد حين دخل غرفة الهاتف. كيف؟ يسأله ستيف ماكوين فيقول له: «لقد وضع قروشاً كثيرة في صندوق الهاتف».
أفلام عربية وراء المقود... السيارة وسائقها كنفس واحد
أفلام عربية وراء المقود... السيارة وسائقها كنفس واحد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة