واصلت السلطات الإيرانية الإعلان عن توقيفات على صلة بـ«هجمات السم» التي طالت مدارس في غالبية محافظات البلاد، وسط تصريحات متباينة من المسؤولين، بعد مرور 4 أشهر على نقل أولى مجموعات الطالبات المتسممات إلى المستشفى بمدينة قم؛ أبرز معاقل رجال الدين المؤيدين للسلطة.
وبدأت «هجمات السم» بمدينة قم المحافظة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بينما كانت السلطات تشن حملة شرسة لإخماد الاحتجاجات التي أشعلت فتيلها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (23 عاماً) أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» في طهران بدعوى «سوء الحجاب»، في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وواجهت المؤسسة الحاكمة في إيران ضغوطاً من جديد في الأيام القليلة الماضية مع تنامي الغضب العام بعد موجة من حوادث تسمم تلميذات في عشرات المدارس.
وانعكست حملات التسمم وكذلك انتفاضة «المرأة... الحياة... الحرية» على احتفاء الإيرانيات بـ«اليوم العالمي للمرأة». وتدوولت تسجيلات فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر مجموعة من النساء يرددن شعار «الحرية... الحرية». ورفعت مجموعة أخرى من النساء لافتات كتبت عليها شعارات منددة بـ«هجمات السم» على مدارس في عشرات المدن الإيرانية.
وقالت منظمة «نشطاء حقوق الإنسان في إيران (هرانا)» إن 66 امرأة في الأقل قُتلن خلال الاحتجاجات التي عصفت بالبلاد خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي. ووفق المنظمة؛ التي تتابع انتهاكات حقوق الإنسان من كثب، فإن 4 آلاف امرأة في الأقل اعتُقلن خلال الاحتجاجات. أما عن موجة التسمم في المدارس، فقد أشارت إلى رصد هجمات في 99 مدينة بـ28 محافظة إيرانية، مشيرة إلى تسمم 7068 طالبة.
وجاءت إحصاءات المنظمة بعدما قال نائب يشارك في تحقيق برلماني إن الهجمات وقعت في 25 محافظة، منذ نهاية نوفمبر الماضي، متحدثاً عن إصابة نحو 5 آلاف طالبة وطالب. وكانت الأرقام تشمل الحالات التي أُبلغ عنها حتى الاثنين الماضي.
وأعلنت الشرطة اعتقال شخص في محافظة خراسان شمال غربي البلاد، وتوقيف شخص في مدينة بجنورد بعد تسجيل حالات تسمم في إحدى المدارس. وقالت: «بعد التحقيق؛ جرى تحديد طالبة مسؤولة عن التسمم»، مشيرة إلى أن المواد حارقة و«ذات رائحة كريهة». وقالت: «اعتقل الضباط صاحب محل كان بيع تلك المواد» وفق ما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.
وقال رئيس الجهاز القضائي في محافظة كردستان، حسين حسيني، إن الأجهزة الأمنية اعتقلت 3 أشخاص بمدينة سنندج بتهمة «نشر الإشاعات والأكاذيب» بأمر من الادعاء العام، مشيراً إلى أنها تلاحق 10 آخرين بالتهمة نفسها. ونقل موقع التلفزيون الرسمي الإيراني عن حسيني قوله إنه «جرى تحديد 5 أشخاص من قادة الشبكة الرئيسية، وجرى اعتقال 3 منهم». وحذر المسؤول الإيراني «مَن ينوون تعكير صفو الرأي العام والتلاعب به». وقال: «النظام القضائي لن يتسامح مع من ينشرون الإشاعات، وسوف يتعامل بحزم مع هؤلاء».
وكان لافتاً أن المسؤول القضائي لم يتطرق إلى الهجمات التي وقعت في مدارس المحافظة خلال الأيام الأخيرة أو الجهات المسؤولة عن تلك الهجمات.
في السياق نفسه، أفادت وكالة «إيسنا» الحكومية، نقلاً عن إسماعيل محبي بور، نائب حاكم محافظة فارس الجنوبية، بأن جهاز استخبارات «الحرس الثوري» اعتقل خلية من 4 أشخاص «متورطين في الاضطرابات الأخيرة». وقال: «منذ بداية التهديدات الأخيرة، حاول الأعداء بث الرعب بهدف تعطيل المراكز التعليمية». وقال إن «الموقوفين لديهم سجل، خصوصاً في التحركات المهددة للأمن». وأضاف: «حاول الأشخاص الأربعة خلق حالة من انعدام الأمن والإضراب في المراكز التعليمية، وعكسها لقنوات معادية».
وقال المسؤول الإيراني إن «أقل من 5 في المائة من مجموع الطلاب والكادر التعليمي ممن تعرضت صحتهم للتهديد، احتاجوا إلى تلقي العلاج في المستشفيات نتيجة أمراض سابقة».
وجاء الإعلان عن الاعتقالات على يد جهاز استخبارات «الحرس الثوري» في محافظة فارس، بعد ساعات من تصريحات للمتحدث باسم الشرطة الإيرانية، سعيد منتظر المهدي، عن اعتقال 5 أشخاص بالتعاون مع جهاز استخبارات «الحرس الثوري». وقال المتحدث إن المعتقلين رجلان و3 نساء. واتهم هؤلاء بإلقاء غاز «النيتروجين» على 7 مدارس في مدينة لارستان، والتسبب في تسميم 53 من تلاميذ المدارس. وقال: «3 نساء اعتقلن بعد قيامهن بالتصوير وإرسال (ما جرى تصويره) إلى قنوات إخبارية معادية».
وكانت هذه المرة هي الثانية في غضون 24 ساعة التي وجهت فيها إيران اتهامات إلى طلاب مدارس بالتعاون مع قنوات إخبارية في الخارج.
وبعد اجتماع مغلق بين ممثلين عن الأجهزة الأمنية ووزارتي التعليم والصحة، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب فداحسين ملكي، إن الاجتماع تناول أسباب وقوع الحوادث، مشيراً إلى أنه خلص إلى أن الهجمات «لا تشكل تهديداً خطيراً»، وفق ما أوردت وكالة «مهر» الحكومية.
بدورها؛ قالت وزارة الاستخبارات، في بيان جديد الأربعاء: «جرى اكتشاف بعض الحوادث السابقة، لكن استحالة التعميم العلمي حول الحالات التي جرى اكتشافها، تجعلنا نفكر في إعلان النتائج حتى يتم التأكد منها».
والثلاثاء؛ أعلن مجيد ميرأحمدي، نائب وزير الداخلية الإيراني، عن اعتقالات في 5 محافظات. وقال إن السلطات وجهت النصح إلى البعض الذين لم تكن لديهم نيات معادية للنظام.
وأدانت عشرات الناشطات «التسميم المتعمد والمتسلسل» للفتيات في إيران، مطالبات بتشكيل هيئة أزمة طارئة للتحقيق في الحادث. ويخاطب بيان منهن نشر الأربعاء بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة»، منظمات: «الصحة العالمية» و«الصليب الأحمر» و«أطباء بلا حدود». ويقول البيان: «نظراً إلى الضرورة الوقتية واتساع نطاق الكارثة الممنهجة، ومن أجل منع وقوع مزيد من الضحايا، وتوضيح الحقيقة، يجب أن تصدر السلطات ترخيصاً رسمياً لحضور ممثلي هذه المنظمات وغيرها من المنظمات الدولية المعنية، لكي تتمكن من الوصول إلى المعلومات واتخاذ الإجراءات العاجلة، بسرعة ودقة وشفافية».
وتطالب الناشطات باستقالة وزيري التعليم والصحة؛ «للتقاعس عن أداء واجباتهم؛ بما في ذلك الحفاظ على سلامة الآلاف من الطلاب، ولعدم الشفافية، وانعدام الأمن لدى الأسر، وسوء إدارة هذه الكارثة الوطنية».
وقال إمام جمعة زاهدان أبرز رجال الدين السنة في إيران إنه «من المرجح أن يكون المسؤولون عنها من داخل النظام»، وأضاف: «حماية الطلاب والمدارس واجب الحكام». وأضاف: «بالنظر إلى عجز الحكام عن القيام بواجب حماية الطلاب والمعلمين، والمخاوف المرتبطة بجريمة التسمم، يجب إغلاق المدارس حتى تتضح الأمور».
من جانبها؛ قالت «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، ومقرها أوسلو، في بيان، إن «الهجمات الإرهابية الكيماوية تصاعدت على مدارس البنات في الأيام الأخيرة». وأضافت: «بعد 3 أشهر من التقاعس وسلسلة من السلوكيات المتناقضة للمسؤولين؛ بما في ذلك الإنكار والصمت المتعمد وإلقاء اللوم على المتظاهرين، أخيراً علق (المرشد الإيراني) علي خامنئي، بعد دعوة المعلمين للاحتجاج، على هذا الأمر»
وأكدت المنظمة في بيانها أن «الشبهات تواجه المؤسسات الأمنية التابعة لحكومتها فيما يتعلق بهذه الهجمات. وتعدّ أي نتائج يجري الحصول عليها بعد التحقيقات غير الشفافة لهذه المؤسسات باطلة، وتؤكد مرة أخرى على ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل».
وحذرت بأن الخطوة التالية للحكومة «يمكن أن تشمل إلقاء القبض على المتظاهرين وانتزاع اعترافات منهم؛ من أجل نسب الاعتداءات إليهم، ومن ثم إصدار أحكام الإعدام عليهم».
في هذا الصدد؛ قال مدير المنظمة، محمود أميري مقدم، إن «الأدلة حتى الآن تعزز الشكوك حول دور الحكومة المباشر أو غير المباشر في الهجمات الكيماوية على مدارس البنات». وأضاف: «تقع مسؤولية هذه الهجمات الكيماوية، والضحايا المحتملين، والآثار المحتملة على المدى الطويل، على عاتق خامنئي والقوات الخاضعة لقيادته؛ ما لم يثبت العكس في تحقيقات دولية مستقلة».
تسميم الفتيات يهيمن على احتفاء الإيرانيات بـ«يوم المرأة»
عشرات الناشطات يطالبن بتحقيق دولي... وإمام «جمعة زاهدان» يرجح أن يكون المنفذون من داخل النظام
تسميم الفتيات يهيمن على احتفاء الإيرانيات بـ«يوم المرأة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة