مصر تغلق «البوابة الخلفية» لاعتلاء الدعاة غير الرسميين للمنابر

مسؤول رسمي لـ {الشرق الأوسط}: خطوة لحصار أصحاب الأفكار المتشددة

عرض للقوات المسلحة الجوية المصرية بمناسبة تسلم 8 طائرات {اف 16} من قبل الولايات المتحدة وهي جزء من مجموعة تم رفع التجميد عنها (رويترز)
عرض للقوات المسلحة الجوية المصرية بمناسبة تسلم 8 طائرات {اف 16} من قبل الولايات المتحدة وهي جزء من مجموعة تم رفع التجميد عنها (رويترز)
TT

مصر تغلق «البوابة الخلفية» لاعتلاء الدعاة غير الرسميين للمنابر

عرض للقوات المسلحة الجوية المصرية بمناسبة تسلم 8 طائرات {اف 16} من قبل الولايات المتحدة وهي جزء من مجموعة تم رفع التجميد عنها (رويترز)
عرض للقوات المسلحة الجوية المصرية بمناسبة تسلم 8 طائرات {اف 16} من قبل الولايات المتحدة وهي جزء من مجموعة تم رفع التجميد عنها (رويترز)

في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة إغلاق لـ«البوابة الخلفية» التي تسمح باعتلاء الدعاة غير الرسميين المتشددين لمنابر المساجد، قررت السلطات المصرية غلق معاهد إعداد الدعاة ومراكز الثقافة الإسلامية التابعة للجمعيات الأهلية. وقال رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، الشيخ محمد عبد الرازق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «غلقها خطوة على طريق حصار أصحاب الأفكار المتشددة والمتطرفة».
وأثار القرار الذي أصدره رئيس الحكومة المصرية إبراهيم محلب، حالة من الرفض والسخط بين تيارات الإسلام السياسي خاصة حزب النور والجمعية الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين. وقال قيادي في الجمعية الشرعية، إننا «لا نخرج دعاة متشددين؛ بل أناسا قادرين على الخطابة وتصحيح المفاهيم.. وسوف نلجأ للقضاء المصري».
وتشير الإحصاءات الرسمية في مصر أن عدد معاهد إعداد الدعاة تبلغ 91 معهدا منها 19 تابعة لوزارة الأوقاف تدرس مناهج الأزهر، فيما يصل عدد المعاهد الخاصة التي لا تخضع لإشراف الأزهر - بحسب مصادر في الأوقاف - إلى 15 معهدا تابعا لجماعة أنصار السنة (والتي تضم دعاة من حزب النور)، و37 للجمعية الشرعية (وتضم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور وعلماء من جامعة الأزهر أيضا)، و20 لجمعية الفرقان بالإسكندرية، وقالت المصادر إن «هذه المعاهد التي لا تتبع الأوقاف، تبث أفكارا متشددة للطلاب الذين يدرسون بها سواء كانوا مصريين أو وافدين من دول أفريقية».
وتواصل الدولة المصرية اتخاذ التدابير الاستثنائية على المساجد منذ سقوط حكم الإخوان قبل ما يزيد على العامين، وقصرت إلقاء الخطب والدروس في المساجد على الأزهريين، وعمدت إلى توحيد موضوع خطبة الجمعة، ومنعت أي جهة غير الأوقاف من جمع أموال التبرعات.
وأكدت الحكومة أنها «حظرت عمل أي معهد من معاهد إعداد الدعاة أو الثقافة الإسلامية التابعة لأي جمعية أهلية، فضلا عن عدم السماح لهذه المعاهد بالاستمرار في العمل وتخريج الطلاب».
وقال الشيخ عبد الرازق، إن «عددا كبيرا من الدعاة قد تخرجوا من تلك المعاهد (الخاصة) وتشبعوا بأفكار شيوخها المنتمين لجماعات وتيارات بعينها، وكانت بوابتهم للصعود على المنابر والترويج لأفكارهم وانتماءاتهم عبر مساجد الأوقاف، التي تشرف على نحو 198 ألف مسجد في مختلف ربوع البلاد».
من جانبها، قالت مصادر في وزارة الأوقاف، إن «معاهد الدعاة غير التابعة للأوقاف أمامها طريق واحد يتم تدارس خطواته الآن، متمثل في تعديل مناهجها لتوافق فكر الأزهر وأن تلتزم حرفيا بمناهج معاهد الأوقاف، وأن يكون جميع أعضاء هيئة التدريس بهذه المعاهد من أعضاء هيئة التدريس بالأزهر، وليس لهم أي انتماء للجماعات التي تحمل الفكر المتطرف، وأن تشرف الأوقاف إشرافا كاملا على سير الدراسة».
لكن المصادر توقعت أن «ترفض معاهد الجمعيات هذه الشروط»، مضيفة: «حال رفضها سيتم حظر نشاطها بشكل نهائي وتجميد مقراتها»، لافتة إلى أنه «حال توفيق أوضاع المعاهد التابعة للجمعيات ستتم مراجعة وتدقيق كافة بيانات المتقدمين لهذه المعاهد والوقوف على ميولهم وأفكارهم والتثبت من عدم الانتماء لأي فكر أو جماعة متطرفة، وأنه في حال خداع وزارة الأوقاف من قبل أي خريج لتلك المعاهد، فسوف يتم تتبعه بعد صعوده إلى منابر الأوقاف، وإلغاء التصريح فورا لمن يثبت ولاؤه لجماعة بعينها أو يخاطب الناس بأفكار متطرفة».
وتابعت المصادر التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» أن «معاهد الجمعيات الخيرية كانت تقبل غير الحاصلين على مؤهل عال، وبعضهم كان حاملا لشهادة محو الأمية».
ويرى مراقبون أن السلطات المصرية تحاول إحكام قبضتها على المساجد التي باتت مراكز للدعاة المتشددين من بعض الجماعات المتطرفة، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وحذرت وزارة الأوقاف في بيان لها أمس، من «الالتحاق بأي معهد تابع للجمعيات الأهلية»، مؤكدة أن «هذه المعاهد تعمل خارج إطار القانون.. ولن يتم الاعتراف بخريجيها».
في ذات السياق، يقول القيادي في الجمعية الشرعية نفسه، إن «الأوقاف تريد الانفراد فقط بالدراسة في معاهدها الـ19. بينما تريد غلق باقي المعاهد غير التابعة لها بوضع شروط مجحفة لا يمكن قبولها.. بغرض السيطرة فقط على معاهدنا»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا القرار الذي سيضر بآلاف العاملين بهذه المعاهد ومن تخرجوا منها، حيث تجبرهم الأوقاف على خوض اختبارات لاستمرار عملهم في الخطابة»، مؤكدا أنه «حال تطبيق القرار سوف نتوجه للقضاء للفصل في الأمر». وتابع القيادي في الجمعية الشرعية، أن «مدة الدراسة في معاهد الجمعية 4 سنوات يتناول فيها الطالب علوم الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والدعوة والخطابة، ويحصل الطالب على شهادة تمكنه من إلقاء الدروس والخطب»، لافتا إلى أنه «يتم تخريج ما يقرب من 2500 طالب سنويا».
وترفض وزارة الأوقاف الاعتراف بهؤلاء الخريجين على اعتبار أنهم ليسوا أزهريين، ويدعون للتشدد والفكر المتطرف وينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية؛ لكن محمد مختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجمعية تعطي تصريحا للخريج ويكون هناك مراقبة منها لأدائه وتوجهه على المنابر.. وأي انحرافات فكرية يتم رصدها وتوجيه صاحبها للاتجاه الصحيح»، مضيفا: أن «فكرة التعصب المذهبي أو التحزب السياسي ترفضهما الجمعية الشرعية وتعتبرهما مفسدة في الأرض».
وتبدأ وزارة الأوقاف في استقبال طلبات راغبي الدراسة بمعاهد إعداد الدعاة اليوم (السبت)، ويقول مصدر من حزب النور، إنهم «سوف يدفعون بألف من أعضائه لخوض الاختبارات، المقرر لها منتصف أغسطس (آب) الجاري». وسبق أن قبلت الأوقاف 10 من قيادات النور العام الماضي، بعد أن اجتازوا الاختبارات عقب خلافات كبيرة وصلت القضاء بين الأوقاف وقيادات النور، حول أحقيتهم للصعود والخطابة من فوق المنابر.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.