نجح أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تجنيب إيران قراراً جديداً ضدها داخل مجلس المحافظين بعد إعلانه عن تحقيق تفاهمات ملموسة في طهران، رغم الغموض والجدل حول هذه التفاهمات. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن 3 دبلوماسيين غربيين قولهم إنه لن يكون هناك مشروع قرار ضد إيران خلال أعمال المجلس في هذه الدورة، رغم تحذير الدبلوماسيين من ضرورة «اليقظة»، وأن وعود إيران قد تكون «مجرد مناورة جديدة».
ورغم نفي إيران للكثير مما كان أعلن غروسي التوصل إليه خلال زيارته لطهران، فإن أمين عام الوكالة بقي مصراً على أنه توصل «لتفاهمات محسوسة» مع المسؤولين الإيرانيين وليس مجرد وعود. وقال إن التطمينات التي أبدتها إيران له خلال زيارته لطهران هذا الأسبوع تعتمد إلى حد بعيد على المفاوضات في المستقبل، متراجعاً عن بعض التعليقات التي أدلى بها لدى عودته.
ونفى غروسي أن تكون زيارته هذه المرة نتجت فقط عن وعود إضافية، قائلاً إن هناك «اتفاقاً على التحرك بشكل محسوس لحل المسائل العالقة». وتحدث في مؤتمر صحافي عقده في اليوم الأول لانطلاق أعمال مجلس المحافظين التابع للوكالة في فيينا، عن «أماكن ولوائح للتحقق منها»، وأن فريقاً تابعاً للوكالة سيزور طهران قريباً للعمل على التفاصيل.
وقال غروسي إنه «خلال هذه العملية سنقيّم المعلومات، وفي حال رأينا أننا لا نحقق نقدماً سنبلغ عن ذلك. ولكن الآن لا يمكن أن أعطي تفاصيل عما سنقوم به من خطوات في هذا التحقيق». وأضاف: «أشعر أن هناك تفاهماً بأننا بحاجة إلى أجوبة بناءة وموثوق بها للخروج من الدائرة، والآن أرى فرصة للخروج من هذه الدائرة، ما إذا كان هذا سيحصل لا أعلم، ولكن الحوار مستمر».
كان غروسي أعلن ليل السبت في مطار فيينا فور وصوله من طهران التي زارها قبل يومين من انطلاق أعمال مجلس المحافظين، أن المسؤولين الإيرانيين وافقوا على إعادة تثبيت كاميرات المراقبة التي كانوا أزالوها من المنشآت النووية حسب اتفاق عام 2015، كما أعلن أن إيران وافقت على التعاون في تحقيق الوكالة الذي تجريه منذ سنوات في 3 مواقع سرية تم العثور فيها على آثار يورانيوم مخصب.
لكن المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي، عاد ونفى بعد مؤتمر غروسي أن يكون تم الاتفاق على تركيب أي كاميرات جديدة، أو السماح للمفتشين الدوليين بزيارة مواقع أو استجواب أشخاص معينين.
وعاد وأوضح غروسي في فيينا، أمس، أن هناك نقاطاً «يجب الاتفاق عليها» مع الطرف الإيراني حول نوع وشكل المراقبة الإضافية، من دون أن يكرر ما كان قاله عن إعادة تركيب الكاميرات التي كانت أطفئت. ورفض أمام استجواب الصحافيين، التعليق على كلام كمالوندي الذي وصفه بأنه «كلام إعلامي وقد تكون له خلفيات سياسية»، مشدداً على أنه يتحاور مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين «وليس عبر الإعلام».
وعن المواقع السرية، قال غروسي أيضاً إنه يجب استمرار الحوار مع إيران لأخذ «إذن» بزيارة أماكن واستجواب أشخاص، مضيفاً: «لا يمكننا القيام بشيء من دون إذن» إيران. ولكنه بقي مصراً على أن ما حصل عليه من زيارته لطهران هذه المرة مختلف عن الوعود السابقة والزيارات السابقة التي أصبحت اعتيادية قبيل انطلاق أي دورة لأعمال مجلس المحافظين الذي أصدر قرارين يدينان إيران في الاجتماعين الأخيرين في الأشهر الماضية. وشدد غروسي على أنه ليس «متفائلاً ولا متشائماً» ولكنه واقعي، وأشار إلى لقائه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واصفاً اللقاء بأنه «كان بالغ الأهمية»، وأنه تمكن من شرح التعاون الذي تسعى إليه الوكالة «لأرفع المسؤولين الإيرانيين».
ورفض غروسي أيضاً الحديث عن «مهل زمنية» للحصول على أجوبة من إيران حول المواقع السرية، وما إذا كان يمكن حلها قبل اجتماع مجلس المحافظين المقبل في يونيو (حزيران)، واكتفى بالقول: «نحن الآن نركز على المشكلات التي هي أمامنا، وبالطبع نعرف أن هذه عملية لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة، لكن الأمر سيستغرق وقتاً». وأضاف: «ما إذا كانت ستحل قبل اجتماع يونيو المقبل لا أعرف، ربما أسرع».
ويبدو أن الأمر المؤكد الوحيد الذي أنجزه غروسي خلال زيارته لطهران، هو انتزاع موافقة من طهران على تكثيف مراقبة منشأة فوردو التي عثر فيها مفتشون على آثار يورانيوم مخصبة بنسبة تقارب الـ84 في المائة، وهي نسبة تقترب من الـ90 في المائة، التي تسمح بإنتاج أسلحة نووية. وأبلغ غروسي مجلس المحافظين بأن إيران عدلت في يناير (كانون الثاني) الماضي في أجهزة الطرود المركزية في فوردو من دون إبلاغ الوكالة، في خرق لالتزاماتها لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي ما زالت عضواً فيها. وأبلغ المجلس أيضاً بأن المفتشين عثروا على آثار يورانيوم عالية التخصيب بدرجة كبيرة في المنشأة نفسها في يناير، مضيفاً أن الحوار مستمر مع طهران لتوضيح المسألة. وكانت إيران قالت أيضاً بعد زيارة غروسي لطهران إن مسألة آثار اليورانيوم المخصب بدرجة 84 في المائة «قد طويت»، في خلاف أيضاً لكلام أمين عام الوكالة الذي أكد أن الحوار مستمر مع إيران لتوضيح المسألة.
وكرر غروسي كلامه عن عدم قانونية استهداف المنشآت النووية الإيرانية عسكرياً، وذلك تعليقاً على كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي وصفه بأنه «شخصية لها قيمة أدلت بتصريحات من دون قيمة». وكان غروسي قال في طهران إن هكذا ضربة عسكرية غير قانونية. وأشار أمين عام الوكالة الدولية إلى أن عمله يقضي بالبحث عن «سبل للمساعدة في تخفيف التوتر، واستخدام القوة هو أمر لا أشجع عليه».
ومقارنة بنبرة غروسي في التقارير السابقة التي رفعها لمجلس المحافظين، والتي دفعت بالدول الغربية لطرح قرارين يدينان إيران لعدم تعاونها مع الوكالة، فإن تقاريره للمجلس هذه المرة لا تتضمن شكاوى من عدم تعاون إيران، بل على العكس تحمل إشارات إيجابية «لتعاون بناء» هذه المرة لحل المشكلات العالقة. وهذه الانطباعات التي يحملها غروسي من زيارته الأخيرة إلى طهران كافية لتجنيب إيران قراراً جديداً يدينها داخل المجلس، سيكون الثالث خلال عام واحد.
وكان السفير الروسي ميخائيل أوليانوف، قد حذر في بداية أعمال المجلس من طرح الدول الغربية لمشروع قرار جديد «يسيس عمل المجلس»، قال إنه سيأتي بنتائج عكسية، جاء هذا في وقت تحدثت فيه قناة «فوكس نيوز» الأميركية عن اتفاق روسي - إيراني لإعادة اليورانيوم المخصب بدرجات مرتفعة، الذي كانت شحنته روسيا خارج إيران ضمن اتفاق عام 2015، وقالت «فوكس» إن الطرفين اتفقا على ذلك ضمن الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لروسيا في حربها على أوكرانيا.
من جهتها، حثت الصين، إيران، على «الالتزام الكامل والفعال» مع الوكالة، وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية ماو نينغ، في إفادة صحافية دورية، إن بكين «تؤمن بأن الالتزام الكامل والفعال هو الطريق الصحيح للمضي قدماً في المسألة النووية الإيرانية». وأضاف رداً على سؤال بخصوص إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بياناً مشتركاً بشأن التعاون النووي: «على الولايات المتحدة اتخاذ قرار سياسي في أسرع وقت ممكن لتحقيق مخرجات المحادثات».
كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والوكالة الإيرانية للطاقة الذرية قد أصدرتا بياناً مشتركاً يوم السبت الماضي نشر خلال عودة غروسي في الطائرة، يتحدث عن اتفاق للتعاون وحل المسائل العالقة من دون أن يخوض في تفاصيل الاتفاق، وهو ما ترجم لاحقاً بشكل مختلف من كل طرف.
إيران تتفادى إدانة دولية جديدة بعد تفاهمات مع «الطاقة الذرية»
غروسي: تطمينات طهران تعتمد كثيراً على المحادثات في المستقبل
إيران تتفادى إدانة دولية جديدة بعد تفاهمات مع «الطاقة الذرية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة