محكمة سودانية تخلي متظاهرين اتهموا بقتل رجل استخبارات

القاضي: التحقيقات شابتها أخطاء وتجاوزات والبينات لا ترقى لتوجيه اتهام

سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
TT

محكمة سودانية تخلي متظاهرين اتهموا بقتل رجل استخبارات

سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)

أمرت محكمة سودانية بإطلاق سراح 8 متظاهرين بعدما شطبت اتهامات وجّهتها إليهم النيابة والشرطة والاستخبارات العسكرية بقتل رجل استخبارات كان يراقب احتجاجات وسط الخرطوم السنة الفائتة، ووصفت الأدلة والبينات التي قدّمها الاتهام بأنها «لا ترقى» إلى توجيه اتهام. وقالت إن «إجراءات الاتهام شهدت إجراءات خاطئة وتجاوزات خطيرة بحق المتظاهرين».
وقال قاضي المحكمة، جمال مأمون سبدرات، في حيثيات قراره بشطب بلاغ مقتل الرقيب في هيئة الاستخبارات العسكرية، ميرغني الجيلي، المقيد ضد 8 متظاهرين من أعضاء لجان المقاومة، إن الأدلة والبينات التي قدّمها الاتهام «لا ترتقي إلى توجيه اتهام». وأشار إلى أن «بعض الشهود تعرضوا لتعذيب وترهيب لإجبارهم على الإدلاء بشهادة زور».
وانتقد القاضي سبدرات في حيثيات قراره الإجراءات التي اتخذها الاتهام، وقال إنها «عجّت بالأخطاء وشهدت تجاوزات فادحة بحقوق المفرج عنهم»، مشيراً إلى «تأكيد المتظاهرين الثمانية أنهم تعرضوا لترهيب وتعذيب لإجبارهم على تقديم اعترافات بجرم لم يرتكبوه».
وفور النطق بالحكم، علت هتافات داخل المحكمة «يحيا العدل... يحيا العدل»، وسالت دموع أسر المتظاهرين ومحامين، وشابات وشبان لجان المقاومة الذين احتشدوا داخل قاعة المحكمة، وكذلك في الخارج حيث احتشد مئات من رفاق المفرج عنهم، وحملوهم على الأعناق، وهم يهتفون «براءة براءة للثوار». وردد بعض المفرج عنهم هتافات تضامنية مع أعضاء لجان مقاومة آخرين، اشتهروا بقضية مقتل عميد بالشرطة أثناء احتجاجات، وتجري محاكمتهم في محاكمة منفصلة، ثم تحولت الاحتفالات لمظاهرة سارت من المحكمة إلى منطقة «باشدار»، منطقة انطلاق المظاهرات التقليدية، بالقرب من مساكن المفرج عنهم.
وبدأت القضية ببيان من مجلس السيادة الانتقالي ذكر فيه أن جندياً برتبة رقيب في الاستخبارات العسكرية قُتل حصباً بالحجارة مع التمثيل بجثته من قِبل متظاهرين قرب القصر الرئاسي، وذلك في احتجاجات 8 مارس (آذار) 2022 التي كانت تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بعودة الحكم المدني وإنهاء السلطة العسكرية.
وبعد عدة أيام، ألقت قوة تابعة للاستخبارات العسكرية القبض على 20 متظاهراً من أعضاء «لجان المقاومة» التي تنظم هذه الاحتجاجات، ثم أفرجت عن 12 متظاهراً منهم تباعاً، بينما قيَّدت اتهامات تحت المادة 130 من القانون الجنائي، ضد 8 متظاهرين منهم بقتل الرقيب في الاستخبارات العسكرية ميرغني الجيلي، وهي تهمة عقوبتها الإعدام.
ويُعدّ المتهمون الثمانية الذين يقبعون في السجن منذ قرابة العام، من أعضاء لجان المقاومة المؤثرين في منطقة الديوم الشرقية بالعاصمة الخرطوم. وهم؛ خالد مأمون خضر، حمزة صالح، محجوب إسماعيل، شرف الدين أبو المجد، سوار الذهب أبو العزائم، مايكل جميس، قاسم حسيب، حسام منصور الشهير بالصياد.
وعند بدء المحاكمة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال الاتهام إن الضحية تعرَّض للضرب الوحشي والاغتصاب أثناء تكليفه وآخرين برصد ومتابعة حركة المتظاهرين، حيث انقضّ عليه المتهمون بعد نفاد مخزونه من الغاز المسيل للدموع وضربوه بالعصي والحجارة.
وأثناء المحاكمة، قال 4 من المتهمين إنهم تعرّضوا للضرب والتعذيب لإجبارهم على الإدلاء باعترافات تُدينهم بارتكاب الجريمة، وحوّلتهم المحكمة للطبيب للتأكد من مزاعم التعذيب الذي تعرّضوا له. وفي استطراد لاحق، قالت هيئة الدفاع عنهم إن شهادة الطبيب الشرعي للمحكمة فنّدت تهمة الاغتصاب. ونقلت قناة «دارفور 24» عن عضو الهيئة، المحامية رنا عبد الغفار: «إن تقرير الطبيب الشرعي الذي اطلعوا عليه، لم يردْ فيه مطلقاً ما يؤكد التهم الموجهة للمتهمين».
وكان شاهد رئيسي في القضية يدعى جاد الكريم جمعة قد تراجع عن اعترافات أدلى بها للتحقيق، وأبلغ المحكمة أنه تعرَّض لتعذيب وحشي لإجباره على «شهادة الزور» ضد المتهمين، وهو ما استند عليه القاضي في قراره بشطب الدعوى قبل توجيه الاتهام.
ووفقاً للمحامية رحاب المبارك، فإن الشاهد ذكر للمحكمة أنه احتجز لدى الاستخبارات العسكرية لمدة شهر، أغرقت خلاله «الزنزانة» بالمياه لمنعه من النوم، وطلب منه الشهادة ضد المتهمين، وجرى تهديده باعتباره المتهم الأول، وابتزازه بقضية سابقة واستخراج تقارير تتهمه بأنه مثليّ، وعرْضها على أسرته حال عدم تعاونه، ما اضطره لقبول الشهادة؛ خوفاً على حياته وللإفراج عنه.
من جهة أخرى، تجري محاكمة أعضاء آخرين من لجان المقاومة، بتهمة قتل عميد الشرطة علي بريمة حماد، 13 يناير (كانون الثاني) 2022، أثناء مشاركته في تأمين الاحتجاجات قرب القصر الرئاسي، وفقاً لمزاعم التحري.
ويزعم محامو المقبوض عليهم؛ محمد الفاتح، وعصام أحمد (ترهاقا)، ومصعب سمير، ومحمد الفاتح (الننة)، أن القضية هي الأخرى ملفقة، وأن الاتهام طوال جلسات المحاكمة لم يقدم بينات تكفي لتوجيه اتهامات للمتظاهرين.
ومنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، قتل 125 متظاهراً سلمياً برصاص الأجهزة الأمنية السودانية، أو بقنابل الغاز والصوت التي تطلق مباشرة وعن قرب على المتظاهرين، إضافة إلى الدهس بالسيارات وغيرها، مع مئات المصابين والجرحى، بعضهم ما تزال حالته حرجة، لكن الجهات العدلية لم تتخذ أي إجراءات ضد قتلة المتظاهرين السلميين، وعادة ما تزعم الشرطة بوجود «طرف ثالث» يقوم بقتل المتظاهرين، بيد أنها لم تتخذ إجراءات أو تقبض عليه، وهو ما يجعل كثيرين يشككون في كل «روايات الشرطة».
والأسبوع الماضي، أطلق ضابط شرطة الرصاص مباشرة على صدر متظاهر سلمي من مكان قريب، ما أدى لمقتله على الفور، وأجبرت فيديوهات للجريمة التي أظهرت الضابط وهو يطلق الرصاص على الشاب البالغ من العمر 17 عاماً، على رفع الحصانة عنه، ويجري التحقيق معه لتقديمه للمحكمة.
وكان القائد الثاني بقوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، قد ذكر ضمن سياقات التباين بين مواقف قواته والجيش، أنه لن يسمح بقتل المتظاهرين السلميين أو اعتقال السياسيين، وهي إشارة إلى أن بعض الأطراف العسكرية ضالعة في جرائم قتل المتظاهرين السلميين.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مسؤول أممي يدعو إلى مزيد من الاهتمام بـ «الأزمة المنسية» في السودان

علم السودان على مدفع رشاش لجنود قوات الدعم السريع (أرشيفية – رويترز)
علم السودان على مدفع رشاش لجنود قوات الدعم السريع (أرشيفية – رويترز)
TT

مسؤول أممي يدعو إلى مزيد من الاهتمام بـ «الأزمة المنسية» في السودان

علم السودان على مدفع رشاش لجنود قوات الدعم السريع (أرشيفية – رويترز)
علم السودان على مدفع رشاش لجنود قوات الدعم السريع (أرشيفية – رويترز)

دعا مسؤول بارز في الأمم المتحدة، الجمعة، إلى مزيد من الاهتمام الدولي بـ «الأزمة المنسية» في السودان، حيث دفعت الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام الدولة الإفريقية إلى حافة المجاعة.
جاء النداء الذي وجهه تيد شيبان، نائب مدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في الوقت الذي قامت فيه قوات الدعم السريع شبه العسكرية باجتياح قرى وبلدات في ولاية الجزيرة وسط السودان.

وقال شيبان، إن الحرب التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلقت «واحدة من أشد الأزمات في الذاكرة الحية»، حيث أجبرت أكثر من 14 مليون شخص على الفرار من منازلهم، مما جعل السودان يشهد أكبر أزمة نزوح في العالم.

وأضاف في مقابلة مع وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء: «لم نشهد قط منذ جيل كامل هذه الأنواع من الأرقام»، في إشارة إلى النازحين، بالإضافة إلى 8.5 مليون شخص يواجهون مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي، و775 ألفاً آخرين يواجهون ظروفا شبيهة بالمجاعة.

وتابع شيبان: «لقد تفككت البلاد بأكملها... ومع ذلك، يتم نسيان الدولة والأزمة».