«لو بو نيغاتيف» لمنصور الهبر... الهروب من المألوف بأسلوب ارتجالي

يتضمن نحو 16 لوحة بتقنية «ميكسد ميديا»

"لو بو نيغاتيف" في غاليري "آرت أون 56" في الجميزة (خاص الشرق الأوسط)
"لو بو نيغاتيف" في غاليري "آرت أون 56" في الجميزة (خاص الشرق الأوسط)
TT

«لو بو نيغاتيف» لمنصور الهبر... الهروب من المألوف بأسلوب ارتجالي

"لو بو نيغاتيف" في غاليري "آرت أون 56" في الجميزة (خاص الشرق الأوسط)
"لو بو نيغاتيف" في غاليري "آرت أون 56" في الجميزة (خاص الشرق الأوسط)

يعود تاريخ فن الرسم بتقنية «ميكسد ميديا» إلى عام 1912، عندما لجأ إليه الفنانون التشكيليون، أمثال بابلو بيكاسو وجورج براك، فأضافوا على لوحاتهم فن اللصق الذي تطور مع الوقت ليتخذ أشكالاً مختلفة، حسب رؤية كل رسام يتبع هذه التقنية.
ويقدم الفنان التشكيلي منصور الهبر بدوره، وضمن معرضه «لو بو نيغاتيف» (السلبي الجميل)، أسلوباً جديداً لهذه التقنية. وانطلاقاً من عنوان معرضه الذي يُقام في «غاليري أرت أون 56» بالجميزة، يلمس زائره رغبة الهبر في الخروج عن المألوف.
وأنت تتنقل في هذا المعرض الذي يستمر لغاية 18 مارس (آذار) الحالي، تلفتك موضوعات لوحات الهبر، فتكتشف أن قراءتها عن قرب تختلف عن الذي تمارسه عن بُعد.
ومع كثير من الارتجالية النابعة من اللاوعي عنده، تتصفح أدوات فنية لا تشبه غيرها؛ فهو أراد من خلالها أن يبرز جمال السلبي، لأنه أيضاً يملك ما يميزه عن غيره. ولذلك ركن إلى أنامله كي يخرج صوراً عفوية تتوالد عنده عندما يبدأ بالرسم؛ فمع الريشة قد تتخذ اللوحة أشكالاً محددة من السهل توليفها في ذهنك. ومن خلال بصمات يديه المغطسة بألوان زاهية، ولكنها غير فرحة، تلحق بأفكاره السابحة في فضاء لا حدود له. «قد ألجأ إلى الريشة، ولكن في مرات قليلة، لأن تفاعل اللوحة مع أناملي يأخذني إلى مطارح أجمل».
ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في لوحاتي نوع من الفنون غير تقليدي وبعيد عن المألوف. وتكمن جمالية هذا الأسلوب في استبدال جمالية غير متوقعة بأخرى».
حتى الأسماء التي اختارها الهبر للوحاته لم تأتِ بالصدفة، كما يقول؛ فهي تعبر عن فكر خيالي يتعلق مباشرة بالسلبي الجميل. وهذه العناوين تتراوح بين «لا ينتسى» و«جيو بارادي» و«المستحيل» و«الليل الذهبي» و«الفارغ» وغيرها.
مساحات كبيرة وأخرى صغيرة ملونة تحتويها لوحات منصور الهبر. وعمد فيها إلى استخدام الزاهية منها، مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر. وعلى الرغم من ذلك، تتوشح اللوحات بالأسود ومشتقاته من بني وزيتي، كلها تبرق من بعيد بفعل استعماله مادة لماعة فوقها تزينها (فرنيش). ومرات أخرى يستخدم خلفية اللوحة كما هي لإحياء مساحات مضيئة. وتلفتك أيضاً الألوان الجلدية، فتشعر وكأنك أمام لوحة من لحم ودم اعتمدها بدل الوجوه والأجساد بصورها العادية.
وفي إحدى اللوحات، «جيو بارادي»، يبهرك الزهري السائد فيها فيعود معها ناظرك إلى عالم الطفولة. ويعلق الهبر، وهو أستاذ في جامعة «ألبا» للفنون الجميلة: «انظري إلى هذه الجراح التي تجتاح الزهري للتعبير عن تراجيديا معينة؛ فهذه هي الحياة في الواقع، تتراوح بين الحلو والمر، يتداخلان عن غير قصد».
وفي لوحة «امبرسونيل» منظر طبيعة خلابة فيها الشلالات المائية وصخور بيضاء ومشهدية مشبعة بالعذرية. وعندما تقترب منها تغيب عنها هذه التفاصيل لتكتشف أخرى مبهمة. «هذا التناقض الذي ألعب عليه في لوحاتي وليد السلبية الجميلة التي أتحدث عنها في معرضي؛ فحتى هذه المشهدية ثلاثية الأبعاد ولدت معي ارتجالياً، وليس عن سابق تصور وتخطيط؛ فعندما أبدأ برسم لوحتي أشبه نفسي بقائد الأوركسترا الذي يعرف وحده كيف يوزع المهام على فرقته. وهذا التوالد للأفكار غير المتوقع والمتناقض في آن يؤلف هذه المشهدية الغامضة؛ فأنا لستُ بحاجة إلى أشكال معينة كي أترجم مشاعري من خلال ملامح وجه أو صورة واضحة».
كل ما تراه في لوحات منصور الهبر يأتي من الأعماق، لأن طبيعة عمله تميل نحو الداخل أكثر من الخارج الذي نصادفه كل يوم. «لقد أخذت هذا الخارج إلى عالمي الداخلي، وقدمته عبر اللاوعي الذي يقودني خلال رسمي للوحاتي. وهذه المهمة تُعدّ صعبة، نسبة إلى غيرها، تضع إطارها الريشة ببساطة ولا تتطلب منا الكثير لاستيعابها. ولذلك لدي النية دائماً في الارتجال من خلال حواسي مجتمعة مع عقلي، وهو عمل مبني على اللاوعي الذي سبق أن تحدثت عن أهميته في أعمالي».
فهذا الجمال المتعارف عليه الذي يمكننا تحديد عناصره بسرعة أزاحه منصور الهبر عن الواجهة مستغلاً تقنية «ميكسد ميديا»، كي يغني لوحاته بعناصر جمة؛ فالمشاعر على أنواعها، من حزن وفرح وقلق وحب وغيرها، تحضر ضمن الفن التجريدي في صور إبداعية. ويتمسك الهبر بتحريرها من قيود مختلفة؛ فيكسرها بأنامله الثائرة بصمت.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» لفنلندا

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» لفنلندا

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في جدة شرف التمثيل القنصلي الفخري لفنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة.

يروي الحفيد سعيد بن زقر، لـ«الشرق الأوسط»، أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد، سافر إلى هناك لبناء مسجد، لكنه واجه تحديات قانونية.

ويضيف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

ويسعى الحفيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات بين السعودية وفنلندا.