وزير الاتصال الجزائري: كسب الحروب الجديدة يحتاج استراتيجية إعلامية

محمد بوسليماني أكد لـ «الشرق الأوسط» أن جرائم الفضاء السيبراني تمس الأمن القومي

وزير الاتصال الجزائري محمد بو سليماني يلقي كلمته في مؤتمر الإعلام العربي بتونس (الشرق الأوسط)
وزير الاتصال الجزائري محمد بو سليماني يلقي كلمته في مؤتمر الإعلام العربي بتونس (الشرق الأوسط)
TT

وزير الاتصال الجزائري: كسب الحروب الجديدة يحتاج استراتيجية إعلامية

وزير الاتصال الجزائري محمد بو سليماني يلقي كلمته في مؤتمر الإعلام العربي بتونس (الشرق الأوسط)
وزير الاتصال الجزائري محمد بو سليماني يلقي كلمته في مؤتمر الإعلام العربي بتونس (الشرق الأوسط)

دعا وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للقمة العربية، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى «استراتيجية إعلامية وتكنولوجية عربية تضمنان كسب «الحروب الجديدة» التي قال عنها إنها «ليست عسكرية»، بل «رقمية واتصالية». ويرى الوزير الجزائري، الذي التقيناه أخيراً على هامش «المؤتمر الإعلامي العربي الثاني» في تونس، حيث ترأس وفد بلاده في المؤتمر الذي نظمه اتحاد الإذاعات العربية، أن مستقبل الدول العربية الاقتصادي والأمني والمجتمعي أصبح رهين كسب «معركة السلطات ومؤسساتها الأمنية والاتصالية والتكنولوجية مع عصابات جهوية ودولية» تستخدم سلاح «الهجمات السيبيرانية الدولية». وأردف أن هذا الواقع عمّق «الهوة الرقمية بين دول الشمال والجنوب»، وزاد من مخاطر استقطاب الشعوب خصوصاً فئات الأطفال والشباب؛ إذ باتت قطاعات واسعة منها تتأثر بـ«إعلام وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الرقمية» أكثر مما تتأثر بوسائل الإعلام التقليدية.
وفيما يلي، أبرز ما تضمنه اللقاء مع الوزير بوسليماني، في العاصمة التونسية:

رسالة الجزائر

> حضرة الوزير، ما الرسالة التي أرادت الجزائر توجيهها من خلال التوصيات والاقتراحات، التي تقدمت بها ورقتها في المؤتمر السنوي الثاني للإعلام العربي، الذي نظمه اتحاد إذاعات الدول العربية بحضور مئات من الخبراء العرب والأجانب والمشرفين على قطاعات الإعلام وتكنولوجيا الاتصال والعمل العربي المشترك ونخبة من الوزراء؟
- الجزائر التي ترأس هذا العام القمة العربية تسعى إلى أن تبادر الحكومات ومؤسسات صنع القرار ومؤسسات العمل المشترك العربية إلى اعتماد استراتيجية وخطة عمل واضحتين؛ وذلك لكسب رهان التقدم التكنولوجي والرقمي وتجاوز سياسات ردود الفعل الظرفية على التحديات الخارجية، بدءاً من قطاع الإعلام والاتصال والتكنولوجيات الرقمية. إن إدراك الجزائر حجم التحديات التي يواجهها الإعلام العربي، بسبب الهوة الرقمية والهجمات السيبرانية، يدفعنا إلى حث الدول العربية على وضع تصور شامل وموحّد في إطار تعاون عربي مشترك، وأيضاً مواجهة الهيمنة الرقمية لكبرى الشركات الإعلامية العالمية بهدف حماية مصالح الدول العربية واقتصادها وقيم مجتمعاتها ومؤسسات التعليم والثقافة فيها.
> هل من خطوات عملية في هذا الاتجاه؟
- إننا نسعى إلى مواكبة المتغيرات دولياً في قطاعات الاتصال والاقتصاد الرقمي والتقدم التكنولوجي... ومع أن الجزائر تنوه بالتقدم الذي حققته بعض الدول بصفة فردية في معركتها ضد الهجمات السيبرانية والتخلف، فإننا نرى الحاجة الضرورية بالنسبة لكل الدول العربية إلى مزيد التنسيق بينها وبين مؤسساتها العلمية والإعلامية ومنظمات العمل المشترك لكسر الهيمنة الرقمية العالمية من قبل بعض الشركات والأفراد. نحن اليوم نعيش مرحلة أصبح فيها العالم يعيش حقبة التقدم الرقمي، بينما توجه الجمهور إلى المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي على حساب سوق الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية التقليدية بما فيها تلك التي تصله عبر الأقمار الصناعية.

الشكل والمحتوى

> وهل – في رأيك - يمكن أن تؤدي الاستراتيجية الاتصالية والتكنولوجية المقترحة في مرحلة الرقمنة إلى سياسات إعلامية جديدة، عربياً ومغاربياً، تشمل السياسات التعديلية لمضمون وسائل التواصل الرقمية وبقية وسائل الإعلام... أم سيقتصر الأمر على إجراءات عابرة ذات صبغة تكنولوجية هدفها تخفيف الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة في مجال مواكبة الثورة الرقمية؟
- في الحقيقة، التحديات الماثلة أمامنا خطيرة جداً... ولها انعكاسات على الأمن القومي وعلى توجهات الأجيال الجديدة، خصوصاً الشباب والأطفال. هذا الواقع يفرض علينا اتخاذ خطوات جدية للحد من الأضرار الناجمة عنها من خلال وضع استراتيجية موحدة في التعامل مع الشركات العالمية للرقمنة والإعلام، بما في ذلك ما يتعلق بالمضامين ومحتوى المادة الإعلامية التي يجري تسويقها، كذلك يجب اتخاذ قرارات عربية مشتركة وسريعة وناجعة في هذه السبيل، مع الاستفادة من توصيات المؤتمرات السابقة لمؤتمرات القمة العربية واجتماعات مؤسسات العمل العربي المشترك، بما فيها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب واتحاد إذاعات الدول العربية.

مراجعة القوانين والتشريعات

> لكن ما هي بالتحديد الخطوات العملية المطلوبة لضمان كسب العرب، شعوباً ودولاً، هذه «الحروب الجديدة» التي تقودها شركات اقتصادية عالمية عبر سلاح الإعلام وليس الأسلحة القتالية التقليدية؟
- في اعتقادي المطلوب مراجعة الدول العربية للعديد من قوانينها وتشريعاتها، ومن ضمنها قانون حماية البيانات الشخصية وقوانين الأمن السيبراني والهوية الرقمية، ويضاف إلى ما تقدم كل ما يخص التطور التكنولوجي من أنظمة وتشريعات لضمان الحماية الرقمية للجميع. وفي هذا السياق، لا بد لي من التشديد على أن تبادل الخبرات والتجارب بين الدول العربية في مواجهة مخاطر الجرائم السيبرانية، ووضع آليات عمل عربية صارمة، من الخطوات العملية التي ستمكننا من تحقيق الحماية اللازمة من أي اختراق للشبكات المحلية والإقليمية، ومن ثم، تأمين سلامتها.
> ولكن في هذا السياق، كيف ستنهض الجزائر، بالذات، في هذا الشأن؟
- إن الجزائر التي نجحت في تنظيم أول قمة عربية رقمية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليست فيها أية وثيقة ورقية، ولن تدخر جهداً لإنجاح الجهود المشتركة لمجابهة الهيمنة الرقمية العالمية... وتماشياً مع هذا المسار، بدأت الجزائر استحداث منظومة قانونية ملائمة، وإيجاد مؤسسات متخصصة تُعنى بضمان أمن البيانات ومصداقية المعلومات، وتفعيل دور الإعلام بما فيه الرقمي لا سيما عن طريق التكوين.
> كيف كان انطباعكم عن فعاليات المؤتمر العربي للإعلام في نسخته السنوية الثانية؟ وما آفاق العلاقات بين تونس والجزائر في هذه المرحلة التي تمر فيها تونس والمنطقة بمتغيرات سريعة وغموض؟
- كان هناك تقدير للجهود الحثيثة ومساعي جامعة الدول العربية لتوحيد الصف العربي في التعامل مع عمالقة التكنولوجيا ومواجهة الهيمنة الرقمية التي تفرضها هذه الشركات العالمية... ويسعدني أن أحيي ضمن هذا الإطار جهود اتحاد إذاعات الدول العربية في تنظيم هذا المؤتمر الثاني وحسن اختيار موضوعه. أما على صعيد العلاقات بين تونس والجزائر فإن هذه العلاقات ممتازة، واستدل على ذلك بتنويه رئيسي البلدين الشقيقين وكبار المسؤولين فيهما بها. وأنا شخصياً أتوقع أن تتطور العلاقات التونسية الجزائرية إيجابياً بنسق أسرع في المرحلة المقبلة... أنا أعدّ واقع العلاقات التونسية - الجزائرية ومستقبلها نموذجياً... وسيكون على أحسن ما يرام.

محمد بوسليماني

الوزير محمد بوسليماني، وزير الاتصال في الحكومة الجزائرية، من مواليد مدينة الجزائر العاصمة يوم 25 نوفمبر 1956. يحمل شهادة الإجازة (الليسانس) في العلوم السياسية وعلوم الإعلام. في مسيرته الوظيفية، عمل صحافياً في المجال الرياضي لعدة سنوات، وتولى لاحقاً المناصب التالية:

> متصرف إداري في وزارة الإعلام 1985 - 1989.
> رئيس مكتب في وزارة الإعلام 1989 - 1991.
> رئيس مكتب الصحافة الوطنية في المجلس الأعلى للإعلام 1991 - 1994.
> رئيس مكتب المجلة الصحافية في وزارة الاتصال 1994 - 1995.
> نائب مدير الصحافة المكتوبة الأجنبية في وزارة الاتصال 1995 - 1996
> عضو لجنة العمل الإعلامي الموجّه نحو الخارج 1995.
> نائب مدير العمل الموجه نحو الخارج في وزارة الاتصال والثقافة 1996 - 1997.
> مدير التعاون والتبادل في وزارة الاتصال والثقافة 1998 - 2004.
> مدير التعاون والتبادل في وزارة الاتصال 2004 - 2011.
> أمين عام وزارة الاتصال 2011 - 2013.
> وزير الاتصال منذ نوفمبر 2021.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».