نموذج لرصد طرق انتشار الأمراض المعدية بدقة عالية

طوره باحثو «كاوست»

تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
TT

نموذج لرصد طرق انتشار الأمراض المعدية بدقة عالية

تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية

ألقت جائحة «كوفيد-19» الضوء على أهمية تطوير النماذج لفهم انتشار الأمراض، وتقديم أرقام ومعلومات تفصيلية عن الوقاية منها ومكافحتها. ومن هذا المنطلق استعان باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» ببيانات جائحة «كوفيد-19»، ودمجوا مِنهاجين تقليديين من أجل خلق نموذج جديد بغرض تحسين توقعات انتشار المرض.
ومما لا شك فيه أن جائحة «كوفيد-19» أحدثت تغييرات جوهرية على الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، مما حدا بالحكومات والعلماء لتحديد أفضل السبل اللازمة للحد من تأثيرات الجائحة عبر الاستعانة بنماذج رياضية تتنبأ بانتشار الأمراض المعدية.

طريقة نمذجة جديدة
النموذج الرياضي عبارة عن وصف مبسط لشيءٍ ما باستخدام قواعد الرياضيات ولغتها، ويُعدّ «نموذج SIR» إحدى طرق النمذجة الشائعة التي تقسّم السكان إلى 3 أقسام: القسم الأول «المعرَّضون للإصابة» (S)، والثاني «المصابون» (I)، والثالث «المتعافون» (R)، ثم صياغة معدلات التغيير التي تتبع انتقال الأفراد من قسم إلى آخر.
بمعنى آخر، ومن أجل تحسين فهمنا لطريقة انتشار مرض ما، يستخدم العلماء مزيجاً من الرياضيات والبيانات لتطبيق النمذجة الرياضية. توفر تلك النماذج طريقة لصياغة القواعد البسيطة لتقديم تخمين تقريبي لكيفية انتشار فيروس ما، ومن ثم تقديم تخمين تقريبي لانتشار المرض المصاحب له.
قام باحثو «كاوست»، بقيادة الباحثة الدكتورة باولا موراغا، الأستاذة المساعِدة في علوم الإحصاء، بدمج «نموذج SIR» يتناول الوقت فقط مع نموذج آخر يتناول الوقت والمكان معاً، مع أخذ أنماط التلامس العُمرية في الاعتبار أيضاً. ولتحقيق هذا الدمج، استخدم الفريق إطار عمل يتكوّن من خطوتين، يمكّنهم من نمذجة بيانات المواقع المعدية لعدد من الفئات العمرية المختلفة خلال فترة زمنية طويلة.
يقول الباحث الرئيسي للدراسة أندريه أمارال، القادم من البرازيل الذي تشمل اهتماماته البحثية النمذجة الإحصائية وطرق حساب الاستدلال، إن «النموذج يقدم تنبؤات أدقَّ من الأساليب المستخدمة سابقاً في رصد وقت ومكان التنبؤات على المدى القصير أو المتوسط. كما أن هذا النموذج يُراعي الفئات العمرية المختلفة حتى نتمكن من معالجتها بشكل منفصل، فينتج عنه التحكم في عدد الحالات المعدية على نحو أفضل».

تحديد المناطق الخطرة
ولحسن الحظ، فقد نجحت طريقة الفريق؛ إذ أُجريت دراسة محاكاة لتقييم أداء النموذج، وأيضاً أُجريت دراسة حالة لمصابي «كوفيد-19» في مدينة كالي بكولومبيا، نتج عنها تحسُّن ملحوظ في أداء النموذج عند رصد التنبؤات، وقدَّم نتائج مماثلة للفترات الزمنية الماضية، مقارنةً بالنماذج التي يشيع استخدامها في عمليات إعداد النماذج التنبؤية.
يقول أمارال إن «مميزات هذا النموذج ستساعد المسؤولين ومُتخذي القرار في تحديد المناطق الخطرة والسكَّان الأكثر عرضة للإصابة وتطوير استراتيجيات أكثر تطوراً لمكافحة الأمراض».
يمكن تطبيق النموذج أيضاً على أي مرض مُعدٍ يناسب تقديرات النموذج، مثل: مرض الأنفلونزا. كذلك لأن النموذج يأخذ في اعتباره مختلف الفئات العمرية وأنماط التلامس بينها، فإنه يقدّم استنتاجات أكثر تفصيلاً عن مكان ووقت وأي مجموعة بالتحديد يجب على متخذي القرار توجيه الموارد إليها للحدّ من المرض. يشير أمارال إلى أنه «مستقبلاً ربما نتوسع في هذا الأسلوب ونستخدم نماذج زمنية مختلفة لتحل محل «نموذج SIR»؛ سنتمكَّن من رصد دينامية الأوبئة المختلفة وزيادة السياقات التي قد نوظِّف النموذج فيها». ويضيف: «لكن في النهاية، إن أردنا تحسين قدرات النموذج التنبؤية، علينا العمل على تطوير أساليب المجموعات التي تدمج عدداً من التنبؤات من عددٍ من النماذج المختلفة وترصد أي تأخير زمني محتمل في عملية جمع البيانات».
تقول موراغا إن أداء النموذج يوضح أهمية الجودة والبيانات التفصيلية المتعلقة بالمكان والوقت والمجموعة السكانية؛ لفهم ديناميكيات الأمراض المعدية، مع تأكيد الحاجة الملحّة لتعزيز أنظمة المراقبة الوطنية من أجل تطوير عمليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة العامة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
TT

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)

يحتل الذكاء الاصطناعي حالياً مكانة بارزة في النقاشات العالمية؛ حيث يتم استكشاف مدى اعتماده وتأثيره الواسع على المنظمات والأعمال والمجتمع. ووفق تقرير صادر عن شركة «آي بي إم»، بلغ معدل تبني الذكاء الاصطناعي عالمياً 35 في المائة عام 2022، مسجلاً بذلك زيادة ملحوظة بمقدار 4 نقاط عن العام السابق.

تخلف الدول النامية

ورغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات الصحية، وتعزيز التعليم، ودعم أنظمة الطاقة، ورفع كفاءة الحوكمة، فإن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تزال تعاني من نقص الأبحاث والتطبيقات المتاحة في هذا المجال.

وفي هذا السياق، سعى باحثون من الولايات المتحدة واليابان إلى وضع استراتيجيات تتيح لهذه الدول دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة والحوكمة، مؤكدين أهمية تقليص الفجوة الرقمية لضمان وصول فوائد الذكاء الاصطناعي للجميع.

وأشار الباحثون، في دراستهم المنشورة بعدد 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بدورية «Humanities and Social Sciences Communications» إلى العقبات الأساسية التي تواجه البلدان ذات الدخل المنخفض في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، التي تشمل محدودية الوصول إلى التكنولوجيا، وضعف البنية التحتية، وقلة الكوادر المتخصصة، مشددين على أن هذه التحديات تعيق قدرة هذه الدول على توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية لدعم التنمية المستدامة، ما يستدعي استراتيجيات تكاملية لمعالجة هذه الثغرات وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

يقول الدكتور محمد سالار خان، أستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، إن المضي قدماً في مجال الذكاء الاصطناعي ليس خياراً، بل ضرورة لهذه البلدان. ومن خلال تعزيز البنية الرقمية، وتدريب الكوادر البشرية، وتبني سياسات فعّالة؛ يمكن لهذه الدول الاستفادة من القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة لمواطنيها.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على صانعي السياسات إدراك الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية العادلة، وإعطاء الأولوية للمبادرات التي تدعم دمجه في هذه البلدان، ومن خلال الجهود التعاونية، يمكن للمجتمع الدولي ضمان ألا تتخلف البلدان منخفضة الدخل عن ثورة الذكاء الاصطناعي».

استراتيجيات فعالة

تواجه الدول ذات الدخل المنخفض تحديات فريدة في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يستدعي اقتراح استراتيجيات تتماشى مع احتياجاتها الخاصة. وفقاً لأستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية نهجاً متعدد الجوانب.

ووفق خان، تتمثل إحدى التوصيات الأساسية في تعزيز البحث والتطوير، من خلال دعم الجامعات والمؤسسات المحلية في إجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي الموجهة إلى التحديات المحلية، وإنشاء مراكز ابتكار تركز على تطوير تقنيات مناسبة للصناعات المحلية. كما يُنصح بتوفير التمويل والموارد للشركات الناشئة المحلية المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتشمل التوصيات أيضاً بناء أنظمة ذكاء اصطناعي متكاملة، عبر تطوير استراتيجية وطنية لتعزيز القدرات في هذا المجال، وإنشاء شبكات تعاونية بين الكيانات المحلية والمنظمات الدولية.

ونبه خان إلى ضرورة تشجيع مشاركة القطاع الخاص في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعالج القضايا المحلية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، وتنفيذ مشاريع تجريبية تُظهر التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية

وشدد خان على ضرورة ضمان وصول عادل للتكنولوجيا، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات في هذا المجال، وتعزيز الاستقلال التكنولوجي عبر تطوير تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية.

وأوصى خان بضرورة التعاون مع الدول المتقدمة للحصول على دعم في مجال نقل التكنولوجيا؛ حيث يمكن للبلدان ذات الاقتصاديات المتقدمة والمنظمات الدولية ذات الصلة مثل اليونيسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والبنك الدولي؛ دعم هذه الدول في مساعيها من خلال نقل التكنولوجيا، وتقديم المنح، والمساعدات.

ونصح خان بضرورة تحسين الأطر السياسية من خلال وضع إرشادات تنظيمية واضحة، وإشراك جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار، لضمان وضع المبادئ التوجيهية واللوائح الأخلاقية التي تضمن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وعادل.

ومن خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية، ما يعزز التنمية ويقلل الفجوات الحالية في اعتماد التكنولوجيا، على حد قول خان.