أعلنت الولايات المتحدة، الجمعة، مساعدة عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار خلال زيارة لواشنطن أجراها المستشار الألماني أولاف شولتس، وشكّلت فرصة لتأكيد الدعم الغربي لكييف.
وتُعتبر المساعدات العسكرية الغربية حاسمة لتمكين كييف من مقاومة هجمات القوات الروسية واستعادة السيطرة، لكن الكرملين قال إن مساعدات كهذه لن تؤدي إلا إلى «إطالة أمد الصراع وستكون لها عواقب وخيمة على الشعب الأوكراني». وتجاهلت واشنطن هذا التحذير وأعلنت عن مساعدات جديدة، بما فيها ذخيرة، لا سيما لنظام صواريخ «هيمارس» الذي استخدمته القوات الأوكرانية، وكان له أثر مدمّر ضد القوات الروسية وخطوط إمدادها.
وتعد هذه الزيارة الثانية للمستشار إلى واشنطن، بعد زيارة أولى قام بها في 7 فبراير (شباط) 2022. في ذلك الوقت، كانت روسيا «تحشد قواتها» على الحدود الأوكرانية، حسبما قال بايدن من المكتب البيضاوي. ثم وعد الغربيون بـ«الرد» وقد «أَوفَيْنا بوعدنا» كما أضاف الرئيس الأميركي شاكراً شولتس الجالس إلى جانبه. وتابع: «لقد عززتم الدعم لكييف»، وذلك بعدما وافقت ألمانيا بعد تردد طويل على تسليم دبابات لأوكرانيا.
من جهته، اعتبر شولتس أنه «من المهم جداً» توجيه «رسالة» تتعلق بأوكرانيا، وهي «أننا سنواصل (دعمها) طالما كان ذلك ضرورياً». وتثير هذه الزيارة حفيظة الكرملين الذي حذّر قبل الاجتماع من إرسال شحنات أسلحة غربية جديدة لأوكرانيا. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الجمعة: «نلاحظ أن الولايات المتحدة تواصل سياستها الهادفة إلى زيادة شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا».
ولم يتضمن برنامج زيارة شولتس لواشنطن مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع بايدن، وهو ما أثار تساؤلات في الصحافة الألمانية، خصوصاً في ظل الضبابية حول تسليم دبابات ألمانية الصنع لأوكرانيا. وحاول الزعيمان تبديد هذا الانطباع، وأقر شولتس بأن العلاقات الثنائية «جيدة جداً».
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، ضغط الرئيس الأميركي علناً على برلين لحضها على التخلي عن مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذي كان سيربطها بموسكو. كما كانت مسألة تسليم دبابات إلى أوكرانيا مصدر توتر.
ووافقت ألمانيا في 26 يناير (كانون الثاني) على إرسال عدد من دباباتها من طراز «ليوبارد» إلى أوكرانيا، ما أعطى بعداً جديداً للدعم العسكري الذي يتلقاه هذا البلد بوجه الغزو الروسي. كما وعدت الولايات المتحدة بإرسال مدرعات، ما أثار في الأيام الأخيرة تفسيرات مختلفة.
وصرح مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان، الأحد، في إقرار نادر بالتوتر بين البلدين أن ألمانيا شددت على أنها لن ترسل دبابات «ليوبارد»، «إلا إذا وافق الرئيس أيضاً على إرسال دبابات أبرامز». وأوضح ساليفان لشبكة «إيه بي سي» أن بايدن «قرر بالأساس عدم إرسال (مدرعات) لأن عسكريّيه قالوا له إنها لن تكون مفيدة في ساحة المعركة». لكن إزاء إصرار ألمانيا، بدل الرئيس الأميركي موقفه وتصرف «من أجل وحدة صف الحلف (الأطلسي)، ولضمان حصول أوكرانيا على ما تريد».
غير أن الحكومة الألمانية أعطت تفسيراً مختلفاً، مؤكدة أن المحادثات سعت إلى وضع «مقاربة مشتركة» من غير أن تضغط برلين على واشنطن.
رسالة إلى بكين
أكّد الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، الخميس، أن جدول أعمال النقاشات يشمل أيضاً «التحديات التي تطرحها الصين»، في وقت تتهم فيه واشنطن بكين بدرس تسليم موسكو أسلحة. ولاحظ البيت الأبيض بارتياح تحذير المستشار الألماني بكين علانية من تقديم دعم عسكري لروسيا. وقالت مسؤولة كبيرة في البيت الأبيض، في تصريحات للصحافيين: «وجهات نظرنا متطابقة مع ألمانيا».
وقالت روبن كوينفيل، من مركز «ويلسون» للبحوث في واشنطن، إن الصين هي نقطة «خلافية». وأوضحت أن «المسؤولين الاقتصاديين الألمان (والعديد من السياسيين) ينتقدون ما يعتقدون أنه محاولات أميركية لإضعاف العلاقات الثنائية للحلفاء مع الصين». وأضافت: «قبل عام، نال موقف شولتس الجريء بشأن سياسة الدفاع الألمانية إشادة من واشنطن. هذا العام، ستضغط واشنطن على شولتس للاستمرار في اختيار الجرأة بدلاً من الحذر».
حرب كلامية
في سياق متصل، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة بالنفاق بعد أن قال نظيره الأميركي أنتوني بلينكن إنه «يجب عدم السماح لروسيا بالإفلات من العقاب» على شن حرب في أوكرانيا، وذلك خلال منتدى أمني حضراه في نيودلهي، الجمعة. وحضر المسؤولان الروسي والأميركي اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في العاصمة الهندية هذا الأسبوع، والتقيا وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ غزو القوات الروسية لأوكرانيا قبل عام.
وأبلغ بلينكن منتدى حوار «رايسينا» للشؤون الاستراتيجية: «إذا سمحنا لروسيا بالإفلات من العقاب وفعل ما تفعله في أوكرانيا، فهذه رسالة إلى آخرين قد يشنون عدواناً بأنهم ربما يتمكنون من الإفلات من العقاب أيضاً».
وفي حديثه في المنتدى نفسه بعد كلمة بلينكن، أثار لافروف موجة ضحك بين الحضور بقوله إن «روسيا تسعى لوقف الحرب التي تم شنّها علينا باستخدام الشعب الأوكراني». واعتبر المسؤول الروسي أن محاسبة روسيا على أعمالها في أوكرانيا تتم «بمعايير مزدوجة» في وقت بررت فيه الولايات المتحدة التدخل العسكري في مناطق مختلفة من العالم، مثل حرب العراق، والضربات الجوية على ليبيا، وقصف يوغوسلافيا إبان نزاع كوسوفو عام 1999، بما قالت إنه «تهديد لمصالحها الوطنية». وقال لافروف أيضاً إن السؤال عن موعد مفاوضات روسيا لإنهاء الحرب يجب أن يُطرح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وأردف: «الكل يسأل متى ستتفاوض روسيا... الغرب يقول باستمرار إن الوقت لم يحن بعد للتفاوض لأن أوكرانيا يجب أن تنتصر في المعركة قبل أي مفاوضات».