«تيك توك» يقود فنون الطهي بوصفات سريعة التحضير

تستخدم المنتجات الطبيعية وتبتعد عن المُعلبات

طبق الشركسية     -     سارة نور الدين
طبق الشركسية - سارة نور الدين
TT
20

«تيك توك» يقود فنون الطهي بوصفات سريعة التحضير

طبق الشركسية     -     سارة نور الدين
طبق الشركسية - سارة نور الدين

يمكنك تجهيز «دجاجة مشوية» مع صلصة الزعتر والليمون والثوم داخل المقلاة الهوائية، دون أي إضافة لقطع الزبدة أو الزيت، حتى «البطاطس المقلية» التي لا تنجو من الانتقادات، يمكن أيضاً تحضيرها من دون زيت مع إضافة النكهات الطبيعية، بديلاً لأكياس «الشيبس» الموجودة في الأسواق.
هذه واحدة من بين تداعيات بزوغ الاتجاه نحو الطعام الصحي، المدفوعة بثقافة «الترند» التي طالت موائد الطعام، والتأثر بما قد يُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي، من تجارب حديثة، وربما مبتكرة.
وهنا عوامل عدة تصنع «ترند» الطعام، فبجانب مواقع التواصل الاجتماعي، هناك الظروف السياسية والاقتصادية والأزمات العالمية. فحين ضرب وباء «كورونا» العالم صعد اتجاه «الأكل الصحي»؛ لكن مع تمدد الأزمة الاقتصادية واحتدام تغير المناخ، فإن مائدة العام الجديد من المتوقع أن تعكس بعض التغيرات.
تقول الطاهية المصرية سارة نور الدين، إن ظهور اتجاهات تؤثر على قوائم الطعام، وتبرز وصفات بينما تُخفي أخرى، هو نتاج الانفتاح الثقافي، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «العالم بات على اتصال على مدار الأربع والعشرين ساعة، ووسائل التواصل الاجتماعي دخلت شريكاً رئيسياً في تشكيل ثقافة الطعام».
وترى الطاهية المصرية أن «(تيك توك) يتوغّل أكثر في المطبخ، فوصفاته تتميز بسهولتها وسرعتها، من ثم تشبه (جيل الألفية) وتحاكي نمط الحياة الحديثة، كما أنه فتح المجال لدخول كل من لديه مهارة الطهي إلى السباق، ليكون الجمهور هو الحَكَم، و(الوصفة الحلوة) هي الفيصل».

وجبة متكاملة في صحن واحد    -     طاجن بامية

شاي بحبات البوبا الآسيوية، وربما «آيس كريم» مصنوع من عجينة الأرز، وجبة كاملة في طبق واحد. جميعها اتجاهات فرضها جيل «زي» الذي بات يشكل المستقبل أولوياته. تقول الشيف سارة: «لن يسمح لك (جيل الألفية) بأن تقدم وصفة يستغرق تحضيرها أكثر من دقائق معدودة، لذلك تصدرت وصفات (الباستا) التي تُجهز في 7 دقائق، مع الصوص الوردي الذي مزج مدرستين في الطعام، وهما صلصة الطماطم وعشاق كريمة الطهي».
وتردف «جيل (زي) لديه وعي بيئي، فهو من تلقف أزمة تغير المناخ وعاش آثارها، لذلك لا نتوقع بزوغ الأكل الصحي فحسب، بل ستتصاعد الوصفات التي تضع حماية البيئة في الاعتبار، مثل أطباق السلطات الغنية بالأوراق المزروعة مع قليل من شرائح اللحم»، متابعة: «أما الصلصة فلا داعي لتلك المحضّرة والمعلبة في زجاجات على أرفف (السوبر ماركت)، حيث إن مزيج زيت الزيتون والثوم وقطرات الليمون والتوابل الطبيعية سيكون الأبرز».
واللافت أنه من بين تداعيات بزوغ اتجاه الطعام الصحي، نمو مبيعات الأفران البخارية والمقالي الهوائية عالمياً، بنسبة قُدرت بـ10.2 في المائة خلال العام الماضي، ومتوقع مزيد من الصعود في العام الجديد، وفقاً لشبكة «فوود نيت ورك» الأميركية، وهي أفران تجهّز الطعام بأقل قدر ممكن من السعرات الحرارية.
وترى الشيف سارة، أن «في هذا دليل على أهمية الصحة والبيئة، كما أن هذه الأفران باتت أساسية في المطابخ العصرية التي نشاهدها كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشكل الصورة الذهنية لأصناف الطعام الصحي».
وفي حين يتسارع العالم نحو المستقبل، ثمة اتجاه يربطنا بالجذور؛ حيث تشير اتجاهات الطعام في 2023 إلى الحنين إلى الماضي ووصفات الجدات، فحسب تصنيف شبكة الطعام الأميركية لاتجاهات الطهي في العام الجديد، فإن العالم يبحث عن السعادة من خلال الطعام، لا سيما مع وجود حرب مُهددِّة للمستقبل، لذا عادت الوصفات الأصيلة في كل ثقافة إلى الظهور، ربما للبحث عن الطمـأنينة والدفء.
تشير الطاهية المصرية إلى عودة فطائر التفاح اليدوية، والخبز المنزلي، وأنواع «البيتزا» الإيطالية على طريقتها البسيطة التي لا تعرف سوى طبقة العجين وطبقات الصلصة الطازجة، مع رشة الجبن، وربما أوراق الريحان. وتقول: «(على الأصل دوّر)، أعتقد أنه شعار العام، فعلى الرغم من أن أغلب مَن يتابعني هم من جيل الألفية و(جيل زي)، فإني أقدم الوصفات المصرية الأصيلة، مثل (سر الملوخية)، و(البط المحشي) والحمام، بوصفة الجدة، وحتى (الفطير المشلتت)». وترى أن هذا الحنين انعكس بشكل ملحوظ على اتجاه المطاعم، وباتت ثقافة الأكل المصري والعربي الأصيل بارزة. ربما الانفتاح يثير القلق في نفوس لا تهدأ إلا برائحة طعام «بيوت زمان».
مطعم داخل محل لبيع علامات الموضة الراقية، وآخر يتيح تجربة رقمية مثيرة؛ إنها المطاعم المتوقع رواجها في العام الجديد. تقول الشيف سارة: «الإثارة هي التجربة المتوقعة من المطاعم العصرية، ولا أقصد بالعصرية أن نُقتلع من الجذور، إنما الانغماس بما يتناسب مع روح العصر».
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الباحثون في ابتكار أطعمة في المختبر، فإن الخبراء لا يتوقعون رواجه في العام الجديد. وتنتهي الشيف المصرية سارة نور الدين إلى القول: «المجتمع المصري والعربي لا يزال بعيداً عن تقبل هذا الاتجاه؛ فهو بطبيعته يميل إلى كل ما هو طبيعي. لا أعرف ما إذا كان سيأتي اليوم الذي أصور فيه مقطع فيديو لوصفة لحم مجهز مختبرياً!».


مقالات ذات صلة

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

مذاقات طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

لم يكن الأمر مستغرباً عندما وقع خيار «جائزة أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وأفريقيا» على سلام دقاق ليتم تتويجها كأفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024

جوسلين إيليا (دبي)
مذاقات زيارة واحدة من أحد المشاهير تجعل المطعم شهيراً جداً (نيويورك تايمز)

لماذا يذهب جميع المشاهير إلى نفس المطاعم؟

يبدو أحياناً أنه يوجد نوعان فقط من المطاعم في مدينة نيويورك: تلك التي يتناول فيها المشاهير الطعام، وكل مكان آخر.

بيكي هيوز وبريا كريشنا (نيويورك)
مذاقات الست بلقيس (الشرق الاوسط)

«الست بلقيس» لـ«الشرق الأوسط»: أنصح بالابتعاد عن الطعام المالح

تنشغل ربّات المنازل خلال شهر رمضان بالتحضير للمأكولات التي تزيّن مائدة الشهر الفضيل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تشارلز مغرم بالباذنجان بكل وصفاته

تشارلز مغرم بالباذنجان بكل وصفاته

زار الملك تشارلز، الأربعاء، الطاهي السوري عماد الأرنب في مطعمه «عماد سيريان كيتشان (Imad’s Syrian Kitchen)» الواقع في منطقة سوهو بوسط لندن قبل أيام من قدوم شهر

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات «شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)

الشيف فيليب خوري يبتكر «شوكولاته بيروت»

يقول إنه إذا رُزق يوماً بولد فسيطلق عليه اسم «سيدر (أَرز)» من شدة تعلّقه بوطنه الأم، لبنان. فالشيف الأسترالي، اللبناني الأصل، فيليب خوري متخصص بصناعة الحلوى.

فيفيان حداد (بيروت)

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
TT
20

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)

لم يكن الأمر مستغرباً عندما وقع خيار «جائزة أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وأفريقيا» على سلام دقاق ليتم تتويجها كأفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2024. ولم يفاجأ من زار مطعمها «بيت مريم» في دبي بضمه إلى دليل ميشلان لعدة سنوات على التوالي، وليحتل هذا العام المرتبة الـ15 في لائحة أفضل 50 مطعماً في العالم العربي.

«سفرة مريم» دبي (الشرق الأوسط)
«سفرة مريم» دبي (الشرق الأوسط)

قصة نجاح الشيف سلام دقاق التي تحمل عشق بلدها فلسطين في أطباقها غذتها قصة حبها الذي لا يعرف حدوداً لوالدتها مريم التي أرادت سلام تخليد ذكراها عن طريق افتتاح مطعم يشبه بيت أمها من حيث الديكور والرائحة. «بيت مريم» ليس مطعماً بقدر ما هو منزل عائلي يشبه بيت كل شخص عربي، فيه الدفء، وفيه السخاء على الطاولة والأهم ما فيه الابتسامة العريضة والاستقبال الجميل. هذا هو باختصار «بيت مريم»، المطعم الأول الذي افتتحته سلام دقاق، لتكمل بعده قصة «مريم» من خلال افتتاح «سفرة مريم» في منطقة الوصل بدبي أيضاً.

صفة المطعمين المشتركتين، هي وجود الشيف سلام فيهما، فهي تعمل في المطعمين من دون كلل ولا تعب رغم عملها الدائم والدؤوب منذ الصباح الباكر في مطبخها الرئيسي وما تنشره الطاهية النشيطة على صفحتها على «إنستغرام» وهي تقوم بتحضير الأكل يومياً مستهلة كلامها دائماً بشكر الله على كل شيء وإلقائها التحية على متابعيها الذين لا تبخل عليهم بوصفاتها التي ورثتها عن والدتها الراحلة.

ديكورات جميلة في «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)
ديكورات جميلة في «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)

«سفرة مريم» هو أشبه بتكملة لـ«بيت مريم» الأصغر حجماً، فهو يتمحور حول طاولة السفرة الطويلة والتي تتسع لأشخاص عدة، وهنا تقول سلام دقاق لـ«الشرق الأوسط»: «أردت بأن يكون (سفرة مريم) مرآة للبيت الشرقي الذي يعتز بطاولة الطعام الكبيرة فيه، التي تجمع أفراد العائلة حولها». وهذه الطاولة الطويلة تزينها شجرة زيتون، يوجد مطبخ مفتوح، وركن مخصص للعصائر الطازجة وفرن حطب وديكور منزلي جميل يبدأ بمدخله الذي يجعلك تشعر وكأنك تدخل بيتاً في أحد بلدان بلاد الشام المعروفة بقناطرها الحجرية، وأول ما يطالعك في هذا الصرح الجميل صورة مريم الأنيقة والدة سلام دقام معلقة على الحائط وراء أريكة مريحة تذكرك بأثاث البيوت الشرقية في فترة الستينات والسبعينات الشهيرة بتصميماتها المميزة، من دون أن ننسى ماكينة الخياطة «سينجر» وستائر الدانتيل التي تسمح لأشعة الشمس بالتسلل بهدوء إلى البيوت.

الشيف سلام دقاق في مطعمها «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)
الشيف سلام دقاق في مطعمها «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)

المطبخ في «بيت مريم» و«سفرة مريم» يتميز كونه يرتكز على الوصفات التقليدية الأصيلة، ولكنه بنفس الوقت يواكب العصر ويركب موجة التجديد من دون الخلط والتشويه، لأن ابتكار بعض الأطباق التي تحمل توقيع سلام دقاق اعتمد على الذوق والقدرة على معرفة كيف يمكن خلق طبق جديد من دون تشويه التراث والعبث به.

تستخدم الشيف سلام منتجات طازجة غالبيتها من مزارع محلية، وهذا الأمر مهم جداً في أي مطبخ، لا سيما المطبخ الشامي الذي يعتمد على الخضراوات.

مدخل «سفرة مريم» في دبي (الشرق الأوسط)
مدخل «سفرة مريم» في دبي (الشرق الأوسط)

تكلمت عن مواصفات السفرة الشرقية التي تتسم بالسخاء في البداية، وهذا ما ستختبره في «سفرة مريم»، فالسفرة ستكون عامرة بالأطباق اللذيذة، بدأناها بطبق مميز جداً وهو الملوخية بالزيت، ويقدم من ضمن المقبلات فهو بسيط جداً ولكن نكهته تضاهي أي نكهة أخرى لأنه يعتمد على الزيت الفلسطيني النقي والثوم والليمون، ومن الأطباق المميزة التي جربناها، الكبة النيئة ولكن على الطريقة الفلسطينية التي تضيف بهارات خاصة إليها مثل الكمون الذي يعطي مذاقاً قوياً ولذيذاً، تتناول الكبة في خبز أشبه بالخبز المرقوق الذي يحضر في فرن المطعم وتضاف إلى اللقمة قطعة من البصل وبعض أوراق النعناع والفجل. وأردنا تذوق شيئاً آخر من ابتكارات الشيف سلام فاخترنا سلطة الكيل على طريقتها. لا بد من تذوق الخبز الذي يصنع في المطعم فهو لذيذ جداً وتطلق عليه اسم «خبز البيت»، أما الطبق الفائز من حيث النكهة وطريقة التقديم بالنسبة لي فكان الشيش برك مع اللبن بالثوم والصنوبر، فهو بالفعل مميز. كما تقدم الشيف سلام كريات من الكبة تضاف إليها صلصة خاصة تشبه الـ«غرايفي» وفيها خواص اللحم والخضراوات. وإذا كنتم من محبي اللبن أيضاً فأنصحكم بفتة اليولنجي (الدولما) أو ورق الدوالي (العنب) فهي مميزة من حيث الطعم والنكهة والشكل. أما بالنسبة للطبق الرئيسي فنصحتنا الشيف سلام بالمنسف الشهير في الأردن.

لبنة بروليه (الشرق الأوسط)
لبنة بروليه (الشرق الأوسط)

سمعنا الكثير عن طبق الحلوى الذي يقدم فقط في «سفرة مريم» وهو «لبنة بروليه»، الذي يعتمد على اللبنة بدلاً من الكريمة ويتم تحميص وجهها تماماً مثلما يكون وجه الكريمة المقرمش، وتضاف إليه قطع من البسكويت المقرمش بطعم الزعتر، الطبق فعلاً مميز والخلطة أكثر من رائعة، ومن الحلويات الشهيرة الأخرى، حلاوة الجبن وقطع «الغريبة» التي تعتبر رفيقة فنجان القهوة التركية على أصولها.

الملوخية بالزيت (الشرق الأوسط)
الملوخية بالزيت (الشرق الأوسط)

قصة نجاح «بيت مريم» و«سفرة مريم» تعتمد على شخصية الشيف سلام دقام وقربها من الناس، فهي تتميز بشخصية جميلة وابتسامة مرحبة بكل من يأتي إليها، وميزة المطعمين أنهما (وكما أرادت دقاق) أشبه بمنزل، لمسات الشيف سلام ونشاطها واضح في جميع زوايا وثنايا المكان، بما في ذلك الرسم على بعض الجدران، فالشيف فنانة بالطبخ والرسم أيضاً، وهذا ما يفسر شغفها بالطهي لأنه فن.