انطلقت سيارة دفع رباعي على طريق ملتوٍ عبر الريف الإنجليزي فجراً، وعلى متنها 5 ملثمين يتشحون بالسواد من الرأس حتى أخمص القدم، بينما تطل من الجانبين تلال ريف وركشير.
وبعد فترة، لمحوا هدفهم المرتقب من مسافة: صيادون يمتطون جياداً على أرض ضيعة يعود تاريخها إلى القرن الـ18.
ومن بعيد، انطلقت أصوات نباح كلاب، وأخذت تقترب شيئاً فشيئاً.
وفجأة، ظهرت مجموعة تضم نحو 20 كلب صيد عند نهاية طريق ضيق، جاء في أعقابها عشرات الخيول، يرتدي مَن يمتطون صهوتهم سترات زرقاء وسراويل ركوب الخيل.
وترددت أصداء صيحات: «انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا!» من داخل السيارة، في الوقت الذي جرى فتح أبوابها ليقفز منها الملثمون.
وهنا، بدأت المطاردة.
داخل هذه الحقول الموحلة في قلب الأراضي الريفية بإنجلترا، ثمة حرب باردة تستعر. ويدور الصراع ببساطة بين أنصار رياضة اصطياد الثعالب وأولئك الذين يعارضون. إلا أنه على مستوى أعمق، يكشف هذا الصراع عن انقسامات طبقية، وصدام بين تقاليد مختلفة وحجج تعبر عن المدينة في مواجهة أخرى تعبر عن الريف التي لا تزال تمزق المجتمع البريطاني.
ومع أن اصطياد الثعالب ـ أو أي ثدييات برية أخرى ـ باستخدام الكلاب جرى حظره داخل بريطانيا عام 2004، فإن «اصطياد الأثر»، حيث من المفترض أن تطارد كلاب الصيد رائحة مصطنعة، مسموح به.
بيد أن النشطاء المناهضين للصيد يرون أن هذا الاستثناء ليس إلا سحابة دخان، وأن كلاب الصيد غالباً ما ينتهي بها الحال إلى اصطياد ثعلب حقيقي. جدير بالذكر هنا أنه من الممكن تحويل الأمر إلى القضاء إذا كان هناك دليل على أن الصيادين كان ينبغي لهم إدراك أن الكلاب تتعقب حيواناً حياً، ولم يفعلوا شيئاً لمنعها. وقد نظر القضاء في المئات من مثل هذه القضايا على امتداد العقد الماضي.
من ناحيتهم، يؤكد الصيادون أنهم يصطادون الأثر فحسب على أراضٍ خاصة، بتصريح من المزارعين، وأنهم لا يقتلون حيوانات حية، بل ويتهمون النشطاء بالتعدي على ممتلكات الغير.
يعد النشطاء الذين كانوا يركبون سيارة دفع رباعي فجر ذلك اليوم جزءاً من مجموعة صغيرة، تعرف باسم «مخربي الصيد» الذين يغامرون بالدخول إلى وركشير، مقاطعة بغرب إنجلترا، وهم عاقدون العزم على إعاقة ممارسة اصطياد الثعالب، وهي رياضة استمرت قروناً يجري في إطارها تعقب حيوانات ومطاردتها، ثم قتلها من جانب كلاب صيد مدربة.
وخلال 3 مرات أسبوعياً على الأقل، سواء في الصيف أو الشتاء، يمشط النشطاء غابات وحقولاً على متن سيارات دفع رباعي أو سيراً على الأقدام، من أجل تصوير أدلة على ما يقولون إنها أدلة على نشاطات غير قانونية، وفعل ما بوسعهم لوقف عمليات الصيد الفعلية.
وسعياً لاستخدام أدوات الصيادين ضدهم، ينفخ النشطاء في أبواق الصيد الخاصة بهم ويضربون السياط في محاولة لتشتيت انتباه كلاب الصيد. كما أنهم يستخدمون عبوات رش زيت السترونيلا للتمويه على رائحة الثعالب، ويطلقون أصوات كلاب صيد تعوي وتبكي عبر مكبرات صوت صغيرة من أجل زرع حالة من القلق داخل قطيع كلاب الصيد. ويحمل كل ناشط معه جهاز اتصال لاسلكي.
في هذه المناسبة على وجه التحديد، كان النشطاء يستهدفون «وركشير هنت»، التي تأسست عام 1791، وتعد واحدة من أعرق جماعات الصيد على مستوى إنجلترا.
وبينما كانت تقتفي أثر كلاب الصيد، قالت كاثي سكوت، التي تعمل مع المجموعة منذ 20 عاماً: «هذه حرب، ويجب الفوز فيها».
قضى النشطاء سنوات في تتبع الصيادين ومضايقتهم. ومن أجل إرباك جهود اقتفاء أثر ثعلب ما، أصبحوا مخضرمين في استخدام أبواق الصيد وتعلموا عشرات الصيحات المميزة، منها صيحة «تاليهو» لدى رؤيتهم أي ثعلب.
وقالت سكوت، 46 عاماً: «كي تحارب عدوك، يجب أن تفكر مثله».
واشتهر المخربون بإقدامهم على مخاطرة الإصابة بجروح خطيرة من خلال المغامرة باقتحام مسار الخيول المنطلقة كي يحولوا بينها وبين الثعلب. وقالت سكوت إنها تعرضت للهجوم في مرات عدة من جانب أنصار الصيد، وكانت إحدى الهجمات خطيرة لدرجة استدعت دخولها مستشفى.
وأضافت أنه من الشائع التعرض لتهديدات بالقتل. وذكر نشطاء في مجموعات تخريبية أخرى، تنتشر بمختلف أرجاء إنجلترا، أن سياراتهم تعرضت لصدامات وإزاحة لخارج الطريق. وجرى إلقاء ثعالب نافقة خارج منازل بعضهم. كما جرى سكب بنزين على منازلهم.
ومع ذلك، يؤكد مخربو الصيد أن الأمر يستحق العناء، من أجل إنقاذ ثعلب من الميتة الشنيعة التي يتعرض لها إذا ما لحقت به كلاب الصيد.
وعن ذلك، قالت سكوت: «هذه ليست ميتة سريعة، وإنما أمر وحشي. إنها تتعرض للتمزيق إرباً».
أما الصيادون، فينظرون إلى المخربين باعتبارهم «إرهابيين ريفيين»، يهددون تقليداً عتيقاً من أجل الثأر منهم بناءً على دوافع طبقية.
وفي ذلك الصدد، قال سام بتلر، 65 عاماً، رئيس مجموعة صيد وركشير: «إننا ببساطة لا نروق لهم».
وأضاف: «إنهم لا يحبون ما نمثله. إنه وقت الثأر من وجهة نظرهم عن أشياء كثيرة، منها أننا أصحاب توجهات محافظة، وأننا نبلاء نمتطي صهوة الجياد وما إلى غير ذلك».
ولمّح إلى أن المخربين لا يتحركون حقاً بدافع القلق على حياة الثعالب. وقال: «لطالما تعلق الأمر في حقيقته بتحيزات سياسية».
على الجهة المقابلة، يقول مخربو الصيد ـ الذين يقرون هذا اللقب ـ إنهم محبون للحياة البرية، ويتحركون بدافع الحفاظ عليها بسبب اللامبالاة التي تبديها الحكومة.
يذكر أن سكوت تعمل في خدمة العملاء، بينما يعمل عضو آخر ديف غراهام، 37 عاماً، في بيع التجزئة عبر الإنترنت. أما سائق المجموعة، مارتينا إروين، 56 عاماً، فتدير مخبزاً صغيراً.
في هذا السياق، قالت إروين: «نحن أناس عاديون من خلفيات عادية. ولأن الدولة لن تردعهم، نحن مضطرون لذلك».
ويرى كل من النشطاء والصيادين أن الأمر برمته حرب دعائية، ومعركة للفوز بالعقول والقلوب. وتنتشر كاميرات الفيديو في كل مكان، بعضها يحملها النشطاء وأخرى يحملها الصيادون. ويجري تحميل مقاطع فيديو للمواجهات بين الفريقين على حسابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تضم عشرات آلاف المتابعين.
ويتهم الصيادون النشطاء بأنهم يجهلون أهمية الصيد للمجتمعات الريفية. في المقابل، يرى النشطاء أن صيد الثعالب يوجز «عقلية المافيا» التي تسيطر على الطبقات العليا بإنجلترا.
وقالت إروين: «إنهم يملكون الثروة وكل ما يحتاجون إليه. ويكيلون الشتائم لنا ويعايروننا بفقرنا».
من جهته، تعهد حزب العمال المعارض بوضع نهاية للاستثناء القائم لاصطياد الأثر حال فوزه في الانتخابات العامة المقبلة.
يذكر أن مجموعة صيد أخرى في المنطقة «أثرستون هنت» أغلقت أبوابها بالفعل، لأسباب منها جهود النشطاء.
وعن هذا الأمر، علقت سكوت بقولها: «هذا يوضح ما يمكن لمجموعة صغيرة من أبناء الطبقة العاملة تحقيقه. إنها حرفياً رياضة آخذة في الاحتضار. وسيأتي يوم تختفي فيه».
- خدمة «نيويورك تايمز»
احتدام حرب باردة حول اصطياد الثعالب بالريف الإنجليزي
تقليد قديم يقف بمواجهة نشطاء في صدام طبقات بريطاني بامتياز
احتدام حرب باردة حول اصطياد الثعالب بالريف الإنجليزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة