أفلام الهجرة العربية إلى أوروبا... تاريخ لا يتوقف

«لأجل بلدي» يطرق الموضوع من زاوية جديدة

اثنان في محنة واحدة: «لندن ريفرز» (ثري بي برودكشن)
اثنان في محنة واحدة: «لندن ريفرز» (ثري بي برودكشن)
TT

أفلام الهجرة العربية إلى أوروبا... تاريخ لا يتوقف

اثنان في محنة واحدة: «لندن ريفرز» (ثري بي برودكشن)
اثنان في محنة واحدة: «لندن ريفرز» (ثري بي برودكشن)

في الفيلم الجديد لرشيد حامي «لأجل بلدي» (For My Country) عرض جيد لموضوع يمكن اعتباره واحداً من مواضيع عديدة تمسّ الجاليات العربية التي هاجرت إلى فرنسا. على الأقل، يأتي الفيلم بحكاية مختلفة عما سبق لرشدي زم ورشيد بو شارب والناصر قطاري وكوثر بن هنية، وسواهم طرحه من مواضيع تخص الهجرة من البلدان الواقعة في شمال أفريقيا إلى تلك الأوروبية، وخصوصاً فرنسا.
وُلد رشيد حامي في الجزائر سنة 1985 وقبل سبع سنوات قام بعرض فيلمه الأول. «أوركسترا كلاس» في مهرجان فينيسيا وعاد المخرج إلى المهرجان ذاته بفيلم آخر عنوانه «حكايات من تايبي» قبل أن ينتهي من تحقيق فيلمه الطويل الثالث الذي عرضه كذلك في ذلك المهرجان الإيطالي الكبير.

نار صديقة
يوفّر «لأجل بلدي» لمشاهديه حكاية مجند جزائري، اسمه عيسى (شاهين بومدين) قُتل بالخطأ على أيدي رفاق السلاح الفرنسيين. والدته ناديا (لبنى أزابال) وشقيقه الأكبر إسماعيل (كريم لقلو) يحاولان حث الأكاديمية الفرنسية على دفن الراحل في مقبرة مخصصة لتكريم الذين سقطوا خلال الواجب. لكن القيادة الفرنسية تُمانع في ذلك لأن القتيل لم يسقط في معركة. هناك أخذ ورد (من دون تكرار) حول هذه النقطة ثم نجاح الأم وابنها إسماعيل في دفع المسؤولين لقبول صلاة الجنازة الإسلامية الشرعية ودفنه حيث رغبت العائلة دفنه.
هذا الخط الممتد في وسط ما نراه من أحداث، لكنه ليس الخط الوحيد. «لأجل بلدي» يتناول كنه العلاقة الأخوية والعائلية التي ربطت بين الأم وولديها وبين الثلاثة والأب الذي كان رفض، خلال العقد الأسود في تاريخ الجزائر القريب (التسعينات حين انتشرت أحزاب التطرّف)، الانتقال إلى فرنسا مع زوجته وولديه، مما نشأ عنه قطيعة كاملة.
يستخدم الفيلم «الفلاش باك» لسرد هذا الوضع، وكذلك لتخصيص علاقة الشقيقين ببعضهما بعضاً، وذلك من خلال زيارة إسماعيل لشقيقه المنتدب إلى تايوان وتعرّفه على عادات وتقاليد اجتماعية مختلفة. قليل من اضطراب العلاقة لكن الكثير من دفئها العائلي، مما يبرر غضب إسماعيل من الإجراءات الفرنسية التي كادت أن تنتهي بدفن شقيقه على نحو غير لائق به.
هذا موضوع شائك لا يعالجه المخرج سياسياً (وحسناً فعل) لأنه لا ينوي تنميط الشخصيات ودخول متاهات تفضي إلى فيلم آخر غير الذي في باله. سرد كلاسيكي النزعة، لكنه متين الحضور، وتمثيل جيد من الجميع بلا تفاوت. بعض الفتور في مشاهد دون أخرى، لكن الفيلم يمضي في وجهته بلا مشاكل تُذكر.

لقطة من «لأجل بلدي» (ميزار فيلم)

الخوف
يبقى بالطبع أنه، في صميمه، عن مهاجرين من إحدى دول المغرب العربي، وبذلك ينضم إلى عدد متزايد من الأفلام التي تطرح مشاكل الهجرة من زوايا مختلفة. أحد الجنود المجهولين في هذا الوضع هو المخرج عبد الكريم بهلول، الذي تعرّض لعرب فرنسا منذ سنة 1984 عندما قدّم «شاي بالنعناع»، حيث لا تؤتي الهجرة ثمارها. بعد أن كتب لرشيد بوشارب سيناريو فيلم «شاب» (1991) عرج بهلول إلى موضوع الهجرة من جديد في «مصاص دماء في الجنة» (1992) إنما بحبكة مختلفة: فتاة فرنسية من عائلة برجوازية تبدأ فجأة التكلم بالعربية من دون دراستها لها. هذا التحوّل ربطه المخرج بشاب عربي (فريد شوبل) ربما يكون مصاص دماء، لكنه واحد من الذين لا ينوون الشر لأحد.
في آخر أفلامه، «رحلة إلى الجزائر» (2009) قام برحلة عكسية لامرأة وأولادها الراغبين في العودة إلى الجزائر.
قبل ذلك، في سنة 1976. قام التونسي النصر قطاري بتقديم فيلم «السفراء»، وهو ما زال أفضل فيلم حققه لليوم: دراما حول مهاجرين من مختلف دول المغرب العربي وكيف أن مجاورتهم لعائلات وأسر فرنسية لديها عاداتها وثقافاتها ليس بالأمر السهل مطلقاً.
قبله بعامين عرض الألماني رينر فرنر فاسبندر فيلم «الخوف يأكل الروح» عن المواجهة الصعبة ذاتها بين مهاجر من المغرب (الهادي بن سالم) والبيئة الألمانية. هو رجل أعجبت به امرأة تعدت مرحلة الشباب (بريجيت ميرا) وواجهت وإياه مصاعب العيش معاً في جو عنصري متوقع. علي يشاركها الخوف من مستقبل بل لديه مخاوف أخرى. هي تستطيع البقاء في وطنها، لكنه إن بقي معها أو من دونها سيبقى غريباً.
منذ ذلك الحين توالت تلك الأفلام التي تتحدّث عن ألم الهجرة أو عن وقائع حقيقية ألمّت بمهاجرين عرب في محيط أوروبي معقّد.
قام رشيد بو شارب سنة 2006 بتحقيق فيلمه الجيد «أيام المجد»، عن العرب الذين شاركوا الفرنسيين تحرير فرنسا من النازية وتم تهميش مشاركتهم فيما بعد. ثم عرض، سنة 2009. في «نهر لندن» لسنغالي وصل إلى لندن بعدما بلغه موت ابنه في تفجير إرهابي. يلتقي هناك بأم بريطانية خسرت بدورها ابنها في الحادثة ذاتها. لم يكن عن مشكلة الهجرة لكن عن البيئة التي قد تفرز الحب والتفاهم أو الكراهية والبغضاء.

من خشب هش
العراقي قتيبة الجنابي خصّ نفسه بأفلام ثلاثة تتحدّث عن وضع لاجئ هارب من نظام عربي يلاحقه رجال ذلك النظام وظلال تلك الفترة السابقة. أفضل تلك الأفلام «قصص العابرين» (2017) كونه أنجز رؤية وأسلوب سرد خاصّين به. عرض لذاكرة المخرج المرهقة لحياته في العراق ثم بذلك الخوف الكبير الذي لاحقه عندما فرَّ صوب أوروبا (حط في أكثر من بلد) بحثاً عن أمان صعب. وهو استكمل الثلاثية قبل عامين بفيلم «رجل من خشب» طارحاً أن بطله ذاك تحوّل إلى شكل آدمي مؤلف من خشب هش بعدما استمر سعيه للبحث عن موطن آمن في بلاد لا ترغب فيه أو هرباً من فلول الأمس. تلك الفلول لها وجود في فيلم سمير جمال الدين «بغداد في مخيّلتي». مثل الجنابي، قام جمال الدين بتقديم أكثر من فيلم سابق (بينها «أوديسا عراقية») حول الشتات العراقي في بلدان الغرب. لكن في «بغداد في مخيّلتي» (2019) سرد أوضاع عراقيين (وبعض العرب الآخرين) في مدينة لندن. مهاجرون أغلبهم طيّبون مع مشاكل يتعرّضون لها من فلول الماضي.
ما سبق وسواه يدلف بنا إلى فيلم كوثر بن هنية «الرجل الذي باع ظهره» (2020) الذي انتهج حكاية جديدة: سوري حط في بيروت ومنها إلى بروكسل بعدما رضي بأن يبيع ظهره لفنان بلجيكي. ليس أن الحكاية برمّتها خلت من مواقف غير قابلة للتصديق، لكن الفيلم سجّل، فيما سجّل، وجهاً آخر من وجوه هجرة صعبة تشبه اقتلاع شجرة تنمو في الصحراء لزرعها في أرض شمالية باردة.


مقالات ذات صلة

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

يوميات الشرق الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل التونسي هادي بن جابورية يلفت الأنظار في فيلم «الجولة 13» الذي يجسد صراع أسرة مع سرطان طفلها في عمل واقعي لاقى إشادة نقدية.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)

علي رضا خاتمي لـ«الشرق الأوسط»: تربيت على أدب نجيب محفوظ

قال المخرج الإيراني - الأميركي علي رضا خاتمي إن فيلمه الجديد «الأشياء التي تقتلها» يمثل تجربة شخصية جداً، انطلقت من ذاكرته الخاصة ومن علاقته المعقدة مع والده.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يناقش الفيلم قضايا اجتماعية حول علاقة الفرد بالأسرة (الشركة المنتجة)

غابريال أوربونايت: فيلمي «ترميم» يعالج هشاشة الروابط العائلية

قالت المخرجة الليتوانية، غابريال أوربونايت، إن فيلمها «ترميم» وُلد من رغبتها في الغوص في العلاقات الإنسانية التي تكون على الحافة بين الفقد والتجدد.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق جعفر جاكسون بدور عمّه في فيلم «مايكل» الذي يُعرض في أبريل المقبل (الشركة المنتجة Lionsgate)

جعفر جاكسون يعيد عمّه مايكل إلى الحياة في فيلم مثير للجدل

الفيديو الترويجي لفيلم «مايكل» حطّم أرقام المشاهدات خلال 24 ساعة، في دليل على أن شخصية مايكل جاكسون وحياته ما زالت تثير الفضول والاهتمام.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق استغرق العمل على الفيلم سنوات عدّة (الشركة المنتجة)

نيكولا خوري: اضطررت لحذف مشاهد كثيرة من «ثريا حبي»

في «ثريا حبي» يصنع خوري فيلماً حميمياً يستعيد فيه امرأة تواجه رحيل زوجها عبر الضوء والذاكرة، بعيداً عن السياسة اللبنانية وضجيجها.

أحمد عدلي (القاهرة )

بعد «الأسد الملك» و«سندريلا»... ديزني تُعيد «موانا» بنسخة حيّة

صورة من الإعلان الجديد للنسخة الحية من فيلم «موانا» (ديزني)
صورة من الإعلان الجديد للنسخة الحية من فيلم «موانا» (ديزني)
TT

بعد «الأسد الملك» و«سندريلا»... ديزني تُعيد «موانا» بنسخة حيّة

صورة من الإعلان الجديد للنسخة الحية من فيلم «موانا» (ديزني)
صورة من الإعلان الجديد للنسخة الحية من فيلم «موانا» (ديزني)

بعد تسع سنوات فقط على إصدار فيلم الأنيميشن «موانا»، تعود ديزني لتفتح صفحة جديدة من مشروعها الأكثر إثارة للجدل وهو تحويل أفلامها الكرتونية إلى نسخ حيّة، حيث صدر أمس (الاثنين) الإعلان التشويقي الأول لفيلم «موانا»، الذي يمكن اعتباره علامة على تكريس الشركة لخططها الأخيرة، بالاستناد على موجة النوستولجيا والرغبة في توسيع جمهورها العالمي، عبر تحويل الشخصيات الكرتونية الناجحة إلى أفلام حيّة، ومن المنتظر عرض الفيلم في صيف 2026.

وتظهر كاثرين لاغا‌ آيا، صاحبة السابعة عشرة عاماً، في أولى لقطات الإعلان وهي تجسد شخصية «موانا» على اليابسة، قبل أن تتجه إلى البحر الذي شكّل العمود الفقري للفيلم الأصلي، مع عودة دوين جونسون في شخصية «ماوي» التي لا تعد مجرد استعادة لصوت مألوف، بل استثمار في إحدى أكثر الشخصيات جماهيرية في تاريخ ديزني الحديث، إذ شكّل «ماوي» في النسخة الكرتونية عام 2016 مفتاحاً لشعبية الفيلم، ووجود جونسون في الفيلم يعكس محاولة ديزني تأكيد استمرارية العلامة كما عرفها الجمهور.

استراتيجية ديزني الجديدة

ومنذ عام 2010، شرعت ديزني في سياسة توسعية لتحويل مكتبة الأنيميشن لديها إلى أفلام حيّة، بدءاً من «سندريلا» و«ماليفسنت» (المعتمد على شخصية الملكة الشريرة من فيلم «سنووايت») ووصولاً إلى «علاء الدين» و«الأسد الملك»، وحتى اليوم، أنتجت الشركة أو أعلنت عما يقارب ستة وعشرين عنواناً من هذه النسخ، وهذا الرقم ينتمي إلى استراتيجية واضحة في أن ديزني لم تعد تنظر لأفلامها الكلاسيكية بوصفها أعمالاً مكتفية بذاتها، بل بوصفها ملكية فكرية قابلة لإعادة الاستثمار لسنوات طويلة، خصوصاً في بيئة صناعية تتحوّل فيها كل علامة ناجحة إلى سلسلة، أو عالم سينمائي، أو امتداد بصري جديد.

وتشير تقارير متخصصة إلى أن نجاح «موانا» الأصلي في شباك التذاكر الذي حقق أكثر من 600 مليون دولار عالمياً، وضعه في قائمة أفلام الأنيميشن الأكثر تأثيراً لدى ديزني خلال العقد الأخير، كما أن الأغنية الشهيرة How Far I’ll Go تحولت إلى ظاهرة رقمية وأيقونة موسيقية متجددة، ما جعل الفيلم يحتفظ بشعبيته بين الأجيال الجديدة على منصات البث، وضمن قوائم «الأكثر مشاهدة» في عدة بلدان، خصوصاً بعد الإغلاق العالمي خلال جائحة كورونا حين عاد الجمهور لاستهلاك المحتوى العائلي على نطاق واسع.

ينطلق الفيلم الحي «موانا» في دور العرض من حول العالم في يوليو القادم (ديزني)

موجة النسخ الحيّة

من ناحية ثانية، يعكس هذا النجاح طموح النسخة الحيّة الجديدة، لكنه يكشف أيضاً التحديات التي تواجهها، فبينما حققت بعض النسخ الحيّة نجاحات ضخمة مثل «جميلة والوحش»، واجهت أخرى انتقادات عنيفة بسبب افتقارها للروح الأصلية أو اعتمادها المفرط على المؤثرات البصرية، مما يجعل «موانا» أشبه باختبار مهم لتوازن ديزني بين التقنية والحساسية الفنية، وبين إعادة تقديم قصة محبوبة كما هي، وإظهار الابتكار السينمائي الذي يبرر وجود نسخة جديدة أصلاً.

واللافت أيضاً أن الفارق الزمني قصير هذه المرة (أقل من عشر سنوات)، فهذه المرة الأولى التي تُعيد فيها ديزني إنتاج فيلم أنيميشن حديث نسبياً، وكأن الشركة تقول إنها لا تنتظر أن يتحوّل العمل إلى «كلاسيكية» لكي تُعيد تقديمه، بل يكفي أن يكون قد حقق حضوراً عالمياً لافتاً.

فيلم «موانا» أصدرته ديزني عام 2016 وحقق نجاحات كبيرة (ديزني)

اختبار جماهيري

وتأتي النسخة الحية من «موانا» في وقت تحاول فيه الشركة استعادة جزء من نفوذها في شباك التذاكر بعد أداء متذبذب لبعض أفلامها الأخيرة، ومع عودة رواد الصناعة إلى التركيز على الأعمال العائلية الضخمة، تصبح «موانا» رهاناً استراتيجياً يعود إلى معادلة مجرّبة، في قصة محبوبة وموسيقى شهيرة وبطلة شابة قادرة على إعادة تعريف نموذج «الأميرة» في سياق عصري.

ومع ترقب موعد عرضه في 10 يوليو مع العام المقبل، يبدو أن المشروع سيمثل اختباراً جديداً لعلاقة الجمهور مع إرث ديزني، ولمدى استعداد الشركة للانتقال من عالم الأنيميشن إلى عالم أكثر تعددية في الوسائط والتقنيات، وإذا كان الفيلم الأصلي قد أسّس لمكانة خاصة، فإن النسخة الجديدة ستكشف ما إذا كانت هذه المكانة قابلة لإعادة البناء، أم أن الأنيميشن - كما يدور الجدل دائماً - لا يمكن نسخه ببساطة في عالم واقعي دون فقدان شيء أساسي من روحه.


البابا: السينما تجد «الرجاء وسط مآسي العنف والحروب»

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
TT

البابا: السينما تجد «الرجاء وسط مآسي العنف والحروب»

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

شدّد البابا ليو الرابع عشر، خلال لقاء السبت في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما، على أن الفن السابع وسيلة «رجاء» وسط «العنف والحروب».

واستقبل البابا أكثر من مائة من وجوه عالم السينما، من ممثلين ومخرجين ومنتجين، بقاعة كليمنتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان، من بينهم كايت بلانشيت وأليسون بري وجود أباتاو وفيغو مورتنسن.

وقالت بلانشيت للصحافيين إثر اللقاء: «كانت كلماته رائعة، وأتمنى أن يسترشد بها وزراء الثقافة حول العالم. لقد تحدث عن الرأفة والتعلّم من مشكلات العالم».

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

وكان الممثلون الإيطاليون، داريو أرجينتو وماتيو غاروني ومونيكا بيلوتشي، حاضرين أيضاً في اللقاء مع البابا الذي صافح جميع المدعوين فرداً فرداً، ومن بينهم الممثل والمخرج الأميركي سبايك لي الذي أهدى البابا، وهو مُواطِنه، قميص فريق نيويورك نيكس لكرة السلة، نظراً إلى أن السينمائي الشهير من أبرز مشجعي النادي.

وقال لي عقب اللقاء: «إنه البابا (ليو) الرابع عشر، لذا فإن القميص يحمل الرقم 14. وكُتبت عليها البابا ليو من جهة الظهر»، موضحاً أن فريق نيويورك نيكس يضم ثلاثة لاعبين من جامعة فيلانوفا في بنسلفانيا التي سبق أن درس فيها البابا روبرت بريفوست.

وقال البابا البالغ 70 عاماً لضيوفه: «عندما يُضاء الفانوس السحري للسينما في العتمة، تشتعل بالتوازي نظرة الروح».

وقال إن «أحد أثمن إسهامات السينما يكمن تحديداً في مساعدة المشاهِد على العودة إلى ذاته، والنظر بعينين جديدتين إلى تعقيدات خبرته الخاصة، ورؤية العالم كما لو كانت المرة الأولى، واكتشاف جزء من ذلك الرجاء، الذي من دونه لا تكتمل حياتنا».

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

وأعلن الفاتيكان أن لقاء البابا مع وجوه من عالم السينما يهدف إلى استكشاف «الإمكانات التي يوفرها الإبداع الفني لرسالة الكنيسة وتعزيز القيم الإنسانية».

وأمام الجمهور، أعلن البابا عن أفلامه الأربعة المفضلة، ومعظمها يتمحور حول الأمل.

وهذه الأعمال هي: «إتس إيه واندرفول لايف» (It's a Wonderful Life) عن ملاك يُرسَل من السماء لمساعدة رب أسرة يائس، والفيلم الغنائي الشهير «ذي ساوند أوف ميوزيك» (The Sound of Music)، والدراما العائلية «أورديناري بيبل» (Ordinary People) لروبرت ريدفورد، وفيلم «لايف إز بيوتيفيل» (Life Is Beautiful) عام 1997 لروبرتو بينيني، عن قصة أب يحاول حماية ابنه من أهوال معسكر اعتقال في الحرب العالمية الثانية.

ووصف البابا، في كلمته، السبت، العاملين في مجال السينما بأنهم «حجاج للخيال، وساردون للرجاء، ورسل للإنسانية».

ولاحظ أن نظرة السينمائيين «قادرة على أن تتعرّف على الجمال حتى في طيّات الألم، والرجاء وسط مآسي العنف والحروب».

وخاطب اختصاصي الفن السابع الحاضرين قائلاً: «لا تخافوا من مواجهة جراح العالم؛ فالعنف، والفقر، والنفي، والوحدة، والإدمان، والحروب المنسية، هي جروح تطالب بأن تُرى وتُروى».

وشدّد على أن «السينما العظيمة لا تستغل الألم، بل ترافقه وتستقصيه. وهذا ما فعله جميع المخرجين الكبار».

وكان الحبر الأعظم السابق البابا الراحل فرنسيس أقام لقاء مماثلاً، في يونيو (حزيران) 2024 بالفاتيكان، شارك فيه أكثر من مائة ممثل.


السينما الإيرانية تنتشر في مهرجانات 2025

من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
TT

السينما الإيرانية تنتشر في مهرجانات 2025

من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)

في العام الحالي، وحتى الآن، عُرض ما لا يقل عن 30 فيلماً إيرانياً في نحو 8 مهرجانات عالمية، من بينها 15 فيلماً إيراني الإنتاج فعلياً، في حين حمل الباقي اسم إيران كدولة، لكن التمويل الفعلي، وبالتالي جهات الإنتاج، حمل أسماء دول غربية. هذه أفلام تتحدث الفارسية، وشخصياتها إيرانية، وتبحث في شؤون الداخل (مسائل انتقادية) والخارج (مهاجرون في الغرب يرنون إلى التواصل مع أقارب لهم في الداخل).

لو استبعدنا، إلى حين، الأفلام التي أُنتجت في الخارج من دون مشاركة إيرانية باستثناء مخرجيها، فإن العدد المسجل للأفلام الإيرانية المحلية التي أُنتجت في السنوات الخمس الماضية يتراوح بين 180 و210 أفلام في السنة. لا يوجد بعد تعداد دقيق لما أُنتج في العام الحالي، لكن مع الوضع الاقتصادي والأمني لهذا العام، من المحتمل أن يُنتج عدد أقل من الأفلام مقارنة بالأعوام السابقة. لا تتوفر مراجع مؤكدة، ولكن الرقم قد لا يزيد عن 150 فيلماً روائياً وتسجيلياً طويلاً.

«بذرة التين المقدّسة» (فيلم بوتيك)

دلالات

لا يزال هذا رقماً جيداً بالنسبة لدول الجوار الإيراني وحتى بالنسبة للعمق الآسيوي وبعض الدول الأوروبية أيضاً. على سبيل المثال، فإن معدل الأفلام المنتجة في تركيا منذ سنوات لا يزيد عن 70 فيلماً في السنة (وفي بعض السنوات القليلة الماضية بلغ نحو نصف هذا العدد). دول البلقان وسينمات وسط آسيا غالباً ما تكتفي بعشرة أفلام أو أكثر قليلاً لكل دولة.

ازدياد عرض الأفلام الإيرانية في المهرجانات الدولية يحمل دلالات عدة، يشكل فيها الطموح الفردي والحكومي جزءاً مهماً منها. فالفيلم المَرْضي عنه يحمل دعاية مناوئة لما تحققه الأفلام المنتسبة إلى إيران والتي يحققها سينمائيون مهاجرون في الغرب، حتى وإن لم يطرح أي وجهة نقدية. لكن الدلالة الأبرز هي استعداد المهرجانات الدولية لاستقبال الأفلام الإيرانية المنتجة داخل البلاد، أي تلك المتمتعة بموافقة الرقابة الرسمية. يعود هذا بدوره إلى رغبة جماهير أوروبية وآسيوية وأميركية في التعرف على ما هو إيراني.

على سبيل المثال، عرض مهرجان طوكيو في دورته التي انتهت في الخامس من هذا الشهر فيلم «ابنة نوح»

(Noah’s Daughter) لأمير رضا جلاليان. كما عرض مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي فيلم فيروز خسروڤاني «ماضي المستقبل يستمر» (Past Future Continues). وكان مهرجان كارلوڤي ڤاري قد اختار فيلم «صرخة» (Bidad بالفارسية) في مسابقته، وهو من إخراج سهيل بيراغي.

هذه عينة محدودة من مجموعة كبيرة من الأفلام، من بينها أيضاً «بين الأحلام والأمل» (Between Dreams and Hope) لفرنوش صمدي (تورنتو)، و«مواطن نزيل» (Citizen-Inmate) لحسام إسلامي (برلين). واستقبل مهرجان سياتل الأميركي فيلماً إيراني المولد بعنوان «حشد» لشهد كبيري، ومنحه جائزة لجنة تحكيم قسم «مخرجون جدد» أيضاً.

الجانب الآخر من الأفلام التي عرضت في المهرجانات هو تلك التي مُوّلت (بالكامل غالباً) من قِبل شركات غربية مثل بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة، مثل «مجرد حادثة» لجعفر بناهي و«داخلي» (Inside) لأمير بحراني.

«صراخ» (مهرجان كارلوڤي ڤاري)

اعتبارات سياسية

تمت مشاهدة 11 فيلماً من هذه الأفلام، من الداخل والخارج، ليس من بينها ما يمكن اعتباره تحفة أو عملاً ذا جودة استثنائية، بما في ذلك فيلم بناهي «مجرد حادثة» الذي خطف سعفة مهرجان «كان» وأرسلته فرنسا ليمثلها في سباق أوسكار أفضل فيلم عالمي. لا محال من اعتبار أن فوز فيلم بناهي جاء، في جزء منه، لاعتبارات سياسية.

يدور الفيلم حول رجل يشتبه في أن شخصاً معيناً هو الضابط الذي استخدم العنف معه خلال فترة سجنه. بناءً على هذا الاشتباه، يتصل بآخرين تعرضوا للتعذيب على يد الضابط أو تحت إشرافه، ويُختطف بهدف قتله. لكنه يقنع الجميع بأنه ليس هو الشخص الذي يعتقدون أنه هو. نهاية الفيلم لا تؤكد أو تنفي ذلك، لأن هدف بناهي هو تسليط الضوء على عنف السجون السياسية من خلال طرح السؤال عما إذا كان المخطوف هو فعلاً ذلك الضابط أو شخصاً آخر.

أفضل منه، نصاً وتنفيذاً، كان فيلم محمد رسولاف «بذرة التين المقدسة» (The Seed of the Sacred Fig). بعد عروضه في مهرجان «كان» في العام الماضي، مثّل إيران في سباق أوسكار 2025. وقد عُرض في هذا العام في 40 مهرجاناً سينمائياً حول العالم، قطف خلالها جوائز من اتحادات نقاد ومن بعض المهرجانات (أهمها الجائزة الأولى لمهرجان «بالم سبرينغز»). «بذرة التين المقدّسة» يقوم على فكرة الاشتباه، لكن في عمق مدروس: قاضٍ مرشح لمنصب أعلى يفتقد مسدسه الحكومي ولا يجده. يخاف من تبعات ذلك، قبل أن يشتبه (ولاحقاً يتأكد) أن إحدى ابنتيه هي التي أخفت المسدس لأنها ضد ممارسات الحكومة. يتقدم الفيلم بهذه الحبكة جيداً، حتى يصطدم بنهاية تحوّل مجرى الفيلم إلى نوع سردي مختلف.

عدد لا بأس به من الموضوعات التي تطرحها الأفلام الإيرانية غير المدعومة من الغرب يتعلّق بالمرأة. على سبيل المثال، يتناول فيلم «ابنة نوح» وضع امرأة تنشد العزلة من المدينة إلى بلدة ساحلية، ولو لبعض الوقت. ليس هناك من حبكة واضحة، لكن بعض الترميز الاجتماعي موجود في هذه الدراما.