«بيت روز» تروي هموم المرأة في جلسة واحدة

المسرحية المصرية تستعرض 4 حكايات نسائية

«بيت روز» تروي هموم المرأة في جلسة واحدة
TT

«بيت روز» تروي هموم المرأة في جلسة واحدة

«بيت روز» تروي هموم المرأة في جلسة واحدة

إذا كانت المظاهر يمكن أن تكون خادعة بشكل عام، فكيف ستكون النتيجة حين يتعلق الأمر بالمرأة؟ هل يكفي أن نرى حواء أنيقة، تشغل مركزاً مرموقا، حتى نحكم عليها؟ وهل تكفي نظرة عابرة إلى السطح حتى نتوهم أننا أصبحنا ندرك ما تحت الأعماق؟
تشكّل مثل هذه التساؤلات هاجساً مُلحاً لدى صناع مسرحية «بيت روز»، التي تعرض حالياً على مسرح «الطليعة» التابع لوزارة الثقافة، حيث يخرج المتلقي برسالة مفادها أن الفارق كبير بين أن تتظاهر حواء بالقوة والصلابة والتماسك ظاهرياً، كسلاح تواجه به الآخرين وبين حقيقة ما يعتمل في نفسها من الداخل من هشاشة وضعف ورغبة جارفة في البكاء.
يتناول العرض هموم المرأة المعاصرة من زاوية شديدة الحميمية والبساطة، تتمثل في أربع فتيات في الثلاثين من العمر تجمع بينهن الصداقة القوية التي تعود إلى مرحلة الجامعة أو ما قبلها. اعتاد هؤلاء أن يلتقين بصفة دورية في أحد محلات «الكوفي شوب» لتبادل الدردشة ومشاركة الأخبار والتعليقات العابرة، غير أنهن في إحدى المرات يتجاوزن المزاح والمداعبات وينخرطن في جلسة مفعمة بالمشاعر، حيث يكشفن عن أسرار وهموم وأوجاع لأول مرة فيما يشبه الاعترافات.
يبدو العرض عبارة عن جلسة واحدة تبدأ بموضوع مُلِح يخص (منار)، فقد رشحت لها خالتها «عريساً» على طريقة زواج الصالونات، دون سابق معرفة أو توفر الحد الأدنى من الإعجاب. تبدو منار مترددة، بل هي في الواقع محبطة، وتشعر بخيبة أمل، لقد كانت تحلم كأي فتاة بقصة حب عاصفة، ولكن العمر يتقدم بها دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لفارس الأحلام. تبدي كل صديقة رأيها في الأمر، وتتوالى النصائح ووجهات النظر، لكن هذا الموضوع التقليدي يتحول إلى مجرد بداية في حوار عميق تكشف فيه كل فتاة عن مخاوفها وهواجسها التي تطاردها في الصحو والمنام فيما يتعلق بقوس واسع من الهموم والأوجاع التي تضغط على حواء في مجتمعاتنا العربية؛ مثل تأخر سن الزواج، والعنف الزوجي، والطلاق، ومعايير الفشل والنجاح، والتحرش بأشكاله المختلفة، وعمل المرأة.
تتنوع الشخصيات الرئيسية لتعكس العديد من النماذج الإنسانية، ما بين الحالمة البريئة، والزوجة التعيسة، والمطلقة للمرة الثالثة، والمحبطة عاطفياً. ويمر الحوار بين الصديقات بالعديد من المنعطفات؛ فلا يقتصر على الشجن والبكاء، وإنما هناك أيضاً محطات من الضحك والسخرية ولو على طريقة «شر البلية ما يضحك»، كما اتسم الحكي بالحميمية الشديدة والطابع العفوي، حتى أنك تشعر كما لو كنت تتابع نقاشاً حقيقياً، وهو ما يُحسب لمؤلف ومخرج العمل محمود حديني، وقدرته على توجيه الممثلات سالي سعيد، ونادية حسن، وسماح سليم، وهاجر حاتم.
ساعد على تعميق هذه الحالة من «التماهي» و«التوحد» بين الجمهور وفريق التمثيل عدم وجود خشبة مسرح بالمعنى التقليدي، فالقاعة تم تصميم ديكوراتها من جانب هبة الكومي، وإضاءتها من جانب محمود الحسيني، بحيث تصبح مقهى «مودرن» تحتل فيه الصديقات الأربع المائدة الرئيسية، بينما يجلس الجمهور على مقاعد متناثرة حولهن.
ولا تخفى الدلالة المهمة التي تنطوي عليها فكرة وجود شاشة تلفزيونية في المقهى مفتوحة على فيلم «الباب المفتوح»، بطولة فاتن حمامة وإخراج هنري بركات، فقد تم إنتاجه عام 1963 ولا تزال نفس القضايا النسوية التي يناقشها تشكل أزمة تنتظر، بعد مرور 60 عاماً، انفراجة مثل حرية الاختيار لدى المرأة وازدواجية المجتمع في نظرته إلى حواء.
ويؤكد محمود حديني أن «المسرحية تتخذ من الهموم النسائية مدخلاً لهموم إنسانية أكثر عمومية وشمولاً حيث إن قضايا مثل الخوف من المستقبل والفراغ والوحدة والبحث عن الحد الأدنى من السعادة وراحة البال هي هواجس تخص الرجل كما تخص المرأة»، مشيراً في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه «واجه أكثر من تحدٍ في هذه التجربة مثل تجاوز الحبكة التقليدية التي تقوم على بداية ووسط ونهاية ليجعل الحوار متدفقاً تلقائياً مفعماً بالحيوية والروح الصادقة، فضلاً عن محدودية المكان والزمان، لكن النتيجة النهائية كانت مدهشة من حيث تفاعل الجمهور، ولافتة كامل العدد، التي تؤكد الإقبال الكبير من جانب الناس المتعطشة لفن حقيقي يمزج المتعة بالقضايا الحقيقية».



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».