الأمير سلطان بن سلمان يعلن تأسيس جمعية للمرشدين السياحيين السعوديين

كشف عن مشاريع لإحياء مواقع التاريخ الإسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة

الأمير سلطان بن سلمان: خادم الحرمين الشريفين وجه بالمحافظة على مواقع التاريخ الاسلامي بمكة والمدينة (واس)
الأمير سلطان بن سلمان: خادم الحرمين الشريفين وجه بالمحافظة على مواقع التاريخ الاسلامي بمكة والمدينة (واس)
TT

الأمير سلطان بن سلمان يعلن تأسيس جمعية للمرشدين السياحيين السعوديين

الأمير سلطان بن سلمان: خادم الحرمين الشريفين وجه بالمحافظة على مواقع التاريخ الاسلامي بمكة والمدينة (واس)
الأمير سلطان بن سلمان: خادم الحرمين الشريفين وجه بالمحافظة على مواقع التاريخ الاسلامي بمكة والمدينة (واس)

أعلن الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية، اتجاه الهيئة لتأسيس جمعية للمرشدين السياحيين السعوديين، مؤكدا أن المرشد السياحي نافذة على وطنه وأن الإرشاد السياحي أصبح مهنة منظمة.
كلام الأمير جاء خلال مشاركته في الملتقى الثاني للمرشدين السياحيين بالمملكة، الذي تستضيفه محافظة الأحساء، بمشاركة 200 مرشد سياحي «مرخص»، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرشدين السياحيين. وهو الملتقى الذي يرعاه الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية.
ويلعب المرشدون السياحيون دورا مهما في تنشيط السياحة المحلية، وبحسب جهاز السياحة والآثار بالمنطقة الشرقية فإن «الرحلات السياحية إلى المنطقة لشرقية شكلت أكثر من سبعة ملايين رحلة محلية ووافدة، وأن المنطقة الشرقية تحتل المركز الثاني بعد منطقة مكة المكرمة، وبمجموع إنفاق أكثر من عشرة مليارات ريال».
وقال الأمير سلطان بن سلمان إن الهيئة العامة للسياحة والآثار تعتز بالمرشدين السياحيين السعوديين الذين هم نافذة للوطن بأكمله، عادا العاملين في هذا القطاع يتلقون تدريبا وتأهيلا مناسبا. وأكد أن عدد المرشدين ارتفع بالمئات بعد أن كان في السابق لا يتجاوز أربعة مرشدين، ويمثل هذا القطاع «صناعة مهمة جدا»، وأضاف: «قريبا نسمع عن تأسيس جمعية المرشدين السياحيين».
وقال رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار: «إن الأحساء مقبلة على نهضة كبيرة جدا في مجال السياحة والتراث. فإحصاءات الفنادق الجديدة ومشروع تطوير وسط الهفوف والمتنزهات الجديدة ومشاريع كثيرة خاصة تدل على أنها سوق كبيرة للسياحة»، مضيفا: «لذلك، نحن نركز على الأحساء، كونها مركزا لتطوير ثقافي وتراثي».
وعن مشروع العقير الضخم في محافظة الأحساء، قال الأمير سلطان بن سلمان إن مشروع شركة «العقير» السياحية يسير في مساره الصحيح، مبينا أن الإجراءات النظامية لتأسيس شركة «العقير» انتهت وبقي قرار مجلس الوزراء الذي سيصدر قريبا لإنشائها.
في جانب آخر، أكد الأمير سلطان بن سلمان اهتمام القيادة السعودية، متمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بالمحافظة على مواقع التاريخ الإسلامي، وأن الهيئة تعمل مع الشركاء في المدينة المنورة ومكة المكرمة لإعادة الاعتبار لمواقع التاريخ الإسلامي، مضيفا أن الهيئة تعمل على تطوير مواقع المعارك الإسلامية كالخندق وأحد وبدر. كما أوضح أن الهيئة كذلك تعمل مع أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس هيئة تطوير مكة المكرمة على تطوير موقع جبل النور وإخلائه من العبث والعشوائيات وكذلك طريق الهجرة النبوية.
وعد مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري للمملكة يشمل تحت مظلته مشاريع كثيرة ورائدة تتعلق بالتاريخ الإسلامي ومواقع ما قبل الإسلام وما بعده.
وتحدث الأمير سلطان بن سلمان عن أهمية تنمية القطاع السياحي، عادا السياحة «تمثل قطاعا جديدا وثقافة جديدة على بلادنا». وأكد أن الهيئة ستشهد قريبا إعادة لهيكلتها تأكيدا للعمل على تحويل قطاع السياحة إلى قطاع اقتصادي منتج لفرص العمل. وقال: «نحن سنعيد هيكلة الهيئة العامة للسياحة والآثار بشكل جذري، وسيصدر ذلك في غضون الأسبوعين المقبلين، وتوجيه أجهزتها بطريقة جديدة لتنفيذ المشاريع»، مشيرا إلى أن أمام الهيئة فرصة للتحدي لتسريع تنفيذ المشاريع وتنفيذ قرارات الدولة على مسار التطوير السياحي وهو مشروع متكامل سيعلن عنه خلال أسبوعين، ومشروع المحافظة على التراث الحضاري وهو يشمل مشاريع بخمسة مليارات ريال، مؤكدا أن الهيئة خلال السنوات الثلاث المقبلة ستكون قد أنجزت كل هذه المشاريع التي خصصت لها الميزانية الأولية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)