الشعر جوهر العالم وترياق الوجود!

أصبح كعزاء في عالم لا عزاء فيه

الشعر جوهر العالم وترياق الوجود!
TT

الشعر جوهر العالم وترياق الوجود!

الشعر جوهر العالم وترياق الوجود!

عندما أتعب من الفلسفة والعلوم الإنسانية، عندما أتعب من كل ما هو منطق أو عقل أو نقل أرمي بنفسي في أحضان الشعر. في تلك اللحظة لا شيء يعزيني أكثر من قصيدة لأبي تمام، أو بودلير، أو مالك بن الريب التميمي:
«خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعــــــــــباً قياديا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي وردا على عيني فضل ردائيا»
إلخ... قصيدة عصماء تكفي وحدها لتخليد شاعر... لا أعرف أصلاً فيما إذا كان قد كتب غيرها. لا أعرف عنه أي شيء سواها... إنه شاعر القصيدة الواحدة. وكفاه ذلك فخراً.
ثم ماذا عن سحيم عبد بني الحسحاس؟ ماذا عن قصيدته التي مطلعها:
«عميرة ودع إن تجهزت غادياً
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً»
أغلى من الذهب. لقد شهرته وخلدت اسمه على صفحة الآداب العربية. وبالتالي فيمكن اعتباره هو الآخر أيضاً شاعر القصيدة الواحدة وإن كان قد كتب غيرها. ومعلوم أنه كان عبداً أسود يخدم عند الناس ولكن مولاته وقعت في حبه وحصل ما لا تحمد عقباه. وعلى أثر ذلك قتلوه. هل يحق لعبد أسود أن يضاجع مولاته وهي من النساء المحصنات الحرائر؟ ولم يكن اسمها «عميرة» وإنما «غالية» ولكنه لم يتجرأ على ذكر اسمها الحقيقي لأنها كانت من أشراف تميم، أي من عائلة عربية أرستقراطية، وهو لا شيء. وفيها يقول هذا البيت الذي يساوي ديواناً كاملاً من الشعر العربي وحتماً هو الذي قتله:
«توسدني كفًّا وتثني بمعصم
علي وتحوي رجلها من ورائيا»
ثم يردفه بهذا البيت الذي يساوي ديواناً آخر:
«فما زال بردي طيباً من ثيابها
إلى الحول حتى أنهج البرد بالياً»
وماذا عن المثقب العبدي؟ وهو لمن لا يعرفه شاعر جاهلي كبير من البحرين. يقول لها معاتباً في قصيدة مشهورة:
«أفاطمُ قبل بينك متعيني
ومنعك ما سألتك أن تبيني
فلا تعدي مواعد كاذبات
تمر بها رياح الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمالي
خلافك ما وصلت بها يميني
إذاً لقطعتها ولقلت بيني
كذلك أجتوي من يجتويني»
حلو. عبقرية الشعر العربي...
أتذكر أني قرأت هذه القصيدة لأول مرة في الثانوي. وإذا لم تخني الذاكرة فقد قرأتها من خلال ما كتبه الدكتور طه حسين عنها في كتابه الشهير «حديث الأربعاء». وكم هو ممتع أن تقرأ شرحها وتحليلها على يد طه حسين! لحظات لا تنسى. تدوخ دوخاناً. يسكرك الأسلوب والصوت الخالد لعميد الأدب العربي. وأعتقد أنه توقف عند هذين البيتين حيث يتصارع الشاعر مع ناقته التي تعاتبه بمرارة لأنه يتعبها دائماً بالسفر والترحال ويكلفها ما لا طاقة لها به:
«تقول إذا درأت لها وضيني
أهذا دينه أبداً وديني
أكل العيش حلٌ وارتحال
أما يبقي عليّ وما يقيني»
ثم توقف أيضاً عند هذين البيتين، حيث يهدد شاعرنا أحد أصدقائه قائلاً له بكل صراحة ودون أي لف أو دوران:
«فإما أن تكون أخي بحق
فأعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني
عدواً أتقيك وتتقيني»
أعود إلى السؤال: هل أصبحت الحياة كلها صحراء قاحلة ما عدا بقع قليلة من الشعر، من الضوء؟ ربما. هنا أشطب على السياسة العربية، على العصر العربي كله وأتموضع خارجه. وربما سيجت نفسي بالأسلاك الشائكة وانقطعت عن العالم. أكثر مما أنا منقطع ومسيج؟ لم يبق لك حل آخر أصلاً. وها أنذا سارحاً، هائماً على وجهي في الطرقات والدروب فقط مع ظلي (المسافر وظله، نيتشه). هل يستطيعون أن يفصلوك عن ظلك؟ ولكني لا أقصد بالشعر هنا فقط القصائد بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. وإنما أقصد أيضاً الرواية، الأدب، السينما، الدلال، الغنج، الفاتنات الحاسرات هناك في الربيع الباريسي. ولكن ماذا عن الجمال العربي - الأمازيغي؟ لا يضاهى. إنه الجمال المتغطرس الفتاك الذي «يحيي العظام وهي رميم». بصراحة الحياة حلوة يا جماعة. الحياة أكثر من حلوة. وأخشى ما أخشاه أن أموت يوماً ما.
أقصد بالشعر أيضاً ذلك الرجل الريفي التي رأيته مرة في أحد المطارات وهو ذاهب «لبيع» ابنته الفقيرة الوسيمة إلى أحدهم في بلاد الأغنياء لكي تعيش كخادمة وترسل لهم بعض القروش. أو هكذا خيل إلي من نظرات الهلع والاستغاثة التي ارتسمت على وجهه فجأة عندما رآني. نظرات سحقت قلبي... لكأنه كان يقول لي: خذها إذا شئت ولكن احترمها، عاملها بلطف أرجوك. نظرات لم أنسها حتى الآن. في مثل هذه الحالات النسيان جريمة... إنها لخيانة عظمى أن تنسى مثل هذا المشهد. هنا تكمن حقيقتي. هذا هو العالم الوحيد الذي أنتمي إليه، عالم «الناس الفقراء» أو «المذلولين المهانين» كما يقول دوستويفسكي: أي ثلاثة أرباع العرب. هؤلاء وحدهم هم أهلي، وطني، طائفتي، عشيرتي... وفي عصر الطوائف المتناحرة الهائجة على بعضها بعضاً أو التي تكاد تفترس بعضها بعضاً أنتمي إلى فئة الصعاليك الذين لا طائفة لهم ولا قبيلة كالباهي محمد مثلاً. من قرأ كتاب عبد الرحمن منيف عنه «عروة الزمان الباهي»؟ ناجح جداً. أعدت قراءته للمرة الثانية مؤخراً ولم أشبع منه حتى الآن.
وربما قصدت بالشعر أيضاً ذلك النشيج المتصاعد من أعماق العالم، من زلازله وبراكينه... كل شيء يخرجك عن طورك، ينسيك نفسك ولو قليلاً شعر. كل شيء يخلصك من نثرية الوجود، من بلادة الحياة اليومية شعر. طرفة عين غير متوقعة، ابتسامة صغيرة أو حتى شبح ابتسامة على ثغر إحداهن يمكن أن تدخلك في الحالة الشعرية:
«مقاديرُ من جفنيك غيرن حاليا».
هكذا تلاحظون أني لم أتجاوز بعد مرحلة المراهقة ولا يتوقع أن أتجاوزها في المدى المنظور.
بالأمس القريب حام الشعر حولي، تحرش بي قليلاً، ثم تبخر في الهواء. أقسم بالله كدت ألمسه، أقبض عليه قبض اليد... شعرت بالحنين والضياع وبقيت ساعات وساعات وأنا أتجول في الشوارع بلا هدف أو جدوى. رحت ألف حولي وأدور. عم يبحث هذا الشخص؟ عن شيء ضاع؟ عن حلقة مفرغة؟ وإلى متى؟... الشعر مبثوث في كل مكان ومع ذلك فهو من أكثر الأشياء ندرة. أكاد أقول بأنه موجود في كل مكان ما عدا في دواوين الشعراء العرب! كلما كثرت الدواوين الشعرية المتشابهة في العالم العربي قل الشعر، وربما أذن بالانقراض. لحسن الحظ أني لم أنشر أي ديوان شعر حتى اللحظة. لحسن الحظ أني لم أدمر وجودكم، لم أعتد عليكم، على الأقل حتى الآن. ولكن ألا يكفي أني أمطركم بوابل من المقالات والفذلكات والغلاظات التي لا تنتهي إلا لكي تبدأ من جديد؟ والله كرهت حالي. الشعر موجود خارج الشعر في معظم الأحيان. في كل عصر لا يوجد إلا شاعران أو ثلاثة أو واحد أو لا شيء والباقي تفاصيل. قال لي أحدهم مرة متبجحاً: يا أخي الشعر فاكهة، «مجرد تسلية» من وقت لآخر، لا يقدم ولا يؤخر... الشعر «سخافة» في نهاية المطاف ولا يليق بأن «يضيع» المفكرون الكبار وقتهم فيه. كدت أموت من الضحك عندما سمعت هذا الكلام. كدت أسقط على الأرض مغشياً عليّ من شدة الاضمحلال والإهمال والزوال. أعتقد أن عشرات الأكاديميين والمثقفين العرب لم يقرأوا قصيدة واحدة في حياتهم. ولكن ليست هذه هي حالة هيدغر الذي «ضيع» قسماً كبيراً من حياته في قراءة الشعر ومقاربات هولدرلين: إضاءات مسلطة على شعر هولدرلين، دروب تؤدي إلى لا مكان: عنوان كتاب أجمل من قصيدة شعر. الشعر العظيم بالنسبة لهيدغر هو المحل الذي تتجلى فيه الحقيقة الأصلية، الحقيقة الجوهرية: أي حقيقة العالم، جوهر العالم. ولهذا السبب فإن المفكرين الذين يعجبونني أكثر هم أولئك الذين يهتمون بالشعر، ينصهرون، يذوبون. «ناولوني معجز أحمد»، يقول المعري. لا ريب في أن كانط مفكر عظيم وربما كان أكبر فيلسوف في تاريخ الغرب الحديث ولكنه ليس شاعراً على عكس نيتشه. ولذلك؛ فإن عواطفي كلها تذهب في اتجاه نيتشه. أنا نيتشوي في نهاية المطاف: أي تراجيدي، عدمي، جنوني... ولكن لا أجرؤ على التصريح بذلك خوفاً من القيل والقال. تكفيني مشاكل وإشاعات. ثم إن فيّ كائناً آخر يمشي في الاتجاه المعاكس. وبالتالي، فأنا شخص منشق على نفسه، وتوحيده أصعب من توحيد العرب!


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».