إيطاليا تسلّم قيادتها للنساء

زعيمة جديدة لـ«الحزب الديمقراطي» اليساري من والدين يهوديين

إيلي شلاين في صورة ترجع إلى 6 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
إيلي شلاين في صورة ترجع إلى 6 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

إيطاليا تسلّم قيادتها للنساء

إيلي شلاين في صورة ترجع إلى 6 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
إيلي شلاين في صورة ترجع إلى 6 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

بعد 3 أشهر على وصول أول امرأة إلى رئاسة الحكومة في تاريخ إيطاليا، قرر اليسار الإيطالي يوم الأحد الماضي، وللمرة الأولى في تاريخه، تسليم امرأة أخرى قيادة «الحزب الديمقراطي»، الذي تأسس عام 2007 على أنقاض «الحزب الشيوعي»، الذي كان أكبر الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، والذي أصبح منذ 3 عقود، أثراً بعد عين في المشهد السياسي الإيطالي.
وكان انتخاب الأمينة العام الجديدة، إيلي شلاين البالغة من العمر 37 عاماً، مفاجأة كبيرة، حيث كانت جميع الاستطلاعات ترجّح فوز منافسها المخضرم ستيفانو بوناتشيني، الذي كانت، حتى أواخر العام الماضي، نائبته في رئاسة إقليم إيميليا رومانيا، أحد معاقل اليسار الإيطالي الذي يجهد منذ سنوات لاستعادة الموقع الريادي الذي خسره في عام 2017، إثر استقالة أمينه العام والرئيس الأسبق للحكومة ماتّيو رنزي وخروجه لاحقاً من الحزب لتأسيس تشكيلة سياسية جديدة فشلت حتى الآن في إيجاد موقع لها بين الصفوف الأمامية.
ونالت إيلي شلاين 54 في المائة من الأصوات، مقابل 46 في المائة لمنافسها، بعد أن حصلت على ضعف أصواته في المدن الكبرى؛ مثل روما وميلانو ونابولي، وفي معظم مناطق الشمال. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات الأولية التي يجريها الحزب الديمقراطي، منذ تأسيسه، لانتخاب أمينه العام، لا تقتصر على المنتسبين للحزب، بل هي مفتوحة أمام جميع المواطنين مقابل رسم رمزي وتعهد بتأييد مرشحي الحزب في الانتخابات التالية.
ويعد فوز شلاين اتجاهاً بـ«الحزب الديمقراطي» نحو اليسار، وعودة إلى جذوره التأسيسية بعد سنوات من الانحراف إلى اعتدال المواقف الاجتماعية الديمقراطية، الأمر الذي تسبب في انشقاق بعض تياراته لتأسيس أحزاب صغيرة على يساره أفقدته كثيراً من حضوره في البرلمان.
ويعوّل كثيرون اليوم على شلاين لإعادة توحيد هذه التيارات تحت راية الحزب الذي تعاقب 9 أمناء عامين على زعامته في السنوات الـ15 الماضية. ولدى إعلان النتائج، صرّح آكيلي أوكيتّو، آخر أمين عام للحزب الشيوعي الإيطالي: «وأخيراً هبّت نسائم جديدة على الحزب الديمقراطي. إنها ساعة الدمج بين الطوباوية والبراغماتية».
وفي أول تصريحات لها بعد فوزها، قالت شلاين: «معاً صنعنا هذه الثورة، وأظهرنا للجميع أن الحزب الديمقراطي ما زال على قيد الحياة وجاهزاً لكي يستعيد دوره الريادي». ثم أضافت: «سنكون حزب الحقوق، ومشكلة لحكومة ميلوني».
وبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، سارع منافسها ستيفانو بوناتشيني إلى تهنئتها، واضعاً نفسه في تصرفها، وداعياً إلى الالتفاف حولها. وقال: «أظهرت أنها أكفأ مني في إيصال رسالتها إلى الناخبين، وتستحق كل الدعم لمواجهة المسؤوليات الكبيرة التي تنتظرها».
أولى هذه المسؤوليات، وربما الامتحان الأصعب أمامها؛ التحالفات مع الأحزاب اليسارية والقوى التقدمية والوسطية التي فشل الحزب في نسجها قبل الانتخابات الأخيرة التي مني فيها بهزيمة قاسية بعد أن قرر خوضها منفرداً، ومدركاً أن قراره كان بمثابة انتحار سياسي في ظل قانون انتخابي يكافئ التحالفات الكبيرة، مثل التحالف اليميني، هو الذي وضعه عندما كان في الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن «الحزب الديمقراطي» لم ينتصر أبداً في الانتخابات العامة منذ تأسيسه، لكنه أظهر دائماً قدرة فائقة على التوصل إلى اتفاقات وإقامة تحالفات برلمانية سمحت له بالمشاركة في جميع الحكومات التي تشكّلت حتى أواخر العام الماضي، لا بل نجح في تولي رئاسة اثنتين منها.
وتنقسم آراء المراقبين حول مصير الحزب مع زعيمته الجديدة، بين الذين يعتبرون أن انتخابها أشبه بقفزة في الفراغ، خصوصاً إذا انسدّت أمامها آفاق التحالفات لخوض الانتخابات المقبلة، والذين يرون في فوزها استعادة للروح اليسارية التي تخلّى عنها الحزب، وكانت السبب الرئيسي في هزائمه والانشقاقات التي تعرّض لها في السنوات الأخيرة.
ولدت إيلي شلاين في مدينة لوغانو، عاصمة الكانتون السويسري الناطق بالإيطالية، من أم إيطالية وأب أميركي يدرّسان في الجامعة ويتحدّر كلاهما من أصول يهودية.
في الثامنة عشرة من عمرها، انتقلت من لوغانو إلى بولونيا، حيث تخرجت من جامعتها العريقة مجازة في الحقوق قبل أن تتوجه إلى الولايات المتحدة، لتعمل متطوعة في حملات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. وفي عام 2012، عادت إلى إيطاليا، حيث تنقلت بين تنظيمات يسارية عديدة أسسها منشقّون عن الحزب الديمقراطي، ثم انتخبت عضواً في البرلمان الأوروبي في عام 2014، حيث برزت بين زملائها بانتقاداتها الشديدة للأحزاب اليمينية المتطرفة، وبخاصة حزب الرابطة وزعيمه ماتيو سالفيني. وكانت قد استعادت بطاقة انتمائها إلى «الحزب الديمقراطي» مطلع العام الحالي، أي قبل أقل من شهرين على الانتخابات التي حملتها إلى زعامة الحزب، الذي قالت إن «ساعة تغييره قد أزفت، وليس من حقنا أن نخون الثقة التي أعطانا إياها الناخبون لتغييره».


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.