داخل المشهد السياسي الباكستاني، فقدت «الجماعة الإسلامية» مكانتها الانتخابية منذ أمد بعيد. وبجانب عدم الاعتراف بها كياناً سياسياً، تمكنت جماعات إسلامية أخرى أكثر راديكالية من دفع «الجماعة الإسلامية» بعيداً عن قلب الساحة، منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة، من خلال اختطاف دورها باعتبارها واجهة لجهاز الأمن الباكستاني داخل كشمير وأفغانستان.
وقد اشتهرت «الجماعة الإسلامية» نتيجة دورها بمجال العمل المسلح في المنطقة أثناء حكم ضياء الحق العسكري، إلا أنها دخلت في حالة من التيه السياسي منذ فترة طويلة.
إلا أن فوزها في الانتخابات المحلية بكراتشي يُعد أول بارقة أمل تتلقاها «الجماعة الإسلامية» منذ وقت طويل، ويحيي آمالها في العودة إلى دائرة الضوء.
جدير بالذكر أنه أثناء الانتخابات العامة التي عُقِدت عام 1993، ساد اعتقاد بأن مخزون الأصوات الهامشية التي امتلكتها «الجماعة الإسلامية» داخل دوائر انتخابية في البنجاب هو ما ضمن فوز نواز شريف في وسط البنجاب. وحال انقسام هذا المخزون من الأصوات اليمينية بين نواز شريف و«الجماعة الإسلامية»، فإن شريف كان من المحتمَل سيخسر أكثر عن 10 مقاعد في البرلمان من مدن في قلب البنجاب.
إلا أن هذه المكانة تلاشت تدريجياً، مع تضاؤل حجم مخزون الأصوات الخاصة بـ«الجماعة الإسلامية» عبر انتخابات متعاقبة؛ من بضعة آلاف إلى بضع مئات. في بلوش والسند، لم يكن لـ«الجماعة الإسلامية» أي وجود. وأصبح خيبر بختونخوا الإقليم الوحيد الذي لا يزال لـ«الجماعة الإسلامية» وجود كبير بعض الشيء فيه، وتسيطر على بضع دوائر انتخابية.
في هذه الانتخابات، لم تكن آيديولوجية «الجماعة الإسلامية» محل جدال، وإنما دار التساؤل الرئيسي حول ما إذا كانت هذه الآيديولوجيا ستطرح ثماراً حال نجاح «الجماعة الإسلامية» في الدفع بأحد عناصرها لمنصب عمدة مدينة. من ناحيتها، ربما تكون كراتشي المدينة الوحيدة في باكستان التي تتميز بثقافة كوزموبوليتانية. والسؤال: كيف سيؤثر عمدة من «الجماعة الإسلامية» على هذه الثقافة؟
جدير بالذكر أن مؤسس «الجماعة الإسلامية»، المودودي، هو نفسه مهاجر من حيدر آباد، لكنه قرر الاستقرار في لاهور بعد التقسيم، حيث أثر في أعداد ضخمة من المهنيين من أبناء الطبقة الوسطى، بينهم أطباء ومحامون ومهندسون ومدرسون وأساتذة جامعات. وكان المودودي يتحدث باللغة السائدة في العلوم الاجتماعية الحديثة، التي لاقت قبولاً من المهنيين من أبناء الطبقة الوسطى الذين تخرجوا في منظومة تعليم حديثة.
دينياً، كان المودودي قريباً من مدرسة ديوباندي الفكرية، التي ظل مرتبطاً بها صحافياً. ومن الصعب تصنيف المودوي بوصفه حداثياً، بل المؤكد أنه لم يكن حداثياً، لكنه في الوقت ذاته لم يكن تقليدياً.
خلال سنواتها الأولى، عملت «الجماعة الإسلامية» بوصفها حزباً يعبر عن المسحوقين داخل كراتشي والطبقات الوسطى الحضرية في البنجاب. في كراتشي، حصلت «الجماعة الإسلامية» على مقاعد بالبرلمان في السبعينات. أما داخل البنجاب، فظل الأداء الانتخابي للجماعة غير مبهر. وأيدت الجماعة بشكل كامل النظام العسكري لضياء الحق. ويرى البعض أن السبب وراء ذلك أن ضياء الحق كان ينتمي للإثنية التي ينتمي إليها زعيم «الجماعة الإسلامية» آنذاك، ميان طفيل محمد.
حتى منتصف الثمانينات، غلب على الهياكل التنظيمية داخل «الجماعة الإسلامية» المهنيون من أبناء الطبقات الوسطى في البنجاب والنخبة المتحدثة بالأوردو في كراتشي. إلا أن الحرب الأفغانية وانتخاب قازي حسين أحمد (البشتون) باعتباره الزعيم الجديد للجماعة، أحدثا تحولاً في الطابع الإثني وكذلك التوجه الديني للجماعة، وأصبح من المتعذَّر تمييزها عن «جماعة أمة الإسلام» صاحبة القاعدة الريفية.
والتساؤل هنا: بعد الانتخاب الجزئي الذي تحقق في كراتشي؛ هل ستعاين الجماعة تحولاً جديداً لتصبح حزباً سياسياً يقوم على الخدمة الاجتماعية ويتبع توجهاً دينياً؟ الحقيقة أن هذا أصبح نموذجاً جديداً للإسلاميين عبر مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وهو الاهتمام بالخدمات الاجتماعية، والعمل كأحزاب سياسية تحتضن تيارات اجتماعية وسياسية واسعة في المجتمع.
(تحليل إخباري) هل ستغير «الجماعة الإسلامية» التركيبة السياسية لباكستان؟
بعد فوزها المفاجئ في انتخابات عمدة كراتشي
(تحليل إخباري) هل ستغير «الجماعة الإسلامية» التركيبة السياسية لباكستان؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة