الشاعر السعودي حيدر العبد الله في مغامرة طموحة

«مهاكاة ذي الرمة»... البحث عن إطار تأصيلي لـ«الهايكو» العربي

الشاعر السعودي حيدر العبد الله في مغامرة طموحة
TT

الشاعر السعودي حيدر العبد الله في مغامرة طموحة

الشاعر السعودي حيدر العبد الله في مغامرة طموحة

في كتاب «مهاكاة ذي الرُّمة... أطروحة الهايكو العربي» الصادر حديثاً عن دار أدب (2022)، يأخذنا الشاعر السعودي حيدر العبد الله في مغامرة طموحة يروم من خلالها إعادة صياغة وشائجنا بفن الهايكو، وضبط ممارسته التي تمتاز بتفاوت شديد، على حد وصفه. فيقترح إطاراً تأصيلياً للهايكو العربي معززاً بالأمثلة التطبيقية، يستمد ألقَهُ من بيئتِه العربية، ولكنه في ذاتِ الوقت، يتعالقُ مع جذوره المشرقية الأولى. وتتبلور أصالة هذا العمل - على وجه التحديد - في تطويع البحور الخليلية لاستيعاب شعر الهايكو. يأتي هذا التطويع كمكافئ للخاصية الإيقاعية، والصيغة التنفسية التي يتحلى بها شعر الهايكو الياباني في الفترة التي حددها المؤلف كنموذج معياري للبناء. كما تتبلور أيضاً في إعادة تدوير تأويلي لشعر ذي الرمة، من خلال عدسة هذا الشكل الشعري، وانتشاله من الهامش، وفي محاولة ربط هذه الأطروحة بسياقات النقد البيئي «Ecocriticism» أو الدراسات الخضراء «Green Studies»؛ للتأكيد على محورية علاقة الإنسان بعالم الطبيعة، وتمثيلاتها في العمل الأدبي، وإن بدت هذه المحاولة خجولة نوعاً ما، لأنها لم تذهب بهذا المسار إلى العمق. وتتجسد هذه الأصالة كذلك في إيراد مسرد مفتوح للقرائن الموسمية والأنواء العربية، كي ينهل منها ممارسو هذا الفن، وكي تساعدهم أيضاً في «تزهيد النص»، وتوظيف الإيحاء. بالرغم من هذا الجهد الذي يستأهل الإشادة دون أدنى شك، فإن العمل يثير جملة من التساؤلات والإشكاليات.
وفيما يلي سألقي الضوء على جانب منها، أملاً في أن تزيد تأملنا في ثنايا هذه المغامرة.
أولاً، تتموضع هذه الأطروحة ضمن السياق النظري التوجيهي/ الإرشادي. أي أنها دراسة تنتمي إلى ما يُعرف بالـ«prescriptive studies»، أكثر من كونها دراسة وصفية «descriptive study». تولي هذه الدراسة اهتماماً بارزاً بما يجب أن يكون عليه الشعر، أكثر من مقاربة النصوص المتداولة وصفياً، ومن ثم التنظير، بناء على السمات التي تم تعقبها وإماطة اللثام عنها أو الكشف عن أنماط الكتابة في النصوص المعنية. تقعد هذه الأطروحة أطراً مثالية، وتنطلق من فرضيات مسبقة، وتبدي أحكاماً قيمية. وبناء عليه، أرى من الصعوبة بمكان أن نتعامل مع النصوص الإبداعية على العموم، فضلاً عن الشعر ضمن هذا التموضع النظري؛ لأن إرساء معايير مثالية أو إبداء أحكام قيمية كهذه تخضع - في المقام الأول - لذائقة المؤلف / المنظر وفهمه للشعر، ولطيف من الاعتبارات الذاتية أو المؤسساتية المتنوعة، ضمن المنهج الواحد، أو المؤسسة الواحدة. كما فيها نوع من ممارسة الوصاية على الإنتاج الشعري، وتأطير المخيلة. وسيفضي تَبنّي مثل هذا الإطار النظري إلى فهم الشعر وقراءته ضمن حدود مفهوم الأداتية «Instrumentalism»، الذي سيفضي بدوره، كما بيّن أستاذ الأدب والنقد البروفيسور ديرك أترج (2004)، إلى بوتقة التكرار، وإعادة الإنتاج، وثبات المعنى واستقراره. كما يمكن لنا - من جانب آخر- أن نرى اليوم ما تمخض عن تجربة مشروع «مجلة شعر»، جراء محاولتها وضع معايير محددة لقصيدة النثر.
ثانياً، كمرحلة أولية لتبيئة شعر الهايكو، حدد الكتاب الحقبة الزمنية ما بين القرن السابع عشر من الشاعر باشو، إلى النصف الأول من القرن العشرين، تحديداً إلى مرحلة الشاعر سانتوكا (1940): «ربما علينا، حين ندرس الهايكو الياباني بغرض محاكاته، أن نتوقف عند سانتوكا، حتى لا ننجرف به خارج إطاره الطبيعي» (ص56). لكن الكتاب لم يستفض في المبررات التي من شأنها أن تقنعنا أن نهمل تراكمات هذا الفن وتطوره. لمَ علينا أن نقيّد أنفسنا بالمقاطع الصوتية «syllables» السبعة عشر تقريباً، في حين أن الكتاب ذاته قد أشار إلى أن بعض الشعراء اليابانيين قد انتفضوا على هذه الصيغة الإيقاعية مثل الشاعر سانتوكا نفسه الذي كتب الهايكو الحر؟ وإذا ما تأملنا هذا الشكل الشعري في سياقه العالمي، الذي حاول المؤلف التأكيد عليه، فسنجد أن الشعراء الأمريكيين قد تجاوزوا هذه الصيغة الإيقاعية التقليدية «المقاطع الصوتية السبعة عشر»، التي جاءت نتيجة فهم قاصر للنظام الصوتي الياباني آنذاك، تحديداً «الموراmora» فأنتجوا لوحات شعرية، تصل إلى 7 مقاطع صوتية، حيث يبلغ الإيجاز فيها إلى منتهاه. كما أنتج آخرون نصوصاً مهجنة بين «الهايكو» و«السِنْرِيو -Senryū».
ويتحلى هذا الأخير بنبرة ساخرة، كما يصبّ جل اهتمامه على الجانب الإنساني بدلاً من تمحوره حول الطبيعة. ثم لي أن أتساءل هنا؛ لمَ علينا أن نلتزم حرفياً بوصف المشاهد الطبيعية، في حين أننا نعيش حياة مدينة، بعكس الشاعر باشو الذي قضى عمره في الحقول؟ لمَ لا نستلهم مثلاً تفاصيل حياتنا المدنية، ونوظفها في شكل الهايكو؟ أليس وصف الحياة المدنية، والمظاهر العمرانية، هي ربما مصداق لعبارة «كان يعيش الشعر الذي يكتبه، ويكتب الشعر الذي يعيشه» (ص 42)؟ ولمَ علينا أيضاً ألا نحاول الولوج إلى مناطق إنسانية مختلفة، أو نلجأ إلى التجريب؟
ثالثاً، أطلق المؤلف أحكاماً قيمية على عينة من نصوص الهكاة (الشعراء الذين يكتبون الهايكو) العرب، خالصاً إلى أن لديهم قصوراً في استيعاب شعر الهايكو «قراءة وكتابة»، نظراً - على سبيل المثال - لركونهم إلى ثيمات الحب والدمار والموت والمعاناة على حساب الاحتفاء بالطبيعة. أرى في ذلك يقيناً راسخاً، ويحتاج للتدقيق؛ كي نتوصل إلى نوع كهذا من الاطمئنان المعرفي. ثم إن فهم شعر الهايكو في مرحلة معينة لا يستدعي بالضرورة تطبيق مفاهيمه بصرامة. فلربما أخذ الشاعر هذا الفن ليطرق به مناطق بكراً، أو يطوف به في حقل التجريب، أو أراد أن يجسد لنا - بشكل عام - رؤيته الذاتية عن صنعة الهايكو. وفي ذات السياق، أجد أن نص الشاعر عاشور الطويبي (ص 71) هو ربما محاولة في إحدى دلالاتها لينقل لنا معنى المفارقة الساخرة، وذلك من حيث توظيفه لشكل لطالما عُرف باحتفائه بالطبيعة؛ ليصور مآسي الحروب وآثارها على الطبيعة.
رابعاً، تضمن الكتاب عبارة «الشعر بلا موسيقى شعر أعزل» (ص 129)، بغرض إبراز أهمية الموسيقى والإيقاع في الشعر، وتعضيد مبدأ استثمار البحور الخليلية. بغضّ النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع جوهر هذه العبارة، أرى أنها لا تتناسب واقتراح المؤلف نوع «الهايكو المرسل»، الذي لا يلتزم فيه الشاعر الهاكي (تحديداً الهاوي) أو المترجم بالتقطيع العروضي المشذب، ولكنه عوضاً عن ذلك، يتحتم عليه أن يتقيد فيه بالمقاطع الصوتية السبعة عشر تقريباً. وهنا أتساءل؛ هل يمكن لنا - استناداً لهذه العبارة - أن نطلق على هذا الشكل من الهايكو أنه هايكو «أعزل»، لأنه ببساطة لا يركن إلى الصيغة الخليلية المشذبة؟! أما معيار المقاطع الصوتية، فهي ميزة لا تختص بالشعر فحسب، وإنما هي سمة لغوية، تتمظهر في النص. فالنسق الصوتي هو أحد تمثيلات اللغة كنظام سيميائي. كما أن ذلك الاقتراح سيفضي إلى إمكانية النظر لقصائد الهايكو المرسل على أنها هامشية وأدنى درجة، مقارنة بنظيرتها التي تستغل البحور الخليلية المحورة. كما يمكن لذات النظرة الدونية أن تجري على الهايكو المترجم.
خامساً، تقول إحدى وصايا الكتاب أنه «ينبغي» على الشاعر أن يكون موضوعياً، حينما يتناول المشاهد الطبيعية، وألا يقحم رأيه فيها. لكن من المسلم به أن الأعمال الإبداعية، ولا سيما الشعر، تمتاز بتمحورها حول الخبرة الذاتية. وهذه الذاتية تبدأ من اختيار اللقطة للوصف، أو من اجتراح صورة متخيلة عن الواقع، التي قد يحاول الشاعر من خلالها أن يدعونا للنظر للمألوف ضمن إطار خارج المألوف، وهو بذلك يعيد علاقتنا بالأشياء المدركة.
بالرغم من وجود هذا الجانب من الإشكاليات والرؤى الجدلية، فإنه يظل عملاً متميزاً. وربما يأتي هذا الكتاب ليحرك المياه النقدية الراكدة فيما يرتبط بمسألة التنظير للهايكو العربي.

- كاتب سعودي متخصص في الترجمة والسرديات الأدبية، عضو هيئة التدريس
بجامعة الملك فيصل


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الرئيس الفرنسي يزور معالم العُلا الأثرية ومكوناتها التاريخية

الرئيس الفرنسي خلال جولته في منطقة «الحِجر» التاريخية في العُلا (واس)
الرئيس الفرنسي خلال جولته في منطقة «الحِجر» التاريخية في العُلا (واس)
TT

الرئيس الفرنسي يزور معالم العُلا الأثرية ومكوناتها التاريخية

الرئيس الفرنسي خلال جولته في منطقة «الحِجر» التاريخية في العُلا (واس)
الرئيس الفرنسي خلال جولته في منطقة «الحِجر» التاريخية في العُلا (واس)

شهدت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، الأربعاء، إطلاق مشروع «فيلا الحِجر»، أحدث مشروعات الشراكة الاستراتيجية بين الهيئة الملكية للمحافظة العُلا، والوكالة الفرنسية لتطوير العُلا، وتعدّ أول مؤسسة ثقافية سعودية - فرنسية تقام في المملكة، لتعزيز الدبلوماسية الثقافية على نطاق عالمي من خلال التعاون والإبداع المشترك، بما يسهم في تمكين المجتمعات ودعم الحوار الثقافي.

الرئيس الفرنسي وأمير المدينة المنورة ووزراء الثقافة والخارجية والتجارة ومسؤولون من الجانبين في صورة جماعية بمنطقة «الحِجر» التاريخية (واس)

الشراكة السعودية - الفرنسية

واستعرض الرئيس الفرنسي خلال جولة قام بها في «معرض الشراكة السعودية - الفرنسية» في قاعة مرايا، بحضور الأمير سلمان بن سلطان، أمير منطقة المدينة المنورة، والأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، والأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، ووزير التجارة الدكتور ماجد القصبي (الوزير المرافق)، وعدد من المسؤولين من الجانبين السعودي والفرنسي، مجالات الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وفرنسا التي انطلقت في عام 2018 لتطوير العُلا بصفتها وجهة عالمية، مع الالتزام بحماية تراثها الثقافي والتاريخي الغني.

وتجول الرئيس ماكرون في المعرض الذي يضم نماذج ولوحات مصورة من عدة مواقع في العُلا، تجسد الشراكات والتعاون بين الجانبين في مجالات الثقافة، والفنون، والتنمية الزراعية المستدامة، والتدريب، والتبادل المعرفي، والرياضة، وصناعة الأفلام، والتعاون في مجالات السياحة والضيافة والنقل، وتبادل الخبرات والتدريب في مجالات حفظ المقتنيات الأثرية وإدارتها.

كما استعرضت الزيارة، العلاقة طويلة الأمد والمتطورة بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وشركائها الفرنسيين، بالإضافة إلى الطموحات المشتركة التي تشمل التنمية البيئية والتراثية والثقافية والاجتماعية، مع التركيز على مواصلة الالتزام المتبادل بالتطوير المسؤول والمستدام للعُلا.

الرئيس الفرنسي مع وزير الثقافة السعودي خلال زيارته منطقة «الحِجر» في العُلا (واس)

مجالات التعاون

وتضمنت مجالات التعاون والشراكة بين الجانبين إطلاق برامج تمهيدية لـ«فيلا الحِجر» خلال عامي 2023 و2024، بالتعاون مع شركاء فرنسيين، إذ ركزت المرحلة الأولية من البرامج على الشباب ومجتمع العُلا وشملت عروضاً سينمائية، وحفلات موسيقية رقمية، وورش عمل إبداعية، بالإضافة إلى برامج تبادل طلابي وأبحاث أكاديمية.

واطَّلع الرئيس الفرنسي على التقدم والإنجازات والمعالم البارزة منذ بدء الاتفاق الحكومي في عام 2018، من خلال معرض أُقيم في قاعة مرايا، مستوحى من المناظر الطبيعية للعُلا. ونوقشت الشراكة الأكاديمية بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وجامعة «باريس 1 بانثيون سوربون»، والاكتشافات الأثرية، وتقدم العمل في بناء منتجع «شرعان» ومركز القمة الدولي، بتصميم من المعماري الفرنسي «جان نوفيل».

وكان قد أُعلن رسمياً عن الشراكة الأكاديمية بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وجامعة «باريس 1 بانثيون سوربون» العام الماضي، وتتمحور في مرحلتها الأولى على الكرسي الأكاديمي «جوسين وسافينياك» لتعزيز روابط مشتركة في التعليم والبحث وبناء القدرات، بالإضافة إلى توفير الفرص للشباب في العُلا لدراسة موضوعات كثيرة.

الرئيس الفرنسي خلال زيارته أول موقع تراثي سعودي يُسجَّل ضمن قائمة «اليونسكو» (واس)

وعُرضت أحدث الأبحاث عن الاكتشاف الأثري في واحة خيبر، التي أظهرت مدينة تعود إلى العصر البرونزي تُعرف باسم «النطاة»، مما يُعد دليلاً على وجود مجتمعات متحضرة مستقرة في شمال غربي شبه الجزيرة العربية خلال العصر البرونزي، مما يُغير المفاهيم السابقة حول طبيعة الحياة في تلك الفترة.

واطَّلع الرئيس الفرنسي على التحديثات الخاصة ببناء منتجع «شرعان» ومركز القمة الدولي، الذي سيُنحت بعناية داخل جبل من الحِجر الرملي يعود تاريخه إلى 500 مليون عام، حيث يُجسد المشروع الابتكار في التصميم والهندسة المعمارية، ويستخدم أحدث التقنيات السعودية والفرنسية مع مراعاة المعايير البيئية والثقافية للمنطقة.

عمق التعاون

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، عمق التعاون الثقافي بين السعودية وفرنسا، مبيناً أن هذه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في محافظة العُلا تجسّد قدرة التعاون الثقافي الدولي بين الأصدقاء على فتح مساحات أرحب للإبداع الثقافي باعتبار الثقافة مساهمة في تعزيز التنمية المستدامة.

وأشار إلى أن ما تحقق في العُلا على أثر الشراكة السعودية - الفرنسية، يفتح الباب لإنجازات أكبر، بقيادة وتوجيه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، مشيراً إلى أن مشروع مؤسسة «فيلا الحِجر من شأنه تحويل العُلا إلى منصة عالمية للإبداع والحوار الثقافي، بما يعزز الحفاظ على التراث الإنساني، ويفتح للعالم منافذ جديدة للإبداع الثقافي».

الرئيس الفرنسي لدى وصوله إلى محافظة العُلا وفي مقدمة مستقبليه أمير المدينة المنورة ووزيرا الثقافة والخارجية وعدد من المسؤولين (واس)

كان الرئيس ماكرون قد استهل زيارته لـ«العُلا» بجولة في منطقة «الحجر» التاريخية التي تعد أول موقع تراثي سعودي يسجّل ضمن قائمة المنظمة العالمية للتراث والعلوم والثقافة «يونسكو»، حيث اطلع خلالها على أبرز المعالم والمواقع الأثرية التي يعود تاريخها لآلاف السنين، وشُيدت خلال حقب زمنية ماضية.

وشملت الزيارة «قصر الفريد» الذي يعدّ أحد أبرز المعالم الأثرية القديمة في منطقة «الحجر» بالعُلا، وموقع «الديوان» وهو أحد المعالم التاريخية في شمال شرقي منطقة الحِجر، وعدداً من المواقع والشواهد التاريخية القديمة التي تزخر بها محافظة العُلا، وتشكل مقصداً لكثير من السياح من مختلف الدول.

كانت السعودية وفرنسا قد عززت التعاون الثقافي بين البلدين، الثلاثاء، بإبرام 9 برامج تنفيذية بين عدد من الهيئات الثقافية في البلدين، وذلك خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لحي الطريف التاريخي في الدرعية.

ووقّع وزير الثقافة السعودية، ونظيرته الفرنسية رشيدة داتي، في حي البجيري بالدرعية، على البرامج التنفيذية المشتركة، بحضور ماكرون، على هامش زيارته الرسمية للمملكة.

السعودية وفرنسا تعززان التعاون الثقافي بـ9 برامج تنفيذية (واس)

وأوضحت عبير العقل، الرئيس التنفيذي المكلف للهيئة الملكية للعلا، أن زيارة الرئيس الفرنسي تجسّد فرصة لعرض منجزات بُنِيَت على إرث من التعاون المتبادل، والالتزام بطموح مشترك، وابتكار مستقبل مستدام من النجاح.

من جانبه، أفاد جان إيف لودريان، رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا، بأن الزيارة الرسمية للرئيس ماكرون تشكّل خطوة مهمة في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين فرنسا والسعودية، وتأتي بالتزامن مع توقيع اتفاقيات جديدة في المجال الثقافي في الرياض، مما يوفر فرصة للاحتفاء بالإنجازات السابقة وإطلاق المرحلة الثانية من هذه الشراكة الثنائية المميزة، وقد أُسّست الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا في عام 2018 لتحقيق أهداف طموحة تدعم هذه الجهود.

فيلا الحِجر

يشار إلى أن مؤسسة «فيلا الحِجر»، التي أُطلقت خلال الزيارة، تُعد أول مؤسسة ثقافية فرنسية سعودية على أرض المملكة، ومثالاً بارزاً على هذه الجهود، إذ تتضمن هذه المبادرة مجموعة من المشاريع الطموحة المدعومة بالخبرات الفرنسية في مجالات البحوث والفنون والسياحة والابتكار والتدريب والهندسة المتقدمة والتنمية المستدامة.

وتتميز المرحلة الثانية من الشراكة بين الهيئة والوكالة الفرنسية لتطوير العُلا بزيادة كبيرة وتنوع في العروض الفنية والثقافية في محافظة العُلا، مع التركيز على السياحة المستدامة والمسؤولة، وتحقيق إنجازات واسعة النطاق في جميع المجالات دعماً لـ«رؤية المملكة 2030».

تأتي اتفاقيات وشراكات التعاون بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وفرنسا ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز مكانة العُلا بصفتها أيقونة ثقافية عالمية، وتحقيق رؤية متكاملة تعزز التفاهم الثقافي، وإيجاد فرص جديدة للإبداع والابتكار، مما يجعل العُلا نموذجاً ملهماً للتنمية الثقافية والاقتصادية المستدامة.

رافق الرئيس الفرنسي خلال زيارته العلا وفد ضمّ وزراء ومسؤولين من بينهم وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ووزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو، ووزيرة الثقافة الفرنسية، ورئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا جان إيف لودريان.