«الحرس الثوري»: الانتقام لسليماني هدفنا الأساسي

البيت الأبيض يرجح إرسال روسيا طائرات مقاتلة إلى إيران

حاجي زاده يستمع لسليماني في 2018 (أرشيفية - مهر)
حاجي زاده يستمع لسليماني في 2018 (أرشيفية - مهر)
TT

«الحرس الثوري»: الانتقام لسليماني هدفنا الأساسي

حاجي زاده يستمع لسليماني في 2018 (أرشيفية - مهر)
حاجي زاده يستمع لسليماني في 2018 (أرشيفية - مهر)

قال قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» العميد أمير علي حاجي زاده، إن خطط اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو، انتقاماً لمقتل القيادي قاسم سليماني «لا تزال هدفاً أساسياً» لقواته.
وصرح حاجي زاده في حديث تلفزيوني: «إن شاء الله نتمكن من قتل ترمب و(وزير الخارجية السابق مايك) بومبيو، وقائد القوات الأميركية المركزية (سينتكوم) الجنرال كينيث ماكنزي».
أتى ذلك، بعدما أرسلت إدارة جو بايدن بلاغات منفصلة إلى الكونغرس الشهر الماضي، بأنها مددت الحماية الحكومية لوزير الخارجية السابق مايك بومبيو ومبعوثه الخاص بإيران (سابقاً) برايان هوك. وقالت إن التهديدات لبومبيو وهوك «لا تزال جادة وذات مصداقية». وكان هذه المرة العاشرة التي تمدد فيها الخارجية الأميركية الحماية لبرايان هوك منذ ترك منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021، والمرة السابعة التي تمدد فيها الحماية لبومبيو.
- الانتقام الصعب
وتعهد كبار المسؤولين الإيرانيين بمن في ذلك قادة «الحرس الثوري» في كثير من الأحيان، بـ«انتقام صعب» لسليماني الذي قاد «فيلق القدس» الذراع الخارجية للعمليات الاستخباراتية والعسكرية في «الحرس الثوري» لسنوات، قبل مقتله في يناير 2020، بضربة جوية أميركية أمر بها الرئيس السابق دونالد ترمب، بعد لحظات من وصوله إلى بغداد.
وردّت إيران بعد أيام بإطلاق صواريخ على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق التي تستضيف قوات أميركية. ولم يقتل أحد في الرد، لكن واشنطن قالت إن العشرات من قواتها أصيبوا بارتجاج في الدماغ. وليلة إطلاق الصواريخ على قاعدة عين الأسد، أسقطت دفاعات «الحرس الثوري» طائرة ركاب أوكرانية بعد لحظات قليلة من إقلاعها في جنوب طهران، وقتل 176 شخصاً كانوا على متنها، أغلبهم من الإيرانيين. وبعد 3 أيام من الإنكار، أعلن حاجي زاده مسؤولية قواته عن إسقاط الطائرة. وقدم المسؤولون الإيرانيون روايات مختلفة حول إسقاط الطائرة، وتحدثوا عن «خطأ بشري» لأن تلك القوات كانت تظن أن الطائرة صاروخ كروز. وتطالب أسر الضحايا بتحقيق دولي مستقل. ويتهم النشطاء وأقارب الضحايا حتى الآن، الحكومة في طهران، بإخفاء القيام بعمل عسكري.
ويعد حاجي زاده (60 عاماً) الذي يقود الوحدة الصاروخية أو ما تعرف بـ«قوات جو الفضاء»، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009، من بين أبرز الأسماء التي تطالب أسر الضحايا بملاحقتها لكشف ملابسات إسقاط الطائرة.
- رفض خفض التوتر
وتصنف الولايات المتحدة جهاز «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب منذ أبريل (نيسان) 2019، ورفضت إدارة بايدن التراجع عن خطوة الرئيس السابق دونالد ترمب، رغم أن ملف إزالة «الحرس الثوري» كان من بين المطالب الإيرانية في المفاوضات المتعثرة بهدف إحياء الاتفاق النووي.
وناقشت الولايات المتحدة وإيران، قضية الثأر لسليماني على هامش المفاوضات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي قبل أن تتعثر في مارس (آذار) الماضي، كما أكد العديد من المصادر. وفي وقت لاحق، أكدت إيران تراجعها عن طلب رفع «الحرس الثوري» عن قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك بعدما ذكرت وسائل إعلام أميركية أن واشنطن اشترطت خفض التصعيد الإقليمي والتخلي عن أي محاولات مستقبلية للثأر عن مقتل سليماني، كأحد الشروط الأساسية لإزالة «الحرس الثوري» من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية.
في أبريل الماضي، قال قائد الوحدة البحرية في «الحرس الثوري» علي رضا تنغسيري إن إيران رفضت عروضاً بالحصول على تنازلات مقابل تخليلها عن خطط الثأر لمقتل سليماني. وقبله بأيام، قال قائد القوات البرية في «الحرس الثوري» محمد باكبور إن «قتل كل القادة الأميركيين لن يكفي للثأر لدماء سليماني، علينا أن نتبع خطى سليماني ونثأر لمقتله بأساليب أخرى».
وتقول حكومة الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي إن قضية سليماني «مبدأ رئيسي في سياستنا الخارجية لمحاسبة المسؤولين». وناقش وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته إلى بغداد، الطلب الإيراني لتقديم شكوى عراقية ضد المسؤولين عن مقتل سليماني في سياق مساعي طهران للحصول على اعتراف رسمي من العراق بأنه كان «ضيفاً رسمياً» أثناء مقتله في بغداد.
- تصنيف «الحرس»
يأتي تهديد حاجي زاده في وقت نفى فيه المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، تقريراً لصحيفة «تلغراف» البريطانية، كشف عن ضغوط يمارسها دبلوماسيون في إدارة جو بايدن لعرقلة خطة بريطانية بتصنيف «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب.
وأفادت الصحيفة البريطانية، الأربعاء، بأن وزارة الخارجية الأميركية، التي تحاول إحياء الاتفاق النووي المتداعي، تعتقد أن بريطانيا «يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً بوصفها أحد أطراف التفاوض، وتخشى أن يتم تقويض هذا الدور من خلال تصنيف (الحرس الثوري) على قائمة الإرهاب».
تعليقاً على التقرير، قال برايس لإذاعة «صوت أميركا»» الفارسية إن «موقف إدارة بايدن من (الحرس الثوري) واضح، فهذه المؤسسة تعرضت لعقوبات أميركية أكثر من أي مؤسسة أخرى على هذا الكوكب، بالإضافة إلى ذلك، فرضنا عقوبات بشكل منتظم على قادة (الحرس الثوري) فيما يتعلق بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان».
وأكد برايس ترحيب واشنطن بالعقوبات البريطانية الأخيرة التي طالت عدداً من قادة «الحرس الثوري»، بسبب دورهم في قمع الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة بدعوى «سوء الحجاب».
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن «محاولة بعض الناس ووسائل الإعلام إذلال المسؤولين الأميركيين من خلال نشر روايات كاذبة تماماً أمر مخز».
وذكر أيضاً: «نظرتنا للحرس الثوري الإيراني لم تتغير على الإطلاق، بينما نشجع حلفاءنا وشركاءنا على استخدام جميع الأدوات المناسبة للضغط على الحرس الثوري، الآن الأمر متروك لكل دولة أو كتلة دول لاتخاذ القرار». التعيينات مناسبة للصلاحيات القانونية القائمة ولصالحها».
- كروز بعيد المدى
في الأثناء، أعلن حاجي زاده عن تطوير صاروخ كروز يبلغ مداه 1650 كلم، وذلك في خطوة من المرجح أن تثير المخاوف الغربية بعد استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية الصنع في حرب أوكرانيا، حسب «رويترز».
وقال علي حاجي زاده: تمت إضافة صاروخنا من طراز كروز بمدى يبلغ 1650 كيلومتراً إلى ترسانة صواريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية». وبث التلفزيون ما قال إنها أولى اللقطات التي تظهر صاروخ (باوه) الجديد. وكان آخر صاروخ كروز بعيد المدى كشفت عنه إيران يعود إلى فبراير (شباط) 2019، ويصل مداه إلى 1350 كلم، والذي يحمل اسم «هويزه».
وأضاف حاجي زاده في تصريحاته المتلفزة أن إيران «قادرة الآن على ضرب سفن أميركية من على بعد ألفي كيلومتر». وتابع «أن «عدم تخطي هذا المدى هو مراعاة للأوروبيين الذين نأمل أن يحافظوا على احترام أنفسهم أيضاً»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
ووسعت إيران برنامجها للصواريخ، ولا سيما الصواريخ الباليستية، في تحد لاعتراضات الولايات المتحدة ورغم تعبير الدول الأوروبية عن القلق. وتقول طهران إن برنامجها دفاعي بحت وله طبيعة رادعة.
وتقول إيران إنها زودت موسكو بالطائرات المسيرة قبل بدء الحرب في أوكرانيا. واستخدمت روسيا الطائرات المسيرة لاستهداف محطات الكهرباء والبنية التحتية المدنية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن الولايات المتحدة لديها شكوك في تقارير تنقل عن حاجي زاده قوله إن إيران طورت صاروخاً باليستياً فرط صوتي.
- مقاتلات روسية لطهران
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، الجمعة، إن البيت الأبيض يعتقد أن موسكو قد تزود إيران بطائرات مقاتلة ومعدات عسكرية أخرى، في مقابل دعم إيران الواسع لحرب روسيا في أوكرانيا.
ونقلت «رويترز» عن كيربي قوله للصحافيين، إن الولايات المتحدة لديها معلومات بأن إيران شحنت دانات مدفعية ودبابات إلى روسيا في نوفمبر، وأن روسيا تقدم «تعاوناً دفاعياً غير مسبوق» في مقابل ذلك، بما يشمل الصواريخ والإلكترونيات والطائرات المقاتلة. وأضاف أن إيران تسعى أيضا لشراء طائرات هليكوبتر هجومية ورادارات وطائرات تدريب قتالية.
ليست المرة الأولى التي يعلق كيربي على احتمال صفقة مقاتلات بين روسيا وإيران. في نوفمبر تحدث كيربي عن تقييمات استخباراتية حول تدريب طيارين إيرانيين في روسيا.
وكانت تقارير قد أشارت إلى سعي إيران لشراء مقاتلات «سوخوي 35». وفي يناير الماضي، قال عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني شهريار حيدري، إن إيران ستحصل من روسيا على مقاتلات «سوخوي 35» في بداية العام الإيراني الجديد، أي بعد عيد «النوروز» الذي يصادف 21 مارس المقبل.
في وقت سابق من الشهر الحالي، أعلنت القوات الجوية الإيرانية عن تدشين قاعدة جوية تحت الأرض باسم «عقاب 44» في مكان غير معروف تحت الجبال.
وقال بيان للجيش الإيراني إن القاعدة الجديدة «قادرة على استقبال المقاتلات الجديدة التابعة لسلاح الجو الإيراني وتشغيلها»، من دون تفاصيل إضافية.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

مباراة رياضية فرنسية - إسرائيلية في أجواء متوترة بين البلدين

رجال أمن الأربعاء  في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
رجال أمن الأربعاء في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
TT

مباراة رياضية فرنسية - إسرائيلية في أجواء متوترة بين البلدين

رجال أمن الأربعاء  في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
رجال أمن الأربعاء في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)

حضور مميز سيحتشد مساء الخميس، في ملعب باريس الكبير لمشاهدة مباراة كرة القدم بين منتخبي فرنسا وإسرائيل. ونادرا ما أثارت مباراة رياضية جدلا وانقساما كالذي تثيره المباراة المشار إليها، كونها ستحصل وسط تعبئة أمنية وسياسية استثنائية. فالمبارزة الفرنسية - الإسرائيلية الرياضية تحل بعد أسبوع واحد على المباراة التي حصلت بين فريق أياكس الهولندي وفريق ماكابي - تل أبيب الإسرائيلي لكرة القدم في أمستردام، وأثارت لغطا كبيرا بسبب ما سبقها وأعقبها من استفزازات ومناوشات بين مشجعين إسرائيليين وصلوا بقوة وناهز عددهم الـ3 آلاف ومناصرين مؤيدين للفلسطينيين. وذهبت الاتهامات في كل اتجاه، أبرزها معاداة السامية واقتراف أعمال ذكرت بمآسي اليهود القرن الماضي، وفق الإعلام الغربي الذي غطى على استفزازات المشجعين الإسرائيليين في شوارع أمستردام وداخل الملعب. وكانت النتيجة أن موجة مزدوجة من التعاطف والتنديد انطلقت ولم تهدأ: تعاطف مع إسرائيل واليهود بما في ذلك من فرنسا وتنديد بما اقترفه المناصرون والمتعاطفون مع الفلسطينيين بسبب ما تعرفه حرب غزة من مجازر.

الرئيس إيمانويل ماكرون لدى وصوله الأربعاء إلى «كوليج دو فرنس» للمشاركة في طاولة مستديرة حول الاقتصاد (إ.ب.أ)

ولأن السلطات الفرنسية لا تريد تكرار «التجربة الهولندية»، ولأنها رفضت الاستجابة لدعوات إلغاء المباراة أو تأجيلها أو حتى نقلها من «ملعب فرنسا الكبير» الواقع في ضاحية سان دوني، على مدخل باريس الشمالي، إلى مدينة أخرى، فإن وزارة الداخلية عمدت إلى تعبئة أمنية استثنائية قوامها 4 آلاف رجل شرطة ودرك وعناصر أمنية أخرى، منهم 2500 سيعمدون إلى إقامة طوقين أمنيين في محيط الاستاد لتفتيش المشجعين من الطرفين والتأكد من هوياتهم الشخصية. والجديد أن عددا غير محدد من الشرطة والدرك سيكونون داخل الملعب، وهو أمر استثنائي. وفي المقابل، سيتولى 1500 عنصر أمني المحافظة على الأمن في شوارع باريس وفي أماكن التجمع الكبرى فضلا عن وسائل النقل العمومية.

وتفيد التقديرات بأن الحضور، بعكس الجو المتكهرب، سيكون هزيلا قياسا لقدرة استيعاب المكان، إذ ينتظر حضور ما بين 15 و20 ألف مشاهد، فيما سعة الملعب تصل إلى 80 ألف مشاهد، حيث إنه الأكبر في فرنسا. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية طلبت من الإسرائيليين عدم التوجه إلى باريس فيما الكثير من العائلات منعت أبناءها من حضور المباراة بسبب المخاوف من حصول أحداث أمنية.

وبالتوازي، فإن مظاهرة داعمة للفلسطينيين ستحصل في الوقت نفسه أمام مقر بلدية مدينة سان دوني، بدعوة من جمعيات داعمة للفلسطينيين ومن الحزب اليساري المتشدد «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق، جان لوك ميلونوشون، المتهم باتباع نهج غرضه استمالة أبناء الضواحي من أصول مهاجرة وعلى رأسهم العرب والمسلمون. وطالبت ماتيلد بانو، رئيسة المجموعة النيابية للحزب المذكور في البرلمان، الثلاثاء، بإلغاء المباراة، ولكن من دون طائل.

صدام بين مشجعين إسرائيليين وشباب في وسط أمستردام 8 نوفمبر 2024 (رويترز)

ونبه لوران نونيز، مدير الشرطة في باريس، من احتمال حصول أعمال شغب في باريس وفي وسائل النقل العمومية، الأمر الذي يفسر الانتشار الأمني الكبير المرتقب.

ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أمرين: الأول، التجمع الذي دعت إليه أحزاب ومنظمات يهودية متطرفة في باريس الأربعاء، عشية المباراة المشار إليها، بينها تنظيم «بيتار» اليهودي الصهيوني الذي له فروع في عدة دول غربية والذي يشبه الميليشيا إلى حد بعيد. والآخر، احتفال تحت شعار «إسرائيل إلى الأبد». ونشر ييغال براند، رئيس منظمة «بيتار» بيانا الأسبوع الماضي جاء فيه: «لقد شعرنا بالفزع مما حدث في أمستردام ومن رد فعل الحكومات... نحن نفخر بأننا صهاينة وليس لدينا أي سبب للاعتذار... سنجتمع يومي الأربعاء في باريس والخميس في مباراة كرة القدم التي يهددها الجهاديون أيضا».

والأمر الثاني، الحفل الذي دعت إليه شخصيات يهودية يمينية متطرفة في باريس تحت شعار «إسرائيل إلى الأبد» وكان من المنتظر أن ينضم إليه لبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وهو زعيم حزب ديني متطرف والذي طالب الاثنين بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ما يعني ضمها، الأمر الذي «أدانته» الأربعاء وزارة الخارجية الفرنسية قائلة إنه «يناقض منطوق القانون الدولي وينسف الجهود الساعية لخفض التصعيد في المنطقة»، ومكررة أن فرنسا «متمسكة بحل الدولتين... الطريق الوحيدة لتسوية عادلة ودائمة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي». إلا أن مجيء سموتريتش، بسبب التحفظات الرسمية الفرنسية واستفزازاته المتواصلة، قد طوي واستعيض عنه بكلمة له في الاحتفال «عن بعد».

عناصر مكافحة الشغب حول «ملعب فرنسا الكبير» الذي سيستضيف المبارزة الفرنسية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)

توتر بين باريس وتل أبيب

وتأتي المباراة وسط أجواء من التوتر بين فرنسا وإسرائيل بسبب ما حصل إبان الزيارة الأخيرة التي قام بها، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية جان نويل بارو إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث اعتقل الأمن الإسرائيلي عنصرين من الدرك الفرنسي مولجين بحماية القنصلية الفرنسية في القدس، ويتمتعان بالصفة الدبلوماسية، لأنهما منعا الأمن الإسرائيلي من الدخول إلى كنيسة تقع على جبل الهيكل وهي من الممتلكات الفرنسية وتتمتع بحماية فرنسا. وعمدت الخارجية الفرنسية إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في باريس، واعتبرت ما حصل «أمرا لا يمكن القبول به».

رغم ما سبق ورغم التشنجات بين الطرفين، فإن كبار الدولة الفرنسية حرصوا على إبراز تعاطفهم مع إسرائيل من خلال حضور مباراة الخميس، وسيكون الرئيس إيمانويل ماكرون على رأس الحضور الرسمي والى جانبه رئيس الحكومة ميشال بارنيه. كذلك وزير الداخلية برونو روتايو ومدير شرطة العاصمة لوران نونيز، إضافة إلى كثير من الوزراء والنواب الآخرين. وكلافتة استثنائية، سيوجد في الملعب، إلى جانب ماكرون، رئيسان سابقان للجمهورية، هما نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند. ومن الحضور اللافت رئيسة منطقة إيل دو فرنس التي تضم باريس والمدن المحيطة بها فاليري بيكريس، وقالت مصادر الإليزيه إن حضور ماكرون غرضه «توجيه رسالة أخوة وتضامن بعد الأعمال المعادية للسامية في أمستردام التي لا يمكن القبول بها». وكشفت مصادر أمنية أن هناك ما يقارب الـ200 مشجع سيرافقون الفريق الإسرائيلي الذي سيحظى بحماية أمنية خاصة.

وكان «مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي» قد أصدر توصية موجهة إلى الإسرائيليين في الخارج، داعيا إياهم إلى «الحيطة خصوصا في الأسبوع (الجاري) وتحاشي الوجود في اللقاءات الرياضية والأنشطة الثقافية التي يشارك فيها إسرائيليون تماما، خصوصا المباراة بين الفريقين الإسرائيلي والفرنسي».