متحدث «الخارجية الألمانية»: نهتم بمسار الإصلاح في السعودية... ومستعدّون لدعمه

دينيس كوميتات أكد لـ«الشرق الأوسط» إدانة برلين دور طهران «الإشكاليّ» في المنطقة

د.دينيس كوميتات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المركز الألماني للإعلام)
د.دينيس كوميتات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المركز الألماني للإعلام)
TT

متحدث «الخارجية الألمانية»: نهتم بمسار الإصلاح في السعودية... ومستعدّون لدعمه

د.دينيس كوميتات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المركز الألماني للإعلام)
د.دينيس كوميتات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المركز الألماني للإعلام)

أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومدير «المركز الألماني للإعلام»، د.دينيس كوميتات، «عمق» الشراكة بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية. وأشار إلى أن «برلين تراقب باهتمام عمليات الإصلاح السياسي والاجتماعي التي بدأها ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء (الأمير محمد بن سلمان)، والتي من شأنها تحديث الدولة، لا سيما دور المرأة»، مُعرباً عن «استعداد بلاده لدعم المملكة، لاتخاذ المزيد من الخطوات على هذا المسار».
وأضاف كوميتات، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «المملكة تلعب دوراً رئيسياً في السياسة الإقليمية في الكثير من النواحي، وبالتالي فهي شريك حوار مهم بالنسبة لبرلين». ضارباً المثال باليمن، قائلاً: «نرحّب بالدور السعودي البنّاء بشكل متزايد، كما نرحب بجهود (مجلس التعاون الخليجي) فيما يتعلق بسياسته نحو اليمن».
ووصف كوميتات الشراكة الاقتصادية بين برلين والرياض بـ«الوثيقة». وأشار إلى وجود الشركات الألمانية بشكل «متزايد» في المملكة. وأعرب عن ترحيب بلاده باستهداف الرياض لأن تصبح لاعباً عالمياً في مجال إنتاج الطاقة الحديثة والمستدامة.
وقال إن «أهداف التوسع في الطاقات المتجددة بحلول عام 2030 لتصل إلى 30 في المائة من مزيج الكهرباء مقارنةً بأقل من واحد في المائة حالياً، هي أهداف طموحة للغاية، وألمانيا سعيدة بتقديم الدعم في هذا المجال».
وأشار المتحدث الرسمي الألماني إلى ما وصفها بـ«الشراكة الخاصة» مع الرياض في مجال الهيدروجين، لا سيما مع اعتماد برلين على استيراد الهيدروجين الأخضر لتحقيق هدفها، المتمثل في خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2045، وقال إن «السعودية تتمتع بمقوّمات ممتازة لإنتاج وتصدير الهيدروجين».
وتنظر ألمانيا «بقلق بالغ» إلى تطورات السياسة الداخلية والخارجية فيما يتعلق بإيران. وقال كوميتات إن «النظام في طهران يتعرض لضغوط كبيرة من شعبه للانفتاح، لكنه لا يرد على ذلك بالحوار، بل بالقمع الوحشي والتعسف والعنف»، مؤكداً إدانة بلاده لذلك «بأشد عبارات الإدانة».
كما أشار كوميتات إلى إدانة بلاده ما وصفه بـ«الدور الإشكالي» الذي تلعبه إيران في المنطقة، في دول مثل سوريا، وإلى حدٍّ ما العراق، فضلاً عن «قلق ألمانيا إزاء التحركات المتزايدة بعيدة المدى للسياسة النووية التي تنتهجها إيران»، وأكد ضرورة العمل «لتجنب تصعيد نووي».
وقال المتحدث الرسمي الألماني إنه «من المفهوم أن دول الخليج العربي تنظر إلى طهران بتشكك كبير، وهو ما ناقشته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بالتفصيل، خلال لقائهما في إطار مؤتمر ميونيخ للأمن». وأضاف أن «بلاده ستواصل الاعتماد على الدبلوماسية والحلول السياسية في هذا الشأن، فمن المهم أن تظل قنوات الحوار مفتوحة رغم التوترات».
وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وإمكانية التفاوض لحلها، أكد مدير «المركز الألماني للإعلام» أن «أوكرانيا وحدها هي التي تقرر ما إذا كانت ستُجري مفاوضات، ومتى سيكون ذلك، وما سيكون مضمونها». مشيراً إلى أن «الشعب الأوكراني يدافع عن نفسه ضد روسيا التي اعتدت على أراضيه». وقال إن المستشار الألماني أكد مراراً وتكراراً في حديثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هاتفياً، أنه «يتوجب عليه إنهاء هذه الحرب العدوانية غير الشرعية، وسحب قواته».
ولفت كوميتات إلى أن «الحكومة الألمانية دعمت، على سبيل المثال، (الأمم المتحدة) وتركيا في الحث على تمديد صفقة الحبوب». وقال إن «برلين تقف دبلوماسياً مع (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لتوفير الحد الأدنى على الأقل من الأمن للمنشآت النووية المدنية في أوكرانيا، التي تهددها تصرفات روسيا».
وجدّد المتحدث الرسمي الألماني تأكيد موقف الحكومة الألمانية الرامي إلى حل النزاع في الشرق الأوسط، وقال إن برلين لديها علاقات «قوية»، مع طرفَي الصراع (فلسطين وإسرائيل)، ومع اللاعبين الدوليين الرئيسيين في النزاع، وهي على تواصل «وثيق» معهم. مؤكداً أنه «من المهم لألمانيا أن يستمر الطرفان في السعي وراء إمكانية تحقيق حل الدولتين على أساس اتفاقية (أوسلو)».
وبشأن تصورات برلين لحل الأزمة السياسية في ليبيا، لا سيما مع انخراطها منذ سنوات في هذا الملف، وتنظيمها الكثير من المؤتمرات، قال كوميتات إن «ألمانيا تستهدف تعزيز العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في البلاد، حتى يمكن إعادة توحيدها سياسياً وإحلال السلام الدائم».
وتنتظر برلين خطة الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، عبد الله باتيلي، والمقرر أن يعرضها قريباً على «مجلس الأمن». وزار باتيلي، مؤخراً برلين، حيث ناقش مع وزيرة الخارجية الألمانية، وآخرين، «كيف يمكن للمجتمع الدولي تطوير طريق قوية لليبيين، للمضيّ قدماً، وكيف يمكن لعملية برلين أن تدعم ذلك»، حسب كوميتات الذي أكد «استمرار انخراط برلين في هذا الملف».
وفيما يتعلق بالشأن السوري، أكد كوميتات أن «ألمانيا لن تتخلى عن الناس في سوريا، الذين يعانون من الحرب وعواقبها منذ أكثر من عشر سنوات، والذين اضطر بعضهم إلى الفرار عدة مرات، وهم الآن في حداد على أقاربهم تحت الأنقاض». وأشار في هذا الصدد إلى أن «ألمانيا ثاني أكبر مانح لسوريا، حيث قدمت العام الماضي وحده ما يزيد على 1.8 مليار يورو».
وزادت «كارثة الزلزال»، من التزام برلين الإنساني في سوريا بمبلغ قدره 50 مليون يورو. وقال كوميتات: «سوف نستمر في التطلع إلى المستقبل أكثر والمساعدة حيث تكون الحاجة ماسّة».
وحول ما إذا كانت «كارثة الزلزال» قد خلقت ديناميكية جديدة فيما يتعلق بإمكانية تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قال كوميتات إن «نظام الأسد مسؤول عن حرب وحشية ضد شعبه منذ أكثر من عقد من الزمان، والطريق الوحيدة للتطبيع هي من خلال تقديم تنازلات سياسية كبيرة وقابلة للتحقق منها، في إطار عملية جنيف التي تقودها (الأمم المتحدة)». وأشار إلى أنه «للأسف، لا يوجد حالياً أي مؤشرات على تحقق ذلك».
وتعمل ألمانيا منذ سنوات بشكل «وثيق» مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق في مكافحة تنظيم «داعش»، ومعالجة آثاره. وقال كوميتات إنه «إضافةً إلى تقديم المساعدات الإنسانية، فإن برلين تدعم أيضاً مشاريع إعادة دمج النازحين داخلياً في العراق؛ كما تواصل وجودها العسكري في العراق». وأشار إلى أنه «لحُسن الحظ، لم يعد تنظيم (داعش) يسيطر على أي أرض، وإن كان يواصل شن الهجمات، والعمل في السر بطريقة تزعزع الاستقرار»، وقال: «يجب أن يكون هدفنا ألا يحصل ممثلو تلك الآيديولوجية على فرصة للاقتراب من ممارسة شبه الدولة للسلطة مرة أخرى».
وأكد كوميتات أن «ألمانيا تولي اهتماماً كبيراً لمصير الإيزيديين، في العراق، وتدعمهم في عدة نواحٍ، من خلال برامج الاستقبال الوطنية»، ففي 19 يناير (كانون الثاني) صنف البوندستاغ الألماني رسمياً الجرائم التي ارتكبها تنظيم «داعش» ضد الإيزيديين بوصفها «إبادة جماعية».
وبشأن الوضع في السودان، تعمل ألمانيا منذ إدانتها ما تصفه بـ«الانقلاب العسكري» في عام 2021، مع شركاء دوليين لـ«ضمان أن يُعيد الجيش السلطة إلى حكومة يقودها مدنيون، وأن يستمر السودان في المُضي قُدماً على طريقه نحو الديمقراطية»، وفقاً لكوميتات، الذي أكد أن بلاده «تَعد الاتفاقية الإطارية في ديسمبر (كانون الأول) 2022 أفضل أساس لتحقيق ذلك، وتدعم جهود الوساطة التي تبذلها (الأمم المتحدة) و(الاتحاد الأفريقي)، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية بوصفها السبيل الوحيد لحل الأزمة».
وتُدين برلين «العنف والاعتقالات التعسفية للمتظاهرين السلميين»، وهي الرسالة التي «نقلها وفد من ألمانيا ودول أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مختلف الجهات الفاعلة في الخرطوم، مؤخراً»، حسبما أفاد المسؤول الألماني.
وكانت الصراعات في الشرق الأوسط سبباً في زيادة عدد المهاجرين إلى أوروبا، وعن هذا يقول كوميتات إن «بلاده استقبلت في السنوات الأخيرة عدداً كبيراً من الأشخاص من العالم العربي، كثير منهم كانوا مصابين بصدمات نفسية بعد ما عاشوه من تجارب حرب مروّعة». وأضاف أنه «رغم أنه ليس من السهل التعامل مع مثل هذه التجارب من العنف والاقتلاع من الجذور، وفي نفس الوقت بناء حياة جديدة تماماً، فإن الحكومة الألمانية تعمل من أجل ضمان ذلك». وأشار كوميتات إلى الخبرات الألمانية في موضوع الاندماج، عبر الكثير من النماذج «الناجحة بشكل مذهل». وقال: «تمكّن هؤلاء الأشخاص من بناء مستقبل في ألمانيا، غالباً من خلال العمل الجاد، وعادةً من خلال المسار التقليدي لاكتساب اللغة والتدريب والدراسة، وأخيراً الاندماج في سوق العمل. لقد أصبحوا -وأطفالهم- جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الألماني».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تحذير سعودي من تقويض جرائم إسرائيل السلامَ في المنطقة

TT

تحذير سعودي من تقويض جرائم إسرائيل السلامَ في المنطقة

جانب من أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض الاثنين (واس)
جانب من أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض الاثنين (واس)

جددت السعودية، الاثنين، إدانتها ورفضها القاطع للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وراح ضحيتها أكثر من مائة وخمسين ألفًا من القتلى والمصابين والمفقودين، معظمهم من النساء والأطفال.

وأكد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، لدى افتتاحه أعمال القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض، أن استمرار إسرائيل في جرائمها بحق الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى، والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإحلال السلام في المنطقة.

وأشار إلى أن السعودية تشجب منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من الأعمال الإغاثية في الأراضي الفلسطينية، وإعاقة عمل المنظمات الإنسانية في تقديم المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطيني الشقيق.

وأكد الأمير محمد بن سلمان وقوف بلاده إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل، داعياً المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين بالوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية على الأشقاء في فلسطين ولبنان.

وقال الدكتور هشام الغنام، الخبير غير المقيم بمركز «مالكوم كير - كارنيغي»، إن البيانات الرسمية السعودية وصفت عدوان إسرائيل بـ«الإبادة الجماعية» ضد الفلسطينيين في غزة «وهذه أعلى مستويات الإدانة لانتهاكات إسرائيل الجسيمة لحقوق الإنسان».

تمثيل فلسطين

«السعودية تنظر إلى السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها كياناً رئيسياً يمثل الفلسطينيين في التفاوض على السلام وتمثيل المصالح الفلسطينية دولياً»، وفقاً للغنام الذي أضاف أن السلطة الوطنية الفلسطينية تقوم بدور محوري في أي عملية سلام تهدف إلى حل الدولتين.

ومن خلال إشارة السعودية إلى أن إسرائيل تنتقص من دور السلطة الوطنية الفلسطينية، يرى الباحث السعودي أن الرياض تشير إلى أن الأفعال العدوانية الإسرائيلية تضعف قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الحكم بشكل فعّال، أو قدرتها على الحفاظ على النظام والاستقرار داخل الأراضي الفلسطينية.

وتابع: «من أبرز الأفعال الإسرائيلية، إضافة إلى عدوانها المستمر العسكري على الشعب الفلسطيني الأعزل، هو توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، التي تعدُّ غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتقلل من الأراضي المتاحة للدولة الفلسطينية المستقبلية».

يضيف الغنام أن السعودية تشير إلى الحقوق الفلسطينية الأساسية، كما هو موضح في القرارات الدولية المختلفة، مثل الحق في تقرير المصير، وحق العودة للاجئين، وإقامة دولة مستقلة. ووفقاً للمملكة، فإن إسرائيل تعوق هذه الحقوق بشكل ممنهج.

وقال الدكتور علي دبكل العنزي، أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، إن «الموقف السعودي الذي تمثل في كلمة المملكة تتشكل حوله مواقف عربية وإسلامية ودولية داعمة، ومنددة بما تفعله إسرائيل بالشعبين الفلسطيني واللبناني؛ فمن شجب وإدانة العدوان على غزة ولبنان إلى استنكار الاعتداء على إيران».

موقف ورسائل

أشار العنزي إلى أن رسائل الرياض تفيد بأن «المملكة ستقود كل الجهود لإيقاف الاعتداءات على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وستسعى للضغط على الدول المؤثرة لتنفيذ حل الدولتين».

ويرى أن تسمية السعودية ما تقوم به إسرائيل بـ«الجرائم» دلالة على موقف سعودي قوي تجاه دعم القضية الفلسطينية، والضغط على داعمي سلطات الاحتلال لأهمية إحياء عملية السلام، وقبول إسرائيل بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

ونوّه أستاذ الإعلام بأن «السعودية استبقت أي مواقف سوف تصدر عن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بعقد هذه القمة؛ لحشد موقف عربي إسلامي ضاغط على إدارته، وأيضاً توحيد الرؤى والمواقف العربية والإسلامية».

وأكد أن السعودية لن تقبل بالحلول الجزئية أو الهدنة المؤقتة، بل تسعى جاهدة للوصول إلى عدة أمور، تتمثل في وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية، ووقف التهجير القسري في غزة، كذلك وقف الاعتداء على لبنان، وحل القضية حلاً عادلاً بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

وأوضح العنزي أن الجهود الدبلوماسية والسياسية التي قادتها السعودية منذ القمة الماضية أدت إلى اعتراف 149 دولة بدولة فلسطين، وكذلك تشكيل تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين، وعقد اجتماعه الأول في الرياض بمشاركة 90 دولة ومنظمة أممية.

بدوره، أكد الدكتور مطلق المطيري، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود، على أن الرياض تعاملت منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية العام الفائت مع أهداف تلك العملية المتمثلة بتصفية القضية الفلسطينية أرضاً وإنساناً وموضوعاً، وعلى هذا كثفت المملكة الجهود الدبلوماسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقبولها عضواً في الأمم المتحدة.

وقال المطيري إن دعوة المملكة لتحالف دولي للاعتراف بدولة فلسطين، بغض النظر عن موقف إسرائيل أو قبولها، حققت انتصاراً سياسياً بآلية دولية تجعل من تصفية القضية الفلسطينية أمراً مستحيلاً، مضيفاً أن موقف المملكة ينطلق من مبدأ ثابت في السياسة السعودية، وهو أن فلسطين دولة عربية ووجودها مسؤولية عربية.

أما فيما يخص الجانب الإنساني، فيقول أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود إن السعودية عملت على تقديم المساعدات الإنسانية، سواء لغزة أو لبنان، وفق آلية توصيل المساعدات وضمان استمرارها، وإبعاد المساعدات الإنسانية عن أي اعتبار عسكري أو سياسي أو حتى تفاوضي، وقال: «لعل دعم المملكة لوكالة (الأونروا) يعزز التأكيد على الموقف السعودي الذي يعمل على سلامة الإنسان في فلسطين أو لبنان، وتقديم ما يضمن سلامته وصحته... الظرف صعب وقاسٍ ولكن الإصرار على تقديم المساعدات فعل مطلوب ولا خيار يعوضه أياً كان».