يتسبب «تمدد الإرهاب» في قارة أفريقيا بوتيرة «متسارعة» في العديد من التبعات الأمنية والإنسانية، على جانب تبعات اقتصادية قد «تُفاقم» المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها القارة بالفعل. في هذا السياق، أدرجت «مجموعة العمل المالي» المعنية بمكافحة الجرائم المالية وغسل الأموال، (الجمعة)، جنوب أفريقيا ونيجيريا على «القائمة الرمادية» للبلدان التي تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لتحسين قدرتها على مكافحة الجريمة المالية، في قرار «يُعرض أكبر اقتصادين في القارة لمزيد من التدقيق من قبل المستثمرين والمصارف حول العالم».
ومجموعة العمل المالي (FATF)، هي هيئة دولية غير حكومية مقرها باريس، ومهمتها وضع معايير «فعالة» لمكافحة غسل الأموال، وتمويل «الإرهاب»، ويتم تحديد الدول «الملتزمة»، أو «المقصرة» في هذه المجالات، عبر تقييم سنوي لها من خلال ما يعرف بـ«مجموعة مراجعة التعاون الدولي».
وتُصنف «مجموعة العمل المالي» الدول إلى «قائمة سوداء»، وتضم الدول التي لديها أوجه قصور استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل «الإرهاب»، إذ تدعو المجموعة جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير مضادة بحقها. في حين تضم «القائمة الرمادية» الدول الخاضعة للمتابعة المتزايدة، وهي تلك التي تعمل مع «مجموعة العمل المالي» لمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل «الإرهاب»، إذ تتعهد هذه الدول بـ«اتباع خطة العمل المحددة للوفاء بمعالجة أوجه القصور».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أشخاص وكيانات عدة في جنوب أفريقيا، متهمين بالانتماء إلى تنظيم «داعش»، فيما عده خبراء بمثابة «جرس إنذار» لبريتوريا، و«دليلاً جديداً على اختراق النظام المالي من قبل المنظمات (الإرهابية) لتمويل أنشطتهم في جنوب القارة الأفريقية». ودقت السفارة الأميركية في جنوب أفريقيا «ناقوس الخطر»، مرتين بشأن «الإرهاب» في البلاد، حيث أصدرت في أكتوبر (تشرين الأول)، ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، إنذارين أمنيين بشأن هجمات «إرهابية» محتملة في البلاد.
وفي نيجيريا، ومنذ العام 2009، أسفرت هجمات «إرهابية» نفذتها جماعة «بوكو حرام»، عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وتسببت بتشريد الملايين، كما بدأ التنظيم منذ 2015، شنّ هجمات في دول مجاورة مثل الكاميرون وتشاد والنيجر. و«بوكو حرام» تنظيم «إرهابي» تأسس في يناير (كانون الثاني) 2002، وأعلن في مارس(آذار) 2015 ارتباطه بـتنظيم «داعش».
وبدأ الناخبون النيجيريون (اليوم السبت) الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، وسط مخاوف أمنية واقتصادية في البلاد هيمنت على حملات المرشحين.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» رأى بدر الزاهر الأزرق، أستاذ قانون الأعمال والاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن قرار «مجموعة العمل المالي» بشأن نيجيريا وجنوب أفريقيا «لم يكن مفاجئاً، وأنه يعني أن التنظيمات (الإرهابية) تستفيد من ثغرات الأنظمة المصرفية في البلدين».
وتوقع الأزرق أن يكون للقرار «نتائج سلبية على الاقتصاد، لا سيما أن البلدين يوليان اهتماما كبيرا للاستثمارات الأجنبية، والتمويلات الدولية، التي تولي بدورها أولوية خاصة لسلامة الأنظمة المصرفية، وشبكات التعامل المالي، وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا على مستوى تحديث التشريعات وتوسيع نطاق عمل مؤسسات المراقبة بغية تسريع الخروج من هذه القائمة».
واعتقد الأزرق أن «تمدد (الإرهاب) في القارة يتسبب في إبعاد للمستثمرين وإحجام للدول والمؤسسات المالية عن التعامل مع الدول التي تشهد تمدداً (للإرهاب)، وهي الخسائر التي قدرت عام 2021 بالنسبة للاقتصاد الأفريقي بأكثر من 170 مليار دولار».