بكين تراجع عواقب تجربة موسكو قبل شن «مغامرة» في تايوان

في ظل تمدد الصراع... من رقائق الكومبيوتر إلى مناطيد التجسس

صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
TT

بكين تراجع عواقب تجربة موسكو قبل شن «مغامرة» في تايوان

صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)

كشفت أزمة المناطيد التي أسقطتها المقاتلات الأميركية، في الأسابيع الأخيرة، أن الرهان على احتمال حصول انفراجة سريعة وعميقة في العلاقات الأميركية - الصينية، لا يزال مستبعداً، ما لم يكن قد تعقَّد أكثر؛ فإلغاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رحلته إلى الصين شكّل خطوة إلى الوراء في العلاقات التي تزداد توتراً بين البلدين. وبدلاً من أن يؤدي الاجتماع الذي جمعه بنظيره الصيني، وانغ يي، على هامش «اجتماع ميونيخ»، إلى تحقيق انفراجة سياسية وأمنية، فإنه عمَّق المأزق الدبلوماسي بينهما، واعتبر إصرار الدبلوماسي الصيني على رواية بلاده بالنسبة لحادثة المنطاد إشارة إلى أن الصين ليست مستعدة بعد لإعادة «تنظيم الخلاف»، على الأقل في هذه المرحلة، رغم خفض الولايات المتحدة خطابها عن الحادثة.

يعتبر البعض أن واشنطن نجحت في تحميل الصين المسؤولية عن الفشل في خفض التوتر، وأيضاً نجحت في إحراجها أمام الأوروبيين، الذين استمعوا إلى خطاب صيني يتهم الولايات المتحدة بإطالة الحرب في أوكرانيا، وبأنها لا تهتم بحياة الأوكرانيين أو موتهم، ويطالبهم بالابتعاد عنها والتقرّب من بكين.
ولكن عندما طُلب من الوزير الصيني، وانغ يي، طمأنة العالم بأن التصعيد العسكري الصيني في تايوان واحتمال غزوها «ليس وشيكاً»، رفض وانغ الإجابة. بل قال: «اسمحوا لي بأن أؤكد للجمهور أن تايوان جزء من الأراضي الصينية. لم تكن دولة قط، ولن تكون دولة في المستقبل».
مع هذا، تعرّضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لانتقادات من قبل العديد من السياسيين والمحللين الأميركيين، الذين رأوا أن تأجيل زيارة بلينكن، والتقليل من حادثة المنطاد، أديا إلى خسارة فرصة سانحة لتحويل خطأ الصين الفادح إلى فرصة دبلوماسية. كذلك رأوا أن الصين كانت مُحرَجة من الحادث، وأن إبداءها «الأسف» يُعد شكلاً دبلوماسياً من أشكال الاعتذار.
من جهة ثانية، بدلاً من أن يرسل الرئيس بايدن وزيره بلينكن لطلب زيادة الشفافية وتقليل المخاطر من الرئيس الصيني شي جينبينغ، نجحت الصين نسبياً في سرد روايتها الخاصة، منتقدة «الاستعمال المفرط للقوة». وادعت، في الوقت نفسه، من دون أي دليل، أن مناطيد أميركية انتهكت أراضيها أيضاً. وبالتالي، وفق القراءتين الأميركية والصينية للاجتماع، بدا أنه لم يكن ثمة تقدم في القضايا التي ناقشها بلينكن ووانغ. ولم يعلن عما إذا اتُّفق على برمجة جديدة لزيارته الصين، ولم يُحدد موعد للمكالمة الهاتفية بين بايدن وشي، مع أن الطرفين لم يعلنا عن وقف ترتيباتها.

- لا اعتذار صينياً عن حادثة المنطاد
الجانب الأميركي قال إن بلينكن أبلغ وانغ بأن تحليق منطاد التجسس الصيني «يجب ألا يحدث مرة أخرى أبداً». وذكر بلينكن بعد ذلك أن وانغ «لم يقدم أي اعتذار». أيضاً واجه بلينكن وانغ بشأن مساعدة الصين لروسيا، وهدد بعواقب غير محددة، إذا قررت بكين تزويد موسكو بمساعدات قاتلة. في المقابل، تفاخر الجانب الصيني بأن الولايات المتحدة هي التي طلبت الاجتماع. وذُكر أن وانغ أبلغ بلينكن بأنه يجب أن «يعترف ويصلح الضرر الذي تسبب فيه الاستخدام المفرط للقوة على علاقات البلدين»، مطالباً الولايات المتحدة بشكل أساسي بتقديم الاعتذار.
يرى البعض هنا أن إدارة بايدن لا تريد الظهور بمظهر المتساهل مع بكين، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تقدم لبكين فرصة لتنفيذ تهديداتها ضد الطائرات الأميركية التي تحلق على طول الساحل الصيني لجمع معلومات استخباراتية، وكذلك السفن الأميركية في المياه القريبة.
اليوم، بعدما غزت الصين الفضاء الإلكتروني للولايات المتحدة، ها هي تغزو الأراضي المادية للولايات المتحدة. ورغم ذلك، كان الجيش الأميركي حذراً في تجنب الاستجابات السريعة للاختراقات الجوية والبحرية غير المهدّدة، لتجنب خطر تفجير الطائرات المدنية أو حتى طائرات الاستطلاع التي تدخل عن غير قصد الأجواء الإقليمية؛ فـ«البنتاغون» (وزارة الدفاع) لا يريد أن تكون الولايات المتحدة في موقع رد الفعل، لا سيما أن المناخ الدولي المتغير جراء الحرب الروسية في أوكرانيا يقدّم لواشنطن فرصة كبيرة للنجاح في محاصرة الصين وردعها سلمياً، من دون طلقة رصاص.

- صعوبات في موازنة القوة الأميركية
عندما غزت روسيا أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، حاول قادة الصين تحقيق التوازن بين مصلحتين أساسيتين لا يمكن التوفيق بينهما، هما:
- تعزيز تحالف الصين مع روسيا لموازنة القوة الأميركية وتخفيف الضغط الاستراتيجي المتزايد من الغرب.
- ومحاولة السعي لتجنب العقوبات الأحادية والمنسقة التي تستهدف الشركات الحكومية والخاصة والمؤسسات المالية الصينية.
أما اليوم، بعد سنة من الحرب، بدا أن بكين باتت تواجه صعوبات أكبر في الحفاظ على هذا التوازن، الأمر الذي عده العديد من المحللين نوعاً من «الهجوم الدفاعي»، بعدما تبين لها حجم المأزق الذي تعانيه روسيا. وبعدما كشفت عن إمكاناتها وقدراتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية، رفعت سقف التوتر، للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد 3 سنوات من سياسة العزلة التي مارستها جراء جائحة «كوفيد - 19».
وفق تقرير في «فورين أفيرز» كانت بكين لا تزال ترفض بشكل عام بيع الأسلحة لروسيا، والالتفاف على العقوبات نيابة عنها؛ فالحفاظ على الوصول إلى الأسواق العالمية أهم بالنسبة إليها من أي ارتباط اقتصادي بروسيا. ورغم ذلك، أيَّدت حجج موسكو للصراع، ونسقت معها دبلوماسياً، رغم امتناعها الحذر من التصويت في الأمم المتحدة.
كذلك استفادت الصين بشكل كامل من النفط الروسي، وعززت روابطها الاقتصادية مع الروس في المجالات التي لا تنتهك العقوبات الغربية. وبحسب بيانات تجارية، فقد ارتفعت التجارة بين الصين وروسيا بنسبة كبيرة، بلغت 34.3 في المائة في عام 2022، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 190 مليار دولار. وحقاً يشير التصعيد الصيني الأخير إلى أن بكين تناضل للعثور مجدداً على «نقطة توازن مقبولة» بعد تعمّق المأزق الذي تعانيه الدول المؤيدة «للتعددية القطبية»، جراء النكسات التي تعرضت لها روسيا. لا، بل تعلمت بكين أيضاً دروساً مهمة عن حملة العقوبات التي يقودها الغرب، خصوصاً إذا استمر التوتر معه وتصاعد، ما قد يؤدي إلى توجيه هذه الأسلحة الاقتصادية نفسها ضد الصين.

- أول عقوبات على «اقتصاد رئيسي»
هذا، ومع أن نظام العقوبات الأميركية والغربية استهدف، في السابق، اقتصادات غير رئيسية أو حتى هامشية؛ من إيران والعراق، إلى كوبا وكوريا الشمالية والسودان، فإن الحرب الأوكرانية شكلت أول اختبار حقيقي لمعاقبة «اقتصاد رئيسي»، كاقتصاد روسيا.
قد يكون من المبكّر أن تستخلص الصين الدروس الكاملة من العقوبات الغربية ضد روسيا. لكن لا شك أنها فوجئت، مثلها، بشدة الرد الغربي على مهاجمة أوكرانيا.
عام 2014، عندما اجتاحت روسيا شبه جزيرة القرم، وغزت إقليم الدونباس، خلصت مع الصين، إلى أن الغرب، خصوصاً حلفاء واشنطن، سواء في أوروبا أو في آسيا، يفضلون تحاشي المخاطرة، ولن يدعموا العقوبات المكلفة التي قد تؤثر عليهم أيضاً. إلا أن هجوم فبراير (شباط) 2022، اختلف هذه المرة؛ فالعقوبات التي احتاجت إلى أشهر وسنوات من المفاوضات لفرضها على إيران، مثلاً، لم تحتَجْ هذه المرة سوى إلى أسبوع واحد لتُفرض على روسيا.
وفي الواقع، تحرك الغرب بسرعة أكبر مما كان يعتقد كثيرون لوقف «الإدمان» على النفط الروسي، بل وطرح الغرب «سقفاً» لأسعاره، مع ضمان استمرار إمداد أسواق الطاقة. وعندما رأى الغرب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى، ليس فقط لاحتلال المزيد من الأراضي في أوكرانيا، بل للاستيلاء عليها بالكامل، وتهديد أمن القارة الأوروبية واستقلالها، تحول نطاق الاستجابة للعقوبات إلى حرب اقتصادية شاملة فورية.
هذا شكّل حدثاً فريداً من نوعه؛ إذ لم يسبق أن تعرض أي اقتصاد قريب من حجم الاقتصاد الروسي لمثل هذه الإجراءات منذ الحرب العالمية الثانية؛ فروسيا عاشر أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وإنتاجها النفطي اليومي يقترب من 11 مليون برميل يومياً، أي ما يقرب من 3 أضعاف إنتاج النفط في إيران، في ذروته عام 2005. وكذلك كانت روسيا أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي في العالم والمورّد الرئيسي للسلع والمدخلات العالمية الرئيسية؛ من الأسمدة والحبوب إلى التيتانيوم.
ومع أن روسيا، مثل الصين، دولة نووية، وتمتلك حق النقض في مجلس الأمن، وعضو أساسي في العديد من المؤسسات العالمية، فإن اقتصادها أصغر بعشر مرات من اقتصاد الصين، ثم إن حضور الصين في الاقتصاد الدولي من حيث التجارة والاستثمار وتدفقات رأس المال يقزّم روسيا اقتصادياً أمام الولايات المتحدة، ناهيك من الاتحاد الأوروبي، لكن ما جرى، العام الماضي، طرح تساؤلات ضخمة على القيادة الصينية، عمّا إذا كان اقتصادها الذي يُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكبر من أن تُفرَض عليه عقوبات؟
قد تكون القيادة في بكين استوعبت بالفعل دروساً أساسية معينة. لكن ربما الأهم ليس تهربها من نظام العقوبات أو ابتكار أنظمة دفع أو تمويه ناقلات النفط وإخفاءها، بل يتعلق بالشراكات الدولية التي تقيمها؛ فالولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل بالاستفادة من تفوق تكنولوجياتها وأسواقها المالية وعملتها (الدولار). ومع هذا ما كان بإمكان عقوباتها التأثير على روسيا - التي لا تزال تقاوم تبعاتها حتى الآن - لولا الجهود المشتركة مع دول أخرى ضخمة اقتصادياً، مثل أستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
في المقابل، رغم قدرة الصين على ممارسة تأثير خطير على شركائها التجاريين، فإنها لا تمتلك تحالفاً مماثلاً، ولا تزال عرضة لعقوبات واسعة ومنسقة من الاقتصادات المتقدمة في العالم. وبالتالي، يرى البعض أن أي مستوى من العقوبات الاقتصادية مرتفع التكلفة على الصين. ولكن ما قد يُعد ردعاً حقيقياً أن بكين لا تستطيع مسبقاً معرفة مدى الضغط الذي قد تتعرّض له إذا أقدمت على «مغامرة أوكرانية» النموذج في تايوان.

- نظام مالي وعقوبات خاصة
تدعي بكين أنها حققت نجاحات أكبر من روسيا، وأنها خفضت جزءاً من احتياطياتها الأجنبية من الدولار الأميركي؛ من 79 في المائة عام 1995 إلى 59 في المائة عام 2016، بحسب «فورين أفيرز»، لكن لا إبلاغ عن مشتريات العملات الأجنبية لبنوكها الحكومية، ما يعني أن حيازات الصين الحقيقية من الدولار غير معروفة، وربما لم تنخفض بالنسبة المعلَن عنها. وبعكس روسيا، لا تستطيع الصين تحويل أي من احتياطياتها الأجنبية إلى عملتها الوطنية (الرنمينبي). كما أن الاقتصادات التي لديها القدرة على استيعاب جزء معتبَر من احتياطياتها الأجنبية جزء من التحالف الذي وقف ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا. وعليه، لا يُعرف أين يمكن أن تتجه لحماية نفسها من العقوبات.
يُضاف لما سبق أنه، رغم إطلاق بكين منصة مالية للدفع عبر الحدود بين البنوك، شبيهة بنظام الدفع الروسي (مير)، الذي فشل بسبب العقوبات الأميركية، لم يسجل سوى انضمام 1300 مؤسسة للمنصة الصينية، غالبيتها تقريباً من دول هامشية اقتصادياً، حتى نهاية مارس 2022، أي ما لا يمثل سوى نحو 10 في المائة من المؤسسات التي تستخدم نظام «سويفت»، وهذا يكشف صعوبة (بل استحالة) إقناع الاقتصادات المتقدمة بالانضمام إلى منصة الصين، رغم شراكتها التجارية مع معظم دول العالم.
طبعاً، لا يلغي كل ذلك أن بكين عملت، منذ سنوات، على مراجعة عميقة لحرب العقوبات الاقتصادية. وبينما كانت في السابق تنتقد عقوبات واشنطن على الدول الأخرى، وتعدّها غير شرعية؛ فقد كانت تشدد في المقابل على أن مجلس الأمن الدولي الجهة الشرعية، حيث بإمكانها، مع موسكو، استخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما فعلته بالفعل. لكنها بعدما وجدت أن أسلحتها الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية قد اكتملت، عمدت أحادياً إلى استخدام قوتها الاقتصادية (على الأقل) ضد خصومها، وهي فعلت ذلك بهدوء، وأحياناً لأسباب «صحية» أو «بيئية»، لمعاقبة الدول والشركات المختلفة معها، لكنها لم تعترف أبداً بأن إجراءاتها حقاً «عقوبات».
هذا ما حصل مع النرويج عندما منحت، عام 2010، جائزة «نوبل للسلام» لأحد المنشقين الصينيين، ما أدى إلى انهيار تجارة السلمون معها. كذلك أدت مطالبات الفلبين في بحر الصين الجنوبي، عام 2014، إلى إعلان صيني مفاجئ عن تلوث أطنان من الموز الفلبيني بالمبيدات الحشرية؛ ما أفقد الفلبين، في ذلك العام، واحدة من أكبر أسواقها التجارية. وأدى نشر كوريا الجنوبية نظام دفاع صاروخياً أميركياً تشغّله شركة كورية، إلى إغلاق بكين 90 متجراً من متاجر الشركة في الصين عام 2017، بحجة «السلامة من الحرائق». وأيضاً وجهت بهدوء قطاعها السياحي لخفض الرحلات الجماعية الصينية إلى كوريا الجنوبية، ما أدى إلى خسارة الأخيرة أكثر من 5 مليارات دولار من تلك العائدات.
وأخيراً، اعتمدت بكين نظام عقوبات مالية بدأ تطبيقه عام 2020، عبر فرض تجميد الأصول وحظر التأشيرات للمسؤولين من دول منافسة انتقدوا سياساتها تجاه إقليم شينجيانغ (سنكيانغ) أو هونغ كونغ، وذلك في تطبيق حرفي لبنود مأخوذة من عقوبات وزارات الخارجية والخزانة والعدل الأميركية.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.