تحت عنوان «الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة»، نشر «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي» - وهو مؤسسة دستورية استشارية - أخيراً رأياً استشارياً يحذّر من مشكلة «الأخبار الزائفة»، التي تَتَنَامَى على الصعيدين العالمي والوطني، وتَتَعاظَم مع الاستعمال المتزايد للهواتف الذكية وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي.
«المجلس» أطلق في إطار إعداده لهذا الرأي بشأن «الأخبار الزائفة» استشارة عبر منصّته الرقمية التشاركية «أشارك» لاستقصاء آراء المواطنات والمواطنين حول الموضوع، وذلك ما بين 6 مايو (أيار) و9 يوليو (تموز) 2022. وبلغ مجموع التفاعلات مع الموضوع 75 ألفاً و372. منها 626 إجابة على الاستبيان الذي أعده «المجلس» بهذا الخصوص.
ولقد أظهرت النتائج بالنسبة للسؤال المتعلق بالتوصل بالمعلومات والأخبار غير الموثوقة، أن نحو 93 في المائة من المشاركين يتلقّون معلومات وأخباراً تبدو غير موثوقة، بينما أفادت نسبة 7 في المائة الباقية بخلاف ذلك.
وبخصوص تقاسم المعلومات، صرّح 51 في المائة من المشاركات والمشاركين في الاستطلاع (معظمهم من دون وعي منهم) بأنهم سبق لهم أن نشروا بين معارفهم معلومات وأخباراً مشكوك في صحتها، بينما أفاد 49 في المائة الباقية أنهم لم يسبق لهم أن نقلوا إلى غيرهم معلومات أو أخباراً غير موثوقة.
وفيما يتعلق بمسألة التحقّق من الخبر، أوضح 55 في المائة من المشاركين في الاستشارة أنهم يُداومُونَ على التأكد من المعلومات قبل نشرها، في حين أفاد 43 في المائة من المشاركين أنهم يتحققون أحياناً من المعلومات قبل نشرها، أما 3 في المائة الباقية، فتوضح نتائج الاستشارة أنهم لا يتحققون أبداً مما لديهم من معلومات قبل نقلها إلى غيرهم.
وبناءً عليه، اعتبر «المجلس» أن تأثير «الأخبار الزائفة» السلبي يمكن أن يَطالَ الأفرادَ والمؤسسات والمجتمع بوجه عام. وجاء في الرأي الاستشاري قوله: «يعَدُ انتشار الأخبار الزائفة ظاهرة قديمة» اتَّسَع نطاقُها مع ظهور وسائل التواصل الحديثة وانتشار استخدامها. ففي 2018، أجرى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (الـMIT) – الجامعة الأميركية المرموقة - دراسة حول «الأخبار الزائفة»، كَشفت أنها تنتشر بسرعة ستة أضعافِ المعلوماتِ الحقيقية. وبالتالي، أصبح نشر هذا النوع من الأضاليل بقصدٍ أداة تُستخدَم على نطاق واسع، إمَّا لغاياتٍ رِبحية أو للتأثير على السلوك أو للإضرار بالمنظمات والدول على السَواء، وهو ما يُخِلُ بالنظام العام ويُضعف أداء الأسواق.
ومما يُسهِّل تداولَ هذه «الأخبار الزائفة» محدودية إمكانية الوصول إلى المعلومات الرسمية والمُحَقَّقة، لا سيما أنَّ المُواطِنَ لا يَملِك مِنَ الأدواتِ ما يكفي للتأكد من صحة سَيْلِ المعلومات المتداوَلة في مختلِف الوسائل الإعلامية. وعِلاوة على ذلك، فإنَّ ما يقوم به أحياناً بعضُ «المؤثِّرين»، مَدفُوعِين بِنيّات خبيثة، يَزيدُ مِن انتشارِ «الأخبار».
من جهة ثانية، أشار «المجلس» إلى أنه في المغرب، يوجَد العديدُ مِنْ مَواطِنِ الخَلَلِ والهشاشة التي تُؤدِّي إلى انتشار «الأخبار الزائفة»، منها على وجه الخصوص أن البيانات الرسمية التي في حوزة بعض الإدارات لا تنشر بكيفية ممنهجة ومنتظمة أو بطريقة مُحيَّنة (جيدة التوقيت)، وذلك بالرَّغم مما يَنُصُ عليه صراحة القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. وهذا إضافة إلى محدودية الموارد البشرية والمادية لمختلف وسائل الإعلام العمومية لتضطلع بدورها كاملاً في التصدي لانتشار الأخبار الزائفة، ووجود نقص في المنصات الفعَّالة للتحقق من المعلومات بشكل أفضل، باستثناء بعض المبادراتِ المعدودة على رؤوس الأصابع.
وجاء في الرأي الاستشاري أيضاً أنه إدراكاً من «المجلس» للطبيعة المُعقَّدة والمُتعدِّدة الأبعادِ لمشكلة «الأخبار الزائفة» والتضليل الإعلامي، يدعو إلى اعتماد رؤية تَستَنِد إلى أدواتٍ ومقارباتٍ تَكفُل حصولَ المواطِنات والمواطنين على المعلومة المؤكَّدة، مع تزويدهم بالوسائل التي تمكِنهم من رصد الأخبار الزائفة ومن ثَمَّ الحد من انتشارها.
كذلك، أوصى «المجلس» باتخاذ عدة تدابير من قبيل تفعيل الحق في الحصول على المعلومة، لا سيما من خلال إقرار إلزامية نشر جميع الوثائق الرسمية العمومية في غضون 24 ساعة من تاريخ المُصادقة عليها على موقع الإدارة المعنية. والتحقق من صحة المعلومات. ويتأتى ذلك من خلال استحداث «بوابة رقمية عمومية» للتحققِ من المعلومات أو تحرّي صحتها (Fact - checking) بخصوص الأخبار الرسمية في المغرب، مع ترصيد المبادرات التي جرى إطلاقها على مستوى عدد من المؤسسات الإعلامية كـ«وكالة المغرب العربي للأنباء» و«الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي» وغيرهما. وأيضاً اقترح تقديم الدعم المالي لمواقع «التحقق من المعلومات» من خلال صناديق، وذلك لضمان حسن سير هذه المواقع، مع الحرص على ضمان حِيادها وتعزيز مصداقيتها.
وعلى صعيد متصل، اقترح «المجلس» استحداث نظام «علامة مميزة» مُوَجَه إلى مواقع «التحقق من المعلومات»، ودعم المبادرات الرامية إلى إنشاء نُظُمٍ لرصد وتبادل المعلومات الزائفة بين المهنيين الإعلاميين، وذلك تيسيراً للتحقق من هذه الأخبار قبل نقلها والحد من انتشارها قدر الإمكان.
وفي الاتجاه ذاته، شملت توصيات «المجلس» تعزيز قدرات المستعمِلين والمهنيين في مجال رصد «الأخبار الزائفة» بشكل منتظم، مع لفت انتباه السكان من خلال مختلف وسائل الإعلام إلى مخاطر «الأخبار الزائفة»، والعمل على استهداف كل فئة على حِدَة - بما في ذلك الأطفال والمراهقون والمُسِنُون وغيرُ المتعلمين -، وتعزيز البرامج التربوية الإعلامية وتنمية الحسّ النقدي لدى المستعمِلين منذ سن مبكرة. وأيضاً توعية المهنيين وغير المهنيين من منتجي المعلومات (المدوِنون والمؤثرون وغيرهم) بدورِهم، وبالمسؤوليات الملقاة على عاتِقهم في مجال مكافحة «الأخبار الزائفة»، لا سيما من خلال تنظيم برامج للتكوين المستمر وتشجيع البحث العلمي والتعاون الدولي. وبضمن ذلك وضع برامج للبحث وتطوير آلياتٍ للرصد والتصدّي لانتشار «الأخبار الزائفة» بشراكة بين الدولة والمهنيين والجامعات، وتعزيز الانخراط في الجهود الدولية لرصد ومكافحة «الأخبار الزائفة»، وذلك مواكبة للتطورات التكنولوجية في هذا المجال.
وأخيراً، اعتمد «المجلس» مقاربة تشاركية شاركت فيها مجموعة من المؤسسات، وكانت ثمرة نقاشات مُوسَعة بين مختلف الفئات المكوِّنة لـ«المجلس»، فضلاً عن مُخرجات جلسات الإنصات التي نَظَمها مع أبرز الفاعلين المعنيين، إلى جانب نتائج الاستشارة التي أطلقها بشأن هذا الموضوع على منصته الرقمية «أشارك». (Ouchariko.ma).
المغرب يتقصى مصادر «الأخبار الزائفة»
المغرب يتقصى مصادر «الأخبار الزائفة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة