الاتحاد الأوروبي يحث على «تسريع إرسال الأسلحة» لأوكرانيا

بوريل يدعو في ختام «مؤتمر ميونيخ» دول التكتل إلى «إعادة تسليح نفسها»

بوريل وكالاس في أثناء مشاركتهما بجلسة في اليوم الأخير من «مؤتمر ميونيخ للأمن» الأحد (إ.ب.أ)
بوريل وكالاس في أثناء مشاركتهما بجلسة في اليوم الأخير من «مؤتمر ميونيخ للأمن» الأحد (إ.ب.أ)
TT

الاتحاد الأوروبي يحث على «تسريع إرسال الأسلحة» لأوكرانيا

بوريل وكالاس في أثناء مشاركتهما بجلسة في اليوم الأخير من «مؤتمر ميونيخ للأمن» الأحد (إ.ب.أ)
بوريل وكالاس في أثناء مشاركتهما بجلسة في اليوم الأخير من «مؤتمر ميونيخ للأمن» الأحد (إ.ب.أ)

حذر مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الدول الغربية من التأخر في إرسال ذخيرة وأسلحة لأوكرانيا، وقال خلال مشاركته في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، اليوم (الأحد)، إن الذخيرة بدأت تنفد من أيدي الجيش الأوكراني، وإنه «يجب إرسال» المساعدات إليها خلال أسابيع قليلة. وانتقد بوريل؛ الذي اعتاد توجيه انتقادات لاذعة لطريقة عمل وبطء الاتحاد الأوروبي، تباطؤ الدول في إرسال المساعدات إلى كييف، وأعطى مثلاً بمسألة الدبابات الألمانية التي ترددت برلين في إرسالها قبل أن توافق في النهاية. ودعا الدول التي تملك ذخيرة الآن وقادرة على إرسالها إلى أوكرانيا إلى أن تقوم بذلك من دون الانتظار لتطلب ذخيرة إضافية.
وتساءل بوريل: «معروف أن هناك حاجة إلى الدبابات للفوز بالحرب، لماذا كل هذا النقاش حول الأمر؟». وأضاف: «لقد قمنا بالكثير، لكن يجب بذل المزيد، ويجب أن نزيد ونسرع مساعداتنا العسكرية لأوكرانيا»، مشيراً إلى أن «كل القادة في الغرب متفقون وقالوها هنا إن روسيا لا يمكنها أن تفوز في هذه الحرب» و«لذلك يجب أن نسرّع ونزيد المساعدات؛ لأن أوكرانيا الآن في وضع حساس وتنقصها الذخيرة».
وحثّ بوريل الدول الأوروبية على زيادة إنفاقها العسكري في المدى المتوسط لتكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضمن قوات «حلف شمال الأطلسي (الناتو)». ووصف «الناتو» بأنه «ضمان الأمن» بالنسبة إلى أوروبا، لكنه انتقد تخفيض الإنفاق الدفاعي والعسكري في السنوات الماضية، بحجة الأوضاع الاقتصادية وغيرها، ليضيف أنه «آن الأوان لتعيد أوروبا تسليح نفسها».
بدورها؛ أعلنت رئيسة حكومة إستونيا، كايا كالاس، التي شاركت بوريل في جلسة خلال اليوم الأخير من «مؤتمر ميونيخ للأمن»، أنها تقدمت باقتراح للاتحاد الأوروبي بشراء الأسلحة والذخائر بشكل مشترك لتسهيل العملية وجعلها أسرع. وعلق بوريل على الاقتراح قائلاً إن الاتحاد يعمل عليه «بسرعة»، ولكنه شدد على أن هناك حاجة أيضاً لكي تكون دفاعات الدول الأوروبية متناسقة معاً لتتمكن من تنسيق الدفاعات. ودعا بوريل الدول الأوروبية إلى أن تأخذ بـ«جدية» مسألة إنفاق اثنين في المائة من إنتاجها الإجمالي على الدفاع وفق ما يوصي «الناتو» الدول الأعضاء، وقال: «(الناتو) ضمان حماية أوروبا، ويجب أن نأخذ الأمر بجدية» بأن كل دولة عضو في الحلف «يجب أن تكون لها دفاعات مناسبة». وأضاف: «الوضع الاقتصادي يجعل من الإنفاق الدفاعي مشكلة، ويجري تقليصه في السنوات الماضية؛ لأنه لم تكن هناك حرب؛ بل فقط مشاركات في مهام سلام بعيدة». ودعا بوريل أوروبا إلى «إعادة تسليح نفسها ضمن (الناتو) لكي تصبح الدول الأوروبية شريكاً موثوقاً للحلف»، مضيفاً: «نحن في حالة حرب، ويجب أن نتصرف بسرعة».
وأكد بوريل أن أوكرانيا «تنتمي إلى العائلة الأوروبية»، وأنها «من دون شك ستصبح عضواً» في الاتحاد الأوروبي. وقال: «أصبح الأمر محسوماً؛ أوكرانيا جزء من الاتحاد الأوروبي، ويجب أن نجعل ذلك رسمياً». وانتقد المسؤول الأوروبي الإجراءات البطيئة للتكتل الأوروبي لضم أعضاء جدد. وقال إن ضم أوكرانيا بسرعة سيتطلب «تغيير إجراءات القبول وطريقة عملنا». وأشار إلى أن عدداً كبيراً من الدول الأخرى يريد الانضمام بعد أوكرانيا، مثل مولدوفا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، مشيراً إلى أنه لا يمكنه تخيل أن يكبر التكتل من 27 دولة إلى 36 «بالإجراءات الموجودة حالياً». ورغم دعوته إلى تبسيط إجراءات الانضمام، فإن بوريل حث أوكرانيا على مواجهة الفساد والإسراع في إدخال إصلاحات تنقل أوكرانيا «لتكون دولة ديمقراطية»، مضيفاً أن الاتحاد الأوروبي سيساعد أوكرانيا على تحقيق هذه الإصلاحات. من جانبها، انتقدت رئيسة حكومة إستونيا بعض الدول الأوروبية التي لا تنفق اثنين في المائة من إنتاجها العام على الدفاع. وقالت إنها «فوجئت» بذلك العام الماضي، أي بعد الحرب في أوكرانيا. وأضافت: «الآن كل هذه الدول تريد أن تزيد من مخزونها من الأسلحة، ولذلك يجب أن نناقش ما إذا كان الاتحاد الأوروبي هو الذي سيطلب هذه الذخائر والأسلحة». ورأت أن «قطاع صناعة الأسلحة الروسي يعمل كل الوقت لإنتاج أسلحة كافية، ولذا يجب تسريع إنتاج الأسلحة؛ لأن أوكرانيا يجب أن تفوز بالحرب، وهذا غير ممكن من دون ذخائر».
يذكر أن ألمانيا كانت من أكثر الدول الأوروبية المترددة في زيادة إنفاقها الدفاعي، ولكنها تعهدت بعد الحرب في أوكرانيا بأن تزيد إنفاقها الدفاعي إلى اثنين في المائة وتقوي جيشها.
وحذرت كالاس بأن بعض الدول الأوروبية لا تأخذ مسألة التسليح بجدية، ولم تطلب أسلحة وذخائر من مصانع الأسلحة. وقالت: «ما يقلقنا أن صناعة الدفاع تقول إنه ليست لديها طلبات كافية لكي تزيد من إنتاجها، وهذا يعني أن كثيراً من الدول تأمل أن تنتهي هذه المشكلة دون أن تضطر لزيادة مخزونها العسكري». وأضافت: «عام 1929 لم يصدق أحد هتلر رغم أنه كان واضحاً في أهدافه. وعام 2007 كان بوتين واضحاً جداً بأهدافه في هذا المؤتمر، ولذلك يجب أن نصدقه».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألقى خطاباً شهيراً أمام «مؤتمر ميونيخ للأمن» عام 2007 تسبب في صدمة للدول الغربية. وشكك بوتين آنذاك في نظام الأمن العالمي، وما سماها «هيمنة الولايات المتحدة». وتحدث أيضاً عن الضمانات التي كانت طالبت بها روسيا لعدم توسع «الناتو»، والتي قال إنها غير موجودة. وأعلن آنذاك عن معارضته نشر الولايات المتحدة أنظمة صواريخ في أوروبا. وعدّت الدول الغربية آنذاك كلام بوتين دليلاً على «مساعٍ إمبريالية» عبّر عنها، وهو ما عاد وذكّر به بوريل أيضاً في «ميونيخ» اليوم، قائلاً إن ما يحدث في أوكرانيا هو من دون شك جزء من «هذه المساعي الإمبريالية».


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

سيطرح الاتحاد الأوروبي خطة لتعزيز قدرته الإنتاجية للذخائر المدفعية إلى مليون قذيفة سنوياً، في الوقت الذي يندفع فيه إلى تسليح أوكرانيا وإعادة ملء مخزوناته. وبعد عقد من انخفاض الاستثمار، تُكافح الصناعة الدفاعية في أوروبا للتكيّف مع زيادة الطلب، التي نتجت من الحرب الروسية على أوكرانيا الموالية للغرب. وتقترح خطّة المفوضية الأوروبية، التي سيتم الكشف عنها (الأربعاء)، استخدام 500 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتعزيز إنتاج الذخيرة في التكتّل. وقال مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون: «عندما يتعلّق الأمر بالدفاع، يجب أن تتحوّل صناعتنا الآن إلى وضع اقتصاد الحرب». وأضاف: «أنا واث

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

أعطت حكومات الدول الـ27 موافقتها اليوم (الجمعة)، على تجديد تعليق جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الأوكرانية الصادرة إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، حسبما أعلنت الرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي. كان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مايو (أيار) 2022، تعليق جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، لدعم النشاط الاقتصادي للبلاد في مواجهة الغزو الروسي. وتبنى سفراء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في بروكسل قرار تمديد هذا الإعفاء «بالإجماع».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

حذّر الكرملين اليوم (الأربعاء)، من أن روسيا قد توسّع قائمة الشركات الأجنبية المستهدفة بمصادرة مؤقتة لأصولها في روسيا، غداة توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرسوم وافق فيه على الاستيلاء على مجموعتَي «فورتوم» و«يونيبر». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين: «إذا لزم الأمر، قد توسّع قائمة الشركات. الهدف من المرسوم هو إنشاء صندوق تعويضات للتطبيق المحتمل لإجراءات انتقامية ضد المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟