الزلزال السوري يحرّك «أوراق التطبيع» العربي... والأوروبي

اتصالات لتمديد فتح المعابر التركية وتجميد العقوبات الأميركية... والأسد إلى عُمان قريباً

الأسد مستقبلاً وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في 15 الشهر الجاري (أ.ب)
الأسد مستقبلاً وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في 15 الشهر الجاري (أ.ب)
TT
20

الزلزال السوري يحرّك «أوراق التطبيع» العربي... والأوروبي

الأسد مستقبلاً وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في 15 الشهر الجاري (أ.ب)
الأسد مستقبلاً وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في 15 الشهر الجاري (أ.ب)

(تقرير إخباري)
الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا قبل أسبوعين وأودى بحياة عشرات آلاف الضحايا ودمر الكثير من المنازل والبنية التحتية في البلدين، طرح أسئلة وتحديات أساسية في العواصم العربية والغربية إزاء كيفية الاستجابة للكارثة، وإمكانية التمييز بين «سوريا» و«النظام». كما أنه حرّك «أوراق التطبيع» العربي والغربي مع دمشق.
رد الفعل الأولي لمعظم الدول، كان التعاطف مع الشعبين السوري والتركي أمام هذه الكارثة الإنسانية. وكان صعباً على أي عاصمة أن تأخذ موقفاً متعاطفاً مع أنقرة في شكل منعزل عن موقفها من دمشق. الكارثة إنسانية وليست سياسية. زلزال وليس حرباً أهلية. الإشكالية كانت أن الاعتراف السياسي الدولي الموجود إزاء الحكومة التركية، ليس موجوداً بالقدر نفسه إزاء الحكومة السورية. صحيح أن الأخيرة لا تزال تمثل البلاد في المؤسسات الأممية وصحيح أن الخطاب السياسي الخارجي بات يستعمل «حكومة» وليس «نظاماً»، لكن هذه الحكومة لا تزال خارج إطار الجامعة العربية، وهناك قطيعة من عواصم عربية وغربية رئيسية مع دمشق، إضافة إلى وجود قائمة طويلة من العقوبات الاقتصادية والمساءلات والتقارير والاتهامات ضد مؤسسات وشخصيات سورية وقائمة قصيرة من سفارات دول كبرى وعربية وإقليمية في العاصمة السورية، على خلفية كيفية تعاطي دمشق مع الأزمة والسنوات اللاحقة لبدء الاحتجاجات في 2011، إضافة إلى أن المناطق التي تعرضت للزلزال في ريفي حلب وإدلب شمال سوريا أكثر من غيرها، غير خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مع أن هذه الكارثة أصابت أيضاً مناطق الحكومة في حلب وحماة واللاذقية.
- سوريا المنكوبة... والمنسية
منذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل سنة، أصبحت سوريا منسية ومتروكة وغابت أو انخفضت في سلم الأولويات الإقليمية والدولية. كارثة الزلزال حركت الجمود. بالفعل، انطلقت سلسلة من الاتصالات السياسية بين الدول المعنية العربية وغير العربية. كما تلقى الرئيس السوري بشار الأسد سلسلة اتصالات هاتفية بعضها غير مسبوق في العقد الأخير، أبرزها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اضافة الى زيارة وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي لدمشق لاول مرة منذ سنوات.
في البداية، كان هناك انقسام دبلوماسي: دول غربية نادت بقرار أممي جديد يدعو لفتح معابر حدودية من تركيا إلى مناطق المعارضة في الشمال. موسكو، بداية، فكرت في مقايضة تتضمن الموافقة على ذلك مقابل رفع حصة التمويل الغربي في مشروعات «التعافي المبكر» وفق القرار الدولي الخاص بالمساعدات.
لكن الاتصالات العربية والدولية مع دمشق، أنجزت صفقة - مقايضة غير مباشرة أخرى: الأسد يتمسك بـ «السيادة السورية على جميع الاراضي»، ويوافق على فتح معبرين حدوديين إضافيين من تركيا إلى شمال سوريا لثلاثة أشهر، ويوافق على نقل المساعدات من مناطق سيطرة الحكومة إلى إدلب، ثم تعلق واشنطن بعض العقوبات على التحويلات المصرفية لستة أشهر، بما لا يضر المساعدات الإنسانية، وفق أولويات إدارة جو بايدن منذ تسلمها.
وبعد البطء الرسمي السوري في التعاطي مع آثار الزلزال، فإن الاتصالات والزيارات الرسمية العربية مع الأسد أسفرت أيضاً عن مرونة إضافية، تمثلت بخطوات إجرائية وقبول مساعدات وطائرات إغاثة واتصالات من دول عدة دون تدقيق وتشكيك، وصولاً إلى زيارات ميدانية إلى مناطق الزلزال وإلقاء خطاب رسمي جديد شكلاً ومضموناً. حضر في النص المكتوب والملقى أمام الكاميرا، الحديث عن مواساة السوريين والحوار وشكر «الأشقاء العرب والأصدقاء». وغابت عنه إدلب من لائحة المحافظات التي ضربها الزلزال مع حماة وحلب واللاذقية، وغابت أيضاً أي إشارة إلى «الحلفاء»، أي إيران وروسيا أو «الاحتلال» الأميركي أو التركي.
- التطبيع
الزلزال حرك الجمود. دول عربية كانت مطبعة أو تريد التطبيع، وجدت في الكارثة منصة لتسريع خطواتها عبر اتصالات هاتفية وزيارات، ستتضمن قيام الأسد في الساعات المقبلة بزيارة إلى عمان وعاصمتها مسقط ثم إلى الإمارات.في المقابل، لاتزال دول عربية متمسكة بموقفها الذي يزاوج بين تقديم المساعدة الانسانية والعمل على توفير شروط عودة اللاجئين وحل الازمة السورية، مع ملاحظة تذكير ايراني باستمرار «الحلف» مع دمشق التي تمثلت بزيارة قائد «فيلق القدس» في «الحرس» الايراني اسماعيل قاآني الى حلب بعد الزلزال قبل اي مسؤول سوري.ينطبق الأمر ذاته على الدول الأوروبية ووحدة موقف الاتحاد الأوروبي، ذلك أن الدول التي كانت تنادي بـ«قبول الأمر الواقع» في السنوات الماضية مثل إيطاليا واليونان وقبرص والنمسا، تعتقد أنها باتت في موقف أقوى في مطالبها، وهي تدعو إلى مراجعة «اللاءات الأوروبية» الثلاث: لا للتطبيع، لا للإعمار، لا لرفع العقوبات، قبل تحقيق تقدم بالعملية السياسية.الدول الأوروبية الأخرى وأميركا عقدت في الأيام الأخيرة اجتماعات تنسيقية للقيام بهجوم مضاد، مفاده: صحيح أن هناك كارثة إنسانية وتجب الاستجابة لها في تركيا وسوريا، عبر تقديم مساعدات وإغاثة والمساهمة في إعمار المرافق الطبية، لكن هذا لا يعني التخلي عن «اللاءات الثلاث» ولا التخلي عن العملية السياسية.
هذا الانقسام الأوروبي برز أيضاً في الموقف من مؤتمر الإعمار الذي دعا إليه الاتحاد الأوروبي لسوريا وتركيا آخر الشهر المقبل، إذ إن دولاً «مطبعة» تدعو إلى دعوة الحكومة السورية إلى المؤتمر وإسقاط الأجندة السياسية عنه، وتدعو أيضاً إلى إلغاء مؤتمر المانحين المقرر في بروكسل في يونيو (حزيران) المقبل لاتخاذ «خطوات واقعية» في سوريا، وهي تلوح بالقيام بخطوات انفرادية مباشرة مع دمشق بعيداً عن الإجماع الأوروبي. عوامل كثيرة، سترجح فريقاً عربياً على آخر وفريقاً غربياً على آخر، تخص توازنات داخلية وتحالفات. لكن أحدها، سيكون سلوك دمشق والعواصم الأخرى في المرحلة المقبلة، إزاء التعاطي مع المساعدات والإغاثة وأموالها وكيفية إيصالها إلى المناطق المنكوبة الأخرى ومدى التزام الوعود التي قيلت في غرف مغلقة، خصوصاً أن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف حجم الكارثة الفعلية من الزلزال.
لا شك أن بقاء المعابر من تركيا والممرات عبر خطوط التماس مفتوحة، يفتح الطريق أمام تمديد الاستثناءات الأميركية من العقوبات لأشهر إضافية بعد 180 يوماً، بل يشجع دولاً أوروبية على رفع بعض العقوبات ودولاً عربية على مزيد من التطبيع ويعزز المسار التطبيعي بين انقرة ودمشق. والعكس صحيح، بل ان دولاً غربية لاتزال تلوح بـ «شرعنة» المعابر التركية بقرار دولي وليس قراراً سورياً. دمشق تراقب سلوك الآخرين، والآخرون يراقبون سلوك دمشق، وسوريون في العراء أو بين الركام أو العتمة.


مقالات ذات صلة

كابوس زلزال الـ13 ثانية يخيم «نفسياً» على سكان إسطنبول وقلق من المقبل

شؤون إقليمية كثير من سكان إسطنبول يمضون ليلتهم في العراء خوفاً من العودة إلى منازلهم (أ.ب)

كابوس زلزال الـ13 ثانية يخيم «نفسياً» على سكان إسطنبول وقلق من المقبل

لا يزال آلاف من سكان إسطنبول يعيشون حالة الرعب من كابوس الـ13 ثانية للزلزال القوي الذي ضرب المدينة الكبرى بالبلاد، وبلغت شدته 6.2 على مقياس ريختر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري مواطنون أتراك خافوا من الهزات الارتدادية في إسطنبول (أ.ب)

تحليل إخباري لماذا تدعو حكومات لعدم استخدام المكالمات الهاتفية وقت الزلازل؟

بعد ساعات من وقوع الزلزال، سيطرت حالة من الخوف والتوتر على مدينة إسطنبول التركية.

أحمد حسن بلح (القاهرة )
شؤون إقليمية أشخاص مع أمتعتهم يجلسون في حديقة بعد زلزال قوي ضرب إسطنبول (إ.ب.أ) play-circle

185 هزة ارتدادية تضرب إسطنبول بعد الزلزال الذي بلغت قوته 6.2 درجة

شهدت إسطنبول سلسلة من الزلازل اليوم الخميس، حيث أعلنت وكالة إدارة الكوارث التركية اليوم الخميس عن وقوع هزات ارتدادية جديدة، بلغت قوة إحداها 4.1 ريختر.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
شؤون إقليمية زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزيل أمام ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (موقع حزب الشعب الجمهوري)

مسيرة دعم لإمام أوغلو في أنقرة في الذكرى 105 لتأسيس برلمان تركيا

تحدى زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزيل قراراً لوالي أنقرة بحظر مسيرة من أمام المبنى القديم للبرلمان إلى ضريح أتاتورك دعماً لإمام أوغلو

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم أُصيب أكثر من 150 شخصاً عندما قفزوا من المباني بعد أن هزّ زلزال قوته 6.2 درجة إسطنبول (إ.ب.أ) play-circle

بقوة 6.2 درجة... زلزال إسطنبول يسفر عن إصابة أكثر من 230 شخصاً

هز زلزال بقوة أولية بلغت 6.2 درجة إسطنبول ومناطق أخرى من تركيا، اليوم (الأربعاء)، ما تسبب في حالة من الذعر الواسع والعديد من الإصابات.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

رئيس الوزراء القطري: سنواصل جهود التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة

رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (أ.ف.ب)
TT
20

رئيس الوزراء القطري: سنواصل جهود التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة

رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (أ.ف.ب)

قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم (الاثنين)، إن قطر ستواصل بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين جهودها الحثيثة للتوصل لوقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة وتأمين تدفق المساعدات دون عوائق إلى القطاع.

وأضاف في كلمة خلال منتدى الأمن العالمي الذي تستضيفه بلاده أن دعم الشعب الفلسطيني ليس موقفاً سياسياً قابلاً للمساومة بل هو التزام أخلاقي وإنساني.

وتابع: «ملفات كإعادة إعمار غزة وسوريا أصبحت للأسف أحلاماً على أجندة المجتمع الدولي وأكثر ما يؤلم ويمثل وصمة عار أن الغذاء والدواء أصبحا سلاحاً لتحقيق مصالح ضيقة».

ولفت إلى أن النظام الدولي يشهد تحولات جذرية تفرض «إعادة تقييم مفاهيمنا» المتعلقة بالأمن.