بعد عام على الحرب الروسية - الأوكرانية... من انتصر إعلامياً؟

زيلينسكي يحترف «السيلفي» وبوتين ليس من هواة الإنترنت

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقط فيديو «سيلفي» (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقط فيديو «سيلفي» (رويترز)
TT

بعد عام على الحرب الروسية - الأوكرانية... من انتصر إعلامياً؟

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقط فيديو «سيلفي» (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقط فيديو «سيلفي» (رويترز)

في ميزان الحروب، لا تُقاس الانتصارات والخسائر بأعداد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي ولا بالشعبية الإعلامية، فوحدَها الدماء وأرقام الضحايا تتكلّم على أرض المعركة لتعلن الرابح والمهزوم. لكنّ الحرب الروسية - الأوكرانية أثبتت أن الحروب بين الدول في زمن «السوشال ميديا» والذكاء الصناعي، ما عادت تُخاض في الميادين فحسب، بل في الفضاءات الافتراضيّة كذلك. مقابل جنود الميدان، تتأهّب جيوش إلكترونية لتخوض حرباً من نوع آخر.
وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد سنة على بداية الحرب، متقدماً حسب مقياس الحديد والنار، فإنّ غريمَه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يمتطي صاروخ الإعلام الرقمي الحديث، مغرّداً خارج سرب الصحافة التقليدية التي اعتادها سيّد الكرملين.
قد يعزو البعض تقدُّم زيلينسكي في لعبة الإعلام، إلى كونه احترف التمثيل قبل أن يصبح رئيساً، أو إلى صغر سنه مقارنةً مع بوتين. غير أن الرئيس الأوكراني لم يستعِن بسلاحَي العمر والدراما فحسب، بل اعتمد استراتيجية العفوية والقرب من الناس. تكفي المقارنة بين تلك الصورة التي تُظهره داخل أحد الخنادق وسط مجموعة من الجنود يتناول الطعام معهم، ولقطة بوتين جالساً على رأس طاولة لا تنتهي، تفصل بينه وبين جنرالاته أمتارٌ وأمتار.


زيلينسكي يتناول الطعام مع جنوده في الخندق (تويتر)


بوتين مجتمعاً بجنرالاته في الكرملين (أ ب)
غرفة عمليات... إلكترونية
حرب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين بوتين وزيلينسكي غير متكافئة في الأساس. منذ البداية، بدا الرئيس الروسي غير مكترث بها، فمن المعروف عنه أنه نادراً ما يستخدم الإنترنت، ولا توجد صفحات رسمية خاصة به على منصات التواصل. أما الرئيس الأوكراني فقد استطاع أن يجمع حتى اللحظة نحو 17 مليون متابع على «إنستغرام»، وأكثر من 7 ملايين على «تويتر».
لم يدخل زيلينسكي قائمة السياسيين الأكثر شعبيةً على وسائل التواصل الاجتماعي لمجرّد احتدام الحرب بين بلده وروسيا، بل لأنه تبنّى استراتيجيةً قرّبته من المتابعين، وراقت للمجتمع الدولي ولا سيّما للغرب، داعمه الأساسي. منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، دحض الأخبار المضللة التي حاول الإعلام الروسي إطلاقها، فنزل إلى شوارع العاصمة مصوّراً نفسه على طريقة «السيلفي»، وصارخاً: «أنا هنا وباقٍ معكم في كييف». بعد ساعة من نشره على «فيسبوك»، كان ذلك الفيديو قد حصد أكثر من 3 ملايين مشاهدة.


على طريقة السيلفي طمأن زيلينسكي مواطنيه بأنه باقٍ معهم (يوتيوب)
واظب زيلينسكي على التقاط فيديوهات لنفسه، معتمداً إطلالة موحّدة بالقميص الزيتي اللون، في ما يشبه التحية والتماهي مع الجنود المنتشرين على جبهات القتال. لكن في تلك الأثناء، كان الجيش الإلكتروني الروسي يحاول الإيحاء بأن حربه ليست حرباً، بل مهمة إنقاذ للأوكرانيين الناطقين بالروسية. وقد لجأت السلطات الروسية إلى حجب مواقع عدة، منها «فيسبوك» و«تويتر».
كلما ضاقت مساحات التواصل في روسيا، كانت الفضاءات التفاعلية تتّسع في أوكرانيا. أصرّ زيلينسكي على قيادة الحملة شخصياً، مسنوداً من غرفة عمليات إلكترونية تضمّ فريقاً من المستشارين الضالعين في خفايا السوشيال ميديا واستراتيجياتها الذكية. ها هو نائبه يطلق نداءً علنياً عبر «تويتر» إلى إيلون ماسك لتزويد البلاد بقنوات اتصال بالإنترنت عبر أقمار «ستارلينك» الصناعية. وها هي وزارة دفاعه تتسلّم دفّة الفيديوهات الطريفة على «تويتر»، التي تسخر من روسيا حيناً، وتغازل الحلفاء أحياناً. لا تبخل بالموسيقى الرومانسية ولا بالمؤثرات الخاصة ولا بالنكات.
على مشهد استهداف الجيش الأوكراني لدبابات روسية، يعلّق الحساب قائلاً: «اقترب موسم الصيد».
https://twitter.com/DefenceU/status/1622607708812713984?s=20
وللجنود الروس الواقعين تحت النيران الأوكرانية، تهدي وزارة الدفاع أغنية «اركض يا أرنب».
https://twitter.com/DefenceU/status/1565037514888560641?s=20
أما للسلطات الفرنسية فتوجّه رسالة بعطر الورد ونكهة الشوكولاته، متمنيةً تزويد كييف بمزيد من الأسلحة.
https://twitter.com/DefenceU/status/1580090899228418048?s=20
ليست وزارة الدفاع الأوكرانية وحدها التي باتت خبيرةً في الفيديوهات الطريفة، فالأوكرانيون تحوّلوا إلى شعبٍ يحترف لعبة «الميمز» (memes). يخففون من وطأة المأساة باختراع وتبادل النُكات الساخرة من موسكو. حتى إن حسابات كثيرة نشأت على صفحات التواصل منذ بداية الحرب، وتجنّدت لتلك الغاية؛ منها على سبيل المثال «قوات الميمز الأوكرانية» التي توثّق الحرب على طريقتها الهزليّة.
https://twitter.com/uamemesforces/status/1625547099004715028?s=20
حرب عبر الفيديو
بتصويره لنفسه بواسطة كاميرا هاتفه والتوجّه مباشرةً إلى شعبه والرأي العام العالمي، وبنشاطه الرقمي الكثيف، أوحى زيلينسكي بأنه يدير حساباته شخصياً. وبإظهار نفسه رأس حربة في الصراع الإعلامي، أسهم الرئيس الأوكراني في إخماد البروباغندا الروسية. حسب مراقبين، تحوّل زيلينسكي إلى أيقونة الحرب، وقد اختارته مجلة «تايم» الأميركية شخصية عام 2022.


مجلة "تايم" اختارت زيلينسكي شخصية عام 2022
إلى جانب نزوله الدائم إلى الشارع وزياراته الجبهات والملاجئ، لم يوفّر زيلينسكي فرصةً إلا وأطلّ على المجتمع الدولي من خلال فيديوهاته المسجّلة أو المباشرة. حتى إنه حلّ ضيف شرف على الاحتفالات الفنية، مثل مهرجان برلين السينمائي، وحفل جوائز «الغولدن غلوبز»، و«الغراميز»، ومهرجان كان السينمائي. صفّق له النجوم كما قادة العالم. أمام البرلمان البريطاني، استشهد بوليام شكسبير، وعلى مسامع الكونغرس الأميركي استرجع حادثة «بيرل هاربور». أجاد إضفاء طابع شخصي إلى مداخلاته، كما اعتمد السرد القصصي فتحوّلت الحرب على لسانه إلى رواية إنسانية لا تخلو من التفاصيل القاسية عن الضحايا والخسائر.
حصد أداء زيلينسكي هذا إشادات إعلامية لا سيّما من أوروبا وأميركا. في المقابل، وُجّهت الانتقادات إلى أنشطة بوتين المصوّرة. على سبيل المثال، لم تلقَ زيارته الأخيرة إلى جسر «كيرتش» على الحدود مع القرم للاطّلاع على أعمال إعادة البناء هناك، الأصداء المرجوّة. صُوّر الرئيس الروسي وهو يقود السيارة بنفسه. تحدّث عن انطباعاته كما لو كان مراسلاً ميدانياً، ثم التقى عمّال البناء لبرهة. لكنّ كل تلك الجهود افتقدت صفة العفوية حسب المراقبين، فبدت الزيارة كأنها خاضعة للإخراج والمونتاج.


بوتين مطّلعاً على إعادة إعمار جسر "كيرتش" (أ ب)
ربما انتصرت أوكرانيا في حرب السوشال ميديا والعواطف، لكنّ الميدان أقسى من صورة «سيلفي» ومن فيديوهاتٍ طريفة تحصد ملايين المشاهدات، فعلى أرض المعركة أرقام الضحايا وحدَها تتكلّم.


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
إعلام تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً ...

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق لوسائل التواصل دور محوري في تشكيل تجارب الشباب (جمعية علم النفس الأميركية)

«لايك» التواصل الاجتماعي يؤثر في مزاج الشباب

كشفت دراسة أن الشباب أكثر حساسية تجاه ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الإعجابات (لايك)، مقارنةً بالبالغين... ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)
مبنى لجنة التجارة الفيدرالية في واشنطن - 4 مارس 2012 (رويترز)

لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية تتهم وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة ﺑ«مراقبة المستخدمين»

أفادت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية بأن وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة انخرطت في «عملية مراقبة واسعة النطاق» لكسب المال من المعلومات الشخصية للأشخاص.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.