تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

التصويت الطائفي والعرقي يؤرق المرشح «الأوفر حظاً» للرئاسة

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية
TT

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

لا يميل السياسيون كثيراً إلى لغة الأرقام، فالأرقام يُفترض أنها «لا تكذب»، بينما الكذب - حسب قول السياسي البريطاني الشهير وينستون تشرشل - من أدوات السياسة. لكن يبدو أن المرشح البارز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية بولا أحمد تينوبو وجد سبيلاً للتوفيق بين الأرقام وبين السياسة، بعدما صار المحاسب الذي تخرّج بشهادة عليا في المحاسبة من إحدى الجامعات الأميركية، و«صانعاً للزعماء» في السياسة النيجيرية على مدى عقود طويلة، وبات على بُعد خطوة واحدة من بلوغ سُدة الرئاسة، في أكثر بلدان أفريقيا سكاناً، وربما ثراءً ومشاكل أيضاً. يبدو الغموض إحدى الصفات اللصيقة بشخصية تينوبو. ولا يقتصر هذا الغموض على حياته السياسية، بل يمتد إلى حياته الشخصية أيضاً، فالرجل المولود في 29 مارس (آذار) عام 1952، لأم تمتعت بشخصية قيادية هي الحاجة حبيبة موغاجي، التاجرة التي حازت حتى وفاتها على لقب «زعيمة سوق ولاية لاغوس». وفي المقابل، لا معلومات وافية عن والده، والكثير من الأوراق التي قدّمها عن نفسه وتعليمه تبدو متناقضة ومكتوبة بخط اليد، وهو ما منح خصومه الكُثر فرصاً قائمة للطعن والتشكيك بشأن نشأته ومسيرته الأكاديمية والسياسية. ولكن المؤكد أن بولا أحمد ورث عن أمه قوة الشخصية، والطموح الذي أتاح له إكمال تعليمه الثانوي والجامعي خارج البلاد، إذ تخرّج في جامعة شيكاغو الحكومية (شيكاغو ستايت) عام 1979، حاملاً شهادة البكالوريوس في المحاسبة. بيد أن المناصب التي تولاها الشاب النيجيري الطموح في عدة شركات أميركية لم تشبع نهمه للثروة والسلطة، فعاد إلى نيجيريا بعد خضوعه لتحقيق من قبل السلطات الفيدرالية الأميركية بشأن ارتفاع دخله بشكل مثير للريبة. وهذه قضية لا يزال خصومه حتى اليوم يحاولون إثارتها للنيل منه.
التحق بولا أحمد تينوبو بعد عودته من أميركا إلى نيجيريا عام 1983 بشركة «موبيل نيجيريا» النفطية، وترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب المدير التنفيذي للشركة.
ولدى تينوبو مهارات ستلازمه لبقية حياته، أبرزها توظيف كل المتغيرات لصالحه. وحتى في تلك اللحظات التي تبدو قاسية، ويتصور المرء معها أن النهاية تطل برأسها، استطاع تينوبو تحويلها إلى انطلاقة جديدة. وبالتالي، بين النهايات الوشيكة والبدايات المتجددة، صنع النجم الصاعد في سماء السياسة النيجيرية اسمه الذي ظل عصياً على الانزواء طيلة عقود، تبادل فيها العسكريون والمدنيون السلطة.
لقد استفاد تينوبو من رئاسته لشركة «موبيل نيجيريا» في بناء صلات بالحكومة. وبدأ أولى خطواته في أروقة السياسة عبر حزب «الجبهة الشعبية النيجيرية»، الذي جمع قادة وأعضاء بارزين في تلك الفترة من ثمانينات القرن الماضي. ثم وصل إلى الصف الأمامي في «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، وفاز عام 1992 بمقعد في مجلس الشيوخ، غير أن رياح التغيير هبّت عنيفة على النائب الذي كان يعد نفسه لخطوات أكبر يصعد بها سلم السياسة في بلاده.
هذه المرة جاءت الضربة عبر الجنرال ساني أباتشا، الذي قاد انقلاباً عسكرياً يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993 بعد خمسة أشهر فقط من إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها موشود (مسعود) أبيولا، وهو مرشح الحزب الذي كان تينوبو من أبرز قياداته. وهكذا، بدلاً من أن تُفتح أمام الرجل أبواب المجد السياسي، وجد أبواب المنفى في استقباله. وبالفعل، تسلل عبر الحدود إلى دولة بنين المجاورة، وبقي هناك مدة خمس سنوات عجاف، لكنها لم تفقده شغفه ولم يفتر فيها طموحه إلى العودة. وتحققت هذه العودة عام 1998 بعد زوال الحكم العسكري، وتأهب نيجيريا لاستعادة الحكم الديمقراطي.
في تلك اللحظة كان تينوبو على موعد مع المحطة التي ستصنع تاريخه الحقيقي في السياسة النيجيرية، وسيظل مرتبطاً بها رغم مغادرته إياها رسمياً منذ ما يزيد على 16 سنة. واللافت أن تلك المحطة لم تكن سوى لاغوس، مدينة الأقدار بالنسبة لتينوبو... ففيها ولد وعلى أرضها صنع مجده، الذي جعل منه إلى اليوم رقماً مهماً في معادلة السياسة النيجيرية.

صانع «معجزة لاغوس»
عاد تينوبو من المنفى إلى الحكم، مدفوعاً بشعبية طاغية، فانتخب حاكماً لولاية لاغوس في مايو (أيار) 1999 تحت راية حزب «التحالف من أجل الديمقراطية». واستمر حكمه لمدة 8 سنوات عبر فترتين انتخابيتين، استطاع خلالهما أن يحوّل أضخم مدن نيجيريا، من ساحة تسيطر عليها العصابات والفوضى إلى مدينة غنية يفوق اقتصادها ما تمتلكه دول بأكملها.
في تلك الفترة أكد تينوبو سمعته كرجل دولة قادر على تحقيق المنجزات. وحتى اليوم يرى النيجيريون سجلّه إعجازياً بالقياس إلى ما كانت تواجهه تلك التجربة من تحديات، إذ إنه خلال فترتي حكمه قاد إصلاحات جذرية لتحسين كفاءة الخدمة المدنية، وتحديث البنية التحتية، والأهم أنه وضع مخططاً بعيد المدى للمدينة والولاية، لم يستطع أي حاكم خلفه أن يطرح أفضل منه.
لقد نجح تينوبو، صاحب الشعبية الجارفة، في تحويل مدينة لاغوس، العاصمة التجارية للبلاد، من مدينة يتعثر زوارها وسكانها البالغ عددهم 13 مليون نسمة في أكوام القمامة، ويهدرون في تنقلاتهم الساعات وسط الأزمات المرورية والفوضى إلى مدينة حديثة تتمتع بمرافق وانضباط جعلت مؤيدي تينوبو وخصومه، على السواء، يقرون بنجاحاته. وحقاً، بدأ المستثمرون يتنبهون لإمكانيات المدينة، بعدما طوت صفحة الجريمة والفساد سمعتها، واعتمدت فيها سياسات ضريبية بعيدة المدى عززت بنيتها التحتية، فتدفقت الاستثمارات وتحسنت سمعة المدينة، التي كانت قد فقدت دورها كعاصمة سياسية بعد انتقال السلطة إلى مدينة أبوجا. وهكذا أعادت سياسات تينوبو للمدينة القوة الاقتصادية لتغدو عاصمة الاستثمار في الغرب الأفريقي كله.
غادر تينوبو الحكم في لاغوس عام 2007، لكنه لم يستطع حتى الآن الانفصال عن المدينة، فلا يزال كثيرون يؤمنون بأنه يتحكم دائماً في اختيار حكام الولاية. وهذا اتهام لم يحاول الرجل أن ينكره، بل لعله يشعر بالفخر عندما يوجه إليه. إذ قال لوكالة «رويترز» عام 2015 عندما سئل عن الأمر أثناء انتخابات حاكم لاغوس: «أنا صائد للمواهب... أضع أصحاب المواهب في مناصبهم، وأساعدهم. أنا أستخدم أفضل يد وأفضل عقل وأفضل تجربة للوظيفة».
وحتى عندما قرر تينوبو الانتقال من موقع «صانع الرؤساء» للترشح يوم 10 يناير (كانون الثاني) 2022 إلى السباق الرئاسي الحالي، بقيت تجربته في لاغوس أبرز البنود على لائحة مؤهلاته للترشح. فالبرنامج الانتخابي الذي يخوض به الانتخابات يكاد يكون محاولة أوسع لتطبيق «تجربة» لاغوس على المستوى الوطني. إذ يتعهد تينوبو ببناء دولة تتيح لجميع النيجيريين، وخصوصاً الشباب، الوظائف الكافية بأجور لائقة، وتقلل من هجرة العقول، بالإضافة إلى دفع عجلة التصنيع، وتعزيز التصدير وتقليل الاستيراد. وهذا علاوة على مساعدة المزارعين، وتحديث وتوسيع البنية التحتية العامة، إلى جانب تسخير القطاعات الناشئة، مثل الاقتصاد الرقمي والترفيه والثقافة والسياحة، وغيرها لبناء نيجيريا المستقبل.

أشواك في الطريق
من ناحية أخرى، ثمة أمران عززا صورة بولا أحمد تينوبو كأب روحي لكثيرين من الساسة النيجيريين، هما تجربته في لاغوس، ومعركته ضد الرئيس السابق أولوسيغون أوباسونجو الذي حاول الحد من نفوذ خصومه السياسيين في جنوب غربي نيجيريا، وهي المنطقة التي ينتمي إليها تينوبو. ولقد رد الأخير بأنه لعب دورا حاسما في توحيد أكبر ثلاثة أحزاب معارضة في نيجيريا من الشمال والجنوب والشرق تحت مظلة «مؤتمر جميع التقدميين» الذي أُسس عام 2013، ونجح في حكم نيجيريا منذ عام 2015 بقيادة الرئيس محمد بخاري، والذي يُعزى انتصاره جزئيا إلى نفوذ تينوبو الواسع في جنوب غربي نيجيريا، حيث معقل شعب اليوروبا، خصوصا في لاغوس. وهذا الدور البارز، ضمن لتينوبو اكتساح معركة التصويت على مرشح الحزب الحاكم، إذ حصل على 1271 صوتاً من بين 2300، وهو ما يزيد على مجموع الأصوات التي حصدها منافسوه، بمن فيهم من سياسيين وقيادات بارزة في الدولة، بينهم ييمي أوسينباجو، نائب الرئيس الحالي، إلا أن تينوبو، الذي عرك السياسة طيلة أربعة عقود، يدرك أن الطريق إلى الأحلام لا تُفرش دائما بالورود، وأن على الطامحين أن تُدمى أقدامهم بأشواك الطريق... وأولى تلك الأشواك تلك التركيبة العرقية والطائفية المعقدة للنيجيريين.
يدرك تينوبو جيدا أن التركيبة التقليدية للسياسة النيجيرية تلعب لصالحه في الانتخابات الحالية، وأن الدور لتولي منصب الرئاسة هذه المرة يُفترض أن يكون من نصيب شعبه (أو قبيلته) اليوروبا وموطنه في الجنوب، وفق عُرف «غير مكتوب» بين القوى السياسية النيجيرية منذ نهاية الحكم العسكري عام 1999، وبموجب هذا العرف يجري تقاسم السلطة بين الشمال الذي تقطنه غالبية مسلمة، والجنوب الذي يغلب المسيحيون على سكانه، فضلا عن تداول الرئاسة بين الشعوب (أو القبائل المكونة) لنيجيريا، التي يزيد عددها على 250 جماعة، أكبرها بالترتيب ثلاث مجموعات تمثل أكثر من 60 في المائة من السكان هي: الهاوسا واليوروبا والإيبو.
ولأن تينوبو ينتمي إلى الجنوب، وهو من مسلمي اليوروبا (الذين ينقسمون مناصفة تقريباً بين المسيحيين والمسلمين)، فإن الدور الآن لهذا الشعب في تولي الرئاسة، وهذا ما شجعه خلال أحد مؤتمراته الانتخابية على اعتبار نفسه «الرئيس المقبل»، وبالتالي اندفع إلى الهتاف «Emi Lokan» التي تعني في لغة يوروبا «إنه دَوْري». هذا التصرف أثار انتقادات واسعة من جانب منافسيه، الذين يعتبرون أن الوصول إلى الرئاسة النيجيرية يجب أن يكون على أسس الديمقراطية، والقدرة الصحية والعقلية، والكفاءة الإدارية، وامتلاك الحلول العملية للقضايا الوطنية.
في أي حال، يشعر هذا السياسي المخضرم بمتغيرات تهب على دروب السياسة التي خبرها جيدا، فأكثر من 40 في المائة من الناخبين البالغ عددهم 94 مليون شخص، لم يبلغوا بعد 35 سنة. وهؤلاء لا يبدون ميلا كبيرا نحو المرشح السبعيني، الذي يواجه صعوبات صحية جمة. وحقاً، لم تفلح صوره وهو يمارس الرياضة في منزله بتغيير قناعات قطاعات واسعة من الناخبين الشباب. هؤلاء يبدون الآن دعماً متزايداً للمرشح الأصغر سناً، بيتر أوبي، الذي بات يحظى بدعم معلن من جانب شباب وفنانين ومؤثرين نيجيريين تتزايد أعدادهم مع اقتراب موعد التصويت يوم 25 من فبراير (شباط) الحالي.

التصويت الديني - الطائفي
في سياق متصل، يدرك تينوبو أن التصويت الديني - الطائفي ربما يكون له تأثير واضح، فالانتماء الفئوي للمرشح الرئاسي يؤثر في قاعدة الدعم والتعبئة الشعبية لصالحه. وهنا قد يمثل عتيقو أبو بكر، مرشح «حزب الشعب الديمقراطي» المعارض، والصديق القديم لتينوبو، تهديداً حقيقياً على حظ الأخير من أصوات الناخبين المسلمين. إذ تتصاعد حملات التشكيك من جانب بعض الشماليين في مدى الالتزام الديني الإسلامي لدى تينوبو، المتزوج من السياسية المسيحية أولوريمي تينوبو، عضو مجلس الشيوخ الحالي، وزادت حدة تلك الحملات بعد انسحاب بعض السياسيين الشماليين من حملته الانتخابية، وأعلنوا دعمهم لعتيقو أبو بكر.
في المقابل، لا تبدو أصوات الناخبين المسيحيين مضمونة بالكامل لصالح تينوبو الذي اختار صديقه المقرّب كاشيم (قاسم) شيتيما، وهو مسلم شمالي من شعب الكانوري، ليكون نائبه في الانتخابات الحالية، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين ممن رأوا في ذلك الاختيار «خرقا» للاتفاق «غير المكتوب» بشأن التوازن العرقي والديني، والقائم على تداول الرئاسة بين الشمال والجنوب، وبين المسلم والمسيحي (في حال كان الرئيس مسلما يكون نائب الرئيس غير مسلم).
وحقاً، أدى اختيار تينوبو المسلم ترشيح مسلم آخر ليكون نائبه إلى إطلاق حملة إدانات واسعة، شاركت فيها مؤسسات المجتمع المدني المسيحية، التي هاجمت «تذكرة مسلم - مسلم» التي يطرحها تينوبو على الناخبين. وبلغت الحملة حد التخوّف من تأجيج صراع ديني، لا سيما وقد بدأت تظهر في الخطاب السياسي والإعلامي النيجيري مصطلحات من عينة «خطة أسلمة» نيجيريا، و«الاستقطاب الديني».


مقالات ذات صلة

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

العالم المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

كشفت موجة المعلومات المضللة التي تستهدف حاليا لجنة الانتخابات وقضاة المحكمة العليا في نيجيريا، وهما الجهتان المسؤولتان عن الفصل في الانتخابات الرئاسية، عن تشويه سمعة المؤسسات في أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لخبراء. في حين أن الانتخابات في نيجيريا غالبا ما تتميز بشراء الأصوات والعنف، فإن الإخفاقات التقنية والتأخير في إعلان النتائج اللذين تخللا انتخابات 25 فبراير (شباط)، أديا هذه المرة إلى انتشار المعلومات المضللة. وقال كيمي بوساري مدير النشر في منظمة «دوبابا» لتقصّي الحقائق إن تلك «مشكلة كبيرة في نيجيريا... الناس يسخرون من تقصّي الحقائق.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
العالم 8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

تمكنت 8 تلميذات خطفن على طريق مدرستهنّ الثانوية في شمال غربي نيجيريا من الإفلات من خاطفيهن بعد أسبوعين، على ما أعلنت السلطات المحلية الأربعاء. وأفاد صامويل أروان مفوض الأمن الداخلي بولاية كادونا، حيث تكثر عمليات الخطف لقاء فدية، بأن التلميذات خطفن في 3 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (كانو)
الاقتصاد هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

بينما يعاني الاقتصاد النيجيري على كل المستويات، يستمر كذلك في تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة سرقة النفط الخام.

العالم مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

يبدو مخيم الحج للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين في شمال نيجيريا؛ ففيه تنهمك نساء محجبات في الأعمال اليومية في حين يجلس رجال متعطّلون أمام صفوف لا تنتهي من الخيم، لكن الفرق أن سكان المخيم جهاديون سابقون أو أشخاص كانوا تحت سيطرتهم. أقنعت الحكومة العناصر السابقين في تنظيم «بوكو حرام» أو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا بتسليم أنفسهم لقاء بقائهم أحراراً، على أمل وضع حد لحركة تمرد أوقعت عشرات آلاف القتلى وتسببت بنزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2009. غير أن تحقيقاً أجرته وكالة الصحافة الفرنسية كشف عن ثغرات كبرى في آلية فرز المقاتلين واستئصال التطرف التي باشرتها السلطات بعد مقتل الزعيم التاريخي لحرك

«الشرق الأوسط» (مايدوغوري)
العالم «قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

«قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

أثارت تغريدات لمنصة إعلامية على موقع «تويتر» جدلاً في نيجيريا بعد أن نشرت أوراق قضية تتعلق باتهامات وُجهت من محكمة أميركية إلى الرئيس المنتخب حديثاً بولا أحمد تينوبو، بـ«الاتجار في المخدرات»، وهو ما اعتبره خبراء «ضمن حملة إعلامية تديرها المعارضة النيجيرية لجذب الانتباه الدولي لادعاءاتها ببطلان الانتخابات»، التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي. والاثنين، نشرت منصة «أوبر فاكتس (UBerFacts»)، التي تعرّف نفسها على أنها «منصة لنشر الحقائق الموثقة»، وتُعرَف بجمهورها الكبير على موقع «تويتر»، الذي يقارب 13.5 مليون متابع، وثائق ذكرت أنها صادرة عن محكمة أميركية (متاحة للجمهور العام) في ولاية شيكاغو، تقول


يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».