هل تتغلب أفريقيا على عوائق «التجارة الحرة» بين دولها؟

بعد رفع قمة اتحاد القارة شعار «تسريع تنفيذ الاتفاقية»

الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من القادة الأفارقة خلال قمة واشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من القادة الأفارقة خلال قمة واشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ب)
TT

هل تتغلب أفريقيا على عوائق «التجارة الحرة» بين دولها؟

الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من القادة الأفارقة خلال قمة واشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من القادة الأفارقة خلال قمة واشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ب)

قبل سنوات، أطلق القادة الأفارقة رسمياً منطقة تجارة حرة جديدة على مستوى القارة بعد 17 عاماً من المفاوضات، لكن يظل تفعيل تنفيذ الاتفاقية الضخمة، أمراً صعباً بسبب الكثير من العقبات، بينها «التعريفات الجمركية وفتح الحدود». ويتوقع الخبراء أن «تشهد القارة تقدماً تدريجياً وبطيئاً نحو تنفيذ الاتفاقية على خلفية الزخم الدولي الذي توليه القوى الكبرى للقارة».
وترفع القمة الـ36 للاتحاد الأفريقي، والتي تلتئم خلال الفترة بين 18 و19 فبراير (شباط) الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، شعار «تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية».
الاتفاقية، التي توصف بالأكبر من نوعها في العالم من حيث عدد السكان، تم توقيعها عام 2018 ودخلت حيز التنفيذ في 30 مايو (أيار) 2019، وحتى الآن وقّعتها 54 دولة، وصادقت عليها برلمانات 44 دولة.
وتنص الاتفاقية على إنشاء سوق قارية واحدة، فضلاً عن حرية حركة رجال الأعمال والاستثمارات. وتهدف إلى تعزيز التجارة بين البلدان الأفريقية بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2034 من خلال إلغاء جميع التعريفات تقريباً، وإنشاء كتلة اقتصادية تضم 1.3 مليار شخص بإجمالي ناتج محلي إجمالي يبلغ 3.4 تريليون دولار.
وقبيل عقد القمة السنوية للاتحاد الأفريقي، دعا الأمين التنفيذي بالإنابة للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، أنطونيو بيدرو، الدول الأفريقية إلى «بذل جهود متضافرة من أجل تحقيق التقدم في تنفيذ الاتفاقية»، وعدّها «الطريق الوحيدة للقارة لبناء ما يكفي من مرونة اقتصادية لامتصاص الصدمات».
وأضاف بيدرو في كلمته أمام الدورة العادية الثانية والأربعين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي (الأربعاء)، أن التنفيذ «سيساعد القارة على الاقتراب من سلاسل التوريد العالمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الأساسية مثل الأسمدة والدواء والغذاء».
وترى الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة في الشؤون الأفريقية، أن مقاومة بعض الدول لتخفيض أو إلغاء التعريفات الجمركية من بين أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاقية، كون تلك التعريفات «مصدراً مهماً للدخل في الكثير من الاقتصاديات الضعيفة في القارة». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «ثمة عقبة أخرى تتمثل في أن التبادل التجاري مع الخارج لا سيما مع أوروبا مرتبط ببعض النخب النافذة التي تستفيد من الفساد، ويُعيق ذلك تحويل صناع القرار وجهة الاستيراد من دول أوروبية إلى دول أفريقية ناجحة في بعض الصناعات مثل الأدوية والأجهزة المنزلية وغيرها، كمصر والمغرب».
واعتقدت الطويل أن «عدم وجود قطاعات صناعية يؤدي إلى اعتماد الكثير من الدول الأفريقية على التبادل التجاري للمواد الأولية، وهو ما يعد عائقاً أمام التجارة البينية الأفريقية، حيث تشترك الدول في غناها بتلك المواد التي تستغلها القوى الاقتصادية الكبرى».
وترى الطويل أن «القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التفتت مؤخراً إلى أهمية الاتفاقية لها وإمكان أن تصب في مصلحتها الاقتصادية، وهو ما تم الإعلان عنه في القمة الأميركية - الأفريقية، لذا قد نشهد دعماً أميركياً قوياً بهدف إحداث اختراقات فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية، وهو ما قد يصب في مصلحة القارة».
وخلال القمة الأفريقية - الأميركية التي عُقدت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن، بدعم اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وقال إن بلاده مهتمة بخلق التواصل التجاري بين أفريقيا والشركات الأميركية، مشيراً إلى أن «واشنطن ستوقّع مذكرة تفاهم مع أمانة التجارة الحرة الأفريقية». وتعهّد بايدن باستثمار نحو مليار دولار في أفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة.
ورأت الطويل أن هناك عدداً من المعطيات تُميز المحادثات حول الاتفاقية هذه المرة من بينها التفات الكثير من القادة إلى أهمية الاستثمار في مجال التحول للتصنيع، بالإضافة الاهتمام بالبنى التحتية، وهو أمر مهم لتعزيز التجارة البينية.
وتوقعت أن نشهد «تقدماً بطيئاً لكنه مؤكَّد في سياق التحرك للتنفيذ الكامل للاتفاقية، بسبب وجود ملفات تتطلب وقتاً لمعالجتها مثل هشاشة الحدود وتفشي الإرهاب والصراعات العسكرية ذات الأبعاد الإثنية والعرقية».
بدوره، قال المحلل الاقتصادي الجزائري فريد بن يحيى، إن «أهم عقبة أمام تفعيل الاتفاقية هو الفساد المستشري في معظم الدول الأفريقية، لذا قد تكون الخطوة الأولى هو أن تعمل دول القارة على سن تشريعات لمكافحة الفساد وتبني المعايير الدولية المتعارف عليها لإنشاء أنظمة اقتصادية ومصرفية شفافة».
وأضاف بن يحيى لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من وجود أنظمة قضائية ووكالات إنفاذ قانون فعالة وشفافة في الدول الأفريقية، لتحقيق تلك الأهداف»، مشيراً إلى «أهمية تحديث الأنظمة المصرفية الأفريقية والبدء في الاستثمار بكثافة في القطاعات الصناعية والزراعية الأساسية وكذلك الاستثمار في البنى التحتية».
وتتاجر البلدان الأفريقية حالياً بنحو 15 في المائة فقط من سلعها وخدماتها بعضها مع بعض، مقارنةً بأكثر من 65 في المائة مع الدول الأوروبية. وإذا تم تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية بالكامل، فسوف تنتشل 50 مليون أفريقي من الفقر المدقع وترفع الدخل بنسبة 9% بحلول عام 2035، وفقاً للبنك الدولي.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
TT

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصربية إن صربيا أُبلغت رسمياً بأن قرار العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، لكنه لم يتلقَّ حتى الآن أي وثائق ذات صلة من الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

تعتمد صربيا بشكل شبه كامل على الغاز الروسي الذي تتلقاه عبر خطوط الأنابيب في الدول المجاورة، ثم يتم توزيع الغاز من قبل شركة صناعة البترول الصربية (NIS)، المملوكة بحصة أغلبية لشركة احتكار النفط الحكومية الروسية «غازبروم نفت».

وقال فوسيتش إنه بعد تلقي الوثائق الرسمية، «سنتحدث إلى الأميركيين أولاً، ثم نذهب للتحدث إلى الروس» لمحاولة عكس القرار. وأضاف: «في الوقت نفسه، سنحاول الحفاظ على علاقاتنا الودية مع الروس، وعدم إفساد العلاقات مع أولئك الذين يفرضون العقوبات».

ورغم سعي صربيا رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى شحنات الغاز الروسية الحاسمة.

وقال فوسيتش إنه على الرغم من التهديد بالحظر، «لست مستعداً في هذه اللحظة لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو».

وعندما سئل عما إذا كان التهديد بفرض عقوبات أميركية على صربيا قد يتغير مع وصول إدارة دونالد ترمب في يناير، قال فوسيتش: «يجب علينا أولاً الحصول على الوثائق (الرسمية)، ثم التحدث إلى الإدارة الحالية، لأننا في عجلة من أمرنا».

ويواجه الرئيس الصربي أحد أكبر التهديدات لأكثر من عقد من حكمه الاستبدادي. وقد انتشرت الاحتجاجات بين طلاب الجامعات وغيرهم في أعقاب انهيار مظلة خرسانية في محطة للسكك الحديدية في شمال البلاد الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ويعتقد كثيرون في صربيا أن الفساد المستشري والمحسوبية بين المسؤولين الحكوميين أديا إلى العمل غير الدقيق في إعادة بناء المبنى، الذي كان جزءاً من مشروع سكة ​​حديدية أوسع نطاقاً مع شركات حكومية صينية.