تنورين... عندما تعانق الطبيعة زوارها

البلدة اللبنانية تشتهر بأنها «عاصمة التسلق» في الشرق الأوسط

عين الراحة
عين الراحة
TT

تنورين... عندما تعانق الطبيعة زوارها

عين الراحة
عين الراحة

تمتاز منطقة شمال لبنان ببلدات ومواقع غنية بطبيعتها ومناظرها الخلابة. وتعد تنورين واحدة من أجمل القرى الواقعة فيها، وثاني أكبر بلدة لبنانية بعد عرسال (محافظة بعلبك)، وتتألف من عدة أجزاء، أهمها تنورين التحتا وتنورين الفوقا. تشتهر بغابة الأرز التي تتوسطها على مساحة تفوق الـ600 هكتار (6 كيلومترات مربعة)، كما تعد وجهة سياحية تستقطب هواة المشي والتسلق، كونها تعرف بعاصمة التسلق في الشرق الأوسط، وفيها مغاور وآثار وفنادق ومطاعم.
أسهل طريق للوصول إلى تنورين من بيروت تبدأ من الدورة فجونية، مروراً بجبيل وحبوب ورأس أسطا، وتمر بعدها في بلدتي إهمج واللقلوق وصولاً إلى تنورين وجهتك الأساسية.
توضب حقيبتك، وتنطلق في طريقك إلى تنورين لاستكشاف معالمها، وهي كثيرة. وعند مدخل البلدة يطالعك مكتب سياحي إعلامي يمكن لزائر تنورين أن يستعين به كي يقف على أهم المعالم فيها، كما يؤمن المواصلات. وهو ممول من جمعية تنمية تنورين لتعزيز السياحة الداخلية.
واخترنا لك 5 أماكن لتكون دليلك السياحي لهذه البلدة اللبنانية الجميلة.

نهر الجوز

دروب المشي
في تنورين عدد كبير من الدروب المخصصة لهواة رياضة السير على الأقدام (هايكينغ). ومن بينها دروب المحابس، والمطاحن، والوادي، والجرد، إضافة إلى أخرى كبعلبك وسكة الشام. وتشكل بتنوعها خيارات مختلفة لهواة هذه الرياضة.
ويعدّ درب الجبل الأشهر في تنورين، ويصل طوله إلى نحو 12 كيلومتراً، يمر قرب شلالات بالوع بلعا التي يبلغ ارتفاعها 255 متراً. ومن الثروات المائية الموجودة في تنورين «عين الراحة» التي ذكرها الراحل أمين الريحاني في أحد كتبه. وهي نبع مياه لا ينضب طيلة أيام السنة.
أما هواة التسلق فيمكنهم أن يتوجهوا إلى تنورين التحتا حيث يقع جبل الفرس، وفيه محبسة مار يعقوب، المحفورة داخل الجبل، ويتم تسلقه بالحبال.
مغاور تنورين
5 مغاور كبيرة تتضمنها طبيعة تنورين، وبينها نبع الشيخ والراهب وغيرهما. أما أهمها فتعرف بمغارة الرهوة.

أحد ممرات غابة الأرز  (الشرق الأوسط)

تقع هذه المغارة على علو 2155 متراً، ويستقبلك على مدخلها نبع مياه. تبلغ مساحتها نحو 3 كيلومترات مربعة، أما حرارة أجوائها في عز فصل الصيف، فلا تزيد على 4 درجات مئوية.
أما مغارة اللقلوق والمعروفة بمغارة «مفيد»، فيمكن بلوغها من فجوة يصل ارتفاعها إلى متر واحد. وتتضمن سرداباً بطول 55 متراً، وعلوه 20 متراً ينتهي بقاعة كبرى علوها 10 أمتار. ويبلغ انحدار المغارة 30 متراً، وهي تشكل واحدة من أجمل المغاور الموجودة في المنطقة.
غابة الأرز
تبلغ مساحة غابة الأرز في تنورين نحو 6 كيلومترات مربعة، وتتصل بـ4 بلدات متتالية. وتعد أكبر غابة أرز في لبنان، يقصدها سنوياً نحو 20 ألف سائح. أما قسم المحمية فيها فيقع في مشاع بلدة تنورين. ومن بين أشجار الأرز المعمرة الموجودة فيها، ما يعود عمرها إلى آلاف السنين، وتعرف بالأشجار الذهبية. وتشكل بمنظرها الخلاب لوحة طبيعية مكتملة تحتوي على مليون وخمسمائة شجرة أرز. وخصصت لها لجنة تعنى بشؤون صيانتها والحفاظ عليها. كما تفتح أبوابها طيلة أيام السنة. وتكلف بطاقة الدخول إليها 100 ألف ليرة. وتتضمن غابة أرز تنورين مجموعة مسارات يتراوح وقت اجتيازها ما بين 60 و240 دقيقة.
آثار تنورين
تتألف آثار تنورين من عدة كنائس ومحابس ومواقع قديمة تعود إلى أيام الرومان والفينيقيين. وتعد محبسة مار يعقوب الأكبر بين المحابس الأخرى، وبينها محابس مار ضومط، ومار جرجس، وعين الراحة. كما تتضمن تنورين 5 أديرة، أشهرها «دير حوب»، ويعود تاريخه إلى عام 1798. و«مار مخايل» الذي لجأ إليه البطاركة خلال اضطهادهم من قبل المماليك.
ومن الآثار المعروفة في تنورين الحائط الروماني، وكذلك قلعة غيمون. وفيها جدار وسور من الحقبة الرومانية، عليهما رسومات بشرية، وحجر أثري أطلق عليه اسم «حجر الإمبراطور أدريانوس قيصر».
وتعد كنيسة سيدة زويلا من الآثار القديمة في تنورين، وتتألف من معبد فينيقي، وعرفت بموقع «آلهة الحياة». وفي «وطى حوب» تقع منحوتة أثرية تعود إلى أيام الفينيقيين أيضاً، وتمثل رجلاً يقف بين صغيرين.
كما تعد كنيسة سيدة الانتقال مع سقفها الخشبي ثاني أكبر كنيسة في لبنان بعد مار جريس، في وسط بيروت، ويعود بناؤها إلى عام 1870.
ومن يتجول في هذه البلدة يمكنه استكشاف طواحين ومعاصر قديمة، لا يزال أهل البلدة يحافظون على تشغيلها بواسطة المياه.
بيوت ضيافة ومطاعم تنورين
في تنورين أكثر من 10 بيوت ضيافة، وبينها «بيت جمعية تنمية تنورين» و«تنورين غيست هاوس» في تنورين الفوقا. وتستقبل هذه البيوت زوارها طيلة أيام السنة. كما يوجد فيها فندق «عين الراحة» الراقي في تنورين التحتا. وتقدم هذه الأماكن لروادها الترويقة اللبنانية الأصيلة، من ألبان وأجبان وبيض طازج. وتحضر لهم تحت الطلب مناقيش بالزعتر والكشك واللحم. وتطل غالبية هذه البيوت على مناظر طبيعية خلابة تكشف على أقسام تنورين وحدائقها وغاباتها. وتشتهر تنورين بثروة حرجية كبرى فيها أشجار اللذاب والسنديان والحور، وغيرها.
ومن مطاعم تنورين الشهيرة تلك التي تقع على ضفاف نهر الجوز وقرب غابة الأرز، وأخرى تتوزع على تنورين الفوقا والتحتا. ومن أشهر هذه المطاعم التي تقدم اللقمة اللبنانية الأصيلة «ملتقى النهرين» ومطعم «جورج سركيس» ومطعم «دار الشاعر» القائم قرب شلالات بالوع بلعا. فيما تتوزع مطاعم الـ«سناك» التي ترضي جميع أذواق أفراد العائلة على مختلف مناطق تنورين.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».