بعد الزلزال... السوريون يلملمون شتات أنفسهم في إدلب التي مزقتها الحرب

سوريون يبنون مخيماً مؤقتاً لإيواء العائلات التي شردت جراء الزلزال المدمر في بلدة حارم بمحافظة إدلب الشمالية (أ.ف.ب)
سوريون يبنون مخيماً مؤقتاً لإيواء العائلات التي شردت جراء الزلزال المدمر في بلدة حارم بمحافظة إدلب الشمالية (أ.ف.ب)
TT

بعد الزلزال... السوريون يلملمون شتات أنفسهم في إدلب التي مزقتها الحرب

سوريون يبنون مخيماً مؤقتاً لإيواء العائلات التي شردت جراء الزلزال المدمر في بلدة حارم بمحافظة إدلب الشمالية (أ.ف.ب)
سوريون يبنون مخيماً مؤقتاً لإيواء العائلات التي شردت جراء الزلزال المدمر في بلدة حارم بمحافظة إدلب الشمالية (أ.ف.ب)

عندما حلت كارثة الزلزال كان شمال غربي سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة صامداً بشق الأنفس بعد نحو 12 عاماً من القصف، وتلاشي الدعم الدولي وأزمة اقتصادية خانقة.
وبدلاً من القنابل القادمة من السماء، مادَت الأرضُ من تحت أقدام السكان في وقت مبكر من صباح يوم السادس من فبراير (شباط)، مما أدى إلى سقوط منازل متعددة الطوابق على رؤوسهم.

خلف الزلزال أكثر من 35 ألف قتيل في تركيا، من حيث يمكن أن تتدفق المساعدات الدولية بسهولة. لكن السياسات المعقدة للمساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة تركت العديد من المواطنين الذين أنهكتهم الحرب هناك يواجهون مصيرهم بمفردهم.
فقدَ وليد إبراهيم أكثر من عشرين من أفراد عائلته، من بينهم شقيقه وابن عمه وجميع أطفالهم. ولم يتمكن من انتشال جثثهم من تحت الأنقاض إلا بعد يومين من الزلزال.

وقال: «كنا نزيل صخرة تلو الأخرى ولا نجد شيئاً تحتها»، وأضاف: «العالم تحت (الأنقاض) يتصايحون طلعونا طلعونا وما يطلع بإيدنا شيء».
واستكمل: «ضلت العالم نهارين تلاتة تحت، ضلت عالم أربعة أيام... الإيد (اليد) ما بتساعد».
وكانت معظم الخسائر في الأرواح جراء الزلزال في سوريا في أجزاء من محافظتي إدلب وحلب المجاورة خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا، ووفقاً للأمم المتحدة والسلطات الحكومية كان أكثر من أربعة آلاف من ضحايا الزلزال في المحافظتين من الحصيلة الإجمالية للقتلى في سوريا، التي تتجاوز الآن 5800 شخص.

ومن ضمن المناطق الأكثر تضرراً أربع بلدات سورية متاخمة لتركيا وهي سلقين وحارم وجنديرس والأتارب.
وفي جولة صحافية نُظمت أمس الثلاثاء، شاهدت «رويترز» نحو 20 رجلاً وطفلاً يحاولون إنقاذ ما في وسعهم من منازل مدمرة في حارم وضواحيها دون ملابس واقية أو زي رسمي.

وارتدى البعض فقط قفازات عمل غطاها الغبار الرمادي والأبيض من قوالب الطوب المحطمة. حتى رموشهم وشفاههم ولحاهم كانت مغطاة بمواد جيرية.
ووقف رجل يصلي بين الركام بينما كانت حفارة وحيدة تزيل الأنقاض. وطارد الأطفال بعضهم بعضاً حول أكوام من الأنقاض وحديد التسليح الملتوي.

«أصعب أسبوع»
هدأت أصوات الرصاص على جبهات القتال إلى حد كبير بعد مرور أكثر من عقد على الصراع الذي اندلع في 2011 بعد خروج احتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد، وانتهى الأمر بانقسام البلاد لمناطق متناحرة.
اعتاد رائد الصالح مدير منظمة الخوذ البيضاء للإنقاذ، التي تعمل في مناطق تسيطر عليها المعارضة على إغاثة ضحايا القصف.

وقال إنه سُمح لهم بالذهاب لمنازلهم لرؤية أسرهم للمرة الأولى أمس الثلاثاء بعد عمليات استمرت على مدار الساعة على مدى ثمانية أيام تطلبت عمل كل متطوع وكل المعدات المتاحة.
ووصف الأمر قائلاً: «مرينا بأصعب أسبوع بحياتنا».

وأضاف: «اللي صار معنا بيجوز أول مرة بيصير بالعالم أو ما صار مع حدا تاني بالعالم إنه فيه مكان دولة بالعالم يصير فيها زلزال وما حدا يستجيب لا المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة تقدم أي مساعدات».
يقول الصالح وآخرون في شمال غربي سوريا إنه كان من الممكن إنقاذ مزيد من الأرواح إذا تحرك العالم بشكل أسرع.

وهزَّ الزلزال مدناً تركية، حيث تتمركز منظمات إغاثة كبرى تدير عمليات في سوريا، وبقي المعبر الوحيد إلى سوريا من تركيا مغلقاً لأيام.

وفي وقت لاحق، أتت عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات من الأمم المتحدة لنقل غذاء وأدوية عبر ذلك المعبر بموجب تفويض من مجلس الأمن صدر للمرة الأولى في 2014 يسمح بدخول مساعدات لسوريا دون موافقة الأسد.
وأمس الثلاثاء بعد ثمانية أيام من الزلزال، تم فتح معبر ثانٍ لدخول المساعدات بعد أن وافق الأسد، مما شكَّل تغيراً في موقف دمشق، التي عارضت لفترة طويلة إيصال المساعدات عبر الحدود للجيب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة.
لكن الخطوة قوبلت بتشكك، وحتى بغضب من الكثير من سكان إدلب التي ينتمي جزء كبير من سكانها البالغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة من محافظات أخرى طالها القصف والدمار.
وقال جمعة رمضان، وهو عامل باليومية: «الأسد لو بده يساعد ها الشعب الفقير ما كان هجّرنا»، في إشارة لعمليات النزوح السابقة بسبب الصراع.

لم تحمل الشاحنات أي معدات ثقيلة أو آلات يقول منقذون إنهم يحتاجونها لإزالة الأنقاض أسرع، وكان من الممكن أن تساعد أيضاً في عمليات إعادة الإعمار.
ويقول تقييم للأمم المتحدة إن الأزمة الاقتصادية في سوريا ربما تعرقل أيضاً عمليات إعادة البناء في وقت لا يمكن لنحو 77 في المائة من الأسر توفير احتياجاتها الأساسية.
ولا خيار أمام سكان إدلب سوى إعادة الإعمار، إذ لم تعد تركيا تقبل استضافة المزيد من السوريين وهي تؤوي بالفعل 3.6 مليون سوري، بينما يخشى كثيرون عبور الخطوط الأمامية لمناطق تسيطر عليها قوات الأسد. لكن الموارد شحيحة.
يقول عبد الرحمن محمد، وهو نازح من محافظة حلب المجاورة: «الأمور مأسوية جداً... اللي بيشتغل عامل وبيستأجر في هذا البناء... بده مثلاً مصروف عشرة دولار في اليوم ما بيجيب اتنين دولار منين بده يعمّر؟».

ويقول عبد الرزاق زقزوق، وهو ممثل محلي للجمعية الطبية السورية الأميركية إن المستشفيات استهلكت كل مخزوناتها من المعدات الطبية لعلاج ضحايا الزلزال.
وقال حسين بازار وزير الصحة في حكومة الإنقاذ السورية المعلنة من جانب واحد في شمال غربي سوريا إن نزوح عشرات الآلاف قد يؤدي إلى زيادة «هائلة» في تفشي الكوليرا، التي تجتاح بالفعل المنطقة التي تعاني شحاً في المياه، إضافة إلى زيادة حالات الإصابة بأمراض أخرى.

وتابع قائلاً: «ليست القضية قضية خيمة أو لقمة الغذاء... حقاً هذه ليست احتياجات أساسية عند الناس، لا أبداً... إنما الناس تريد أن تعتبر أنها بشر... إنسان يحق له أن يعيش بكرامة في هذه المنطقة».


مقالات ذات صلة

ألف أسرة فقط أنهت بناء بيوتها بعد عام على أعنف زلزال في المغرب

شمال افريقيا من قرية منكوبة في الهوز بجبال الأطلس (أ.ف.ب)

ألف أسرة فقط أنهت بناء بيوتها بعد عام على أعنف زلزال في المغرب

تسبب الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في نواحي مراكش بوسط البلاد، ليل 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، في مقتل نحو 3 آلاف شخص، وألحق أضراراً بنحو 60 ألف بناية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شؤون إقليمية جانب من الدمار في مدينة أضنة التركية جراء الزلزال الذي ضرب البلادفي فبراير 2023 (أ.ب)

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب وسط تركيا

ضرب زلزال بقوة 4.9 درجة منطقة بوسط تركيا، حسبما أفادت وكالة "رويترز" للأنباء.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شمال افريقيا يسير أشخاص وسط أنقاض المباني المدمرة في قرية دوزرو التي ضربها الزلزال في وسط المغرب في 13 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

الصدمة ما زالت تطارد الناجين من زلزال المغرب قبل عام

في المغرب، لا يزال الناجون من الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد قبل سنة تحت وقع الصدمة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
العالم العربي جانب من الدمار الذي سببه زلزال المغرب في إحدى القرى وسط الجبال (أ.ف.ب)

عام على زلزال المغرب ولا يزال المتضررون ينتظرون بناء منازلهم

كشفت بيانات حكومية عن أن المغرب أكمل بناء نحو ألف منزل فقط من أصل 55 ألف منزل لا تزال قيد الإنشاء، في وقت يعيش فيه الألوف في خيام حتى الآن.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
آسيا عناصر من البحث والإنقاذ يتدربون على محاكاة لإخلاء ضحايا تسونامي في إندونيسيا (إ.ب.أ)

زلزال بقوة 5 درجات يضرب شرق إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 5 درجات على مقياس ريختر شرق إندونيسيا، اليوم السبت، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)

قبل البرازيل... 8 دول تحجب منصة «إكس»

شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
TT

قبل البرازيل... 8 دول تحجب منصة «إكس»

شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)

تحظر دول عدة، لا سيما ذات الأنظمة الاستبدادية، منصة «إكس» التي بدأ (السبت) حجبها في البرازيل؛ بسبب دورها في «نشر معلومات كاذبة»، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأثبتت هذه الشبكة الاجتماعية، المحظورة أيضاً بشكل مؤقت في عديد من الدول، قدرتها على نشر المعلومات حول الاحتجاجات السياسية التي وقعت، على سبيل المثال، في مصر خلال عام 2011 وتركيا في عامَي 2014 و2023 أو حتى في أوزبكستان قبل الانتخابات الرئاسية عام 2021 وبعدها.

الصين

حظرت الصين منصة «تويتر» (الاسم السابق لـ«إكس») حتى قبل أن يذيع صيتها في العالم. واعتاد الصينيون عدم استخدامها منذ يونيو (حزيران) 2009، أي قبل يومين من إحياء الذكرى العشرين لحملة القمع الدامية التي شنّتها الصين في ساحة تيانانمين، واستبدلوا بها منصتَي «ويبو» و«ويتشات» على نطاق واسع.

إيران

حظرت السلطات «تويتر» في أعقاب الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، التي جرت في يونيو 2009، وهو قرار لا يزال سارياً حتى الآن بعد مرور 15 عاماً على إصداره.

لكن التطبيق أسهم في نقل أخبار تتعلق بالحركات الاحتجاجية للخارج، على غرار تلك المناهضة للقمع الذي تتعرّض له النساء، في نهاية عام 2022.

تركمانستان

بدأت الدولة المعزولة للغاية في آسيا الوسطى حجب «تويتر» في مطلع 2010، بالإضافة إلى عديد من الخدمات والمواقع الأجنبية الأخرى.

ويخضع تصفح الإنترنت الذي توفره حصراً شركة «تركمان تيليكوم» المملوكة للدولة، لمراقبة السلطات.

كوريا الشمالية

بعد تقاربها مع «الأجانب المهتمين بالبلاد» وفتح حسابها الخاص على «تويتر» في عام 2010، حجبت كوريا الشمالية التطبيق في أبريل (نيسان) 2016، إلى جانب «فيسبوك» و«يوتيوب» ومواقع المراهنة والمواد الإباحية.

ويخضع الوصول إلى الإنترنت، باستثناء عدد قليل من المواقع الحكومية، لمراقبة شديدة من النظام المنغلق على نفسه، الذي يحصر استخدام الشبكة بعدد قليل من المسؤولين.

ميانمار

يتعذّر الوصول إلى المنصة منذ فبراير (شباط) 2021، بعد حظرها على خلفية الاحتجاجات المناهضة للانقلاب العسكري الذي أطاح حكومة أونغ سان سو تشي المدنية.

ومنذ ذلك الحين، ظل المجلس العسكري الحاكم مصمماً على تقييد الإنترنت.

روسيا

قيدت موسكو استخدام «تويتر» عبر إبطاء الوصول إليه منذ عام 2021، مستنكرة نشر «محتوى غير قانوني».

ثم منعت الوصول إلى الموقع رسمياً في مارس (آذار) 2022، فور بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا. لكن عديداً من الروس يستخدمون «إكس» عبر برنامج «الشبكة الافتراضية الخاصة» أو «في بي إن (VPN)» الذي يخفي عنوان المتصل بالبرنامج، وبالتالي يتيح الالتفاف على الحظر.

باكستان

حظرت الحكومة، المدعومة من الجيش، منصة «إكس» منذ الانتخابات التشريعية في فبراير (شباط) 2024. وعزت القرار إلى «أسباب أمنية».

وكان حساب معارض، هو حساب حزب رئيس الوزراء السابق عمران خان المسجون، قد نشر عبر المنصة اتهامات بحصول عمليات تزوير على نطاق واسع.

فنزويلا

أمر الرئيس نيكولاس مادورو، الذي أُعيد انتخابه في يوليو (تموز) على الرغم من التشكيك بحدوث عمليات تزوير، بحظر المنصة لمدة 10 أيام في التاسع من أغسطس (آب)، بالتزامن مع مظاهرات تم قمعها بعنف في جميع أنحاء البلاد.

والحظر لا يزال سارياً رغم انقضاء المهلة.

البرازيل

تم الحجب بموجب أمر قضائي تضمّن فرض غرامات قدرها 50 ألف ريال (نحو 9 آلاف دولار) على الأشخاص الذين يلجأون إلى «الحيل التكنولوجية» للالتفاف على الحجب، مثل استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (في بي إن).