«بيربري» تعود للجذور لتستعيد بريقها وروحها البريطانية

حملة ترويجية و«لوغو» جديد يسبقان أول عرض يقدمه دانييل لي

مشاركة في الحملة  (تصوير: تيرون لوبون) - فانيسا ريدغريف كما ظهرت في الحملة (تصوير: تيرون لوبون)
مشاركة في الحملة (تصوير: تيرون لوبون) - فانيسا ريدغريف كما ظهرت في الحملة (تصوير: تيرون لوبون)
TT

«بيربري» تعود للجذور لتستعيد بريقها وروحها البريطانية

مشاركة في الحملة  (تصوير: تيرون لوبون) - فانيسا ريدغريف كما ظهرت في الحملة (تصوير: تيرون لوبون)
مشاركة في الحملة (تصوير: تيرون لوبون) - فانيسا ريدغريف كما ظهرت في الحملة (تصوير: تيرون لوبون)

لم يبقَ سوى أيام على عرض «بيربري» وأول تشكيلة سيقدمها المصمم دانييل لي للدار. الكل يترقب ما سيجود به من جديد على أحر من الجمر، فمنذ إعلان اسم المصمم البريطاني خليفةً لريكاردو تيشي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأوساط الموضة مستبشرة بأن يُعيد للدار روحها البريطانية.
وكأنه أراد أن يُطمئن من دعموه وآمنوا به، أطلق منذ أسبوع تقريباً إشارات عن رؤيته المقبلة بإعلان تغيير «لوغو» الدار بالعودة إلى الجذور. فإن «اللوغو» الجديد يُمثل فارساً على صهوة جواد، ويحمل راية كُتب عليها «برورسم» أي «إلى الأمام» باللغة اللاتينية.
«اللوغو» ليس جديداً، فقد اشتهرت به الدار منذ عام 1901 ورافقها طوال أيام مجدها، لكنه استُعمل ببُخل شديد في السنوات الأخيرة إلى حد الاختفاء.
لم يكتفِ دانييل لي بهذا، بل أرفق بـ«اللوغو» إشارات أخرى لا تقل صورها بلاغة، تداولتها وسائل التواصل ومواقع الإنترنت بنهم، رغم أن الدار أوقَفت حسابها على هذه الوسائل قبل إطلاق الحملة. وبينما أعادنا «اللوغو» إلى الماضي، فإن الحملة تأخذنا نحو المستقبل، وكأن المصمم أراد بإطلاقها مع «اللوغو»، القول إن الماضي والمستقبل مترابطان.
أجيال مختلفة ناجحة في مجالات متنوعة أيضاً شاركت في الحملة، مثل لاعب الكرة رحيم ستيرلينغ، والممثلة المخضرمة فانيسا ريدغريف، وعارض الأزياء لينون غالاغر وغيرهم.
وقد حرص على تصويرها على خلفية معالم لندنية مثل «الترافالغار سكوير»، وجسر ألبرت، وغيرهما.
كل هذا كان له مفعول السحر من ناحية تأجيج وسائل التواصل ومواقع الإنترنت، وزيادة الفضول لما سيقدمه يوم 20 من هذا الشهر.
ففي هذا اليوم سنتابع كتابة فصل جديد في تاريخ دار بريطانية يعود عمرها إلى أكثر من قرن. دار شهدت تذبذبات اقتصادية، وعاصرت أحداثاً وتغيرات اجتماعية وثقافية أثرت في صورتها في بعض المراحل. ولحسن الحظ كانت تتجاوزها بفضل إرثها التاريخي. وهذا ما أكده الرئيس التنفيذي الجديد جوناثان أكرويد الذي عبّر منذ توليه منصبه خليفةً لماركو غوبيتي، عن نيته إعادة الدار إلى جذورها وسابق مجدها. «المرحلة المقبلة تستهدف تحقيق كل الطموحات لترسيخ مكانة بيربري باعتبارها علامة تعبر عن الفخامة البريطانية بشكلها العصري»، حسب تصريحه في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وطبعاً فإن أكرويد يُراهن على المصمم دانييل لي لتحقيق هذا الهدف. يأمل أن يضُخ الدار بديناميكية خاصة افتقدتها في السنوات الماضية، أو بالأحرى أن يقوم بعملية تجميل تعيد لها شبابها لتخاطب جيل زي. ففي سوق مكتظة بماركات عالمية تتنافس على اقتطاع جزء من كعكة الأرباح، يبقى الهدف هو التميُز بتقديم تصاميم مختلفة عما تقدمه بيوت الأزياء الفرنسية والإيطالية الكبيرة.
المهم أيضاً بالنسبة لأكرويد أن تعود «بيربري» كما كانت أيام عزها، جذابةً ومرغوباً فيها من قبل فئات متنوعة.
الاستراتيجية التي اتبعها سلفه ماركو غوبيتي وتلخصت في عمله على الارتقاء بالدار برفع الأسعار لمنافسة بيوت الأزياء الفرنسية، كان لها رد فعل عكسي. لم تنجح في كسب ود شرائح جديدة، وأدت إلى إبعاد زبائن الماضي.
عندما تولى رئاسة الدار، أعلن أكرويد أنه ينوي أن تزيد إيراداتها من 2.8 مليار في السنة إلى 5 مليارات جنيه إسترليني في الخمس سنوات المقبلة. بالنسبة له فإن المصمم دانييل لي حصان رابح، وخصوصاً أنه يريد التركيز على المنتجات الجلدية، وهو ما يُتقنه المصمم ونجح فيه خلال إدارته الفنية لدار «بوتيغا فينيتا»، حيث ترك صُوراً رائعة لحقائب يد وأحذية تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي بشغف، وتجسدت في زيادة مبيعات الدار.



أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.