بعد استعراض مظاهر الدعم الثنائية ومتعددة الأطراف حول الرئيس الأوكراني، عاد القادة الأوروبيون، مساء الخميس، إلى جلجلة البحث عن صيغة يتوافقون عليها لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية المستعصية منذ سنوات.
وبعد أن استمرت المحادثات حتى ساعات الفجر الأولى من يوم أمس (الجمعة) في أجواء متوترة، خرج من قاعة المجلس دخان أبيض شحيح يدلّ على أن ميثاق الهجرة المنشود ما زالت دونه عقبات كبيرة، وأن الجهود في المرحلة الراهنة ستبقى محصورة في احتواء تداعياته السلبية على العلاقات بين الدول الأعضاء وتعزيز المراقبة على التدفقات التي ارتفعت بشكل ملحوظ مؤخراً عبر طريق منطقة البلقان الغربية.
وبعد جولات طويلة من العتاب وتبادل السهام المباشرة وغير المباشرة، قرر زعماء البلدان الأعضاء مناشدة المفوضية الأوروبية التحرك فوراً لحشد الموارد والسبل اللازمة لدعم حكومات الدول وتعزيز قدراتها على حماية الحدود والبنى التحتية.
وكان النقاش الذي اتخذ أبعاداً «آيديولوجية»، قد دفع باتجاه التركيز على موضوع كانت المفوضية تجهد لتحاشيه أو للمرور عليه بشكل عرضي، وهو إمكانية اللجوء إلى الموارد المالية المشتركة لبناء الجدران أو السياجات لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الأوروبية.
ومنذ بداية المناقشات، تبدّت الطبيعة المتفجرة لهذا الملفّ التي أخرجت الحديث عن الجدار العازل على حدود الاتحاد من دائرة المحرمات في الأدبيات السياسية الأوروبية لتضعه على مائدة القمة، عندما هدّد المستشار النمساوي كارل نيهامر بقطع الطريق على أي توافق ما لم يطرح الموضوع على بساط البحث، فيما حمل رئيس وزراء لوكسمبورغ، الذي كان يحظى بتأييد غالبية الزعماء، على هذه الفكرة بقوله «عار أن نرفع جداراً في أوروبا يحمل نجوم الاتحاد».
وكما جرت العادة عند مناقشة الموضوعات الشائكة، لجأ المجلس إلى استبدال عبارة الجدار واعتماد مصطلح «البنى التحتية» الذي يحمل تفسيرات كثيرة ترضي الجميع وتسمح بالموافقة على الوثيقة الختامية، وبأن يدّعي كل طرف أنه حقق هدفه.
واحتدم الجدال بين القادة الأوروبيين عندما وصل إلى عمق مقاربة ملف الهجرة: هل هي تهديد يقتضي احتواؤه كما تصرّ مجموعة من البلدان التي تتزعمها إيطاليا بحكومتها الجديدة التي تقودها جيورجيا ميلوني، أم هي فرصة وضرورة اقتصادية واجتماعية ملحّة في ضوء الارتفاع المطرد منذ سنوات في نسبة المسنّين. ويقول المؤيدون لهذا الطرح الأخير إن من مصلحة الاتحاد عدم الإيحاء بأن الهجرة ليست إلا مشكلة بالنسبة للبلدان الأعضاء، بل هي أيضاً فرصة لتلبية الكثير من الاحتياجات الأوروبية. وبعد جولات من النقاش الساخن كشفت فيه بعض البلدان، مثل هولندا وبلجيكا، أن منظومات الاستقبال لديها لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين، خرجت القمة بوثيقة ختامية تتضمن أهدافاً غير واضحة، وآجالاً غير محددة لتحقيقها، ونداءات ملحّة من أجل إنجاز المفاوضات المتعثرة منذ ثلاث سنوات حول ميثاق الهجرة.
وأثنت رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين على قرار المجلس الذي اعترف صراحة بأن الهجرة تشكّل تحدياً أوروبياً يستدعي استجابة مشتركة، علماً بأنها كانت ترفض حتى الآن تسهيل تمويل بناء الجدران من الموارد المشتركة التي تعتبر أنها يجب أن تخصص لحماية الحدود ومراقبتها، على أن تتولى حكومات الدول الأعضاء تمويل الجدران. وكشفت فون در لاين أن المفوضية ستباشر بتمويل مشروعين نموذجيين على الحدود الخارجية في بلغاريا ورومانيا، وستقدّم حزمة متكاملة من البنى التحتية المتحركة والثابتة، تشمل سيارات وكاميرات وأبراجاً إلكترونية للمراقبة.
وطلبت القمة أيضاً من المفوضية تمويل الإجراءات الوطنية التي تسهم مباشرة بمراقبة الحدود الخارجية، وتعزيز هذه المراقبة في الدول المجاورة التي تشكّل معابر رئيسية لدخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد. وتفيد بيانات الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية (فرونتكس) بأن عدد المهاجرين الذين دخلوا الاتحاد بصورة غير شرعية العام الماضي بلغ 330 ألفاً، وهو أعلى رقم منذ عام 2016. ويشكّل زيادة بنسبة 64 في المائة عن العام السابق. كما تفيد هذه البيانات أنه في حين تراجعت التدفقات عبر الطرق التقليدية، مثل المتوسط الغربي أو الأطلسي، بنسبة 21 في المائة، ارتفعت بنسبة 136 في المائة عبر طريق البلقان الغربية التي تصبّ في النمسا التي دخلها 145 ألف مهاجر غير شرعي في العام الماضي.
أما الموضوع الوحيد الذي توافقت حوله الآراء فعلاً في المناقشات الماراثونية لملف الهجرة، هو فشل المحاولات التي تبذلها بلدان الاتحاد لإعادة المهاجرين الذين ترفض طلباتهم للحصول على اللجوء، وكان عددهم قد زاد على 340 ألفاً مطالع العام الماضي، عاد منهم 21 في المائة إلى بلدانهم الأصلية. ولمعالجة هذا الوضع، قرر قادة الاتحاد اللجوء إلى استخدام وسائل الضغط السياسية المتاحة، مثل العمل الدبلوماسي ومساعدات التنمية والعلاقات التجارية ومنح تأشيرات الدخول، إضافة إلى تعزيز فرص الهجرة الشرعية.
وختم رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال النقاش الطويل بقوله: «نعرف جميعاً أنه لا توجد إجراءات عجائبية لمعالجة ضغط الهجرة، لكن الجميع يدرك أن ظاهرة الهجرة تقتضي استجابة أوروبية مشتركة في انتظار إنهاء المفاوضات حول الميثاق الأوروبي».
القمة الأوروبية تصطدم مجدداً بأزمة الهجرة غير الشرعية
نقاش طويل بأبعاد «آيديولوجية» لتحاشي جدران داخل القارة
القمة الأوروبية تصطدم مجدداً بأزمة الهجرة غير الشرعية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة